البكاء على زهرة القمر
صراع بين الشكل والمضمون
عماد موسى
[email protected]
البكاء على زهرة القمر مجموعة قصصية للكاتبة فاطمة خليل حمد، وقد صدر عن منشورات
مركز اوغاريت للنشر والترجمة في رام الله عام 2003 ،واولى الملاحظات العامة على هذه
المجموعة هي خلوها من ايه معلومات عن الكاتبة،وعن تجربتها الادبية في مجال العمل
الابداعي القصصي،وربما قد تم تجاهل ذلك عن قصد ،حتى لا تؤثر هذه المعلومات على
العملية النقدية ،والذي من الممكن ان يولد موقفا نقديا استباقيا ينعكس على قراءة
التجربة،وثاني هذه الملاحظات غياب التقديم لهذه المجموعة من لدن ذوي الاختصاص في
النقد الادبي او من لدن القراء والمحترفين والمتذوقين لهذا الجنس الادبي ، من هنا
فقد ترك الامر للقراء وللنقاد كي يقولو ما يشاءون حول هذه المجموعة . لذلك نستطيع
القول:ان هذه المغامرة لقراءة هذه المجموعة قراءة نقدية تأتي في سياق سبر اغوار هذه
التجربة في محاولة للكشف عن طبيعة العلاقة الصراعية بين الشكل والمضمون .ولنتساءل
بصوت مسموع :هل تمكنت الكاتبة من توظيف التكنيك الفني للقصة القصيرة من اجل حمل
المضمون ؟ وهل حرصت الكاتبة على تجويد ادواتها الفنية لإخراج افكارها ومشاعرها التي
حاصرتها بالأنا الساردة؟
العنوان تزيينيا:
ان
اختيار عنوان( البكاء على زهرة القمر ) للمجموعة قد جاء في سياق تزييني لأنه قد تم
تحوير عنوان قصة من المجموعة وهي (عبد الباري يبكي زهرة العمر) الى عنوان المجموعة
الوارد الذكر ،إذ ان مثل هذا العنوان مكشوف الدلالة ، نتيجة لوضوح المعنى،ولأنه
يظهر هوية النص للقارئ ، في حين ان العنوان المبتكر يحمل ايحاءات رمزية تأتي في
تلازمية التأنيث والتذكير.
فاستعمال كلمة (البكاء)الواردة في عنوان المجموعة بدلا من الفعل المضارع (يبكي)
الواردة في قصة (عبد الباري ) يهدف الى الغاء التخصيصالذي حدده الفعل المضارع
المتبوع بتحديد هوية الفاعل اسما لا ضميرا ما كشفت عن هوية النص ودلالاتها ، اما
استعمال كلمة (البكاء) فجاءت لغرض التعميم اذ يفتح في المخيلة افاقا واسعة لكل من
لديه/لديها رغبة في البكاء على زهرة القمر ودون تحديد لعمر الباكي وهويته ، مع ترك
الباب مواربا امام الدلالات التي يحتقبها البعد الرمزي لزهرة القمر.
هيمنة اللغة الذكورية:
نود
ان نسجل هنا الدوافع التي وقفت وراء قراءتنا لهذه المجموعة وهي ان هذه المجموعة
القصصية لكاتبة في هذا العمل الابداعي سواء اكان ذلك على صعيد الشكل الفني او
المضمون، اذ غابت قضايا النساء في هذه القصص وبقيت الكاتبة خاضعة خضوعا مطلقا
للمرجعيات الثقافية التقليدية على الرغم من محاولتها الجادة لتوظيف الموضوعة
التراثية في هذه القصصمن اجل محايثة الواقع عبر بث الحياة في روحها إلا انهالم
تتمكن من منح الشخصية التراثية هويتها وحركتها ما انعكس سلبا على النص .من هنا لا
غرابة ان يجد القارئ هيمنة اللغة الذكرية على عناوين المجموعة المؤلفة من ستة عشر
قصة قصير،وبقراءتها سنجد اربعة قصص قد حملت أسماء ذكور وهي:(ابن الورد والندى
والخبز اليابس، وامرؤ القيس يذبح ناقته،وعبد القادر الجبلي لا يموت حتف انفه)اما
القصة الخامسة فكان عنوانها (الرجل ذو القبعة المكسيكية)فكلمة الرجل المعرفة بال
التعريف ،لم تكف لإزالة الغموض عنه ، لذلك تزداد ملامح هويته وضوحا من قبعته
المكسيكية. ثم عنونت الكاتبة فاطمة حمد خمسة قصص اخرى بلغة ذكرية وهي:( الريسان
يمتشق الازهار ، والذي لا ياتي ، والمفتاح) وهذا يدلل على مدى هيمنة اللغة الذكرية
على المرجعية اللغوية للكاتبة ، ومع ان ذلك قد جاء من اجل خدمة اللغة الذكرية .
