النص القرآني عند محمد شحرور 25
النص القرآني عند محمد شحرور 25
ياسين سليماني
- حـول "هـود":
اجتهد شحرور في إثبات أن "هود" عليه السلام جاء مكملا لرسالة نوح في التطور التاريخي، وهذا مما لا بد منه، ولا يحتاج إلى تفصيل، حيث أنّ أي عصر سيأخذ من العصر الذي سبقه ويحاول تطويره غير أنه لم يذكر الدعوة إلى الله إلا على سبيل العرض رغم أنها هي – كما في قصة نوح وغيره- الأساس الذي بعث به الأنبياء والرسل، فهو حين يشرح الآية:" واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون"(1)، ينظر إلى الناحية المادية فقط، وهي "الأنعام والبنين" الواردة في الآية الموالية:" أمدكم بأنعام وبنين"(2)، دون أن ينظر إلى لفظة "اتقوا" التي تعني الجانب الروحي، وهو مركز العقيدة التي أوحى بها الله إلى هود.
إن النبي هود (ع) في رأي شحرور ليس إلا رجلا يقف شاهدا على عصره في مجال البناء والاستقرار، لذلك يرى أن رسالته لم تحتوي إلا على التوحيد والاستغفار والتوبة، دون أن تكون هناك أية شعائر، كما لم يذكر اليوم الآخر.
إن الأنبياء والرسل مهمتهم إصلاح الجانب الروحي من الإنسان، الذي هو قوام الجانب المادي والدافع له، وحين يقول تعالى على لسان هود (ع) "اتقوا" فما معنى التقوى، إن لم تكن هي الخوف من الله ومن عقابه؟ فإنما الأنبياء والرسل مبشرون ومنذرون، و الشعائر ويوم القيامة إن لم يذكر في قصة هود فليس ذلك لعدم وجوده، ولكن لأن ما سبقها شرط لوجودها، وهذا الشرط هو الإيمان بوجود إله واحد، وما دام في قصة هود انعدم الشرط أو كاد فلا مجال للحديث عن أشياء أخرى.
كما يمكن لغياب الحديث عن الشعائر وعن اليوم الآخر أن يكون بسبب أن القرآن لم يذكر كل التفاصيل، وهذا كما جاء في قصة نوح.
كما يمكن أيضا أن يكون السبب في هذا الغياب الحرفي هو الوجود الضمني، فمعنى "التقوى" في "اتقوا" هو الخوف من الله، والخوف منه تعالى يكون سبب في الخضوع لأوامره، والأوامر الإلهية تكون من بينها الشعائر.
مما سبق نستنتج أن شحرور ينظر إلى "هود" عليه السلام كعامل تاريخي حدث في زمنه تطور معين، في الجانب المادي الصرف، أمّا أن يكون "هود" (ع) نبيا رسولا قام بتبليغ أوامر الله تعالى فهذا أمر هامشي بالنسبة لشحرور.
إن شحرور في حديثه عن "هود" (ع)، يلخص عمل هذا النبي الكريم عليه السلام في العمل المادي فيجعل من ذلك أنّ ذكره في القرآن ليس إلا للتاريخ، هدفه التأريخ لحقبة معينة، أما أن يكون هدف القصة للعبرة، وللإيمان بالله فهذا غير وارد عند شحرور، وبذلك فليس شحرور في هذا الصدد إلا ماركسي يحاول بكل جهده تطبيق مذهبه على القرآن مخرجا إياه من كونه كتاب هداية لا كتاب تاريخ.
3- حول " الأنبياء والرسل":
يبدو أن شحرور يقول ما ليس له به علم، حين ينفي أن آدم كان نبيا، رغم أنه يدعي التجديد في الفقه الإسلامي جاء في "فتح القدير" للشوكاني:" وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي ذر قال:"قلت يا رسول الله أرأيت آدم نبيا كان؟ قال: نعم، كان نبيا رسولا كلّمه الله، قال له: أسكن أنت وزوجك الجنة"(3)
ويورد الشوكاني حديثا آخر عن ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذر قال:" قلت يا رسول الله من أول الأنبياء؟ قال: آدم، قلت: نبي؟ قال نعم، قلت: ثم من؟ قال: نوح وبينهما عشرة آباء"(4)
وهذان الدليلان من النبي (ص) أقوى دليل على خطأ ما جاء به شحرور وبذلك فالعدد الصحيح للأنبياء هو خمسة وعشرون نبيا كما أخذنا عن القرآن وكما ورد في السنة.
