تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 15

تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 15

مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها

[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " الْغَيْثُ الْمُسْجَم في شَرْحِ لاميَّةِ الْعَجَم " لِلصَّفَديِّ]

د. محمد جمال صقر

[email protected]

قالَ

قُلْتُ

في انْقِباضٍ وحِشْمَةٍ فَإِذا جالَسْتُ أَهْلَ الْعَفافِ وَالْكَرَم

أَرْسَلْتُ نَفْسي عَلى سَجيَّتِها وَقُلْتُ ما قُلْتُ غَيْرَ مُحْتَشِم

صوابه :

" فيَّ انْقِباضٌ وَحِشْمَةٌ ( ...) "

مثل هذا التحريف ممتحن لطلاب علوم العربية ! وأكثر هذا الكتاب بهذه الطبعة ، ممتحن !

قالَ الْهَيْثَمُ بْنُ صالِحٍ لِابْنِه : إِذا قَلَّلْتَ مِنَ الْكَلامِ أَكْثَرْتَ مِنَ الصَّوابِ ، وَإِذا أَكْثَرْتَ مِنَ الْكَلامِ أَقْلَلْتَ مِنَ الصَّوابِ ، فَقالَ : يا أَبَتِ ، فَإِنْ أَكْثَرْتُ وَأَكْثَرْتُ ( يَعْني مِنَ الْكَلامِ وَالصَّوابِ ) ؛ فَقالَ أَبوهُ : ما رَأَيْتُ موعظا - هكَذا وَصَوابُها مَوْعوظًا - أَحَقَّ بِأَنْ يَكونَ واعِظًا مِنْكَ

كان الشعبي – رضي الله عنه ! – يقول : ما رَأَيْتُ أَحَدًا كَثُرَ كَلامُه إِلّا كَثُرَ سَقَطُه ، إِلّا زِيادَ ابْنَ أَبيهِ ؛ فَكُلَّما كَثُرَ كَلامُه كَثُرَ إِحْسانُه " ، أو كما قال .

قالَتْ لِتِرْبٍ مَعَها مُنْكِرَةً لِوِقْفَتي هذَا الَّذي نَراه مَنْ

قالَتْ فَتًى يَشْكُو الْهَوى مُتَيَّمٌ قالَتْ بِمَنْ قالَتْ بِمَنْ قالَتْ بِمَنْ

(...) وَفِي الْبَيْتَيْنِ عَيْبٌ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَنَبَّهَ لَه ، وَهُوَ الْإيطاءُ فِي الْقافِيَةِ ، لِأَنَّ " مَنْ " ، فِي الْقافِيَتَيْنِ لِلِاسْتِفْهامِ ، وَلَوْ كانَتْ إِحْداهُما لِلِاسْتِفْهامِ وَالْأُخْرى مَوْصولَةٌ كَالْوُسْطى في قَوْلِه : " بِمَنْ " ، لَكانَ أَكْمَلَ وَأَخْلَصَ مِنَ الْإيطاءِ في بَيْتَيْنِ

يضعف العيب بالإيطاء حينما يؤدي فضيلة فنية ، ويغتفر

أَخافُ تَجنّيه فَأَصْفَرُّ إِنْ بَدا وَيَصْفَرُّ خَوْفًا أَنْ أَنُمَّ عَلَيْه

وَأَكْثَرُ ظَنّي أَنَّ مِرْآةَ خَدِّه تُوَصِّلُ أَلْوانَ الْوُجوهِ إِلَيْه

لو كنت كهربائيا وكان سلكا ، ما زدت على هذه الصفة !

قالَ شَرَفُ الدّينِ شَيْخُ الشُّيوخِ عَبْدُ الْعَزيزِ الْحَمَويُّ - رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى ! - : أَنْشَدْتُ والِدي أَبْياتَ أَبي نُواسٍ هذِه

( أَسْأَلُ الْقادِمينَ مِنْ حَكَمان كَيْفَ خَلَّفْتُم أَبا عُثْمان

وَأَبا مَيَّةَ الْمُهَذَّبَ وَالْماجِدَ وَالْمُرْتَجى لِصَرْفِ الزَّمان

فَيَقولونَ لي جِنانٌ كَما سَرَّك في حالِها فَسَلْ عَنْ جِنان

ما لَهُمْ لا يُبارِكُ اللّهُ فيهِمْ كَيْفَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُم كِتْماني )

