قراءة لقصيدة زيارة لعبد الرزاق عبد الواحد

دجلة احمد السماوي

قراءة لقصيدة زيارة لعبد الرزاق عبد الواحد

عبد الرزاق عبد الواحد

دجلة احمد السماوي

[email protected]

ليوم القيامة يبقى السؤال       هل الموت في شكله المبهم

هو القدر المبرم اللايرد        ام   خادم   القدر   المبرم

زيارة

من دون ميعادِ

من دون ان تُقْلِقَ اولادي

اطرق عليَّ  الباب

اكون في مكتبي

في معظم الاحيانْ

اجلسْ كأيِّ زائرٍ

وسوفَ لاأسألُ

وحينما تُبْصِرُني مُغرورقَ العينينْ

 أعِدْهُ لوتسمحُ  دونَ  ضجَّةٍ للرفِّ حيثُ كان

وعندما تخرجُ لاتوقظْ ببيتي  احدا

لان من افجع  ماتُبْصِرُهُ العيونْ

 لم تعد دلالة الزيارة في العراق أمس واليوم مدلولا للفرح  والتَّواد ! فهناك زيارات مرعبة كتلك التي تأتي دون موعد من  زائر منتصف النهار ومنتصف الليل  وزائرأول  الفجر وهؤلاء الزوار معروفون جدا عند العراقيين ! معروفون لدى العراقيين على مر العصور ! دائما هناك نقيضان حلو ومر ! فهناك الزائر المرعب  والزائر الجميل ! والزائر يأتي عادة  على موعد معلوم ! ولكن زائر عبد الرزاق عبد الواحد قد ياتي وقد لا ياتي ولكنه يقينا آتٍ يوما ما في ساعة ما ! في مكان ما يقرره هو ! والسؤال الاول هل كان زائر عبد الرزاق عبد الواحد نبوءة مبكرة غير سارة للشاعر ! أوهل كان زائر عبد الرزاق نذيرا مبكرا  لكلِّ العراقيين بعواقب وخيمة ظنوها  جميلة كحلم الخلاص !  قصيدة زيارة هي قصيدة صغيرة الحجم كبيرة الموضوع وهي مدوية وذات منحى مغاير تقريبا لتيار الرؤية في شعره ! فعبد الرزاق عبد الواحد  في كل شعره لايطلب الرحمة من أحد ولا ينشد الرأفة بنفسه ولا يتودد لعدو ولا يتوسل بضعفه لتحقيق شيء ما ! هذا ما يقوله شعره ولستُ معنية بما تقول حياته ! فأنا ادرس شعره بمعزل عن حياتِه وفق برنامج رولان بارت الذي يلغي تماما الربط بين  التجربة الشعرية الفنية والتجربة الحياتية والاجتماعية للشاعر ! وهذا ما احاول تنفيذه في دراسة قصيدة زيارة التي كتبها الشاعر منتصف تسعينات القرن العشرين واوردها الشاعر علي الشلاه في واحدة من اهم اللقاءات بين عبد الواحد والشلاه !  شعر عبد الواحد شعر الحيرة ابتداء من حيرة الحر الرياحي مرورا بقصيدة الحسين انتهاء بكتاب المراثي  ! ولكن قصيدة زيارة تقع خارج منطقة المألوف لدى الشاعر ! لأن  الزيارة التي  لم تحدث كانت خارج فضاء التوقع وبعيدا عن صور الزيارات في الموروث الجمعي ! واذا اردت تحليل  هذه القصيدة فكيف ابدأ ؟ وإذا بدات فكيف ساخرج دون أن اعتسف النص الشعري او دراستي  او القاريء  ؟  ثمة موقف فلسفي بِلا شك في النظرة  الى الحياة والموت  في  آن  واحد فمن خلال دراستي  لقصيدة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد أستطعت ان ارى عبد الرزاق من الداخل واكتشف في الوقت نفسه زوايا ومساحات كان يعتم عليها قبل قصيدة زيارة ! وبما ان الشاعر عبد الواحد مفجوع دائما برحيل الاعزاء والأحباء فهو يتميز بقصائد المراثي ويعتبر صاحب مدرسة متميزة في  المراثي ! سئل شاعر جاهلي لماذا يكون الرثاء عندكم صادقا وجميلا ولا يكون كذلك في الأغراض الأخرى ؟ فأجاب على الفور لأننا نكتب المراثي وقلوبنا تحترق !! المراثي هم شعري بات غرضا شعريا عربيا وذلك  لكثرة المراثي التي يصوغها الشعراء المفجوعون وفق منظمومة الوفاء والحب للاصدقاء الذين فارقوا الحياة .