أمّا عن الأنبياء: ذي الكفل واليسع وأيوب عليهم السلام فحين لم يذكر الله تعالى رسالتهم فليس معنى ذلك أنها لم تكن موجودة، لأن السنة بينت ذلك، وهي المصدر الثاني بعد القرآن، فإن كان شحرور يرفض السنة التي جاءت لتفصّل بعض ما أجمل وتشرح بعض ما استغلق على الفهم، فليس ذلك إلا خطأ منه، لأن علماء الأمة منذ قرون اتفقوا على صحة جزء كبير من الأحاديث المروية عن النبي(ص).
زيادة على ذلك فإننا نجد شحرور يفاضل بين الأنبياء، وما حديثه عن فناء ذرية إبراهيم مقابل خلود ذرية نوح إلا دليلا على ذلك، رغم أن الله تعالى يقول:" كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله"(5)، ونكران نبوة ورسالة آدم، وتفضيل نبي على آخر يخرج المؤمن من دائرة الإيمان التي حددها الله تعالى، هذا رغم أن شحرور يقول أن الإسلام دين واحد بدأ بنوح إلى أن وصل إلى محمد (ص) فلماذا إذن المفاضلة؟
أمّا الذي ليس له أي منطق، هو قول شحرور بأن هودا وصالحا وشعيبا ليسوا من ذرية آدم بل من ذرية بشر آخرين كانوا مع آدم في بداية الخليقة، دون أن يذكر بعد هذا الاكتشاف المذهل الذي تفتقت عليه قريحته ما هو شكلهم ولا مكان وجودهم، وكيف لم يرد ذكرهم في القرآن أو في السنّة أو عند العلماء، كما لم يرد ذكرهم في التوراة والإنجيل؟
ومن الملاحظ أنّ شحرور قد اختار "هود وصالح وشعيب" عليهم السلام ليدّعي أنهم من طينة غير آدمية، وهؤلاء الأنبياء الثلاثة يذكر الكثير من العلماء أنهم عرب، في مقابل ذلك، فقد رأينا أنه أوّل آية الفاتحة "الذين أنعمت عليهم"(6) فقال أنها تعني اليهود.
فهود وصالح وشعيب ليسوا آدميين أصلا، أما اليهود فقد أنعم الله عليهم إلى درجة أن المسلمين يرجون الاقتداء بهم، والظاهر أنه يعلي من شأن اليهود ويحط من قدر العرب بدعوى فهم جديد للتنزيل الحكيم.
قصارى القول في هذا الفصل أن شحرور:
- يثبت أقدام نزعته المادية فيرى أن الأنبياء لم يبعثوا لإصلاح الروح ولكن للتنمية والتطور المادي البحت.
- يختزل دعوة الأنبياء في مجال المادة ولا يعطي للرسل أية قيمة.
- نزعة وثوقية يقطع فيها شحرور في مواضيع لم يقطع فيها كثير من العلماء مقابل خروج صريح عن الهدي النبوي (نبوة آدم مثالا).
نستنتج في الأخير أن القصص القرآني وكما سأل دون أن يجيب، هو من أساطير الأولين بالنسبة لشحرور، وهو هدي ورحمة بالنسبة للمؤمنين بكتاب الله، كما نستنتج صحة ما قاله القرضاوي في شحرور من أنه يعمل قرآنا لوحده على مقاسه لا كما جاء به النبي (ص) وحيا من الله سبحانه وتعالى"(7)
1- سورة الشعراء، الآية132.
2- سورة الشعراء، الآية133.
3- الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، دط، دت، ج1، ص69.
4- المرجع نفسه، ص69.
5- سورة البقرة، الآية285.
6- سورة الفاتحة، الآية06.
7- الموقع الرسمي للشيخ القرضاوي.