تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 37
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ "الْمُتَنَبّي، رِسالَةٌ فِي الطَّريقِ إِلى ثَقافَتِنا" لِلْأُسْتاذِ مَحْمودْ مُحَمَّدْ شاكِرْ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
رَحِمَ اللّهُ مَنْ قالَ : " عيُّ الصَّمْتِ خَيْرٌ مِنْ عيِّ الْمَنْطِقِ " ! |
قد رويناه : " عيٌّ صامِتٌ خَيْرٌ مِنْ عيٍّ ناطِقٍ " ، بكسر العين وفتحها فيهما . |
اسْمَعْ - يا سَيِّدِي الدُّكْتورَ - إِنَّكَ لَرَجُلٌ كَثيرُ الْمُغالَطَةِ ، شَديدُ اللَّدَدِ ، غَيْرُ مُسْتَقيمِ الرَّأْيِ ، مُضْطَرِبُ التَّفْكيرِ ، مُتَخَلِّفُ النَّظَرِ ؛ فَإِنَّ الشَّرْطَ في أَنْ تَكونَ عَرَبيًّا هُوَ أَنْ تَكونَ مُتَحَدِّرًا مِنْ سُلالاتٍ عَرَبيَّةٍ رَجُلًا رَجُلًا ، هذا هُوَ الْأَصْلُ . |
ولكن العروبة اللسان ( اللغة والتفكير ) ؛ فمن تكلم العربية وفكر بها ، فهو عربي - وإن كان لعجميين - ومن لم يتكلمها ولم يفكر بها ، فهو عجمي ، وإن كان لشريفين هاشميين ! |
ما أَصْدَقَ ما قالَه مَبْذولٌ الْعُذْريُّ : وَما كُلُّ مَنْ مَدَّدْتَ ثَوْبَكَ دونَه لِتَسْتُرَه فيما أَتى أَنْتَ ساتِرُهْ |
خطر لي أن يكون أستاذنا - رحمه الله ! - قد قصد قصدا إلى أن تكون أبياتُ تَمَثُّلِه واحتجاجه لمغامير أو أشباه مغامير من الشعراء ، دَلالةً للقراء على رجال أحق بأن يعرفوا . |
إِنَّ الْحَجّاجَ بْنَ يوسُفَ نابَتْهُ في صَديقٍ لَه مُصيبَةُ الْمَوْتِ ، وَكانَ رَسولُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوانَ عِنْدَه ، فَقالَ الْحَجّاجُ : لَيْتَ إِنْسانًا يُعَزّيني بِأَبْياتٍ ! فَقالَ رَسولُ عَبْدِ الْمَلِكِ : أَقولُ ؟ قالَ : قُلْ ! فَقالَ : وَكُلُّ خَليلٍ سَوْفَ يُفارِقُ خَليلَه ؛ يَموتُ ، أَوْ يُصْلَبُ ، أَوْ يَقَعُ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ ، أَوْ يَقَعُ الْبَيْتُ فَوْقَه ، أَوْ يَقَعُ في بِئْرٍ ، أَوْ يَكونُ شَيْئًا لا نَعْرِفُه " ! - هكذا ، وكأن الصواب " يكون شيءٌ " - فَقالَ الْحَجّاجُ : قَدْ - وَاللّهِ - سَلَّيْتَني عَنْ مُصيبَتي بِأَعْظَمَ مِنْها في أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ؛ إِذْ وَجَّهَ مِثْلَكَ رَسولًا . |
أو كما قال المهرج المصري الجاهل الحاقد على الثقافة العربية الإسلامية : " رُبَّ قَوْمٍ ذَهَبوا إِلى قَوْمٍ ، وَلَمّا ما لَقوهُمْشْ خَدوا تَكْسْ وَراحوا راجْعينْ عَلى طولْ " ! |