إن
تأنيث اللغة قد جئ به لغرض خدمة اللغة المذكرة من خلال إبراز هوية المذكر وكشفه
ليظهر عيانيا بعيدا عن التخييل المجهد للمتلقي أثناء الارتحال في فضاءات القصة
.ويتجلى ذلك في عناوين القصص التالية:(وسيلة ايضاح لشيخ مدن الملح،وحكاية اسعد
وسعيد،وصفحة من هموم معلم) فالكلمات( وسيلة ،وحكاية،وصفحة)وظفتها الكاتبة في نسق
لغوي يتناغم مع المسار البنيوي للغة المذكرةالقابعة في اعماق لا وعي الكاتبة في حين
ان العناوين التي تشير الى الانوثة بلغة انثوية واضحة هي:(إمرأة ووجه من اريحا
،وليت هنداً أنجزتنا ما تعد،ونزهة).يحمل العنوان الاول لغة التعميم والإطلاق
،والثاني أكثر تخصيصا والثالث يحمل سمات أنثوية تشير إلى الإرتحال عبر الطبيعة
.لعلنا نلاحظ هنا مزاوجة الكاتبة للغتين المذكرة والمؤنثة في هذه العناوين ، هذه
المزاوجة جاءت في صيغالتنكير في العنوان الاول ونزهة في العنوان الثالث والمثل في
العنوان الثاني وقد رمت الكاتبة-من وراءذلك- الى تحويل تلك العنواين الى مرايا تعكس
الضوء على الذكورة ،لتصبح اكثر وضوحا في الرؤية الانثوية هذه الرؤيا منتجة من معين
الثقافة الذكرية السائدة.
بين الابهام والوضوح:
وظفت الكاتبة عددا من الرموز الترائية في عملها الابداعي في محاولة لاستنهاض
الطاقات الكامنة في مضامينها من خلال احداث مقاربات بين الشخصيات التراثية
والشخصيات المرافقة لها وللواقع المعيش،ولكنها قامت باسقاط فكري ولغوي على الشخصيات
التراثية لذلك جاءت مبهمة ومفركة ومرتبكة على الرغم من وضوحها نتيجة حضورها
التاريخي ،ويرجع الابهام الى عدم قدرة الكاتبة على انطاق هذه الشخصيات عير تكنيك
الحوار وغيره من الادوات مثل تيار الوعي والمنولوج المباشر وغير المباشر .(Flash
back
والحلم والارتجاع الفني (
فالشخصيات مصابة بالعجز الفني والمضموني وتتضح صورة ذلك من خلال ما تقوله الكاتبة
في قصة (عروة ابن الورد والندى والخبز اليابس) على لسان عروة (قال عروة عن نفسه
:تخاذل عربي على سنه الله ورسوله) اليس هذا اسقاط فكري عمدي على الشخصية التراثية
وتشويه لحقيقة موقفها التاريخي ؟فهل هذا التوظيف يخدم العمل الادبي ؟ام جاء ليعبر
عن ازمة الكاتبة الداخلية وموقفها الغامض من سنة الله ورسوله ،وهل سنة الله ورسوله
منهج يدعو الى التخاذلالعربي ؟ من هنا وجب عدم غتباعه وتتابع الكاتبة اسقاطاتها
الفكرية على شخصياتها التراثية فهذه (فاطمة في قصة امرؤ القيس تستعرض على لسان
السارد موقف امرؤ القيس يوم الغدير: وجد نفسه من سهر ايار وحيدا بلا جمل وبلا اهل
...وبلا حب فاطمة التي ادارت له وجهها لتبذير ولقلة تبدبيره،لائمة اياه كيف سولت له
نفسه ان يشترط عليها مقابل ان يعطيها ثيابها ان تمر عليه هكذا عارية دون ان يندى له
جبين او يختلج له عرق او يبقى من الله من الشين ) وفي قصة (امراة ووجه من اريحا)
تقول الكاتبة (واشرب ولم أرتو وهل هناك من يرتوي من كوثر الفردوس ) وتتابع قائلة(
كنا جماعة وكنا اثنين ولم يكن الشيطان ثالثنا ) من الواضح ان الكاتبة لم تحسم
خيارها الفكري والعقدي وهذا واضح لاستعمالها جمل ذات مضمون ديني تتناقض مع ما جاء
على لسان عروة ، لذلك بدا الاضطراب واضحا ما ادى الى صراع واضح بين المضمون والشكل
الفني للقصة . وتعمد الكاتبة إلى توظيف شخصيات قانونية للايغال في الابهام ومن بين
