مع القاص والروائي الفلسطيني عبد الله تايه
شاكر فريد حسن
واجهت الحركة الادبية الفلسطينية في المناطق المحتلة تحدياً كبيراً بعد أن انسلخت عن الوطن العربي، ومثلما حمل الشعراء لواء التحدي والرفض والمقاومة ظهرت القصة القصيرة والرواية وكان لهما دور هام في مواجهة الواقع الاحتلالي الذي أفرزته نكسة حزيران 1967.وقد برز جيل من كتاب القصة الملتزمة الواعية منهم القاص والروائي عبداللـه تايه القادم من مخيمات البؤس والشقاء، الذي عرفناه بقصصه ورواياته الواقعية والسياسية المعبرة ببساطة وصدق عن الأرض والوطن والمخيم والطين والبيدر والعيال والفلاحين والفقراء والمعدمين والشحاذين، وتروي حكايات الصمود والمقاومة الشعبية ضد الاحتلال.
ولج عبداللـه تايه عالم القصة والرواية في جيل مبكر ونشر أعماله واثاره الأدبية في الصحافة الفلسطينية وشارك في ندوات عدة تمحورت حول القصة الفلسطينية تحت الاحتلال، وفي أواخر السبعينات أصدر مجموعته "من يدق الباب" ورواية "الذين يبحثون عن الشمس" .
ومنذ البدايات ارتبط تايه بقضايا شعبه الوطنية واليومية وعكس واقع القهر والبؤس الذي ترزح تحت وطأته الجماهير الشعبية الفلسطينية ، ورصد التحولات الايجابية والمتغيرات الاجتماعية والنفسية العميقة التي طرأت على المجتمع الفلسطيني.
تنوعت الموضوعات التي عالجها وتناولها عبداللـه تايه ، وفي صلب هذه الموضوعات نقرأ عن هموم المواطن الفلسطيني البسيط والضغوطات والأزمات النفسية التي يتعرض لها ويجابهها، وعن الجوع والفقر والحب والمقاومة والحرب والانتفاضة ومشاكل الوطن وقضايا الامة العربية ، بالاضافة الى موضوع حساس وساخن يؤرق شبابنا ومراهقينا وهو "العلاقات الجنسية".
وخلال قراءتنا لمجموعة عبداللـه تايه القصصية الأولى "من يدق الباب" نلمس أن الجنس محور أساسي في هذه المجموعة، وهو حافز حياتي خصب ورمز للفرح والغبطة والسعادة الداخلية لكنه في في مجتمعنا الفلسطيني والعربي ممنوع ومقموع، وحين يتوازى القمع الجنسي مع القمع السياسي والفكري تولد حالة من الاغتراب والاستلاب.وأننا نجد الجنس في قصص عبداللـه تايه ليس معزولاً عن أساسه الأجتماعي وأن الثورة الاجتماعية هي السبيل لتغيير العلاقات الانسانية المشوهة والمريضة والعاجزة والتخلص من الكبت الجنسي والضيق النفسي والوحشة اليومية واستبدال الاغتصاب بالحب والتعاسة بالسعادة والموت بالحياة والقهر بالحرية السياسية.
ويكشف عبداللـه تايه في روايته" الذين يبحثون عن الشمس" حقيقة الطبقات البرجوازية الكبيرة والصغيرة ويصف تصرفاتها ونهج تفكيرها، ونلتقي بمزيج من الشخصيات التي تعاني من عقدة نقص شديدة ابتداءً بحمدي عبد العال مروراً بيسرى وناديا وانتهاءً بسمير.
وعبداللـه تايه يختار شخوصه من قصصه بباصرة واعية ويتلمس ويعايش الناس في قهرهم اليومي ومعاناتهم الانسانية المستمرة، وينتمي معظم أبطاله الى الطبقات الكادحة والمسحوقة وهم من أبناء الأرصفة والأزقة والمخيمات والشوارع.
عبداللـه تايه كاتب تمرّس بالكتابة القصصية والروائية منذ أوائل السبعينات وقدم قصصاً وروايات جيدة العرض، جميلة الصياغة، مشحونة بالعاطفة وتعتمد على التصورات والرؤى والتأملات والخواطر والتناول السردي والاستعانة بالاسلوب الشعبي في القص وتوظيف الحكاية الشعبية ، وهي نصوص تلامس الجرح وتعكس الواقع الحياتي والضغط والحرمان الاجتماعي والقهر والاضطهاد السياسي، وتؤكد رؤيته الاجتماعية والطبقية ومواقفه القومية والوطنية وتعامله مع لغة القص وانتقاء الألفاظ الرقيقة والايحاءات البسيطة.