يَقولُ ( طه حسين ) : " وَأَنْتَ تَرى مَظْهَرَ التَّكَلُّفِ في قَوْلِه : " بِأَبي مَنْ وَدِدْتُه فَافْتَرَقْنا " فَكَلِمَةُ " وَدِدْتُه " هُنا ، نابِيَةٌ قَلِقَةٌ ، مُكْرَهَةٌ عَلى الِاسْتِقْرارِ في مَكانِهَا الَّذي هِيَ فيهِ ؛ أَرادَ أَنْ يَقولَ : " أَحْبَبْتُه " ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ الْوَزْنُ ، فَالْتَمَسَ كَلِمَةً تُؤَدّي لَه هذَا الْمَعْنى ، وَتُلائِمُ هذَا الْوَزْنَ ، فَلَمْ يَجِدْ إِلّا " وَدِدْتُه " هذِه " (...) فَنَحْنُ نَرى مِنْ جِهَةٍ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ لَوْ أَرادَ أَنْ يَقولَ : " أَحْبَبْتُه " ، بَدَلًا مِنْ " وَدِدْتُه " ، لَاسْتَقامَ لَهُ الْوَزْنُ مَعَ بَعْضِ التَّجَوُّزِ الْكَثيرِ الْمَقْبولِ فِي الْعَروضِ . |
هو وارد أن تقع " مستفعلن " في حشو بيت الخفيف الوافي ، سالمة ، وإن غلب خبنها . |
ثُمَّ قالَ ( طه حسين ) : " فَظاهِرٌ أَنَّ هذَا الشِّعْرَ لَيْسَ شِعْرَ صَبيٍّ يُقَرْزِمُ " (...) الْقِرْزامُ بِكَسْرِ الْقافِ وَسُكونِ الرّاءِ ، الشّاعِرُ الدّونُ . يُقالُ : " هُوَ يُقَرْزِمُ الشِّعْرَ " ، أَيْ يَقولُ شِعْرًا دونًا رَديئًا . |
كنا نعرف القَرْزَمَة ، بمعالجة الخوض في مبتدأ الطريق إلى الشعر ، وعليها كان كلام الدكتور . |
إِنَّ في حاجَةِ النَّفْسِ لَما يَشْغَلُنا عَنِ الدُّكْتورِ طهَ ، وَما يَأْتي بِه ، أَوْ يَقَعُ فيهِ ، أَوْ يَعْرِضُ دونَه : لَيْتَ الْحَوادِثَ باعَتْنِي الَّذي أَخَذَتْ مِنّي بِحِلْمِي الَّذي أَعْطَتْ وَتَجْريبي |
أراد وفاة أبي السامي مصطفى صادق الرافعي ، " رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُه عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ " ، وعلى من رضيتم عنه ، وتعلقتم به من رجالنا البناة الدعاة الثقات الأثبات ! |
لَسْتُ أَجِدُ كَلامًا في تَصْويرِ عَمَلِ الْأُسْتاذِ ( محمود محمد شاكر ) وَأُصولِه في بُحوثِه ، أَصْدَقَ مِنْ قَوْلِ الْجاحِظِ في إِبْراهيمَ النَّظّامِ ، وَهُوَ هذا : " وَكانَ عَيْبُهُ الَّذي لا يُفارِقُه ، سوءَ ظَنِّه وَجَوْدَةَ قِياسِه عَلَى الْعارِضِ وَالْخاطِرِ السّابِقِ الَّذي لا يوثَقُ بِمِثْلِه ، فَلَوْ كانَ بَدَلَ تَصْحيحِهِ الْقِياسَ الْتَمَسَ تَصْحيحَ الْأَصْلِ الَّذي قاسَ عَلَيْهِ ، لَكانَ أَمْرُه عَلَى الْخَلاصِ ، وَلكِنَّه يَظُنُّ الظَّنَّ ، ثُمَّ يَقيسُ عَلَيْهِ ، وَيَنْسى أَنَّ بَدْءَ أَمْرِه كانَ ظَنًّا " ! |
لئن كان ظنك - - يا سيدنا ، رحمك الله ! - ظن صاحب أوس الذي قال فيه : " الْأَلْمَعيُّ الَّذي يَظُنُّ بِكَ الظَّنَّ كَأَنْ قَدْ رَأى وَقَدْ سَمِعا " - لقد نابذك سعيد الأفغاني تشبيها بتشبيه : " إِنَّ الْبَلاءَ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِق " ! |
