تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 13
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 13
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " الْغَيْثُ الْمُسْجَم في شَرْحِ لاميَّةِ الْعَجَم " لِلصَّفَديِّ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
" أَشْأَمُ مِنْ طُوَيْسٍ " : هُوَ طُوَيْسٌ الْمُغَنّي ، وُلِدَ يَوْمَ تُوُفِّيَ النَّبيُّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - وَفُطِمَ يَوْمَ تُوُفِّيَ أَبو بَكْرٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ! - وَبَلَغَ الْحُلُمَ يَوْمَ قُتِلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ! - وَتَزَوَّجَ يَوْمَ قُتْلَ عُثْمانُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ! - وَجاءَهُ الْوَلَدُ يَوْمَ قُتِلَ عَليٌّ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ! |
لا أرتاب في أن هذه الشهرة من كذب أنداده عليه لإسقاطه ؛ فلا يعقل أن يستمر هذا ويستمر له من يضبطه ! والحسد أكثر ما يكون في المغنين ! |
أَقولُ لِلْكاسِ إِذْ تَبدّى بِكَفِّ أَحْوى أَغَنَّ أَحْوَرْ |
هي مؤنثة ، أتُرى نظروا في تأنيثها إلى حملها الماء ! ولا يقال كأس ، حتى تحمل الماء ، وإلا قيل كوب ! |
ماذا عَلَيَّ إِذا ما غُصْتُ بَحْرَ هَوًى خَرَجْتُ مِنْهُ وَكَفّي مِلْؤُها لولو |
أدركت العمانيين ومن أسماء بناتهم " لولوَة " المخفف من " لُؤْلُؤَة " ، ولما حَقَّقْتُ همزته لتلميذتي الباعُمَريّة ، غَضِبَتْ ، وأَبَتْ إلا التخفيف ! |
قيلَ : إِنَّ بَعْضَهُمُ اشْتَرى جارِيَةً ، فَسُئِلَ عَنْها بَعْدَ أَيّامٍ ، فَقالَ : فيها خَصْلَتانِ مِنَ الْجَنَّةِ : الْبَرْدُ وَالسَّعَةُ ! |
لنا أخ ضَئيلٌ ، أولع عَزَبًا كُلَّما سئل في زواجه ، أن يقول : أريد فتاة مطيقة للوَطْءِ ! فكان إخواننا يضجون بذلك ضحكا ! واليوم رَعى كبِدَه المرضُ اللعين لا يجد له رادًّا ، شفاه الله ، وعافاه ! فقلت له مرة : لقد آثرك الله بفضله علينا ، معشر التافهين ! فكان يأبى قولي ، ويدفعه عني ! |
أَرانا سِهامًا فِي الْهَوى وَنَراكُم حَنايا فَما تَدْنونَ إِلّا لِتَبْعُدوا |
لولدنا العماني الشاعر النجيب ، بُنَيَّةٌ مِنْ عُمانية إِماراتية ، سماها " حَنايا " ؛ فسخرتُ من تسميته ليلة احتفلوا بي قُبيلَ سفري عن عمان بمطعم مستشفى الجامعة ، بأنها من مخادعته وحَيْدَتِه عن سواء السبيل إلى حَناياه ! |
مِنْ مَعانِي ابْنِ الرّوميِّ الْغَريبَةِ قَوْلُه يَهْجو : لِخالِدٍ شاعِرِنا زَوْجَةٌ لَها حِرٌ يَبْلُغُ مِثْلَيْها قَوّامَةٌ بِاللَّيْلِ لكِنَّها تَسْتَغْفِرُ اللّهَ بِرِجْلَيْها |
أدركت طلاب جامعة القاهرة في أَوَّليَّتي ، يَتَماجَنونَ بعبارة سَيّارة ( لَوِ انْطَبَقَتِ السَّماءُ عَلى الْأَرْضِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، لَتَلَقَّتْها أَرْجُلُ النِّساءِ ) ، أو ما أشبه ! |
