أبو زكريا التبريزي

ثامر إبراهيم المصاروة

الشاعر العباسي المغمور

(أبو زكريا التبريزي)

ثامر إبراهيم المصاروة

[email protected]

يقول عماد الدين الأصفهاني :

" لا يكتب إنسان في يومهِ إلا قال في غده : لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد هذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".

( أبو زكريا التبريزي )

421 502ه / 1030 1109م

هو يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام الشيباني التبريزي  المعروف بالخطيب، كانت له معرفة تامة بالنحو واللغة قرأ على أب العلاء المعري وغيره، وتخرج عليه جماعة كبيرة من العلماء . ([1] )

وكان ثقة في اللغة، ودرس الأدب في المدرسة النظامية ببغداد، نشأ في تبريز، ودخل مصر في عنفوان الشباب، وعاد إلى بغداد حتى مات فيها فجأة، وكانت له قريحة شعرية، ومن أهم مؤلفاته :

1)  الوافي في العروض والقوافي : منه نسخة في دار الكتب المصرية، ومعه في مجلد واحد كتاب العروض لابن الحاجب، ومنه نسخة في برلين باسم الكافي، وهو اسم الحقيقي . ([2])

2)  الملخص في إعراب القرآن : في باريس

3)  شرح المعلقات : وتُعرف بالقصائد العشر، طبع في كلكتا سنة 1891 .

4)  شرح الحماسة : طُبع في يونية سنة 1828  1847 في مجلدين، وفي كلكتا سنة 1859 .

5)  شرح ديوان أبي تمام : في لندن .

6)  شرح سقط الزند : منه نسخ في أكثر مكتبات أوروبا .

7)  تهذيب اصلاح المنطق : أصله اصلاح المنطق لابن السكيت، فهذبه التبريزي بحذف المكرر، وتفسير الغامض، وإصلاح الخطأ، والمراد به ضبط لفظ الكلمات التي تختلف معانيها باختلاف حركاتها، أو تتشابه معانيها مع اختلاف حركاتها حسب أوزان الفعل الأصلية  وما تغلط به العامة فتجعل واوه ياء، أو تفتح مكسورة، أو بالعكس، أو ما ينطقون به على صيغة الثلاثي، وهو رباعي مزيد ونحو ذلك .

منه نسخة في دار الكتب المصرية في 1352 صفحة ( 676 ) خط قديم ترجمته في ابن خلكان 233 ج2 وطبقات الأدباء 443 . ([3] )

وقد تتلمذ على يده وأخذ عنه الفقيه الشيح الحافظ إمام المحدثين أبو الطاهر، أخذ عن أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي العالم باللغة . ([4])

ومن رواياته التي ذكرها لنا أنه يقول : كنّا نقرأ اللغة على الحسن بن الدهان يومًا وليس عليه سراويل، فانكشف عورته فقال له من كان يقرأ عليه معنا : أيها الشيخ قمدك فتجمع ثم انكشف ثانية، فقَال له ذلك الرجل : أيها الشيخ عردك فتجمع ثانيًا، ثم انكشف ثالثًا، فقال له ذلك الرجل : أيها الرجل عجارمك فخجل الشيخ وقال له : أيها المدير ما تعلمت من اللغة إلا هذا المردريك .

وذكر السمعاني في الذيل سمعتُ أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيبرون المقرئ يقول : أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ما كان بمرضى الطريقة كان يد من شرب الخمر ويلبس الحرير والعمامة المذهبة، وكان الناس يقرءون عليه تصانيفه وهو سكران، فذاكرت أبا الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيبرون، فسكت وكأنه لم ينكر ذلك ثم قال : ولكن كان ثقة في اللغة وما كان يرويه وينقله . ([5])

وولي ابن الخطيب تدريس الأدب بالنظامية وخزانة الكتب فيها، وانتهت إليه الرياسة في اللغة والأدب، وسار ذكره في الأفاق ورحل الناس إليه، وقد توفي فجأة يوم الثلاثا ليلتين بقيتامن جمادى سنه اثنتين وخمسمائة، وكانت ولادته سنه إحدى وعشرين وأربعمائة، وصنف شرح القصائد العشر ملكّه بخطه، وتفسير القرآن، وإعراب القرآن، وشرح اللمع لأبن جني، وشرح المقصورة الدريدية، وشرح سقط الزند، وشرح المظليات، وتهذيب إصلاح المنطق، ومقدمة في النحو، وكتاب مقاتل الفرسان، وشرح السبع الطوال وغير ذلك ومن شعرهِ

 فمن يسأم من الأسفار يومًا          فإني قد سئمتُ من المقام

 أقمنا  بالعراق  إلى رجال          لنام ينّمون إلى لنام ([6] )

فيقال بأن أبو زكريا التبريزي كان يقرأ على أبي العلاء أحمد بن سليمان المهدي فأتاه رسولٌ من عند أهلهِ من تبريز فجاء حلقة أبا العلاء فسأل عنه فأخبر أنه غائب في بعض شأنه فقال له أبو العلاء ما تريد بهِ قال جئت برسالةِ من عند أهله فقال هاتها حتى نوصلها إليه قال إنها مشافهة قال فاسمعناها حتى نوصلها إليه قال إنها بالفارسية قال لا عليك إن تسمعناها ولا تسقط منها حرفًا فأوردها عليه .