ما أَنا بِعائِدٍ إِلَيْهِ ، لِأَنَّ الْحَقيقَةَ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا بِخَوْضِ هذَا الْبَحْثِ مَعَه . وَلَنْ أُجارِيَ أَخي في طَريقِهِ الَّتي سَلَكَها ؛ فَما هِيَ لي بِطَريقٍ ، وَلا أَرَبَ لي بِتَعَسُّفِ الْمَتاهاتِ . وَلَوْلا أَنْ يَظُنَّ الْعَجولُ مِنَ الْقُرّاءِ أَنَّ نَظَريَّةَ الْإِقْحامِ وَتَأْويلِ النُّبوَّةِ بِالْعَلَويَّةِ ، الَّتي رَماني بِهَا الْأُسْتاذُ عَلى عَجَلَةٍ وَخَطَأٍ ، هِيَ نَظَريَّتي وَفِكْرَتي - لَما خَطَطْتُ حَرْفًا مِنْ كَلِمَتي هذِه . وَبَعْدُ ، فَلَيْسَ عِنْدي لِأَخِي الْأُسْتاذِ عَلى أَقْوالِه فيَّ غَيْرُ السَّلامِ ! |
ليس أكرم من أن اتخذ أستاذنا خاتمةً ، كلمةَ خصيمه ، ولا أقوى ، ولا أوثق ، ولا أجرأ ، ولا آدب ! هي بلا ريب أخلاق الإخوة " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَ " ! ولا أرتاب شيئا ، في أن لو لم يكن له بأخ ، لفتك به ، ولتركه أحاديث ، فأما أن يفسح له من مقطع كتابه ، ما تظل به صورته على ملامح حسنة كثيرة ، فلا أفهم له إلا حسن ظنه به ! رحمهما الله جميعا ! |
مِمّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُتَنَبِّيَ - رَحِمَهُ اللّهُ ! - قالَه (...) لُوَيْبيَّةٌ لَمْ تَدْرِ أَنَّ بُنَيَّهَا اللُّوَيْبيَّ دونَ اللّهِ يُعْبَدُ في مِصْرا (...) إِنَّ لوبِيَةَ هِيَ الَّتي بَيْنَ الْإِسْكَنْدَريَّةِ وَبُرْقَةَ ، وَكافورُ لَيْسَ مِنْها بِلا رَيْبٍ ، بَلْ ُهَو مِنَ النّوبَةِ ، جَنوبَ مِصْرَ ، مِنَ السّودانِ . |
هي إذن ليبيا كانت تسمى لوبية . |
إِنَّ أَفاضِلَ أَهْلِ زَمانِنا كَأَحْمَدَ بْنِ فارِسٍ ، يَحْسُدُه (...) يَقولُ : سَأَلْتُ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ الْعَميدِ عَنْ مَعْنى قَوْلِه : وَفاؤُكُما كَالرَّبْعِ أَشْجاهُ طاسِمُهْ فَأَجابَني بِأَنَّ الْمُتَنَبِّيَ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيا بَعْدَ سِتّينَ سَنَةً عاشَها ، وَلَمْ يَكُنْ وَقَفَ عَلى مَعْناهُ ! |
وهذا من التجني ، فالبيتُ كاملًا ميسورٌ متاح ؛ فلا هو استغلق ، ولا المتنبي باعد الخمسين ! |
حَضَرْتُ عِنْدَه يَوْمًا وَقَدْ أُحْضِرَ مالٌ ، فَصُبَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ صِلاتِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ عَلى حَصيرٍ قَدِ افْتَرَشَه ، فَوُزِنَ ، وَأُعيدَ فِي الْكيسِ ، وَتَخَلَّلَتْ قِطْعَةٌ كَأَصْغَرِ ما تَكونُ خِلالَ الْحَصيرِ ، فَأَكَبَّ عَلَيْها بِمَجامِعِه يُعالِجُ لِاسْتِنْقاذِها مِنْهُ ، وَيَشْتَغِلُ عَنْ جُلَسائِه ؛ حَتّى تَوَصَّلَ إِلى إِظْهارِ بَعْضِها ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ قَيْسِ بْنِ الْخَطيمِ : تَبَدَّتْ لَنا كَالشَّمْسِ بَيْنَ غَمامَةٍ بَدا حاجِبٌ مِنْها وَضَنَّتْ بِحاجِب ثُمَّ اسْتَخْرَجَها ، وَأَمَرَ بِإِعادَتِها إِلى مَكانِها ، وَقالَ : إِنَّها تُخَضِّرُ الْمائِدَةَ ! |
