صفاء تسأل أيضا
صفاء تسأل أيضا
قصة أطفال لإبراهيم جوهر
القدس: من جمال غوشة
عن مركز اوغاريت الثقافي في رام الله صدرت قصة للأطفال بعنوان " صفاء تسأل أيضا
" للأديب إبراهيم جوهر ، وتقع القصة التي أبدع رسوماتها عبد الجبار دويكات في
16صفحة من الحجم المتوسط ، وقد كانت هذه القصة محور النقاش في ندوة اليوم
السابع الايلوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني - الحكواتي سابقا - في
القدس.
جميل السلحوت قال:
إبراهيم جوهر أديب فلسطيني متميز، ولد عام 1957 في جبل المكبر احد ضواحي القدس
الشريف، يحمل ليسانس لغة عربية ودبلوم تربية من جامعة بيت لحم، وماجستير أدب
أطفال من جامعة القدس، ويعمل محاضرا في كلية الآداب للبنات في جامعة القدس، بدأ
الكتابة في سن مبكرة، حيث نشرت له الصحف المحلية وهو في المرحلة الثانوية، ومن
الأعمال التي صدرت له:
الديك المغرور: "قصة للأطفال" منشورات المكتبة الفضية 1986
الأرض في القصة القصيرة الفلسطينية: "دراسة" منشورات مركز الأبحاث 1987
تذكرة سفر: "مجموعة قصص قصيرة"، منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين القدس 1988
الثقافة والانتفاضة: "دراسة مشتركة" منشورات دار العودة – القدس 1990
سر الغولة: "مجموعة قصص للأطفال" منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين – القدس
1998
قمر سعاد: "قصة للأطفال" منشورات اوغاريت رام الله 2004.
صفاء تسأل ايضا"قصة للاطفال، ونحن بصدد الحديث عنها.
القيم في أدب الأطفال الفلسطينيين وسمات الشخصية رسالة ماجستير غير منشورة –
جامعة القدس.
تطرح قصة "صفاء" قضية مهمة جدا، وهي تنمية الخيال عند الأطفال، والعمل على
تنمية قدراتهم واهتماماتهم، والإجابة على التساؤلات الكثيرة التي يطرحونها،فمن
المعروف أن الأطفال كثيرو الأسئلة ويريدون معرفة كل شيء في سن مبكرة، وعلى
الكبار أن يجيبوا الأطفال بما يتناسب وأعمارهم.
ويبدو من خلال القصة ان تساؤلات الاطفال وخيالاتهم مهمة بالنسبة لهم مثل اهمية
اللعب، لذا فان الكاتب لم يغفل اهمية اللعب، فصفاء التي اعجبها منظر الغياب،
وسرعان ما شبهته بالطحين الذي يغطي يدي امها قبل ان تعجنه، صفاء هذه " لعبت هذا
النهار كثيرا، قفزت وتشقلبت، ووضعت الالعاب فوق السير، ومثلت دور المعلمة، ص 4
اذن خيالها يقودها الى التشبيه والمقارنة مرتين، الاولى عندما شبهت وقارنت
الضباب بالطحين، الثانية عندما قلدت دور المعلمة، ثم جاءت الثالثة. بتقليدها
لزميلها حسام، وها هو دورها يستمر بتمثيل عدة شخصيات من خلال خيالها الواسع،
وكانها تقدم مسرحية "مونودراما" التي يمثلها فنان واحد، ويقدم فيها عدة شخصيات،
وحسام يخبر "معلمته" عن مراقبته للشمس ويتساءل: "اين تختفي الشمس؟ ومن يرافقها؟
وهل تحسن السباحة" ص8 ثم يضيف "انا يا معلمتي احب طرح الاسئلة، هل انا مشاكس" ؟
ص 8 وهذا فيه رد على الكبار سواء كانوا والدين، او معلمين او اي شخص اخر، الذي
ينزعجون من اسئلة الصغار، وحسام هذا الذي بطرح الاسئلة الكثيرة لا يسأل معلمته
فقط بل يسأل زملاءه واصدقاءه ايضا " ص 10 ولا تقتصر الاسئلة على حسام وحده،
فزملاؤه الذين يسعدون باسئلتة يسألون هم ايضا" تقول صفاء لأمها: انا اسأل كما
يسأل حسام " ص 10 " وسمسمة تسأل صفاء : ماذا قال حسام عن اختفاء الشمس " ص 10،
وصفاء فرحة باسئلة سمسمة فتجيبها "ها انت يا سمسمة تسألين" ص 10 ، فهل اصبح
حسام قدوة لزملائه في الصف؟؟ والاجابة نعم، انه كذلك، فقد قلده زملاؤه فاصبحوا
يسألون مثله، لكن الاطفال الذي فرحوا وضحكوا حتى سالت الدموع من عيني صفاء
لانهم بدأوا يسألون ويسألون، لم يجيبوا على الاسئلة التي طرحها حسام عن الشمس،
فمعلوماتهم قاصرة عن الاجابة، اذن ما العمل ؟ ؟ واين الجواب ؟ ؟ " قالت صفاء:
سأسأل المعلمة غدا اين تذهب الشمس؟ " ص 12 وهكذا فان الجواب عند الكبار، وعليهم
تعليمه للصغار.
