تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 31
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 31
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ "ديوانُ الْبُحْتُريِّ عُنِيَ بِتَحْقيقِه وَشَرْحِه وَالتَّعْليقِ عَلَيْهِ حَسَنْ كامِلِ الصَّيْرَفيّ"]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
تَخْفَى الْحُجولُ وَلَوْ بَلَغْنَ لَبانَه في أَبْيَضٍ مُتَأَلِّقٍ كَالدُّمْلُج (...) التَّحْجيلُ بَياضٌ في قَوائِمِ الْفَرَسِ . اللَّبانُ الصَّدْرُ . الدُّمْلُجُ حَلْيٌ يُلْبَسُ فِي المِعْصَمِ . |
بل يكون في العضد ؛ وبذا جاز : " غَرْثَى الْوِشاحِ كَزَّةُ الدَّمالِج " ! |
سَيُثْلِجُ صَدْرِي الْيَأْسُ وَالْيَأْسُ مَنْهَلٌ مَتى تَغْتَرِفْ مِنْهُ الْجَوانِحُ تَثْلَج قَنِعْتُ عَلى كُرْهٍ وَطَأْطَأْتُ ناظِري إِلى رَنْقِ مَطْروقٍ مِنَ الْعَيْشِ حَشْرَج وَلَجْلَجْتُ في قَوْلي وَكُنْتُ مَتى أَقُلْ بِمُسْمِعَةٍ في مَجْمَعٍ لا أُلَجْلِج يَظُنُّ الْعِدى أَنّي فَنيتُ وَإِنَّما هِيَ السِّنُّ في بُرْدٍ مِنَ الشَّيْبِ مُنْهَج نَضَوْتُ الصِّبا نَضْوَ الرِّداءِ وَساءَني مُضيُّ أَخي أُنْسٍ مَتى يَمْضِ لا يَجي |
كان أبو عبادة جريئا على الإنشاد قديرا مُعْجِبًا مُعْجَبًا ! حدث علي الجندي عميدنا الشاعر ، أنه كان كلما أنشد قطع إنشاده بقوله للمستعمين : " ألا تَعْجَبون ! ألا تَطْرَبون " ! |
لَه شَرَفُ الْبَيْتِ الْحَرامِ وَفَخْرُه وَزَمْزَمَ وَالرُّكْنِ الْعَتيقِ الْمُمَسَّح |
فصل بين المعطوف والمعطوف عليه المضاف إليه ، بالمعطوف على المضاف ! |
لَمْ تَجِدْ مِثْلَ ما وَجَدْتُ وَما أَنْصَفْتَ إِنْ لَمْ تَجِدْ مِثْلَ وَجْدي (...) ب ، ج " وَما أَنْصَفْتَ إِنْ أَنْتَ لَمْ تَجِدْ مِثْلَ وَجْدي " ، بِزِيادَةِ " أَنْتَ " . |
انتبه إلى هذه الحاشية ؛ فقد أثبت المحقق الفنان الشاعر ما في المخطوطة الأم - وإن كان مكسورا - ولم ينبه على كسره ! |
بَثَّ الْفَوائِدَ فِي الْأَباعِدِ وَالدُّنى حَتّى تَوَهَّمْناهُ مَخْروقَ الْيَد |
وكذلك يقول في مثله المصريون : " إيدو مَخْرومَه " ! |
قالَ بَديهًا يَصِفُ الْغَيْثَ : ذاتُ ارْتِجازٍ بِحَنينِ الرَّعْد مَجْرورَةُ الذَّيْلِ صَدوقُ الْوَعْد مَسْفوحَةُ الدَّمْعِ لِغَيْرِ وَجْد لَها نَسيمٌ كَنَسيمِ الْوَرْد وَرَنَّةٌ مِثْلُ زَئيرِ الْأُسْد وَلَمْعُ بَرْقٍ كَسُيوفِ الْهِنْد جاءَتْ بِها ريحُ الصَّبا مِنْ نَجْد فَانْتَثَرَتْ مِثْلَ انْتِثارِ الْعِقْد فَراحَتِ الْأَرْضُ بِعَيْشٍ رَغَد مِنْ وَشْيِ أَنْوارِ الرُّبى في بُرْد كَأَنَّما غُدْرانُها فِي الْوَهْد يَلْعَبْنَ مِنْ حَبابِها بِالنَّرْد (...) ذَكَرَ الصّوليُّ أَنْ الْبُحْتُريَّ قالَ : دَخَلْتُ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ وَهُوَ جالِسٌ عَلَى الْبِرْكَةِ وَالْمَطَرُ يَقَعُ فَيَعْمَلُ حَجًى ( نُفّاخاتٍ ) ، فَقالَ : قُلْ في هذا شَيْئًا ! وَلَمْ أَكُنْ صاحِبَ بَديهَةٍ ، فَاعْتَزَلْتُ ، وَفَعَلْتُ أَبْياتي " ذاتُ ارْتِجازٍ بِحَنينِ الرَّعْد " ، فَوافَقَ إِنْشادِي الْباكورَةَ مِنْ ماءِ الْوَرْدِ الْحَديثِ ، فَقالَ : انْظُروا مِمّا فِي الْخَزائِنِ مِنْ ماءِ الْوَرْدِ الْعَتيقِ ، فَادْفَعوهُ إِلَى الْبُحْتُريِّ ! فَدَفَعوا مِنْهُ شَيْئًا كَثيرًا ، بِعْتُه بِمالٍ ! قالَ الصّوليُّ : وَلَئِنْ كانَ الْبُحْتُريُّ أَحْسَنَ في أَبْياتِه ، فَما أَتى بِما أَمَرَ بِه ، وَأَرادَ مِنْهُ ، لِأَنَّه أَرادَ مِنْهُ وَصْفَ الِحَجى - واحِدُها حَجاةٌ ، وَهِيَ كَالْقِبابِ الصِّغارِ - فَاقْتَصَرَ عَلى وَصْفِ السَّحابَةِ وَالْمَطَرِ ، وَلَمْ يَصِفْها . وَهُوَ يَفْعَلُ مِثْلَ هذا بِعَيْنِه ، وَصْفَ شَيْءٍ مَعَ طَبْعِه وَتَقَدُّمِه ، فَيَأْخُذُ عَفْوَ طَبْعِه ، وَلا يُتْعِبُ فِكْرَه ! |
أعرف هذه الخصلة : كَراهةَ أن يقول الشاعر فيما يُدْعى إلي لا ما يميل هو إليه ؛ فلما حَمَلَه على ذلك تَخَيَّرَ ما يحب القول فيه مما يقرب من ذلك ، فقال فيه ! |
قالَ يَفْتَخِرُ : ما لَها أولِعَتْ بِقَطْعِ الْوِداد كُلَّ يَوْمٍ تَروعُني بِالْبِعاد ما عَلِمْتُ النَّوى وَلا الشَّوْقَ حَتّى أَشْرَقَتْ لِي الْخُدورُ فَوْقَ النِّجاد فَوَقَفْنا عَلَى الطُّلولِ يَفيضُ اللُّؤْلُؤُ الرَّطْبُ مِنْ عُيونٍ صَواد في رِياضٍ قَدِ اسْتَعارَ لَهَا الْوَبْلُ رِداءً مِنِ ابْتِسامِ سُعاد وَسُعادٌ غَرّاءُ فَرْعاءُ تَسْقيكَ عُقارًا مِنَ الثَّنايا الْبُراد نَكِرَتْني فَقُلْتُ لا تَنْكَريني لَمْ أَحُلْ عَنْ خَلائِقي وَاعْتِيادي إِنْ تَرَيْني تَرَيْ حُسامًا صَقيلًا مَشْرَفيًّا مِنَ السُّيوفِ الْحِداد ثانِيَ اللَّيْلِ ثالِثَ الْبيدِ وَالسَّيْرِ نَديمَ النُّجومِ تِرْبَ السُّهاد كُلِّمَ الْخِضْرُ لي فَصَيَّرَني بَعْدَكِ عَيْنًا عَلى عِيارِ الْبِلاد لَيْلَةً بِالشَّآمِ ثُمَّتَ بِالْأَهْوازِ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِالسَّواد وَطَني حَيْثُ حَطَّتِ الْعيسُ رَحْلي وَذِراعِي الْوِسادُ وَهْوَ مِهادي لي مِنَ الشِّعْرِ نَخْوَةٌ وَاعْتِزازٌ وَهُجومٌ عَلَى الْأُمورِ الشِّداد فَإِذا ما بَنَيْتُ بَيْتًا تَبَخْتَرْتُ كَأَنّي بَنَيْتُ ذاتَ الْعِماد أَوْ كَأَنّي أَحوكُ حَوْكَ زِياد أَوْ كَأَنّي أَبو دُؤادَ الْإِيادي لي مُعينانِ هِمَّةٌ وَاعْتِزامٌ تِلْكَ مِنْ طارِفي وَذا مِنْ تِلادي لي نَديمانِ كَوْكَبٌ وَظَلامٌ لا يَخونانِ صُحْبَتي وَوِدادي لي مِنَ الدَّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ عَناءٌ فُرْقَتي مَعْشَري وَقِلَّةُ زادي ما حَديثي إِلّا حَديثُ كُلَيْبٍ وَبُجَيْرٍ وَالْحارِثِ بْنِ عُباد (...) هذِهِ الْقَصيدَةُ في رَأْيِنا مِنْ أَوائِلِ شِعْرِهِ الَّذي نَظَمَه حَوالَيْ عامِ 220هـ . |