لا ريب في أنها عبارة كانت شائعة ( مثل تعبيري ) ، وأن معناها من طريق قول المصريين : " فيهَا الْبَرَكَة " - مثلما تحتاج المائدة إلى الخضراوات ، وإن كان فيها من اللحوم ما فيها ! |
كانَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ قَدْ أَقْطَعَه - يَعْنِي الْمُتَنَبِّيَ - ضَيْعَةً تُعْرَفُ بِبَصَّفَ ، مِنْ ضِياعِ مَعَرَّةِ النُّعْمانِ الْقِبْليَّةِ . |
هي التي في المصرية لما يتجه صوب الكعبة المشرفة . |
كَأَنَّه كانَ فارِسًا مَرَّةً ! |
هي صِفَةُ كَمالٍ ، وما زالت في العُمانية . |
سَمِعْتُ شَيْخَنا ضِياءَ الدّينِ الْحَسَنَ بْنَ عَمْرٍو الْمَوْصِليَّ الْمَعْروفَ بِابْنِ دُهْنِ الْحَصا ، يَقولُ : كانَ أَبُو الْعَلاءِ الْمَعَرّيُّ يُعَظِّمُ الْمُتَنَبّي ، وَيَقولُ : إِيّايَ عَنى بِقَوْلِه : أَنَا الَّذي نَظَرَ الْأَعْمى إِلى أَدَبي وَأَسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بِه صَمَم |
الله أكبر ! سبحانه ، وتعالى ! يصل الأحباب على البعد ! |
إِنَّها ( الدراهم ) لا تَأْتي في شِعْرٍ إِلّا بَرَّدَتْهُ ، وَضَعَّفَتْهُ ، إِلّا ما جاءَني : نَثَرْتَهُم فَوْقَ الْأُحَيْدِبِ نَثْرَةً كَما نُثِرَتْ فَوْقَ الْعَروسِ الدَّراهِم |
من تنفيق البضاعة أن يهجم البائع على الشاري بمثل ما هجم عليَّ بائع سيارتي الشبح ، قائلا : " لم يركب أحد الشبح إلا سُجِنَ أو هَرَبَ من البلد ، إلا هذه السيارة ؛ فهي حسنة الوجه على صاحبها " ! ولم أنكر كلامه فيها ، إلا أنه أخفى عيوبا سترها بأوهن الستر دون أن يعالجها ويداويها ؛ فصارت تظهر تباعا ؛ حتى أكاد أوثر السجن أو الهرب ! |
لَمّا وَصَلَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنّبي إِلى حَضْرَةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ في أَوَّلِ مَجْلِسٍ شاهَدَه فيهِ ، قالَ لي ( أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف حكار ) عَضُدُ الدَّوْلَةِ : اخْرُجْ ، وَاسْتَوْقِفْهُ ، وَاسْأَلْهُ : كَيْفَ شاهَدَ مَجْلِسَنا ، وَأَيْنَ الْأُمَراءُ الَّذينَ لَقِيَهُمْ في نَفْسِه مِنّا ؟ قالَ : فَامْتَثَلْتُ ما أَمَرَني بِه ، وَلَحِقْتُه ، وَجَلَسْتُ مَعَه ، وَحادَثْتُه ، وَطاوَلْتُه ، وَأَطَلْتُ مَعَه فِي الْمَعْنَى الَّذي ذَكَرْتُه ، فَكانَ جَوابِه عَنْ جَميعِ ما سَمِعَه مِنّي ، أَنْ قالَ : ما خَدَمَتْ عَيْنايَ قَلْبي كَالْيَوْمِ ! فَجاءَ بِالْجَوابِ مَوْزونًا ، وَاسْتَوْفَى الْقَوْلَ فِي اخْتِصارٍ مِنَ اللَّفْظِ (...) وَهُوَ مِنْ مَشْطورِ السَّريعِ . وَلَقَدِ اخْتَصَرَ اللَّفْظَ ، وَأَطالَ الْمَعْنى ، وَأَجادَ فيهِ . وَكانَ ذلِكَ مِنْ آكَدِ الْأَسْبابِ الَّتي حَظِيَ بِها عِنْدَه . |