من دون ميعاد

من دون ان تُقْلِقَ اولادي

تعني ارجوك واتوسل اليك لو تطرق علي الباب ففعل الامر هنا هو فعل مأمور والفاعل هو المفعول ! ودليل ذلك ان الشاعر يدل ملك الموت على مكان جلوسه المعتاد وذلك شيء من رشوة اضطر اليها الشاعر !  

اكون في مكتبتي في معظم الاحيان

وتتلبث المحمولات اللفظية منتظمة في حلقة سياق الموضوع الذي يعبر عن وحدة القصيدة وتسلسل احداثها الدرامية التي  تفصح عن  الصور الحسية (البصرية)  بامتزاج مشاعر  القلق والاحساس القاتل  بالوحشة وعدم الامان لتكون مَلْمَحَا  بارزا في النص منفردا في المكتب  وايعاز الطارق متهيئا  للحظة موت الكينونة وعنفوانها وخفقان القلب الحديدي  وضياع الاماني المغروسة في الروح ثم  تحوك مخيلة الشاعر عميلة الاسقاط  التي وقعت على (المكتب في معظم الاحيان ) هناك لاشعور جمعي عبر عنه نص زيارة بهيئة الشعور الفردي وأعني الرهبة من الموت! نفسية الشاعر المتعبة اثَّرت في وتأثَّرت به ايضا ضمن تسلسل الحكي  السارد في القصة الشعرية ! وتنسج مخيلة الشاعر حوارية  غير مباشرة تضمن للمخاطب مساحة مفترضة فهو الاتي  الوهمي الذي يخترق الاشياء والاجسام الحية فيميت ديمومة الرغبة  وتكون الحياة هي  العنصر الاول بعد عنصر الموت في تكوين  الضدية  المولدة لجدلية النص الشعري وقصيدة زيارة نموذج تفصيلي لآليات (المسكوت عنه ) في النص الشعري ! فهي اوحت وباحت ولكنها لم تقل كل شيء فقد تركت مساحة للمتلقي كي يعيد انتاج المشاهد او يخرجها وفق تجربته !  لنلاحظ مثلا ان النص لم يخاطب الزائر ابتداء وانما افترض اننا عبرنا الحاجة الى المنادى واداة النداء لكي نتواصل مباشرة مع العذاب مستثمرين حرية المتلقي في ملء فراغات المسكوت عنه ! ثم تخيم على اجواء القصيدة اشارات مهمة او Points

ماذا *ولا*  من * اين !! مثل عدسة   خارقة ترصد كل صغيرة وكبيرة في النص حين تحوِّل الكلمات والصياغات الى صور فنية حسية ! مثل ادوات الاستفهام وحروف الجر والتكرار  والعطف لتشكل من خلال تتالي الصور الصورة الكلية او الغرض الاكبر للنص ! خراب وتشويه وانكسارات فهل نحن  نشاهد جورنيكا جديدة للخراب والدمار ؟ عبد الواحد يحب أن  يتفرد وهذه طريقته المعتادة يتفرد في الخيبة كما في الحلم يتفرد في الوحشة كما مع الصديقة كما يتفرد في الموت !  عبد الواحد شاعر المراثي بامتياز فقد نسج المراثي ووصف الحالات التي تمتزج  بالواقع واللاواقع المتزامن  بالاتي

وحينما تبصرني مغرورق  العينين :

 خذ – من -  يدي – الكتاب

 وتنثال الصورة الاستعارية  التصريحية  - المشبه  به الكتاب   والمشبه هو الحياة التي استحالت كتابا ! خذ من يدي الكتاب وجه لقول مسكوت عنه هو خذ من يدي الحياة !  وماذا بعدها ؟ بعدها مايدلنا على  فوبيا المجهول المهيمنة على  النفس البشرية ولا يدعي مدع انه بمنجاة من فوبيا المجهول الشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى يعترف بفوبيا المجهول القادم مع الغد :