فلما جاء التبريزي أخبر أن رجلاً جاء من تبريز ومعه رسالة من أهلك فقال ليتكم أخذتموها منه فإني مشوق لما يرد من أخبارهم إني سمعتها منه وحفظتها ثم أملاها عليه فجعل التبريزي يضحك مرة ويبكي مرة فسأله أبو العلاء عن ضحكة وبكائه فقال تارة تخبرني بما يسرني فأضحك، وتارة تخبرني بما يحزنني فأبكي . ([7])

وفي سنة اثنتين وخمس مائه توفي أبو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة، صاحب التصنيف، أخذ اللغة عن أبي العلاء المعري، وسمع من سليمان بن أيوب، وكان شيخ بغداد في الأدب، وسمع الحديث لمدينة صور من الفقيه أبي الفتح سليم بن أيوب الرازي وجماعة .

وروى عنه الخطيب الحافظ أبو بكر وغيره من أعيان الأئمة، وتخرج عنه خلف الأحمر وتلمذوا له، وصنف في الأدب كتبًا مفيدة منها شرح الحماسة وشرح المتنبي وشرح المفظليات في علم العروض والقوافي، وشرح سقط الزند للمعري، وله الملخص في إعراب القرآن في أربع مجلدات، ودرس الأدب في حنش نظامية في بغداد، ودخل مصر فقرأ عليه ابن بابشاذ شيئًا من اللغة . ([8])

وقد روى للأصمعي الفرنوي عن هبةِ الله المعروف بابن الشجري قال : حدثني أبو زكريا التبريزي قال كنت أسأل المعري عن شعرٍ أقرؤُه عليه فيقول لي : هذا نظمٌ جيدٌ، فإذا مرُ بهِ بيتٌ جيدٌ قال يا أبا زكريا التبريزي هذا هو الشعر .

وأما الشعر فيحتاجُ إلى ألآت، وفيه ألقابٌ وله مواصفات، ونحن نذكرُ ذلك مجملاً، ونشرحُه مُفصلاً، ولا نقصد فيه الترتيب، إذ تَقديمُ فصلٍ على فصلٍ مفتقَر إلى التهذيب .

في الشعر، 1  النحو 2  والبلاغة 3  والفصاحة 4  والحقيقة والمجاز

 5  والصنعة والمصنوع 6  وإقامة الوزن 7  والقوافي 8  والألقاب وهي أ  الإشارة ب  الكناية، وتسمى التتبيع 9  والموازنة وهي المماثلة

10  الطباق .... ([9] )

كما ذكرنا سابقًا بأن الأوصاف سابقة الذكر هي أوصاف الشعر وخصائصه عن الشاعر التبريزي، فأخذ ذلك عن أستاذهِ أبو العلاء المعري العالم باللغة، فالشعر له مواصفات وألقاب .

له في فتح خَرُشنهٌ، وما يسرّ الله تعالى على يد الصاحب نظام الملك من اسنّزال فَضلون عنها، ويثة الطلب على أثرهِ، وهو في الهرب يجدُ حتى رُدُ، وقد أحاط بقدِه القِدُّ قصائد :

هـنـيـئًـا لملانا العُلا وسُعودهُ
هـو  الماجدُ المرجوُّ فيضُ نوالِهِ
وما زلتُ أشكو من زماني صرفه
عصى  أمره راعي الرُّعاة iiلجهلهِ



وأُرِغـمَ  شـانـيهِ وكُبَّ iiحسودُهُ
وكـعـبُ الندى والُمنذران iiعَبيده
إلـى أن بدت لي من ذَراه iiسُعوده
فـأمـسـى يُـغني بالنذير iiقُيودُه

قلت : لست أرضى لمثل هذا الفتح بمثل هذا الشرح، وقد اتفقت لي منه نوتيه شغلتُ بأوصاف هذه الحالة، مطلعها ومشرعها ومقطعها، ولم أستطردُ من معناها إلى معنى سِواها، وهي :