وصفاء ايضا التي تشبه ما تعرفه بما تراه، تعرف بالمشاهدة ان الطحين يصير عجينا
بعد ان تضع والدتها الماء عليه، وتتساءل: "ماذا يصبح الضباب عند نزول المطر؟ "
ص 14 والجواب ايضا عند المعلمة، وحسام الذي يتخيل ايضا ويقارن بين الاشياء
يتساءل ايضا " كيف سيكون شكل الاشجار بعد ان يزول الضباب؟ " ص16
جميل الكركي قال
صفاء تسأل ايضا: قصة قصيرة للاطفال، تصور الابعاد النفسية والمعرفية والتخيلية
لهم، في مرحلة ما بين السادسة والتاسعة، واهم هذه الابعاد:
1- يتمتع الاطفال في هذه المرحلة بتفكير يوائم بين الواقع والمحسوسات، ويبدو
واضحا في اطلالة صفاء من شرفة منزلها، واعجابها بلون الضباب، وموازنته بلون
الطحين الذي يغطي يدي امها، وهي اطلالة تكشف عن امرين: اما الاول فهو الربط بين
المحسوسات لتفسير مظاهر الطبيعة، واما الثاني فهو التأكيد على العلاقة بين رغيف
الخبز الذي يغذي الجسم، وبين الاطلالة التأملية التي تغذي الفكر، فلا قيمة لجسد
قوي لا يزينه عقل مفكر.
2- يتجاوز تفكير الاطفال في هذه المرحلة تأمل المحسوسات من مظاهر الطبيعة ، إلى
الاستفسار عما تخفيه من اسرارها، لذا يراقب حسام الشمس وقت الغروب ، وهو واقف
خلف حجر كبير قرب شاطئ البحر ، ويتساءل : أين تختفي الشمس ؟ وهل تحسن الشمس
السباحة ؟ " ويرصد القمر ليلا متسائلا: لماذا يظهر القمر في الليل ؟ واين يختفي
في النهار ؟
3- يتميز الاطفال في هذه المرحلة باللعب الحر وقوة الخيال الايهامي . فصفاء
تجلس في غرفتها مع ما لديها من الدمى ، وتمثل معهم موقفا صفيا قامت فيه بدور
المعلمة حينا ، وقلدت فيه شخصية صديقها حسام حينا آخر ، وانطق خيالها هذه الدمى
، فحاورتهم ، وحاوروها .
4- ويمتاز الاطفال في هذه المرحلة بكثرة التساؤل عن كل شيء يحيط بهم في بيئتهم
الواقعية ، وعما يشاهدونه من مظاهر الطبيعة ، وهذا التساؤل فطرة طبيعية في
الاطفال يثيرونه حبا في تفسير ما حولهم ، وسعيا الى الكشف عن حقيقته ، كتساؤل
صفاء في نهاية القصة : " لكن الطحين يصير عجينا بعد ان تضع امي فوقه الماء ،
فماذا يصبح الضباب عند نزول المطر ؟ " و " كيف سيكون شكل الاشجار والبيوت بعد
ان يزول المطر ؟"
ويتأمل الاطفال انفسهم ايضا ، ويتساءلون لتفسير سلوكهم ، فحينما تضحك صفاء ضحكا
طويلا تملأ الدموع عينيها ، فتتسائل : " ما هذه الدموع ؟ لماذا تملأ الدموع
عيني وانا اضحك ؟" .
5- يحاكي الاطفال في هذه المرحلة المعلمة ، فهي القدوة لهم في سلوكهم ، وهي
ملاذهم للإجابة عن تساؤلاتهم ، فصفاء تحاكي المعلمة وتمثل دورها مع الدمى التي
تلاعبها ، وتأمل ان تتقبل المعلمة ما تثيره وطلاب صفها من تساؤلات ، وان تجيب
عنها بمحبة وسعة صدر .
6- ويحب الاطفال في هذه المرحلة ما يقص عليهم من حكايات الحوريات البحرية
والخيالية ، لذا تخيل حسام الشمس حين تغيب حورية تستحم في البحر ، فقال: " إن
الشمس تغطس في البحر ، وانها تبقى تستحم وتستريح حتى تعود في صباح اليوم التالي
. "
7- وتتصف الاناث في هذه المرحلة بالهدوء والوداعة ، بينما يميل الذكور الى
المشاكسة وكثرة الحركة ، لذا عندما تقمصت صفاء دور المعلمة خاطبت حساما قائلة :
" اما انت يا حسام ، فانك مشاغب ومشاكس " . وهي في هذا الموقف تتخيل قول
المعلمة له، وتردده .
إضاءات نقدية
1- تتطلب الكتابة للاطفال من الاديب ان يكون ذا خبرة في سيكلوجية الطفل ،
ومراحل نموه الوجداني والمعرفي والتخيلي ، ولا شك – في ضوء ما ذكرته سابقا – ان
المربي ابراهيم جوهر كاتب قصة ( صفاء تسأل ايضا ) يتحلى بهذه الخبرة .
2- بدأت القصة وانتهت باطلالة تأملية قامت بها صفاء من شرفة منزلها ، وما
الشرفة الا رمز الى استشراف الطبيعة ، واكتشاف كنهها .
3- غالبا ما يسير الحدث في قصص الاطفال لهذه المرحلة الى الامام ، ولكن الكاتب
رجع به الى الخلف مصورا اللعب الحر الايهامي ، الذي مارسته صفاء في غرفتها مع
ما عندها من الدمى، ولعل سبب ذلك رغبته في الكشف عن الابعاد النفسية والوجدانية
والتخيلية لدى الاطفال ، مما اضفى على القصة صبغة تأملية معرفية .
4- اما صفاء – هذه الطفلة الوديعة الذكية – فقد اجاد الكاتب في تصويرها ، الا
انه قسا عليها حين وصفها في هذه العبارة : " شعرت صفاء بالتعب ، لعبت هذا
النهار كثيراً ... " ، لان هذا الوصف لا يتلاءم مع طموحها في تأمل ماهر للطبيعة
، بل يعوقه ، ويقص أجنحة الخيال الذي يحلق بها ولن يكون اللعب الحر المعزز
بالخيال الايهامي سببا في شعور صفاء بالتعب ، بل هو مبعث سرورها ، وتعبير عن
ذكائها .