هذه الشخصيات ( اصحاب الفتوى المتذرعون باحداث الحادي عشر من سبتمبر ،...وكما قالته
الملوك والرؤساء العرب لوسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة وكما قالته الفضائيات
المتحمسة للقضية الفلسطينية ..تقول لنا الاستخبارات انك ستذهب غدا الى بيت جالا) ان
اللذين يقولون شخصيات اعتبارية في مواقف متعددة وما على الشخصية المركزية سوى الصمت
والاستماع القسري والاكتفاء بالمشاهدة للاحداث المحلية والاقليمية والدولية التي
فرضته عليه بعد ان اخرجته من مدفنه القابع في عمق التاريخ، فتقول ( سمع ابن الورد
هذه النشرة فشعر انه انفق عمره ...)و(يستمع عروة وهو يجلس الى شاهد قبر الشهداء
ويجتمعون معه) و( رأى ان يتابع سيره ويحدوه امل لرؤية شجرة كبيرة ..وماذا تريد ان
ترى أيضا) الا ترون معي كيف تمسك الكاتبة بتلابيب شخصيتها التراثية فلا تترك له
حرية الحركة والحوار وما الى ذلك ، فتقوده حيثما حيثما تريد ليشاهد ما ترغب هي في
مشاهدته وتتحدث على لسانه وان هي حاولت ان تنطقه فلا ينطق.وتتابع الكاتبة سردها
بضمير المخاطب لعروة ابن الورد:قل،وسائل الاعلام توفر لك ما تريد، كل شيء طوع عينيك
القنوات الفضائية ،طائرات اف 16 وهي تلقي بقذائفها على مكتب ابو على مصطفى ثم تترك
عروة ليعود الى مدفنه دون ان يحدث غيابه كما حضوره اي تأثير يذكر على البناء الفني
للقصة وعلى الجانب المضموني لها لتنشغل في توصيف مشهد اغتيال شخصية معاصرة وهي
الشهيد ابو على مصطفى فتقول(كان ميلادك هنا خطأ فادحا .لقد ضللوك، فكثير من
الشهادات مزور وكل الماضي مزيف وتافه، غبار وعفونة) وتتابع قائلة(وانت هندي احمر
وتصوره افلام الغرب الامريكي وحشا يسلخ فروة رأ س الامريكي الابيض (المسالم
العبقري) في هذا العالم الحر .وبعد ان تفرغ من سردها للحداثيظهر عروة في وادي الموت
رفقة" صعلوكان :ثابت بن جابر الفهمي وثابت بن اوس الازدي .ثلاثة لعنتهم القبائل
ولعنتهم ال (سي اي ايه) ومن لف لفها ولعنهم تجار الاراضي الذين امتلأت اكياسهم
بالمال والعار " ولقد وضعتنا الكاتبة امام حشد من الشخصيات التراثية لتكيل لهم
اللعنات ، ولسنا قادرين على استقراء ما ترمي اليه الكاتبة ونتساءل هنا هل ادت هذه
الشخصيات غرضها الفني وعلى النص نفسه المتخم بالاحداث ؟ وهل تمكن الكاتبة من
استجلاء ملامح شخصيتها التراثية بوصفها عاملا قصصيا وفاعلا وسوسيولوجيا ومنتجا
للدلالة ؟ وهل استطاعت احداث مقاربات بين شخصياتها التراثية وشخصيتها المعاصرة
واقعيا وفنيا؟ ام فيما يتعلق بالشخصية النسوية الواردة في قصة (عروة ابن الورد) فهي
سليمى شخصية طارءة احضرتها الكاتبة لإظهار لحظة الاعتراف الوجداني للمأة من خلال
تصويرها لهذه الشخصية بأنها الكيان الاقدر على التقاط احاسيس الحب والمعاناة والالم.لذلك
وضعتها في موقف البوح العلني للحب فقالت:"احبك ،احبك يا عروة "ثم تنتقل الكاتبة من
المستوى اللغوي العاطفي الى اللغة التقريرية المباشرة في سياق الحديث عن السياسة
،فتقول على لسان عروة في خطاب مباشر لسليمى "انا لا أؤمن بالتفاصيل يا سليمى
،تفاصيل البحر وتفاصيل السماء والارض ،تفاصيل اتفاقية اوسلو تفاصيل الحل العادل
لقضية اللاجئين ،تفاصيل دولة فلسطين"اما شخصية فاطمة في قصة "امرؤ القيس يذبح