فَقالَ : هذا شَبيهٌ بِقِصَّةٍ ظَريفَةٍ ؛ وَهِيَ أَنَّ بَعْضَ عَوامِّ بَغْدادَ مَرِضَ لَه نَسيبٌ ، فَوُصِفَ لَه بِطّيخٌ رَقّيٌّ وَكانَ عَزيزًا في ذلِكَ الْفَصْلِ ، فَلَمْ يَجِدْه ، فَذُكِرَ لَه أَنَّ بِطّيخَةً مِنْهُ عِنْدَ بَعْضِ الْفكاهيين – هكذا وصوابه الفاكِهيّين - بِالْكَرْخِ ، فَلَمّا جاءَه لَمْ يُرِدْ الْبِداءَةَ بِسَوْمِ الْبِطّيخَةِ لِئَلّا يَفْطَنَ لِقَصْدِه ، فَقالَ : كَيْفَ تَبيعُ هذَا الرُّمّانَ ؟ فَقالَ : البِطّيخَةُ بِنِصْفِ دينارٍ ، فَقالَ : بِعْها لِمَنْ يَطْلُبُها بِما شِئْتَ ، فَأَنا أُريدُ مُشْتَرى طَبَقِ فاكِهَةٍ ! كَيْفَ تَبيعُ التُّفّاحَ ؟ قالَ : الْبِطّيخَةُ بِدينارٍ ، فَلَمْ يَزَلْ يُساوِمُه عَلى نَوْعٍ نَوْعٍ ، وَهُوَ يَزيدُ فِي الْبِطّيخَةِ ، حَتى أَلْجَأَتْهُ الضَّرورَةُ إِلى أَنْ صَدَّقَه وَاشْتَراها مِنْهُ بِما تَراضَيا عَلَيْهِ !

قِصّتي أنا مع كتاب " الأسس النفسية في الإبداع الفني في الشعر خاصة " ، للدكتور مصطفى سويف رائد علم الاجتماع – أظرف ؛ فقد طلبته في كل مكان ، فلم أجده ، ثم عثرت على نسخة منه عند أحد دكاكين باعة سور الأزبكية الفارشين على ناحية من معرض الكتاب الدولي ؛ فسألته عن كتاب آخر بجواره ، فجعله بخمسة جنيهات ، ثم عن كتابي ، فقال بحوالي جنيهين إلى ثلاثة ، فاشتريته سعيدا ، ولو طلب ثلاثين جنيها أو أكثر لدفعتها له !

إِذا رَأَيْتَ الْوَداعَ فَاصْبِرْ وَلا يُهِمَّنَّكَ الْبِعاد

وَانْتَظِرِ الْعَوْدَ عَنْ قَريبٍ فَإِنَّ قَلْبَ الْوَداعِ عادو

أراد أن نطق كلمة " وداع " من آخرها إلى أولها ، يحولها إلى " عادو " ، وهذا فأل حسن !

جاذَبْتُها وَالرّيحُ تَضْرِبُ عَقْرَبًا مِنْ فَوْقِ خَدٍّ مِثْلِ قَلْبِ الْعَقْرَب

فَتَمايَلَتْ عَجَبًا وَصَدَّتْ وَانْثَنَتْ وَتَسَتَّرَتْ عَنّي بِقَلْبِ الْعَقْرَب

أي ببرقعها الذي يزيدها حسنا ، ويزيده غراما !

كَتَبَ النَّصيرُ الْحَمّاميُّ إِلَى السِّراجِ الْوَرّاقِ لُغْزًا في سَيْلٍ :

لِتُرْشِدَني شَيْئًا بِه يُدْرَكُ الْمُنى لَه قَلْبُ صَبٍّ كَمْ فُؤادٍ بِه صَبّ

إِذا رَكِبَ الْبَيْداءَ يُخْشى وَيُتَّقى فَلَمْ يَثْنِه طَعْنٌ وَلَمْ يَثْنِه ضَرْب

بِقَلْبٍ يَهُدُّ الصَّخْرَ يَوْمَ لِقائِه وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْياءِ لَيْسَ لَه قَلْب

هذا بديع !

ومن منافذه إلى الحمام عرفه النصير الحمامي !

عَلى ذِكْرِ الْبابِ ، فَما أَحْسَنَ ما كَتَبَ بِه شَرَفُ الدّينِ شَيْخُ الشُّيوخِ بِحَماةَ ، إِلى والِدِه مُلْغِزًا في ذلِكَ ، وَهُوَ :

ما واقِفٌ فِي الْمَخْرَج   يَذْهَبُ طَوْرًا وَيَجي

لَسْــتَ تَخـافُ شَرَّه ما لَمْ يَكُنْ بِمُرْتَج

رحم الله شرف الدين وأباه ؛ فقد كانا متبارَّيْن ، وما اضطربت لشيء مثلما اضطربت لما يكون بين الوالد والولد المتبارَّيْن المتحابَّيْن !