5- ومادام الهدف من القصة تصوير طبائع الاطفال في تأمل " الطبيعة " وكثرة
التساؤل عن اسرارها ، رغبة في الوصول الى حقيقتها ، فانه من الافضل لشخصية صفاء
ان تخرج الدمى الى النور ، الى الشرفة ، لتمارس اللعب الخيالي الايهامي معهم
فيها ، لان الشرفة رمز الى اكتشاف المعرفة .
6- وبناء الحدث في القصة قام على السرد المباشر حينا ، والحوار الداخلي لدى
صفاء حينا آخر، وعلى الحوار الخارجي الذين اوجده خيال صفاء من خلال لعبها مع
الدمى، ولغة القصة مناسبة للحجم اللغوي للاطفال في مرحلة ما بين السادسة
والتاسعة .
7- واخيرا تذكرني قصة ( صفاء تسأل ايضا ) بقصة ( حي بين يقظان ) وهو طفل صغير
يعيش في جزيرة خالية من الناس ، ويرصد مظاهر الطبيعة ويتأملها سعيا الى تفسير
اسرارها .
اسعد ابو صوي قال:
قصة اطفال للكاتب الاستاذ ابراهيم جوهر تقع في ستة عشر صفحة ، تتخللها سبعة
رسومات بحجم سبعة صفحات ، مضافا اليها رسومات صغيرة على يمين صفحات القصة ،
بحيث تعطي مدلولا لمحتوى السطور ، ما عدا الصفحة الاولى والاخيرة حيث جاءت
الرسوم والسطور مدمجة في الاولى ومشتركة في الصفحة الاخيرة .
صفاء طفلة تحب اللون الابيض ، ومنه لون الضباب والذي تراه ايضا على يدي امها
وهي تحضر العجين، وجاء الربط بين الضباب وذرات الطحين ليقرب الصورة للطفل حتى
ترسخ في ذهنه اولا للمقارنة: وثانياً: لهدف الكاتب الذي سيلي فيما بعد وفي
الصفحة الرابعة، حيث جاء التصوير اكثر وضوحا، إلا ان اخر سطرين في الصفحة لا
يمثلان ما يحكيه لنا الرسم، فحبذا لو كان للسطرين مكان على الصفحة السادسة
خصوصا ان هناك مجالا يساعد على ذلك .
في الصفحة السادسة يبدأ الحوار بين صفاء والعابها، وقد ذكرت ثلاثة اسماء
للالعاب تباعا بحيث يبدأ الطفل القارئ بالسؤال ؟ ترى من هي بطبوطة ؟ خصوصا وان
بطبوطة غير موجودة في الرسم المصغر ، والذي من المفروض ان يعبر عن مجمل ما يدور
في الحوار ، اسم بطبوطة منطقي للطفل ، ويستطيع التعرف على صاحبة الاسم ، وربما
سمسمة كذلك ، الا ان حسام وهو الدب يبدو للوهلة الاولى عصيا على التعريف ،
خصوصا اذا اراد الطفل معرفة اصحاب الاسماء قبل الاستمرار في القراءة .
وربما كان مقبولا اكثر لو بدل اسم حسام بدبدوب مثلا على غرار بطبوطة، مع ان
حسام اقرب للتشبيه بطفل في المدرسة ، يسأل الاسئلة .
يقول حسام : انا يا معلمتي احب طرح الاسئلة فهل انا مشاكس ؟ ؟ كلا فطرح الاسئلة
شيء جيد ويدعو للمعرفة ، وهذا هو بيت القصيد في القصة .
دعوة للاستفسار والتفكير وتشجيع على المعرفة . صفاء تمسح دموعها بعد الضحك
الطويل ، فالدموع بالنسبة للطفل تعني البكاء ، فلماذا تملأ الدموع العينين وقت
الضحك ايضا ؟ ؟ سؤال يطرح للنقاش وللبحث ، وايضاح دور المعلم هنا يبدو اكثر
وضوحا ً ، اذ ان المعلم ليس من يعلمنا ما يريد ، بل يمكن ان يعلمنا اشياء نريد
معرفتها عن طريق طرحنا للاسئلة وتوجيهها اليه !
الكل يسأل " واصبحنا نحب الاسئلة " .. ! !
وتبرز في القصة ايضا دعوة لمقارنة الاشكال والالوان بعضها ببعض ، مقارنة تقود
الى تسهيل معرفة الاشياء ، فالضباب يشبه الطحين ، من حيث اللون والشكل ، ويختلف
في ماهيته ، حيث يصبح الطحين عجينا ، اما الضباب فاين يختفي ؟؟
وتاتي العصارة في آخر القصة ، فصفاء تحب طرح الاسئلة وتحب ان تشبه الاشياء التي
تراها باشياء تعرفها .
خليل سموم قال :
قصة مليئة – رغم قصرها – بالقيم التربوية الايجابية ، وسأتناول هذه القصة من
هذه الناحية فقط ، لكنني ساركز على القيم التربوية الرئيسية التي طرحت للاطفال
باسلوب غير مباشر.
فالقصة ، ومن خلال علاقة صفاء مع العابها ، تشد ذهن الطفل القارئ الى وجوب بناء
علاقة حميمة مع العابه .
والقصة ، ومن خلال حب صفاء لمرآى امها وهي تعجن الطحين ، تلفت منظر الاطفال الى
ضرورة الاعتزاز بكثير من عاداتنا الجيدة التي يكاد بعضها ينقرض .
والقصة ايضا تلفت نظرا الاطفال الى وجوب طرح الاسئلة، سواء بتوجيهها لانفسهم او
الى الاخرين ، فطرح الاسئلة ، الذي يجب ان يتوفر له اجوبة، يزيد من معلومات
الطفل ، ويفتح ذهنه ، ويزيد من جرأته .