ناقته" لم تبرح مكانها وبقيت تعيش في عصؤها ولكن ومضة في موقف عتابي بين الحبيب
وحبيبته من منظور اخلاقي لم يتطور مع تطور الشخصية ،لأنه ببساطة تم استحضارها لخدمة
العنوان في محاولة لايجاد علاقة الدال والمدلول هذه العلاقة التى اوجدتها القصة
التاريخية المرورية في تاريخ الادب،إذ ان ذبح الناقة مرتبط بموقف اللهو وبالمشهد
الترفي الماجن في حياة العربي في ذلك العصر .ففاطمة وصويحباتهاكن جزءا من ذالك
المشهد ،هذا المشهد الذي لم تطوره الكاتبة ،وذلك لانها لم تعمل على اعادة تشكيل
شخصية فاطمة بل اكتفت بالحديث عنها حديثا عابرا(وما هي الا "اويقات"حتى وجد نفسه
وحيدا بلا جمل وبلا اهل ولا حب فاطمة التي ادارت له وجهها لتبذيره ولقة تدبيره
..وكيف جعل من يوم الغدير قصة تطامن من عفة العربي ورجولته.(انه يضحك ضمة عاشق يا
صاحب ام الحويرث وام الرباب)
حشد الشخصيات التراثية:
لقد
وصلت الكاتبة بعملية حشد الشخصيات ذروتها في قصة (وسيلة ايضاح لشيخ مدن الملح)
فالعنوان يقودنا الى رواية مدن الملح للروائي الكبير عبد الرحمن منيف ،من استرجاع
وقائعها واحداثها وشخصياتها،لموائمتها او مقاربتها مع هذا الحشد الكبير من الشخصيات
التاريخية والادبية وغيرها ،إلا أن الكاتبة اكتفت بذكر عاهل مدن الملح في مواقف
مقتضبة،لأن هناك شخصيات اخرى على قائمة الإنتظار بصدد ان تأخذ دورها وهي: (سيف
الدولة الحمداني ، وكافور الاخشيدي ،وعلى بن ابي طالب رضي الله عنه ،ولؤلؤ امير
حمص،والمتنبي ،وفاتك والد متسق( ثم شخصية كل من :عاهل مدن الملح ،وملك الكابوي
،والصيادون،بالإضافة الى شخصية الكلاب) لقد حاولت الكاتبة إيجاد علاقات بين هذه
الشخصيات من خلال ربطها بالاحداث التي عايشتها وبالاحداث المعاصرة .إلا ان حشد هذا
العدد الكبير من الشخصيات قد أضر بديناميكيات التطور الحكائي ،لأنه تسبب في ارهاق
ذاكرة المتلقي ولإفقاد المخيلة لقدرتها على تخييل المشاهد اثناء عمليات الاسترجاع
لهذه المواقف من المرجعيات الثقافية المخزنة في الذاكرة ،ما احدث ارباكا لعمليات
التفاعل والفهم لأدوار هذه الشخصيات في البناء الحكائي ، الذي يؤدي الى تشظي الخطاب
في مخيلة المتلقي .خلاصة مما لا شك فيه ان تعد الكاتبة فاطمة خليل حمد قارئة محترفة
لكتب التاريخ والتراث الادبي العربي ،وأنها مولعة بهذه المرجعيات الثقافية التراثية
التي لها حضورا واضحا في أولى بواكيرها الإبداعية ، إلا ان الكاتبة أضحت أسيرة
ومختطفة من هذه المرجعيات ما جعلها تغفل أهمية المساحات الزمنية والمكانية والحديثة
، والتكنيكية للقصة القصيرة التي لا تحمل مثل هذا التوظيف الموسع لحقول التراث
المختلفة إلا في حدود معالجات المواقف.في حين ان الرواية يمكنها ان تكون مجالا
حيويا للموضوعة التراثية .ومع هذا وذاك يمكننا اعتبار ما قامت به الكاتبة فتحا
جديدا في حياتها الابداعية،والذي ابدت فيه جرأة واضحة من خلال اختيار الشخصيات ومن
خلال اللغة السردية ذات المستويات المتعددة، من المستوى الصحفي الإخباري التقريري
،والمستوى الشعري ،الى المستوى الادبي الكلاسيكي الذي برزت تجليلته أثناء السرد
خصوصا فيما يتعلق بالشخصيات التراثية .واتسمت الكاتبة بالجرأة أيضا عند ملامستها
للموضوعة الجنسية في النص دون ان تخدش خدر الاعراف والتقاليد،ودون التوسع فيه.