تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 29
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 29
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ "ديوانُ أَبي تَمّامٍ بِشَرْحِ الْخَطيبِ التِّبْريزيِّ"]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
يا مَوْئِلًا كانَ مَأْوَى الْآزِماتِ بِه إِذا ادْلَهَمَّتْ بِمَكْروهاتِهَا الْعُضَل يا مَوْئِلًا أَيْ يا مَلْجَأً . وَالْآزِماتُ السِّنونَ الَّتي تَعَضُّ ، وَالْأَزْمُ الْعَضُّ ؛ أَيْ كانَ مَأْوًى فِي السِّنينَ الشَّدائِدِ . وَادْلَهَمَّ الْخَطْبُ إِذا أَظْلَمَ . وَالْعُضَلُ جَمْعُ عُضْلَةٍ ، وَهِيَ الْأَمْرُ الْعَظيمُ ، وَتُسَمَّى الدّاهِيَةُ عُضْلَةً . |
الآزِمَة اسم فاعلة الأَزْم ، والأَزْمَة اسم مَرَّتِه ؛ فينبغي أن تكون أَزَمَة بفتح الزاء - إذا صحت في كلام أهلنا الشاميين - جمع آزِم مثل كَتَبَة جمع كاتِب . |
اتَّفَقَ الْحُسْنُ فيهِ وَاخْتَلَفَتْ مَذاهِبُ الْعَقْلِ في مَذاهِبِه |
سبحان الله ! ألم تقل قَبْلُ من الوزن نفسه : " عِنْدَ اتِّفاقِ الْجُفونِ مَعْبَدُها عِنْدَ اخْتِلافِ الْعُقولِ مَرْقَدُها " ! |
كادَ أَنْ يَكْتُبَ الْهَوى بَيْنَ عَيْنَيْهِ كِتابًا هذا حَبيبُ حَبيب |
أمس حدثني ضيفٌ مصري حبيبٌ ، أنه أراد مرة أن يسمي أحد أبنائه حبيبا ، ومرة أن يسمي إحدى بناته حبيبة ، ثم صرفه عنهما خوف استغراب المصريين ، وسخريتهم ! أما العمانيون فـ" حبيب " ، من أشهر أسمائهم ، كان لي من مُسَمَّوْهُمْ به تلميذ ، فكنت كلما ضبطته غافلا أنشد بيت المتنبي : " نَصيبُكَ في حَياتِكَ مِنْ حَبيبٍ نَصيبُكَ في مَنامِكَ مِنْ خَيال " ! |
لا تَشْمَتَنَّ فَإِنَّه مَوْلًى يُؤَدِّبُ عَبْدَه |
هذا مثل قديم ، وربما كانت فيه " رَبٌّ " بدل " مَوْلًى " . ولا يخفى الآن أمران : 1 نزول طبقة ما دون المديح عم طبقة المديح في شعر أبي تمام . 2 ضعف الشرح وكأنه أخو المديح ! |
هَبْ مَنْ لَه شَيْءٌ يُريدُ حِجابَه ما بالُ لا شَيْءٍ عَلَيْهِ حِجاب |
مِنْ تركيب " لا " في " شيء " ! |
ما كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ الدَّهْرَ يُمْهِلُني حَتّى أَرى أَحَدًا يَهْجوهُ لا أَحَد |
ركب " لا " ، في " أحد " ، كما ركبها من قبل في " شيء " . |
أَنَا الْحُسامُ أَنَا الْمَوْتُ الزُّؤامُ أَنَا النّارُ الضِّرامُ أَنَا الضِّرْغامَةُ الْعَبِد |
مولانا أبو تمام أستاذ المتنبي والمعري جميعا ! |
وَبَقيتُ لَوْلا أَنَّني في طَيِّئٍ عَلَمٌ لَقالَ النّاسُ أَنْتَ جَرير |
مِنْ حيث كان عَلَمَ الهِجاء قَبْلَه ! |
مُسِخْتَ وَكُنْتَ الطَّموحَ الْجَموحَ في خِلْقَةِ الْكَلْبَةِ الصّارِف |
قديما قلت عن أبي مِذْوَدٍ للنُّباحيِّ : " وَأَنا تِرْبُهُ الطَّموحُ الْجَموحُ الرّاكِبُ الْبَحْرِ في سَرابِ الْبِطاح " ! |
سِرْ أَيْنَ شِئْتَ مِنَ الْبِلادِ فَإِنَّ لي سورًا عَلَيْكَ مِنَ الرِّجالِ يُخَنْدَق |
على عكس هذا يجري ما قلته لزميلي : حولي دوائر من حب المحبين ؛ فكيف ينفذ إلي منها كره الكارهين ! |