اضافة الى ذلك ، فالقصة تلفت نظر الاطفال الى ضرورة ، استعمال عناصر النظر الى
الاشياء بتمعن ، والمقارنة فيما بيها، والتعوّد على تشبيه شيء بشي آخر .
واخيرا ، فانه من الطبيعي ان يركز الاستاذ ابراهيم جوهر في قصته على القيم
التربوية ، نظرا لكونه مربيا ، يهمه غرس القيم التربوية الايجابية عند طلابه ،
ويعمل على ذلك يوميا .
محمد موسى سويلم قال:
دخل الكاتب الى مجموعة كبيرة من الاسئلة تصادف الاطفال في كل المجالات، وكل
مراحل الطفولة، والتي تجد اجابة سواء كان ذلك من الاهل او من المربين (
المعلمين ) وذلك ان بعض الاسئلة تكون ذات مدلول لم يصل اليه بعض الوالدين، نظرا
لعدم ادراكهم فن الاجابة، او عدم معرفتهم الاجابة، ونظرا لان بعض المعلمين في
غنى عن الاجابة لحاجتهم الى مطالعة والى كيفية الاجابة وهل هي ضمن الاختصاص ام
لا ... الخ ..
خيالات الاطفال واسعة جدا وقدرتهم على التخيل اوسع ثم التقليد عن الاطفال قد
يصل في بعض الاحيان مرحلة الاتقان التام .
يوم دراسي كامل بحثت صفاء في الجغرافيا وحالات الطقس والتربية وعلم النفس
والمسرح والتمثيل والخيال والرسم والجمال والفلك والفرح والرجوع الى المراجع .
قصة تبحث في طفولة مبكرة، وتطرح اسئلة عادة ماتدور في ذهن مثل هذا السن، فهل
سيقرأ الاطفال مثل تلك القصص ليولد لديهم حب الاستطلاع والمعرفة والمشاكسة وطرح
الاسئلة ثم لا يجدون جوابا؟ ام انها للتسلية لا غير، ثم لأي سبب كانت؟ لماذا لم
يجب الكاتب عن الاسئلة وكفى الله المؤمنين شر القتال؟ يقرأ الطفل القصة، ويجد
ضالته من استمتاع بالقراءة ومعلومات جديدة بدل ان يقرأ ويعود للبيت بكم هائل من
الاسئلة التي قد يعجز عنها الاهل والمعملون احيانا .
طرحت القصة جملة من التعاليم التربوية :
1- التحرر.
2- التفكير.
3- الخيال والتخيل.
4- تبادل الادوار.
5- طرح الاسئلة العادية والاستنكارية .
لم تغلق القصة باب النقاش ولا حتى باب الخيال، بل تركت الامور تجري مجرى طبيعيا
لمتابعة الحوار وطرح فصول جديدة على الاطفال والمعلمين والاهل .
القصة حبلى بالتشبيهات، المعاني ، الاستعارات المجازات وكأنها لم توضع للاطفال
، القصة ملأى بالخيالات والاحلام فكل سؤال هو قصة، فهي مجموعة من القصص
الفكاهية في قصة مثل.
الضباب والمطر،الشمس والبحر ،الليل والنهار والقمر،الشاطيء والبحر
والحجر،المنجل والطحين.
موسى ابو دويح قال
كتب الاستاذ ابراهيم جوهر قصة قصيرة للاطفال بعنوان " صفاء تسأل ايضا " تقع في
ست عشرة صفحة مزينة بصور ملونة ، حاول فيها ان يغرس فكرة مهمة في نفوس الاطفال
، هي فكرة حب الاسئلة ، حيث ان اكثر الاطفال والكبار عندنا يتهيبون من الاسئلة
، بل لا يجدون الجرأة والشجاعة التي تمكنهم من الاستفسار عن كل ما لا يعلمون ،
وقد يظنون انهم باسئلتهم يكشفون عن جهل لديهم، فيعجب منهم الاخرون ، لذلك
يفضلون عدم السؤال على السؤال ، وما علموا من شفاء العي بالسؤال ، كما جاء في
الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعِيّ الجهل ، فلا شفاء
للجاهل من جهله الا بالسؤال .
ويركز الاستاذ جوهر في قصته على فكرة اخرى هي الخيال ، واطلاق العنان للعقل ان
يسرح ويتخيل ، ولا يبقى محصورا في حدود الواقع المحسوس امامه ، بل لا بد من
الارتفاع والتحليق في الاعالي حتى يضفي الطفل وحتى الكبير على كلامه رونقا
جميلا .
ويظهر لنا في القصة ان اطفالها صاروا يحبون طرح الاسئلة ، ولا يخجلون منها ،
وتغير اسم المشاكس كثير الاسئلة من حسام المشاكس، الى " حسام يحب الاسئلة "
وكذلك تقود الاطفال الاسئلة والافكار منها فصاروا يسألون المعلمة ، ويسالون
زملاءهم واصدقاءهم ، ويسالون اهلهم وكل من يظنون انه يعرف الجواب، وفي رأيي ان
هناك كلمات لو استبدل بها الكاتب غيرها لكانت أجود مثل ما جاء في الصفحة الاولى:
انه لون الضباب ، الضباب الذي تراه على يدي امها وهي تحضر العجين . فلو استبدل
بالضباب الثانية كلمة اللون او العجين لكان افضل " إنه لون الضباب ، لون الطحين
الذي تراه على يدي امها وهي تحضر العجين، فصفاء لا ترى ضبابا على يدي امها بل
ترى الطحين الابيض الذي تعجنه امها.
وكذلك قال عن عملية العجين ، وتبدا بتحريكه ، ولو قال وتبدا بعجينة ، لكان احسن
وقال ياه ولو قال آه لكان اجود ، وقال الضباب في السماء ، والطحين في البيت ،
وامي تعجن في البيت لكان اجمل ، وقال : امس فقط ذهبت الى البحر ، ولو حذف فقط
لكان احسن .