 الشاعر موجود  حيث الكتاب والجمال والحياة ! و القاسم المشترك بين الشاعر والمكتب والاجواءالساخنة هو فوبيا المجهول القادم ولو جاء بهيئة زائر !! : أعده – لو – تسمح -  دون – ضجة للرف حيث  كان!! اهم علامة نحتاج اليها هي – لو تسمح – ولغة عبد الرزاق لغة بدوية مجلجلة قلما نجد فيها خضوعا  مثل لو تسمح ! وهو اي الشاعر يعرف سلفا ان ملك  لن يسمح ولن يعيد الكتاب الى موضعه ولكنها التراجيديا التي تستعذب العذاب والبكاء ! هذه الحوارية توميء الى حالتين  من الحوار الفني الدايالوك  والمنولوك يمران عبر حالتي  الياس والتفرد في  صراع  دائم بين الحياة والموت ! وهذه الثنائية  المتمترسة  خلف  ملكوت المجهول  تفصل بين  الروح والجسد ! الوحدة والجمع  في عمق يلون  المجهول  والظلمة الموحشتين  وتاكيد الدراما  دون ضجة للرف  وبوعي من الشاعرفي  ملاعبة الالفاظ ! ولكن هل مرت الزيارة الفاجعة في شعر عبد الرزاق عبد الواحد من خلال كتاب المراثي ؟ دعوة لكي نطل معا على مرثية عبد الرزاق عبد الواحد التي كتبها في صديقه الاسطوري حسين مردان لكي نكتشف ان الشاعر ما كان يرثي حسين مردان بل كان يرثي نفسه ! لذلك اسقط عليه الكثير من الهموم التي ما كانت عبثية حسين مردان تلتفت اليها ! ان من الضروري الاطلاع على هذه المرثية لكي نعرف ان موت حسين مردان وآخرين مهد السبيل الى قصيدة زيارة فكانه يقول جاء دورك يا ابن عبد الواحد فحول فوبيا الموت والمجهول الى عمل شعري جميل .

في رثاء الشاعر حسين مردان ديوان المراثي ص 8 وبعدها

متعبات خطاك الى الموت  

مهمومة

ياحسين بن مردان

لكن تكابر

ايقظت كل الملاجيء

فانهزمت

من يشارك ميتا منيته  يا ابن مردان

منجردا  وحدك  الان

يحشر هيكلك الضخم  في ضنكة الموت حشرا

وانت تكابر

كل المياه تعثرت فيها لتطفي خوفك

فاشتعلت

موحشا كنت

مستوحدا

تتنازل عن كل ارقامك  المستباحة

تسقطها

واحدا

واحدا

الطريق الى الصفر معجزة  يابن مردان

ان تملك الدرب  وحدك

تمتلك  الندم المتفرد  وحدك

ان تلتقي  والذي خفته العمر

انها لحظة الكشف

وحدك تملك ان تسمع الان

وحدك تملك ان تتقرى

تعلم وحدك ان كان للخطو  مرتكز

حين يفتقد المرء اقدامه

تلك خصوصية الموت

تملكها الان وحدك

تحبو  اليك المجاهيل

تنهض بين  الحقائق

عريان

منخلعا  عنك  كل ادعائك

ان الطريق الى الصفر معجزة

انه الخوف

عمرك وطنت  نفسك ان تالف الخوف    

لكن حجم الذي انت فيه

يحطم  كل القياسات

سوى معبر يشرئب الى يوم  كنت صغيرا

تلوح به

حافي القدمين

مهدلة ياقة الثوب منك

تمر عليه الوجوه التي

والسنين  التي

والنساء اللواتي

وتاتي حسين بن مردان

منسدل الشعر للكتفين

كانت عمودية المرتقى كل  اقواسنا يابن مردان

تذكر كيف تقبلنا الموت

اسماؤنا  كلها ذات يوم عقدنا على شجر الموت  اجراسها

وكانت تهب الرياح 

اكنا نبالغ

ام انها سنوات  البطولة

ينكسر المرء من بعدها سلما

تذكر كيف تقبلنا  الموت

ما تصفرالريح  

الا ويسمع  واحدانا  رنة باسمه

ثم يمضي

ولكنها سنوات  الرضا  يا بن مردان

البشر الماء يعقد اجراسه  في مهبات كل الرياح

ويختبيء الجرس  الموت

اصغر اجراسه الجرس الموت

افنيت عمرك تحكم تعليقه

وتوسعه

ثم توسع حملاق عينيك فيه

فتفزع

ماذا جنيت ابن مردان

طفلا لهوت بدمية عمرك

حلما كان ان تشتري بدلة

حلما  عشت ان صرت مستوظفا

حلما ان غدوت

ولو  مرة

دائنا لا مدينا

ولكنه يابن مردان  دقَّ

ولم تتسخ بعد  بعد اكمام بدلتك  الحلم

دقَّ

وما زال  دينك  ماحان  موعد  ايفائه

دقَّ ناقوسُ موتك

يايها الامبرطور