وَالْمُدَّعي صورانَ مَنْزِلَ جَدِّه قُلْ لي لِمَنْ أَهْناسُ وَالْفَيّوم (...) صورانُ اسْمُ مَوْضِعٍ ، وَبِالشّامِ قَرْيَةٌ تُعْرَفُ بِصورانَ ، وَأَحْسِبُها لَيْسَتِ الَّتي عَنَى الطّائيُّ . وَأَهْناسُ وَالْفَيّومُ مَوْضِعانِ بِنَواحي مِصْرَ ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ بِالْعِراقِ مَوْضِعًا يُقالُ لَهُ الْفَيّومُ . |
هو بلا ريب عنى ما بمصر ، فأهناس - ويسميها المصريون إِهْناسْيَه - من أعمال بني سويف ، وهذه عن جانب الفيوم ، وكلتاهما من أوائل صعيد مصر بعد الجيزة . |
قالَ يَهْجو عَبْدَ اللّهِ الْكاتِبَ : (...) وَكُنْتُ أَدْعوكَ عَبْدَ اللّهِ قَبْلُ فَقَدْ أَصْبَحْتُ أَدْعوكَ زَيْدًا غَيْرَ مُحْتَشِم عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبي إِسْحاقَ النَّحْويُّ كانَ لَهُ ابْنٌ يُسَمّى زَيْدًا ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ هذَا الْمِثالَ : ضَرَبَ عَبْدُ اللّهِ زَيْدًا . |
هذه طريفة جدا ! ولكن مَنْ أَثار عَلى " عَمْرٍو " زَيْدًا ، في " ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا " الأغلب على أمثلة النحويين ؛ حتى لتُعَدُّ جملة هذا المثال في النحو ، من ضوابط المادة أو المستوى اللذين يتناولهما علم النحو - بمنزلة الباب في الصرف ( يقول الصرفيون : خرج من باب نصر ، أي ماضيه فَعَل ومضارعه يَفْعُل ) - أو من مسائل التمرين على تركيب الكلم في الجمل نحوا ، بمنزلة مسائل التمرين على تركيب الحروف في الكلمة صرفا ؟ ربما كان لزيدٍ ابن يُسَمّى عَمْرًا ، فأراد أن يَبَرَّ فيه أباه عبد الله ! |
فَطَحْطَحْتُ سَدًّا سَدُّ يَأْجوجَ دونَه مِنَ الْهَمِّ لَمْ يُفْرَغْ عَلى زُبْرِه قِطْر |
من ها هنا أخذ المتنبي قوله الذي افتتنت به دائما : " كَأَنّي دَحَوْتُ الْأَرْضَ مِنْ خِبْرَتي بِها كَأَنّي بَنَى الْإِسْكَنْدَرُ السَّدَّ مِنْ عَزْمي " ! |
آخِرُ عَهْدي بِه صَريعًا لِلْمَوْتِ بِالدّاءِ مُسْتَكينا الْمُسْتَكينُ الذَّليلُ الَّذي قَدْ ظَهَرَ الْبُؤْسُ عَلَيْهِ (...) . وَكانَ أَبو عَليٍّ الْفارِسيُّ يَعيبُ عَلى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، كانَ سَأَلَهُما عَنِ اشْتِقاقِ اسْتَكانَ ، فَقالا : مِنَ السُّكونِ . وَقَدْ يَجوزُ أَنْ يُفْجَأَ الْإِنْسانُ بِالْمَسْأَلَةِ ، فَيُخْطِئَ فيها وَهِيَ الْهَيِّنَةُ . وَوَزْنُ اسْتَكانَ اسْتَفْعَلَ ؛ وَأَصْلُهُ اسْتَكْوَنَ ؛ وَلَوْ كانَ مِنَ السُّكونِ لَوَجَبَ أَنْ يُقالَ : اسْتَسْكَنَ ؛ وَإِنَّما أُخِذَ مِنَ الْكَوْنِ لِأَنَّهُمْ يَقولونَ لِلشَّيْءِ إِذا تَوَلّى : هذا شَيْءٌ كانَ ، أَيْ هُوَ السّاعَةَ قَدْ نَقَصَ وَاضْمَحَلَّ ؛ وَلِذلِكَ قالوا لِلرَّجُلِ الْمُسِنِّ : كُنْتيٌّ ، أَيْ يُحَدِّثُ ، فَيَقولُ : كُنْتُ ، وَكُنْتُ ؛ فَكَأَنَّ قَوءلَهُمُ : اسْتَكانَ ، أَيْ ضَعُفَ ، وَصارَ مِنَ الْأَشْياءِ الَّتي يُخْبَرُ عَنْ حالِهَا الْماضِيَةِ فَيُقالُ : كانَ مِنْ أَمْرِها كذا ! |
ولكن للرجلين شيعة وحجة ؛ فهو على " افتعل " من السكون ، ثم زيدت فيه الألف شذوذا ، كما زيدت في ألفاظ من اللغة . |