وغاب عن الاستاذ او الطابع ان كلمة اشياء ممنوعة من الصرف مع ان همزتها اصلية،
وهي شاذة عن قواعد اللغة العربية، فوردت في القرآن الكريم ممنوعة من الصرف في
قوله تعالى : " يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء وان تبدلكم سؤالكم "
فوردت في الصفحة الاثنتى عشرة مرتين ؟ ؟ حسام يحب ان يتحمل اشياءً كثيرة "
والصحيح اشياءَ لان الممنوع من الصرف لا ينون ، وكذلك قوله : انا احب ان اقارن
كل شيء باشياء أعرفها " والصحيح باشياء اعرفها ؟ لان الممنوع من الصرف يجر
بفتحة بدل الكسرة .
وكذلك جاءت في الصفحة الاخيرة : وهي تحب ان تشبه الاشياء التي تراها باشياء
تعرفها ، والصحيح باشياء تعرفها . واخيرا القصة تعالج موضوعا مهما عند الاطفال
وعند غيرهم ايضا، وهو حب السؤال والخيال، فغرس هذه الصفة في نفوس الاطفال وهم
صغار مهم ومفيد جدا ، بحيث يعقل الطفل ويبصر ويفهم ويدرك ويعرف كل ما خفي عليه
اذا سأل عنه ووجد الجواب الشافي .
وهذا يذكرني بقصة حدثت مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث احتلم
احدهم في ليله شديدة البرد وكان مشجوجا فسال اصحابه : هل تجدون لي من عذر ؟
فقالوا له : لا بد ان تغتسل وليس لك اي عذر ، فاغتسل فمات ، ولما علم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالامر قال : قتلوه قتلهم الله ، الا اسالوا اذا لم تعلموا
؟ إنما شفاء العي السؤال .
حذام العربي قالت :
قصة للاطفال في كتاب من القطع المتوسط يقع في 16 صفحة من الورق المصقول .
منذ فترة قصيرة اشتركت في حلقة ناقشت شؤون التربية والتعليم ، مستوى التحصيل
التعليمي وقدرة الطفل في الصفوف الدنيا على الاستنباط والاستقراء، وتحدث عميد
احدى الجامعات الاسرائيلية قائلا: لقد استغرقني كثير من الوقت لأستوعب اهمية
ودور ذلك السؤال الذي اعتادت امي، شبه الامية، ان تسألني اياه يوميا، عند رجوعي
من المدرسة، وكان السؤال بسيطا للغاية: " ماذا تعلمت اليوم ان تسأل؟ " لقد شكل
هذا السؤال رافعة وبوصلة واكبت تحصيل ذلك الطالب منذ صفوفه الدنيا وحتى
الاستاذية .
من المعروف ان النظام اي كان، ومن ضمنه النظام المدرسي لا يشكل بيئة صحية
وداعمة للابداع والتفرد والتميز، بل على العكس فيه الكثير من طمس معالم الابداع،
انتزاع بذور الشك (التشكيك) وتهويل التجربة، وتشجيع الوسطية، (المتوسطة) وذلك
تماشيا مع متطلبات المعدل العام للمجموعة الطلابية، وعدم اهدار وقت المجموعة،
الحفاظ على الهدوء، الانضباط والنظام وغير ذلك من القواعد الهامة والاساسية،
التي يتوجب على الطالب الطفل/الفتى تذويتها ايضا ، فهذه الضوابط والالتزامات
ضرورية ايضا للعملية الابداعية، وبالتالي فالمعضلة التي يواجهها ذلك (المعلم)
الذي يدعم ويشجع الابداع ليست بالسهولة التي قد تتبادر الى الذهن من الوهلة
الاولى، انها مسألة المعيار او الكيل السليم الذي يفي بالمطلوب .
فمن ناحية هو والمدرسة كاطار نظامي، انضباطي ملزم وظيفيا، بالمحافظة على النظام
وكبت عنان الاسئلة حتى يستطيع تسيير الامور والقيام بالمهام التعليمية التربوية
المقررة والمجدولة سلفا، والمفروضة عليه لتنشئة الجيل ، لانها المقرر و .. و ..
الخ . ومن ناحية اخرى تهدف العملية التربوية التعلمية ، من حيث تصريح المعنيين
فيها والقائمين عليها (اهالي ومؤسسات) الى صياغة او انتاج جيل من المبدعين
،وهذا يحتم ضمنا الاكثار من الاسئلة ، والخروج عن السياق المفروض ، البحث
والتفحيص والتمحيص في المسلمات ، والعملية التعليمية التثقيفية الابداعية
الذاتية تستدعي التشكك ( التشكيك ) وبالتالي خرق حدود وضوابط النظام وهذا يناقض
ذاك .
ويراوح معظم المدرسين والمربين والاهالي ، بين هذا وذاك مختارين الامساك بالعصا
من الوسط، الامر الذي عادة ما يؤهل لنا الانسان الوسطي ( المعدل عامي ) فيما
عدا تلك القلة التي تحسن الامساك " بالعصا السحرية " دليلا ومرشدا للابداع، ولا
تقبل فقط بافساح المجال للسؤال بل تحض وتحرض عليه .