الله الله الله ! لئن شغلك مشطور السريع ، لقد شغلني مكنون القلب ! ثم لا يجب أن يكون أراده بيتًا من مشطور السريع كما خرج الراوي ، بل ربما خرج كلام الشعراء على مثل شعرهم من كثرة اشتغالهم به ، وهو ما استخرجت منه مرة مصطلح " الضرورة الشاعرية " ! |
أَمّا وَالْجُرازُ ( السيف ) في عُنُقي ، فَما بي حاجَةٌ إِلى مُؤْنِسٍ غَيْرَه . |
هي إذن " أمّا " الشرطية التي يفصل بينها وبين جوابها بعض معمولاته ، وهو هنا الحال الجملة . |
مَنْ تَكَلَّمَ عَلى شِعْرِه أَجْمَعَ (...) كِتابُ عَبْدِ الْقاهِرِ الْجُرْجانيِّ . |
لا أعرف هذا الكتاب ، ولكنني أبوح الآن بتكملة تشبيه لي سالف : هم ثلاثة أشباه تَعَلَّقَ متأخرُهم بمتقدمِهم : المتنبي ، والجرجاني ، ومحمود محمد شاكر - رحمهم الله ! - تشابهت هممهم وأساليبهم ! |
قالَ ( ابن القارح دوخلة ) : كَانَ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ وَكيعٍ التِّنّيسيُّ سِمْسارًا في بَلَدِه ، وَكانَ مُتَأَدِّبًا ظَريفًا ، وَيَقولُ الشِّعْرَ ، وَعَمِلَ كِتابًا في سَرِقاتِ الْمُتَنَبّي ، وَحافَ عَلَيْهِ كَثيرًا . وَسَأَلَني يَوْمًا أَنْ أَخْرُجَ مَعَه إِلى تُوَنَةَ لِنَشْرَبَ ، فَخَرَجْتُ مَعَه ، وَاسْتَصْحَبَ مُغَنِّيًا يُعْرَفُ بِابْنِ دَيّارٍ ، فَلَمّا غَنّى طَرِبَ ، فَأَمَرَه أَلّا يُغَنِّيَه إِلّا بِشِعْرِه ، فَغَنّى : لَوْ كانَ كُلُّ عَليلٍ يَزْدادُ مِثْلَكَ حُسْنا لَكانَ كُلُّ صَحيحٍ يَوَدُّ لَوْ كانَ مُضْنى يا أَكْمَلَ النّاسِ حُسْنًا صِلْ أَكْمَلَ النّاسِ حُزْنا غَنيتَ عَنّى وَمالي وَجْهٌ بِه عَنْكَ أَغْنى فَقُلْتُ لَه : هَلْ تَثْقُلُ عَلَيْكَ الْمُؤاخَذَةُ ؟ قالَ : لا . قُلْتُ : أَبْياتُكَ مَسْروقَةٌ ، الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِه : فَلَوْ كانَ الْمَريضُ يَزيدُ حُسْنًا كَما تَزْدادُ أَنْتَ عَلَى السَّقام لَما عيدَ الْمَريضُ إِذَنْ وَعُدَّتْ شِكايَتُه مِنَ النِّعَمِ الْجِسام وِالثّاني مِنْ قَوْلِ رُؤْبَةَ : مَسْلَمَ ما أَنْساكَ ما حَييت لَوْ أَشْرَبُ السُّلْوانَ ما سَليت ما بي غِنًى عَنْكَ وَإِنْ غَنيت فَقالَ : وَاللّهِ ما سَمِعْتُ بِهذا ! فَقُلْتُ : إِذا كانَ الْأَمْرُ عَلى هذا فَاعْذُرِ الْمُتَنَبّي عَلى مِثْلِه ، وَلا تُبادِرْ إِلَى الْحَطِّ عَلَيْهِ ، وَلَا الْمُؤاخَذَةِ لَه ! (...) تُوَنَةُ جَزيرَةٌ قُرْبَ تِنّيسَ وَدِمْياطَ . |
قل الأولان والثانيان ؛ فالمقصود بالأول الأول والثاني ، والمقصود بالثاني الثالث والرابع ! ثم ينبغي أن يكون من تونة هذه ، التونيون المصريون المعروفون : الرسام والممثل والمذيع ! |