أي طموح فتى ! للمتنبي إذن أن يجيء ! |
قالَ يَهْجُو ابْنَ أَبي قُماشٍ - وَكانَتْ لَه جارِيَةٌ يَعْشَقُها أَحْمَدُ بْنُ صالِحِ بْنِ شيرَزادَ ، فَحَمَلَها إِلَيْهِ - : مَرَّتْ عَلى عَزْمِها وَلَمْ تَقِف مُبْدِيَةً لِلشَّنانِ وَالشَّنَف أَيْهاتَ ما وَجْهُها بِمُلْتَفِتٍ فَاسْلُ وَلا عِطْفُها بِمُنْعَطِف أَبا عَليٍّ أَعْزِزْ عَلَيَّ بِما أَتَتْهُ ذاتُ الرِّعاثِ وَالنُّطَف (...) قالَ صاحِبُ الْأَغاني ( 18/168 ) : " وَما يُعْرَفُ لَه هِجاءٌ جَيِّدٌ إِلّا قَصيدَتَيْنِ : إِحْداهُما فِي ابْنِ أَبي قُماشٍ ... وَهِيَ طَويلَةٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَذْهَبي ذِكْرُها إِلّا لِلْإِخْبارِ عَنْ مَذْهَبِه في هذَا الْجِنْسِ - وَقَصيدَتُه في يَعْقوبَ بْنِ الْفَرَجِ النَّصْرانيِّ ( الْقَصيدَةُ 168 صَفْحَةَ 419 ) ؛ فَإِنَّها وَإِنْ لَمْ تَكُنْ في أُسْلوبِ هذِه وَطَريقَتِها ، فَإِنَّها تَجْري مَجْرى التَّهَكُّمِ بِاللَّفْظِ الطَّيِّبِ الْخَبيثِ الْمَعاني " . |
ولا أرى ما يرى ؛ فلقد أطلع كلما مضيت في شعره على التحفة من الهجاء بعد التحفة ! وأظن أنه يتميز بهذا من شيخه أبي تمام . |
قَدْ أَخَذْنا مِنَ التَّلاقي بِحَظٍّ وَالتَّلاقي فِي النَّوْمِ عِدْلُ التَّلاقي |
عدل التلاقي في اليقظة ! |
قالَ يَمْدَحُ صاعِدَ بْنَ مَخْلَدٍ ، وَيَهْجو يَعْقوبَ بْنَ أَحْمَدَ بْنَ صالِحِ بْنِ شيرَزادَ : قُلْتُ لِلّائِمِ فِي الْحُبِّ أَفِقْ لا تُهَوِّنْ طَعْمَ شَيْءٍ لَمْ تَذُقْ (...) لا تَعَجَّبْ أَنْ تَرى خاتَمَه وَعَلَيْهِ الْجَحْشُ بِاللّهِ يَثِقْ لَوْ صَفَرْنا عَبَّ فِي الْماءِ وَلَوْ مَرَّ مُجْتازًا عَلَى الْأُتْنِ نَهَقْ |
فالصَّفير نفسه دعوة للحمير إلى الشُّرْب ! |
وَماذا عَلى مَنْ يَمْلَأُ الدِّرْعَ نَجْدَةً لَدَى الرَّوْعِ أَلّا يُلْْبِسَ الدِّرْعَ يَلْمَقا (...) الْيَلْمَقُ الْقَباءُ الْمَحْشوُّ ، وَالْكَلِمَةُ مِنَ الدَّخيلِ . |
ألا ترى أن الدَّخيل هو ما بَقِيَ على عُجْمَته التي دخل بها في أثناء العربية ، ككلمة مثلا ، فأما ما صُبَّ في قالب الألفاظ العربية ككلمة " يَلْمَق " هذه كما لا يخفى ، فنسميه مُعَرَّبًا ، وأما ما غُيِّر إلى ما بمعناه في العربية ، فينبغي أن يسمى مُتَرْجَمًا مثلا - هكذا : تليفيزيون : دخيل تلفاز : معرب مرناة : مترجم ومما يلاحظ أن الدخيل في زمان قوة حضارتنا ، قليل جدا ، وفي زمان ضعفها كثير جدا . |