قالَ الْخالِديّانِ فِي " اخْتِيارُ شِعْرِ مُسْلِمِ بْنِ الْوَليدِ " : " وَما رَأَيْنا أَعْجَبَ مِنْ أَمْرِ ابْنِ الرّوميِّ ؛ فَإِنَّه يَخْتَرِعُ الْمَعْنى ، فَيُجيدُه ، وَلا يَتْرُكُ فيهِ زِيادَةً لِغَيْرِه ، فَإِذا تَناوَلَ مَعْنًى مِنْ غَيْرِه قَصَّرَ فيهِ ، وَلَمْ يَأْتِ بِه كَالَّذي أَخَذَه مِنْهُ " . قُلْتُ : وَالْعِلَّةُ في هذا أَنَّه شاعِرٌ جَيِّدٌ ، دَقيقُ النَّظَرِ ، صَحيحُ الذَّوْقِ ، حَسَنُ التَّخَيُّلِ ؛ فَإِذا طَرَقَ الْمَعْنى بِكْرًا أَتى بِه في غايَةِ الْحُسْنِ ؛ فَالَّذي يَأْتي بَعْدَه لَمْ يَجِدْ - هكذا وكأن صوابها " لا يَجِدُ " - فيهِ فَضْلَةً . وَأَمّا هُوَ فَلا يَرى أَنْ يَأْخُذَ إِلّا الْمَعانِي الْجَيِّدَةَ مِنَ الْفُحولِ ، وَأُولئِكَ قَدْ سَبَقوه إِلَيْها ؛ فَلا يَكونُ لَه فيها فَضْلَةٌ ، وَاللّهُ أَعْلَمُ |
أو قل : شاعر جيد إذا أخذ من غيره معنى جيدا ، عرف له قيمته ! ولقد ذكرت بهذه الطبيعة ، أو الصفة ، أنني إذا تكلمت وحدي كما أشاء ، فربما شققت معاني عجيبة ؛ حتى إذا ما راجعني مراجع فيها ذَهَلْتُ عنها ، وأخذت في أقل منها ! ولقد كنت أراه من ضعف المناظرة ، حتى لقد تَمَنَّيْتُ إذا مُكِّنْتُ من برنامج متلفز ، أَلّا أتيح فيه المحاورة ! |
لَوْ قالَ قائِلٌ : لِمَ كانَتِ الْأَشْياءُ الْقائِمَةُ عَلَى الْأَنْهارِ يُرى أَعْلاها أَسْفَلَها وَأَسْفَلُها أَعْلاها ، وَتُرَى السَّماءُ تَحْتَها مَعَ أَنَّها فَوْقُ ؟ فَالْجَوابُ أَنَّ الشُّعاعَ الْخارِجَ مِنَ الْعَيْنِ إِذَا اتَّصَلَ بِجِسْمٍ صَقيلٍ -وَهُوَ الْماءُ ، أَوْ غَيْرُه - لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ لِصَقالَتِه ، وَزَلِقَ عَنْهُ إِلَى الْجِهَةِ الْمُقابِلَةِ لِلرّائي ، إِنْ لَمْ يَكُنِ الصَّقيلُ أَمامَه بِحَيْثُ تَكونُ زاوِيَةُ الِالْتِقاءِ عَلَى الصَّقيلِ مِثْلَ زاوِيَةِ الِانْعِكاسِ فِي الْمِساحَةِ مِنْ غَيْرِ زِيادَةٍ وَلا نَقْصٍ |
هكذا كان الرأي ، ثم لما انتبهوا إلى عجز العين عن الرؤية في الظلام ، قالوا بالشعاع الخارج من المرئي ، ثم بالشعاع المنعكس من المضيء على المرئي إلى العين ! |
لا غَرْوَ إِنْ أَثْرَى الْجَهولُ عَلى نَقْصٍ وَأَعْدَمَ كُلُّ ذي فَهْم إِنَّ الْيَدَ الْيُسْرى وَتَفْضُلُهَا الْيُمْنى تَفوزُ بِمَعْلَمِ الْكُمّ |
من هذا الباب لبسنا الساعة في اليسرى ، ولا بأس به إذن ! |
" فاصبر لها غير محتال ولا ضجر في حادث الدهر ما يغني عن الحيل " الضَّميرُ يَرْجِعُ إِلى مَعْهودٍ فِي النَّفْسِ لَمْ يُذْكَرْ ، وَهِيَ الْمَقاديرُ - هكَذا ، وَصَوابُه " هُوَ الْمَقاديرُ " - أَوِ الْأَيّامُ ، أَوِ الْحَوادِثُ . وَثَمَّ أَشْياءُ تُذْكَرُ مُضْمَرَةً غَيْرَ مُظْهَرَةٍ ، كَقَوْلِه - تَعالى ! - : " كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ " ، يَعْنِي الْأَرْضَ ، وَلَمْ يَجْرِ لَها فِي اللَّفْظِ ذِكْرٌ = وَقَوْلِه - تَعالى ! - : " كَلّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ " ، أَيِ الرّوحُ = وَقَوْلِه - تَعالى ! - : " وَلَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِما كَسَبوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دابَّةٍ " ، أَيْ عَلى ظَهْرِ الْأَرْضِ = وَقَوْلِه - تَعالى ! - : " إِنّا أَنْزَلْناه في لَيْلَةِ الْقَدْرِ " ، أَيِ الْقُرْآنَ = وَقَوْلِه - تَعالى ! - : " حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ " ، أَيِ الشَّمْسُ = وَقَوْلِه - تَعالى ! - : " فَأَثَرْنَ بِه نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِه جَمْعًا " ، أَيِ الْوادي ، أَوِ الْمَوْضِعِ ، أَوِ الْمَكانِ = وَكذا قَوْلُهُمْ : " ما عَلَيْها أَكْرَمُ مِنّي " ، أَيْ ما عَلَى الْأَرْضِ = وَقَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ : " وَإِنَّكَ - هكذا وصوابها " وَأَنَّكَ " - رُعْتَ الدَّهْرَ فيها وَرَيْبَه فَإِنْ شَكَّ فَلْيُحْدِثْ بِساحَتِها خَطْبا " يَعْنِي الْأَرْضَ |