حَدَّثَ أَبُو الْحَسَنِ عَليُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّرّادُ الدَّيْلَميُّ في كِتابٍ أَلَّفَه في أَخْبارِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدانَ : إِنَّما كانَ سَبَبَ انْصِرافِ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ سَيْفِ الدَّوْلَةِ إِلى مِصْرَ ، أَنَّه كانَ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ مَجْلِسٌ يَحْضُرُه أَهْلُ الْعِلْمِ عامَّةً كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَيَتَكَلَّمونَ بِحَضْرَتِه ، وَيَبْحَثونَ وَيَتَناظَرونَ - فَتَمارى في بَعْضِ اللَّيالِي الْمُتَنَبّي وَابْنُ خالَوَيْهِ النَّحْويُّ في شَيْءٍ جَرى بَيْنَهُما بِحَضْرَةِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ ، فَقامَ ابْنُ خالَوَيْهِ ، وَضَرَبَ وَجْهَ الْمُتَنَبّي بِمِفْتاحٍ كانَ في يَدِه ، فَأَسالَ دَمَه عَلى وَجْهِه وَثِيابِه ، فَغَضِبَ الْمُتَنَبّي مِنْ ذلِكَ ؛ إِذْ لَمْ يَنْتَصِرْ لَه سَيْفُ الدَّوْلَةِ قَوْلًا وَلا فِعْلًا ، فَخَرَجَ مِنْ فَوْرِه إِلى دِمَشْقَ ، وَقَصَدَ كافورَ - هكذا - بِمِصْرَ . |
ما لمثل فعل ابن خالويه يطَّرح المتنبي حضرة سيف الدولة ؛ فلن يكون في فعله هذا غير رضا ابن خالويه - ولكنه أحس من سيف الدولة التغير الذي فصله أستاذنا ، رحمه الله ! |
قالَ أَبو مَنْصورٍ ، وَحَدَّثني جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ : أَنَّ الْمُتَنَبّي عوتِبَ في آخِرِ أَيّامِه عَلى تَراجُعِ شِعْرِه ، فَقالَ : قَدْ تَجَوَّزْتُ في قَوْلي ، وَأَعْفَيْتُ طَبْعي ، وَاغْتَنَمْتُ الرّاحَةَ مُنْذُ فارَقْتُ بني حَمْدانَ ، وَفيهِمْ مَنْ يَقولُ : (...) وَالْبيضُ تَشْكُلُ وَالْأَسِنَّةُ تَنْقُط يَعْني أَبَا الْعَشائِرِ . |
من تأمل حركة كل من السيف والرمح ، أعجبه أن يكون الشكل من عمل السيف والنقط من عمل الرمح ! ولا ريب في أن طبقات الأقوال من طبقات المتنافسين فيها ، ومن طبقات متلقيها ! |
أَمْضى إِرادَتَه فَسَوْفَ لَه قَدٌ وَاسْتَقْرَبَ الْأَقْصى فَثَمَّ لَه هُنا |
" ثَمَّ " إذن غير " هُنا " ؛ فليس إلا أن تكون بمعنى " هُناكَ " ، وهو ما بقينا جميعا نعكسه في كلامنا ! |
وَوَضْعُ النَّدى في مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلا مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدى |
مثل سائر ، من شاء حرفه بما يناسب الأحوال المنعكسة ! كانت لي تلميذة كسول كئيبة الحال اسمها " ندى " ، كنت كلما حضرت أنشده إياها ، فكأنما ظنت أنني وضعته فيها ، فتجتهد أن تحرفه فلا تستطيع ! |
ذَكَرَ الْخالِديّانِ ، عَنْ أَبي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبارَكِ الْجُبَّليِّ ، قالَ : خَرَجَ الْمُتَنَبّي مِنْ واسِطَ (...) ، وَقُتِلَ بِبَنوزى (...) ، وَكانَ مَعَه يَوْمَ قُتِلَ سَبْعونَ أَلْفَ دينارٍ . |
آه ! رحمة الله عليك ! قد كانت بقيت ثلاثون ! |