بلا معنى
قصص قصيرة تستدعي التأمل
م. شاهر أحمد نصر
[email protected]
"جبروت الحزن وعظمته أنّه لا يقتحمنا دفعة واحدة، بل ينساب ببطء في أعضائنا، ليُشعل
الشّكّ في قناعاتنا ومبادئنا، ويعلن توبتنا المؤقتة". لفتت نفحات الحزن العميق
انتباهي، وأنا أقرأ المجموعة القصصية الثانية للأديب علي الشاويش، هذه المجموعة
التي صدرت بعد مجموعته الأولى، التي لمته على عنوانها غير الموفق، من وجهة نظري...
ولقد أدهشني أنّ هذا الكم الثقيل من الحزن يصدر عن أديب وفنان مرهف يغني والجمال
والأمل...
قد
تثقل على القارئ نجواه الحزينة: "حبيبي قام من بين القبور! وجاء لينبش كفن أحزاني
وانكساري! حبيبي بوح النّدى! حلّ جليداً على أوراقي ليعلن يباسي! ... (لُجين
والصخرة وأنا ص37ـ40) متسائلاً: من أين يأتي القاص علي الشّاويش بكل هذا الحزن، وما
الحكمة من صبّه بهذه الكثافة الصارمة؛ إنما يجد عذراً للكاتب في صدق مشاعره،
وحميميتها، ونفحتها الإنسانية الراقية، كما يشفع للكاتب جمال وصفه، وأسلوبه الرشيق
الجذاب الممتع... الذي نلمس جماليته في أغلب القصص؛ ففي (عبور) نلتقي بمقدمة أدبية
جيدة وجميلة، تنم عن تمكن ومقدرة جيدة على الكتابة، على الرغم من الخاتمة التي تشي،
من وجهة نظرنا، بضيق نفس بالمعنيين الضيق والواسع للكلمة. أما (مراهقة) فقد أثارت
سؤالاً لدي، مفاده: هل يوجد فن للقص؟ هل يقارب الكاتب الفن السوريالي في بعض نصوصه؟
ويزداد إلحاح هذا السؤال في (الصورة) وهي حكاية عن فن تعدد الأقنعة، وعمليات
التجميل، وإخراج الصور، إنّها قصة تستحق التمعن.ص34
ونلمس محاولات الكاتب نهج طريق جديد في الكتابة في "أختا سهيل"، و"بلا معنى" التي
تدل على تمكن ومقدرة متميزة على القص، تتعدى الكثيرين تميزاً وتفرداً ونجاحاً، فناً
وموضوعاً.
تدعو قصص المجموعة إلى التمعن العميق، وبعضها يدعو لسبر أعماق النفس البشرية... كما
تنم أحياناً عن سوداوية من غير المفيد الترويج لها : "الآن أعلن توبتي عن كل هذه
الآثام، لأعانق لجيناً في لُجة النار، وسأترك لكم هامتي قرب مدافئ الشتاء"ص43. لغة
الكاتب عادية جميلة، تشوبها بعض الكلمات الدارجة، واستخدام غير ضروري لأحرف الجر (وبأنّه
يجب، أعلم بأنّ قناعات، أمي تقوم بكرهي...) ولا تخلو من التعثر
بكلمات فصيحة معقدة وسط لغة بسيطة: (خلاصة رمة الأمر: تسمع غقغقته) ص101 لكن ذلك لا
يطغى على جمالية اللغة، فضلاً عن اكتناز القصص بمقاطع مكتوبة بلغة جميلة ورائعة...
يطرق الكاتب علي الشّاويش، في مجموعته القصصية الجديدة: "بلا معنى"، باب القصة بثقة
ومقدرة محاولاً ترك بصماته، وخلق فتح جديد بأسلوب خاص متميز، يستدعي تساؤلاً إن
كانت هذه كتابة قصصية، أم كتابة أسطورية؟ أم فن آخر؟ و يستحق الكاتب التحية عليها،
وعلى الجهد الذي بذله ومحاولته الجادة والناجحة خط أسلوب مميز في القص وإمتاع
القارئ.
بلا
معنى "قصص قصيرة" ـ تأليف: علي الشّاويش ـ إصدار: دار كنعان للدراسات والنشر
والخدمات الإعلامية ـ دمشق ـ 2009 ـ إخراج لبنى محمد ـ لوحة الغلاف: سلاف ثابت
عباس