لو لم اقرأ كتاب صفاء تسأل ايضا لاكتفيت منه بالعنوان، وعلى محورين، المحور
الاول يتعلق " بالبطولة " : فهي لصفاء الطفلة الانثى ، وهذا قليل ما اصادفه في
قصص الاطفال ، قرأت في هذه النص مشروعية البطولة للانثى ( الطفلة هنا ) على
الرغم من نمطية الوظيفة التي تؤديها المرأة الاخرى ( الام مثلا ، تعجن العجين
... الخ وعليه تشفع تلك لهذه ، المحور الثاني يكمن في مشروعية السؤال. لا بل
خامرني شعور اثناء قراءة النص ان الكاتب يحث الطفل القارئ ويستنهضه الى حد
الاستفزاز ان : إسأل ، اسأل لماذا لا تسأل ؟
بدأ الكاتب قصته بان قارنت الطفلة " صفاء " بين طحين العجين وصورة الضباب عندما
اطلت من شرفة منزلها في الصباح ، وبين صورة تراها عندما تقوم والدتها بعملية (
العجين ) ، يبرز الكاتب مقدرة الطفل في المقارنة بين ما يراه وبين خبراته
السابقة ، وهي طريقة التعليم بالملاحظة والمشاهدة ، وهنا ينبه الكاتب الاباء
والمعلمين لذلك ، كما ان الطفل يستمتع ويتعلم عن طريق التمثيل ، الذي يعبر من
خلاله عن ذاته ، فها هي صفاء تعطي العابها اسماء زملائها في المدرسة ، اي انها
تمثل واقعا تعيش فيه على الرغم مما جاء اعلاه ،وقد وجدت في النص بعض المفاصل
المعقدة والمركبة ، آخذة بعين الاعتبار انها تخاطب جيل الطفولة المبكرة ( حتى
العاشرة ) فقد جاء المشهد في ص6 ، 8،10،12، غير واضح ، ويتطلب بذل الجهد في
قراءة متأنية، وهذا ما يحمل في طياته امكانية استنكاف القارئ الطفل عن القراءة
لصعوبة النص وتعقيد الصياغة ، الا ان يكون الكاتب قد افترض متفائلا ، استمرار
الطفل في القراءة على اعتبار ان رسالته في الحض على السؤال قد وصلت الى القارئ،
وارى ان الاحتمال الاول وللاسف اكثر ورودا .
مهما يكن من امر فهناك اهمية قصوى لتكرار هذا النمط الايجابي من النصوص على
مسامع الطفل/ة، ارى من المفيد ان يقرأ ويسمع ويشاهد الطفل/ة نموذجا لطفلة تسال
وتسأل حتى تصبح الاسئلة ، التفحيص والتمحيص والمقارنه هاجسها ، او جزءا من
المبنى النفسي والتكوين الشخصي الخاص بها ، وان يذ وت الطفل القارئ هذا الوضع
على انه الايجابي الطبيعي العادي والممكن ، لا بل المثالي الذي يجدر بكل طفل /ان
يصبو للوصول اليه .
بثينة عطية شقيرات قالت :
تقودنا قصة الكاتب ابراهيم جوهر " صفاء تسأل ايضا " الى عالم الاسئلة والتخيلات
التي يبحر الاطفال في عالمها بحثا عن بحارٍ ماهر يوجه دفة سفينتهم ليقودهم الى
عالم المعرفة واطفاء حرارة السؤال، باجابة تثلج صدورهم، وتشفي رغبتهم في الوصول
الى العديد من الحقائق حولهم .
يقول هشام شرابي في كتابه " مقدمات لدراسة المجتمع العربي " ان عقل الطفل
وتركيبه العاطفي وفي التالي مقدرته على مجابهة الواقع والتفاعل معه مرتبط
بالتربية الصحيحة والمعاملة السليمة اللتين يتعرض لهما الطفل في السنوات الاولى
من حياته، فاذا كانت المعاملة سليمة والتربية صحيحة، كان هدفهما تثبيت الثقة
بنفسه وتشجيعه في كل ما يقوم به، واشباع فضوله بالاجابة على أسئلته اجابات
صادقة وكاملة ، وتقوية ارادته واعتماده على نفسه وغمره بالمحبة والرعاية دون
امتلاكه او الحد من استقلاله الذاتي، والعكس هو الصحيح، وبما ان اسئلة الطفل
جزء لا يتجزء من شخصيته وكيانه، وهي جزء من هويته الذاتية التي يحاول ان يتوصل
اليها بطرحه الاسئلة والاستفسارات عن كل ما يحيط به ، فهي حق من حقوقه ، اذن
السؤال نوع من انواع التفاعل الاجتماعي بين الطفل وبيئته او مجتمعه الذي يعيش
فيه، وكلما كنا اكثر احساسا لمشاعر الطفل واعين لمتطلبات مراحل نموه ونضجه كنا
اكثر تمازجا وتفاعلا مع اسئلته، وحرصنا على ان نجيبه عليها حسب جيله الزمني
العقلي . ان انجح كتاب ادب الاطفال هم الذين تتمكن فكرتهم من الوصول الى عقل
الطفل ووجدانه، فينجح باقناع الاخرين بفكرته ، وكذلك قدرته على خلق اتزان بين
الشخصية الخيالية والشخصية الحقيقية حسب الدكتور اسعد ابو الرضا في كتابه النص
الادبي للاطفال .
واذا اردنا الغوص في قصة صفاء تسال نجد بعض الحقائق التي تحدث عنها تتجلى في
القصة.
فها هو الكاتب يبدأ قصته بالفعل (أطلت) وهو فعل فيه نوع من الحركة والنشاط، وهو
ما يميز اطفال المرحلة المتوسطة من العمر، كذلك نجد ان الكاتب جعل بطلته صفاء
تستوحي من الضباب الموجود في الطبيعة، وتربطه بذرات الطحين المتطاير التي تراها
على يدي امها، اذن هو عالم الربط والايحاء الذي يتميز به الاطفال، وفيه استشارة
للتفكير وحثا له على ان ينشط ويخرج من قمقم وقالب الفكرة السطحية .
