المناهج النقدية الحديثة في ضوء التصور الإسلامي

المناهج النقدية الحديثة في ضوء التصور الإسلامي

الظاهراتية ومنهج التأويل


د. رمضان عمر

[email protected]

رئيس رابطة أدباء بيت المقدس / فلسطين

ولدت الظاهراتية في  خضم الجدليات الفلسفية  التناقضية التي  تنازعت الفكر  والإنسان،  ولعل الظاهراتية جاءت  كرد  مباشر على البنيوية التي  عزلت الذات عن النص.  واستقلت به؛ فجاءت الظاهراتية لتعلي  من شأن الذات،  وتجعل  النص  مرهونا بالقصدية.

والظاهراتية أو "الفينومينولوجيا" (Phenomenology) تحب  أن تقدم نفسها باعتبارها مدرسة فلسفية فكرية،  تعتمد على الفكرة الحدسية لحدس الظواهر  كمنطلق لها، معتمدة على الوعي  لتحديد  أو شرح  ماهية الموجودات، بما في ذلك النص  ودلالته .

غير  أن الظاهراتية لا  تدعي  الوصول إلى حتميات  مطلقة فيما يخص  الظواهر  التي  تتحدث  عنها ، بل  تعتمد  على الوعي  الإنساني  في هذا.

ورائد هذه الفلسفة (هوسرل) -1938) اعتاد عند تقديم فلسفته على التعبير عنها بوصفها منهجا،بل نقرأ في معجم الفلسفات الكبرى": "إن الفينومنولوجيا منهج و أسلوب في البحث أكثر من كونها مجموعة من النظريات التي يمكن مقاربتها كنسق مغلق و مكتمل.

والظاهراتية تجعل  من المتلقي أساسا لقراءة النص  الأدبي،  مهتمة بالذات، وبالإنسان.وهي ترى أن القارئ حينما يقرأ النص  إنما  يحاول أن يجد  معنى  محددا يريده  دون سواه،  وإن احتملت القراءة معاني  أخرى.

ومن هنا فقد  خرجت التأويلية من رحم الظاهراتية،  مع أننا  نعلم أن  أصول  التأويل قديمة، وهي  مرتبطة بتلك  المحاولات الدينية التي  قام بها شراح التوراة  والإنجيل .

بل  عندنا نحن في التفاسير الدينية  منهجا تأويليا في التفسير إضافة إلى مناهج أخرى تحتمل  أو تقترب  من المنهج التأويلي  فعندنا :التفسير العقلي عند المعتزلة،والتفسير الباطني  كما عند الطبرسي ، وتفاسير الاشراقات  كما  عند المتصوفة.

والتأويل في الأغلب  الأعم يرتبط  بدلالة  ما، ربما عبر عنها البعض  بالدلالة العميقة، وهي عكس  المعنى الظاهر أو المباشر،  وهذا يعني  تعدد  التأويلات  والفلسفة الظاهراتية التي ارتبط بها التأويل تؤمن بالقصدية.

وبدون القصدية لا يكون  هناك  وعي،  ولا  وجود  ؛فالوجود  مرتبط بالإدراك،  والوجود  مرتبط بالوعي،  ومن  هنا نشا الاختلاف الواضح بين الظاهراتية  والبنيوية، فالوجود  عند البنيويين  غير مرتبط بالوعي، أما الوعي  عند  الظاهراتية فهو ذاتي  متعال،ومن هنا؛ فان الوجود  عندهم مرتبط  بالوعي  والإدراك.

وإذا كان الوعي موجود ،كما ترى الظاهراتية، فإن هذا الوجود  قد يكون  متحققا فعلا  من خلال  إدراك الوعي،  أو معلقا عند غياب  الوعي 

وهنا نخلص إلى موضوعنا الأساس  في هذا الجانب،  وهو البنية؛ فان هذه  البنية لن تكون مستقلة كما أرادها البنيويون ، بل لا بد  من  ارتباطها بالوعي.

وقد  جاء بعد ( هوسرل)  و(هايدجر)  نقاد  حاولوا التقليل من هذا التعالي، وتحدثوا  عن التجربة الواقعية المعيشة، مما يؤكد  عدم استقرار هذا المنهج، واضطرابه في أذهان الغربيين أنفسهم.