( رَجَعَ ) إِلى ذِكْرِ الْقَلْبِ ، وَقَدْ أَتَيْتُ مِنْ هذَا النَّوْعِ بِما يَكْفي ، وَلا بُدَّ مِنْ إيرادِ نَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْقَلْبِ ، وَهُوَ أَشْرَفُ مِنَ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَنَّ الْكَلِمَةَ وَما فَوْقَها لا يَتَغَيَّرُ مَعْناها بِالْقَلْبِ ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ الْحَريريُّ في مَقاماتِه بِما لا يَسْتَحيلُ بِالِانْعِكاسِ ، وَمَثَّلَه بِقَوْلِه : ساكِبٌ كاسٍ ، وَمِثْلُه قَوْلُه - تَعالى ! - : " كُلٌّ في فَلَكٍ " ، وَقَوْلُه - تَعالى ! - : " رَبَّكَ فَكَبِّرْ " ، وَمِنْهُ قَوْلُ رَسولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - : يُقالُ لِصاحِبِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيامَةِ : اقْرَأْ وَارْقا – هكذا وعليه تعليق - وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَريريِّ : كَبِّرْ رَجاءَ أَجْرِ رَبِّكَ ، وَقَوْلُ الْقاضِي الْفاضِلِ - رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى ! - : أَبَدًا لا تَدومُ إِلّا مَوَدَّةُ الْأُدَباءِ . وَقالَ الْعِمادُ الْكاتِبُ لِلْقاضِي الْفاضِلِ - رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى ! - سِرْ فَلا كَبا بِكَ الْفَرَسُ ، فَقالَ لَه : دامَ عَلاءُ الْعِمادِ . وَهذا مَطْلَعُ قَصيدَةٍ لِلْأُرَّجانيِّ (...) وَمِنْ هذا أَنْ يَكونَ أَوَّلُ الْبَيْتِ كَلِمَةً مَقْلوبُها قافِيَةٌ ، كَقَوْلِ الشّاعِرِ :

رَقَّتْ شَمائِلُ قاتِلي فَلِذاكَ روحي لا تَقَرّ

رَدَّ الْحَبيبُ جَوابَه فَكَأَنَّه فِي اللَّفْظِ دُرّ

وَقَدْ سَمَّيْتُ أَنا هذا النَّوْعَ مُجَنَّحَ الْقَلْبِ ، وَفي هذِهِ التَّسْمِيَةِ تَوْرِيَةٌ مَطْبوعَةٌ . وَقَدْ فَكَّرْتُ في هذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ ، فَوَجَدْتُ الْكَلِمَةَ الْأولى ثُلاثيَّةً وَالثّانِيَةَ ثُنائيَّةً ، فَقُلْتُ : لَوِ اتَّفَقَ الْكَلِمَتانِ فِي الْعَدَدِ لَكانَ أَكْمَلَ فِي الصِّياغَةِ ، فَامْتَحَنْتُ الْخاطِرَ بِنَظْمِ شَيْءٍ في هذَا النَّوْعِ كامِلًا ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيَّ بِالْمَطْلوبِ عاجِلًا ، فَقُلْتُ فِي الْوَزْنِ وَالرَّويِّ :

رَضَّتْ فُؤادي غادَةٌ ما كُنْتُ أَحْسَبُها تَضُرّ

رَدَّتْ رَسولي خائِبًا فَمَدامِعي أَبَدًا تَدِرّ

هذا يا مولانا إما أن يوقف على قافه ، أو على هاء السكت بعدها ؛ فهو إذن مما يستحيل بالانعكاس !

ثم إنكم – معشر العاكسين - غير عابئين بالتشكيل الذي هو تمثيل الأصوات الصائتة وبعض الصامتة ، مُتَجَوِّزونَ في هذا الذي توردونه من هذا الفن ، وهو عند التحقيق مردود !

ثمتَ ما أنت - يا صفدي - بخير من غيرك في الأخذ بظاهر الخط على ما فيه من تقصير عن حقيقة اللفظ !

أَسْكَرَني بِاللَّفْظِ وَالْمُقْلَةِ الْكَحْلاءِ وَالْوَجْنَةِ وَالْكاس

ساقٍ يُريني قَلْبُه قَسْوَةً وَكُلُّ ساقٍ قَلْبُه قاس

الله الله الله !

إِلى مَتى أَنا لا أَنْفَكُّ في بَلَدٍ رَهينَ جيماتِ جَوْرٍ كُلُّها عَطَب

اَلْجوعُ وَالْجَرْيُ وَالْجيرانُ وَالْجُدَري وَالْجَهْلُ وَالْجُبْنُ وَالْجِرْذانُ وَالْجَرَب

ليت حسن طلب اطلع على جيمات الجَوْر ، إذن لكانت له منها آية أخرى !

وَكافاتُ الشِّتاءِ تُعَدُّ سَبْعًا وَما لي طاقَةٌ بِلِقاءِ سَبْع

إِذا ظَفِرَتْ بِكافِ الْكَيْسِ كَفّي ظَفِرْتُ بِمُفْرَدٍ يَأْتي بِجَمْع

ليت أدونيس اطلع على المفرد الآتي بالجمع ، إذن لكانت له منه كرامة !