وفَـتِ السعودُ بوعدها iiالمضمونِ
وعَـلا  لـواءُ المسلمين وشافهوا
وأضـاءتِ الـدنيا وسُلُّ صباحها
واخـضـرٌ  مغبرُّ الثرى iiفَنَسيمُه
إن الـحـديثَ لذو شجونٍ iiفاسّمع
والحربُ  تنِكح والنفوس iiمُهورها
والـبـيـضُ  تقمرَ والغبار iiكأنه
وتـدّبـرت عُصمُ الوُعول iiمكانه







وتَـرادفـت  بـالـطائِرِ الميمونِ
تـحـقـيـق آمـالٍ لهم iiوظُنونِ
مـن بـين جانحتي دُجىً iiودجُونِ
يُـثـنـي عـلى سُقيا أجشَّ هَونِ
أحـلـى حـديـثٍ بل ألذُّ iiشُجونِ
مـا  بـيـن أبـكارٍ تُزفُّ iiوعونِ
خِـرَقٌ شُـققنَ من الدآدي iiالجُوفِ
وغَدا كضبِّ بالعَراء مَكونِ ([10])

ومن شعره أيضًا :

أبا  جعفر  يا دميم المحيا          طبعت  على  قالب  القبح طبعا

كثير قليل فضولا وفضلا          خفيف ثقيل دماغا وطبعا([11])

ومن أخباره بأنه قد ذكر في شحه ديوان المتنبي أن المتنبي لما قصد مصر، ومدح كافورًا، مدح الوزير أبا الفضل المذكور بقصيدتهِ الرائية التي أولها :

بادك هواك صبرت أو لم تصبرا

وجعلها موسومة باسمهِ فتكون إحدى القوافي جعفرًا، وكان قد نظم قوله في هذه القصيدة  

صغت السوار لأني كف بشرت      بابن العميد وأي عبد كبرا

وذكر الخطيب أيضًا في الشرح أن قول المتنبي في القصيدة المقصورة التي يذكر فيها مسيره إلى الكوفة، ويصف منزلاً ويهجو كافورًا، ومنها :

وماذا بمصر من المضحكات          ولكنه   ضحك   كالبكا

بها  نبطي  من  أهل السواد          يدرس أنساب أهل الفلا

وأسود     مشفره     نصفه          يقال له أنت بدر  الدُجى

إن المراد بالنبطي أبو الفضل المذكور، والأسود كافور، وبالجملة فهذا القدر ما عض منه فما زالت الأشراف تُهجى وتُمدح . ([12])

              

(1) :  جرحي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، الجزء الثالث، ص 38 + 39 + 40، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت  لبنان .

(2) :  اليافعي، مرآة الجنان وعبرة اليقضان، الجزء الثالث، ص 172، أكد التسمية السابقة .

(1)  جرحي زيدان، المرجع السابق، ص 38 + 40 .

(2)  المقري التلمساني، أزهار الرياض في أخبار القاضي غياض، طبع سنة 1978، برعاية الصندوق أحياء التراث الإسلامي .

(3)  ياقوت الحموي، معجم الأدباء، باب الياء، ص 285 + 286 .

(1)  ياقوت الحموي، المرجع السابق، باب الياء، الجزء السابع، ص 286 .

(2)  الوطواط، غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائض الفاضحة، طُبع لأول مرة في مصر سنة 1284، دار الكتب المصرية، ويوجد نسخة من الكتاب بخط الوطواط في تلك الدار، أنظر لخاتمتها في ترجته في أعلام الزركلي .

(3)  اليافعي، مِرآة الجنان وعبرة اليقضان، الجزء الثالث، ص 172 + 173، دار الكتب العلمية، بيروت  لبنان .

(1)  انظر في نظرة الاغريض في نصرة القريض، المظفر العلوي، في فصل وصف الشعر وأحكامه، كما نلاحظ بأن هذه أوصاف الشعر عن التبريزي ؛ لأنه تلميذ المعري فأخذ من أستاذه، طبع في دمشق، سنة 1976، بتحقيق الدكتورة نهى عارف الحسن، وللمزيد أنظر في مقدمة الدكتورة نهى عارف الحسن .

(1)  الباخرزي، دمية القصر وعصرة أهل العصر، الجزء الأول، ص 261 + 271 ، دار الكتب العلمية، بيروت  لبنان . ( يوجد نص الخبر كامل مع الشعر الذي قيل في تلك المناسبة ) .

(2)  الإمام الرافعي، التدوين في أخبار قزوين،، الجزء الثاني، طبع سنة 1985 في أربع مجلدات .

(3)  ابن خلكان، وفيات الأعيان وأبناء أهل الزمان، الجزء الثاني، ص 233 + 243، طبع لأول مره في جوتنجن سنة 1835 .