ويوضع الكاتب درجة المتعة والاستمتاع بمشهد الضباب من قبل صفاء، ويربط المشهد
بحركة من يدي صفاء، مما يجعل اللوحة التعبيرية مكتملة الصورة، إلا انه للأسف لم
يقم الرسام بتوضيح ذلك المشهد.
لقد اخفق الرسام بتوضيح مشهد الطحين على يدي ام صفاء، ولو انه فعل ذلك لاعطى
للصورة بعدا جماليا حسيا معبرا عن اللوحة التعبيرية بشكل جميل .
نجح كذلك الكاتب في وصف يوم في حياة طفلة تعشق اللعب فهي تتشقلب وتقفز وتضع
الألعاب فوق السرير ، تمثل وتقلد دور المعلمة ، وهي تعطي العابها ادوارا حية،
تضحك وتسأل وتصدر عليها أحكاما بالاجتهاد والكسل، وهنا نجد ان الكاتب يحاول ان
يخلق موازنة بين الشخصية الخيالية والشخصية الحقيقية، لماذا تم وصف حسام ! !
بالمشاغب والمشاكس؟ هل هذا من وجهة نظر صفاء ، ام من وجهة نظر المعلمة التي
تقمصت صفاء شخصيتها؟ اذا كان من وجهة نظر المعلمة فهي رسالة للمعلمات والمعلمين
لاستيعاب خيال الاطفال وتوظيف احلامهم وتوجيهها لاهداف عملية ملموسة والرقي بها
لدرجة الابداع .
اما اذا كان الوصف من وجهة نظر صفاء، فهو حسب رأيي غير مقنع حسب الرؤيا التي
حددها لشخصية صفاء منذ البداية، فهي تستوحي وتربط وتستمتع، وهذا يتخالف مع
إصدار حكم بالمشاكسة والمشاغبة على شخصية تحلم وتتخيل وتسأل .
لماذا قال الكاتب بطبوطة وسمسمة وباقي الالعاب التي لم تختر لها اسماءها ؟ ؟ !
!
• ابطال القصة
o
حسام –حسب ما ظهر من خلال صفاء التي تقمصت دوره ، طفل كثير الاحلام والتخيلات،
وهي سمة غالبة لاطفال هذه المرحلة، فهم يطلقون العنان للخيال والسرحان فتجدهم
يطيلون النظر في سقف احدى الغرف، ويشكلون من اثار الرطوبة او بقع الدهان
المتساقطة ابطالا لقصص من مخيلتهم يتحدثون معها ويأكلون ويشربون .
وحسام حسب القصة طفل باحث معتمد على نفسه، يذهب الى البحر ليكتشف الحقيقة بنفسه
ليجد جواباً لسؤاله .
وارى ان الكاتب هنا يبث رسالة هامة للقائمين على تربية الاطفال بان يلتفتوا الى
اسئلة الطفل ويحاولوا ان يجيبيوا عليها بشكل بسيط ومقنع حسب الجيل وحسب مستوى
الذكاء والاستيعاب.
كذلك نجد صفاء فتاة ذكية تربط وتقارن وتحلل وتسأل، فهي تاثرت بسؤال حسام وجعلت
الالعاب تتأثر باسئلته واسئلتها ، فهذه نماذج من الاطفال من الاف النماذج
الموجودة في المجتمع والذين لا يقيم البالغون لاسئلتهم اهتماما .
وانا ارى ان الطفل نبتة غضة تحاول ان تجد سبيلها بين باسقات الاشجار، فهل
نهملها وندوس عليها لانها من وجهة نظرنا ليست بذي بال؟ ام نعطيها الدعامات
الاساسية لتسند فرعها الغض وتأخذ حيز وجودها بين اعالي الاشجار بالشكل الذي
تريده، واللون والرائحة الذي خلقت من اجله، واخيرا اكرر ما قاله علماء النفس
والتربية ان اسئلة الطفل تدل على ذكاء ورغبة في المعرفة وكلما غذيناها بالرعاية
اللازمة الصحيحة بعيدا عن التضليل والتعقيد نخلق شخصية متزنة .
شكر خاص للكاتب لانه تطرق لقضية هامة في مجال تربية الاطفال وخصوصا عندما غيب
دول البالغ حتى يشعره بالمشكلة، وبانه غير موجود ولا يجيب على اسئلته اي الطفل
.
سمير الجندي قال :
بدأ الكاتب قصته بان قارنت الطفلة " صفاء " بين صورة الضباب عندما أطلت من شرفة
منزلها في الصباح ، وبين صورة تراها عندما تقوم والدتها بعملية ( العجين ) ،
يبرز الكاتب مقدرة الاطفال في المقارنة بين ما يراه وبن خبراته السابقة ، وهي
طريقة التعليم بالملاحظة والمشاهدة ، وهنا ينبه الكاتب الاباء والمعلمين لذلك ،
كما ان الطفل يستمع ويتعلم عن طريق التمثيل ، الذي يعبر من خلاله عن ذاته ، فها
هي صفاء تعطي العابها اسماء زملائها في المدرسة ، اي انها تمثل واقعا تعيش فيه
، فمثلا تسمى اللعبة المجتهدة ( بطبوطة ) اسم فيه دلع ودلال ومحبة، يشير الكاتب
هنا على ان الطالب المجتهد له محبته واحترامه لدى الاطفال، حسام الطالب "
المشاكس " تمثله لعبة اخرى من العابها وهذا الاسم فيه جدية واضحة .
ولكن لماذا اعتبر الكاتب "حسام" "مشاكسا" ؟ !
الأنه كثير السؤال ؟ !
الأنه يعبر عن احلامه ؟ !
الا يتصف صاحب الخيال الواسع بالذكاء وسعة الاطلاع ؟
ولكن الكاتب اراد ان يشير الى الرد السلبي لبعض الاباء والمعلمين نافذي الصبر
وغير القادرين على التعامل مع مثل هذا الطالب الذي يسأل ويسأل ويسأل ، فهو يسأل
المعلمة ويسأل زملاءه ، ويسأل اصدقاءه .
