النص القرآني عند محمد شحرور 17

النص القرآني عند محمد شحرور 17

ياسين سليماني

[email protected]

6- أم الـكتاب:

 أم الكتاب عند محمد شحرور جزء من التنزيل الحكيم، اختص عما سواه بالتفريق بين الحلال والحرام أو السلوك الإنساني في حين فرق القرآن الذي هو جزء آخر من التنزيل بين الحقيقة الموضوعية والوهم، فالوجود الموضوعي وقوانينه موجودة خارج الوعي الإنساني، فالشمس موجودة عرفنا ذلك أم لم نعرف، وسواء قبلنا الأمر أم لم نقبل، ومن هنا نقول أن الشمس "حق" ونقول أن الموت "حق" ولا نقول أن الموت "حلال"، الأمر ذاته في ما يتعلق بقانون الجاذبية والساعة والبعث ففي كل الأحول سيبعث الإنسان عرف أم لم يعرف(1)

 والقرآن حقيقة موضوعية مطلقة في وجودها خارج الوعي الإنساني، وفهم هذه الحقيقة لا يخضع إلا لقواعد البحث العلمي الموضوعي وعلى رأسها الفلسفة وكل العلوم الموضوعية من كوسمولوجيا وفيزياء وكيمياء وسائر العلوم الطبيعية، أما الشريعة والأخلاق والعبادات والقانون والسياسة والتربية فليس لها علاقة بالقرآن لا من قريب ولا من بعيد، وبهذا يجب أن نفهم قول النبي(ص):" القرآن حجة لك أو عليك"، لأن من آمن بالبعث- والبعث من مواضيع القرآن- يرى التأويل النهائي لآيات البعث حيث يبعث لأنه يبصرها حقيقة مادية موضوعية، وعندما يبعث الناس يكون القرآن حجة لمن آمن بالبعث وحجة على من لم يؤمن به لأن كل آيات الساعة والبعث واليوم الآخر والجنة والنار هي من القرآن وتأويلها النهائي هو إبصارها(2).

 وما دامت النبوة (القرآن) مربوطة بالعلوم الموضوعية والتاريخية فهي "الموضوعي"، ومادامت الرسالة (أم الكتاب) مربوطة بالعلوم الاجتماعية والشرعية فهي "الذاتي". والموضوعي عند شحرور هو ما لا علاقة له بالوجود الإنساني، مثل وجود الشمس، فهي لا تقوم بوجود الإنسان ولا تفنى بفنائه وإنما فناؤها ووجودها مستقلان تماما عن الوجود الإنساني، في حين أن "الذاتي" (أم الكتاب) فهو ما لا يكون له وجود إلا بوجود الإنسان، ويعطي شحرور مثالا موضحا:" ... فلو افترضنا أنه قامت الحرب ذرية وفني الجنس البشري فإن هذا لا يؤثر على الشمس والمريخ، ولا يؤثر على نواميس الكون والوجود(...) وفي الوقت نفسه إذا فني الإنسان ولم يبق هناك جنس إنساني فتذهب معه الصلاة والصوم والحج والزكاة (...)، وكل القيم الإنسانية المنفردة والجماعية، هنا نفهم ما معنى الذاتي"(3) ولهذا لم يطلق لفظة "الحق" على أم الكتاب لأنها قواعد السلوك الإنساني وليست قوانين الوجود الموضوعي بل أطلق عليها مصطلح "الرسالة"، وبها أصبح محمد(ص) رسولا وبلغها للناس واجتهد في تطبيق أحكامها في زمانه، ثم يضيف شحرور وهذا من اغرب ما جاء به في كتابه هذا أن أم الكتاب ليست كلمات الله ولا من نواميس الوجود ، لأن كلمات الله حق، ونحن لا نرى في أحكام أم الكتاب مصطلح "قال الله".

 وهذه الأحكام قابلة للأخذ بها أو تركها، لذا فهي مناط التكليف وفيها القضاء (أي الاختيار) الإنساني أما القرآن فليس مناط التكليف ولا توجد فيه أية أحكام وأوامر تكليفية فهو " حق حتمي ساحق ماحق" لذا فهو مناط القدر في قانونه العام، ومناط المعرفة الإنسانية في القوانين الجزئية، ومناط المعرفة الإنسانية بالتاريخ.(4)

 وموقف الإنسان من القرآن الإيمان به أو عدمه، ولذا قال:" وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(5)، أما أن يغير في قوانينه أو يهرب منها فلا سبيل له إلى ذلك:" واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا"(6)

 ويجيب شحرور عن سؤال يفترض أن يطرح عليه حول أم الكتاب التي يقول أنها ليست "حقا" وليست "كلمات الله"، فهل أم الكتاب باطل (أي وهم)؟ فيقول فيما يشبه المراوغة دون الإجابة الشافية: إن الحق"القرآن" هو "الموضوعي" جاء لتصديق أم الكتاب التي هي "الذاتي" حيث أن أم الكتاب ليس لها وجود قائم في ذاته ومنفصل عن الإنسان(7).

 وتحت عنوان "أم الكتاب هي رسالة محمد(ص) وهي كتاب الله وقد جاء القرآن تصديقا لها" يقول شحرور أنّ رسالة محمد (ص) تحتوي على عدة فروع وهي:

1- الحدود بما فيها العبادات.

2- الفرقان العام والخاص (الوصايا).

3-أحكام مرحلية.

4- أحكام ظرفية.

5- تعليمات عامة لا تدخل في الأحكام الشرعية جاءت تحت بند" يا أيها النبي".

6- تعليمات خاصة بالنبي (زوجات النبي).

7- ممنوعات كالخمر والميسر والأنصاب والأزلام وهي تخضع للاجتهاد حسب الظروف الموضوعية في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي(8)

 ثم يستدرك شحرور بأنّ الآيات من أم الكتاب والتي جاءت بقوله تعالى" يا أيها النبي" ليست أحكاما شرعية بل تعليمات أو حالات خاصة للنبي(ص) أو هي تعليمات عامة وليست تشريعات أي أنها (ولله المثل الأعلى) تعليمات إجرائية وليست مراسيم تشريعية(9)

              

1- المصدر نفسه، ص132.

2- شحرور، الكتاب والقرآن، ص132.

3- المصدر نفسه، ص133.

4- المصدر نفسه، ص133.

5- سورة الكهف، الاية29.

6- سورة الكهف، الاية27.

7- شحرور، الكتاب والقرآن، ص112.

8- المصدر نفسه، ص112.

9- المصدر نفسه، ص112.