فأين تفسير العالِم ؟ |
قالَ آخَرُ : " لا أَقولُ اللّهُ يَظْلِمُني كَيْفَ أَشْكو غَيْرَ مُتَّهَم قَنِعَتْ روحي بِما رُزِقَتْ وَتَمَطَّتْ فِي الْعُلا هِمَمي وَلَبِسْتُ الصَّبْرَ سابِغَةً فَهْيَ مِنْ فَرْقي إِلى قَدَمي " قُلْتُ : ما أَحْسَنَ اسْتِعارَةَ التَّمَطّي لِلْهِمَمِ هُنا ! |
قاتلك الله ! كيف اطلعت على قولي : " وَخَيْلُ خَيالِها مِعْراجُ أَحْلامي إِلى حَيْثُ الْمُحالُ يَمُدُّ رِجْلَيْه " ! |
" أعدى عدوك أدنى من وثقت به فحاذر الناس واصحبهم على دخل " عَلى دَخَل : الدَّخَلُ الْمَكْرُ وَالْخَديعَةُ ؛ قالَ اللّهُ - تَعالى ! - : " وَلا تَتَّخِذوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ " |
قالت العرب : " تَرَى الْفِتْيانَ كَالنَّخْلِ ، وَما يُدْريكَ ما الدَّخْلُ " ، وهو هنا العيب ، وقد سُكِّنَتْ لِلنَّخْلِ خاؤُه . |
" فَحاذِر " : الفاءُ لِلتَّعْقيبِ |
كأنها خلت من العطف – تعطف هنا جملة " حاذر " ، على جملة " اصبر في البيت السابق - واقتصرت على التعقيب الذي كان فيها معه ! |
قالَ بَعْضُهُمْ لِبَشّارِ بْنِ بُرْدٍ : ما أَذْهَبَ اللّهُ كَريمَتَيْ مُؤْمِنٍ ( عينيه ) ، إِلّا عَوَّضَه خَيْرًا مِنْهُما ؛ فَبِمَ عَوَّضَكَ ؟ قالَ : بِعَدَمِ رُؤْيَةِ الثُّقَلاءِ مِثْلِكَ ! |
اجتمعت أنا وزملائي أساتذة جامعة السلطان قابوس ، بحديقة الخوض سنة ألفين الميلادية ، فجعل أحد مَنْ زاملني منهم سابقا بجامعة القاهرة ، يحدثهم بما كان له عليَّ بجامعة القاهرة ، من رئاسة تملؤني رعبا ؛ فأجبتُه في التو - ولم يكن وسيما - : حد يشوف الخلقة العكرة دي وما يخافش ! فضج الجميع ضحكا ، وانكسر ! |
يُحْكى عَنْ بَعْضِ الزَّوْجاتِ ، أَنَّ زَوْجَها وَقَعَ فِي السِّياقِ ، وَكانَ يُحِبُّها ، وَأَهْلُه حَوْلَه ، وَهُوَ في كَرْبِ الْمَوْتِ ، فَأَشارَ إِلَيْها أَنْ تَدْنُوَ مِنْهُ ، فَلَمّا فَعَلَتْ قالَ لَها سِرًّا : سَأَلْتُكِ بِاللّهِ ، لا تَتَزَوَّجي بَعْدي أَحَدًا ؛ فَقالَ لَها أَهْلُه : مَا الَّذي قالَ لَكِ ؟ قالَتْ : إِنَّه مِنْ حَلاوَةِ الرّوحِ يُخَلِّطُ ! |
عجبا لكَ ! ماذا يضيرك أن تتزوج بعدك ، ولو ألف زوج ! قد تركتَ الفانية للباقية ! أم هو ضعف الإيمان ! |
قالَ أَبو تَمّامٍ الطّائيُّ : رُبًا شَفَعَتْ ريحُ الصَّبا لِرياضِها إِلَى الْمُزْنِ حَتّى جادَها وَهْوَ هامِع كَأَنَّ السَّحابَ الْغُرَّ غَيَّبْنَ تَحْتَها حَبيبًا فَما تَرْقا لَهُنَّ مَدامِع |
هذا الديباج الخسرواني والذهب الإبريز ! هذا الفن المطبوع ! والرواية بـ" إلى الغيث " ، لا " إلى المزن " - وبهذا البيت قبل ذاك ! |
قالَ ابْنُ السّاعاتيِّ : لا تَعْجَبَنَّ لِطالِبٍ بَلَغَ الْمُنى كَهْلًا وَأَخْفَقَ فِي الشَّبابِ الْمُقْبل فَالْخَمْرُ تَحْكُمُ فِي الْعُقولِ مُسِنَّةً وَتُداسُ أَوَّلَ عَصْرِها بِالْأَرْجُل وَما أَحْسَنَ عَصْرَها في هذَا الْمَوْضِعِ |
وأنا أذكر بهذا ما قلتُه لزميلي بمسقط الدكتور أحمد الشتيوي ، وقد شغلنا حديث الزمن الصعب : ألسنا في هذا العصر ! فانتبه بعد لحظة ، وأعجبه التلميح إلى معنى عصر الإنسان والتضييق عليه الآن ! |