حتى ان صفاء تحب سماع اسئلة حسام ، اي ان الاطفال الاخرين لا يملون سماع اسئلة
زملائهم بل يستمتعون بها ، خاصة اذا ما حصلوا على اجابات عنها ( فصفاء ترجو ان
تجيب المعلمة عن اسئلتها واسئلة حسام ) ص 12
القصة مفيدة ومعبرة ليس للطفل فقط وانما للاباء والمعلمين ، لكي يتفهموا
اطفالهم ولا يصفونهم بالمشاكسين اذا اكثروا من اسئلتهم !
ملاحظة اخيرة : رسومات القصة ص 3،5،13 اجدها مناسبة خاصة النسب الفنية .
محمود شقير قال :
يعتمد ابراهيم جوهر على التقنيات الفنية لكي يقنع الاطفال باهمية طرح الاسئلة ،
باعتبار ذلك الوسيلة الاساس لتحصيل المعرفة ، فالطفل الذي يلح على طرح الاسئلة
هو الطفل الذي تسعى التربية الحديثة الى الاحتفاء به، والى توفير اكبر قدر من
المعلومات له جوابا او اجوبة على اسئلته.
غير ان الكاتب لا يكرس قصته لغاية واحدة متمثلة في اهمية طرح الاسئلة، بل يذهب
الى ما هو ابعد من ذلك ، معطيا للطفل حقه في استعراض ما لديه من معلومات، وفي
توظيف هذه المعلومات للتوصل الى معارف جيدة. فحينما تطل صفاء من شرفة منزلها ،
فانها تعجب بمنظر الضباب في الخارج ، ويقوم ذهنها بعقد مقارنة فورية بينه وبين
الطحين على يدي امها، بحيث يشبه هذا ذاك ، ولا تكتفي صفاء بما بين الطحين
والضباب من تشابه ، بل انها تتابع عملية تحول الطحين الى عجين بعد مزجه بالماء
، وتطرح على نفسها وعلى غيرها من الاطفال السؤال: ماذا يصبح الضباب عند نزول
المطر ؟ يحجم الكاتب عن تقديم الجواب على هذا السؤال وعلى اسئل اخرى وردت في
القصة ، لغاية تربوية تتمثل في الابتعاد عن نزعة التلقين ، وفي ترك المجال
مفتوحا اما الاطفال انفسهم للبحث عن اجابات على الاسئلة المثارة ، وقد يجدون
هذه الاجوبة بانفسهم او بمساعدة معلماتهم ومعلميهم وذويهم .
قبل مغادرة هذه النقطة المتعلقة بالتشابه بين الضباب والطحين ، تجدر ملاحظة
الجو الاليف الذي تخلقة القصة بين البيت ومحيطه الخارجي ، فهذه الالفة التي
تحيا في ظلها صفاء داخل البيت ، تتسع لتشمل ما هو خارج البيت من ظواهر طبيعية
وفضاء ، مما يجعل العالم اجمل وجديرا بتفاعلنا وانسجامنا معه .
تبدو القصة في تسلسلها كما لو اننا نشاهد شريطا مصورا ، والكاتب لا يتولى السرد
نيابة عن بطلة القصة ، انه يتناوب على السرد معها، بحيث تبرز صفاء بصوتها الخاص
الى مقدمة المشهد ، متحولة الى لعبة التمثيل التي يحبها الاطفال للتعبير عما في
نفوسهم من مشاعر وانفعالات ، هنا تقوم صفاء بتقمص شخصية المعلمة وكذلك شخصية
الطفل حسام . ( وهنا تميز للقصة يتمثل في استحضار شخصية ولد وليس بنتا ) وتضطلع
دميتا صفاء: بطبوطة وسمسمة ، بادوار تمثيلية ، وتتوسع دائرة الاسئلة لتشمل
مظاهر اخرى في الطبيعة ، مثل الشمس والقمر ، و( وهنا تميز اخر للقصة يتمثل في
ضرورة الانتباه للطبيعة وما تحفل به من ظواهر ، باعتبارها ، اي الطبيعة ، البيت
الاوسع الذي نقيم فيه )
ولكي يضفي الكاتب مزيدا من الانسنة على تطور الحالة الموصوفة في القصة ، حالة
مراقبة الضباب واسترجاع مواقف سابقة وطرح الاسئلة، فانه يصور بذكاء حالة صفاء
وسمسمة وبطبوطة وبقية الالعاب، وهي تضحك ، تضحك باندفاع جعل الدموع تسح من عيني
صفاء! ويجري استثمار الدموع لمزيد من الاسئلة ، ثم تتوسع دائرة المعرفة من جديد
عبر المزيد من طرح الاسئلة ، بحيث تؤكد صفاء انها تحب طرح الاسئلة، وفي ذلك حث
غير مباشر لغيرها من الاطفال على طرح الاسئلة ، وتؤكد ايضا انها تحب ان تتذكر
الاشياء التي تعرفها لكي تشبه ما تعرفه بما تراه ، ولا تنسى التاكيد على ان
حساما يجب ان يتخيل اشياء كثيرة، وفي ذلك ايضا حث غير مباشر لغيرها من الاطفال
على اهمية الخيال بالنسبة لكل طفل .
لغة القصة سهلة جميلة فيها تسلسل فني ممتع وجذاب ، واهم ما فيها ذلك المزج
الخلاق بين ما هو خاص ( الطحين ) وما هو عام ( الضباب ) لتحقيق الانسجام بين
الطفل الذي سيكبر ذات يوم ، وبين محيطه الخارجي، الذي لا غنى له عنه لكي تتواصل
مسيرة الحياة.