جابر قميحة الداعية الأديب والمفكر المبدع

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أبوالسعود شبل ـ بلطيم . كفر الشيخ . مصر

[email protected]

الكاتب الواعى المستنير الذى يحيط علما بقاضايا أمته ويتبناها فى كتاباته بالتحليل والإبراز أصبح عملة نادرة فى هذه الأيام . فإذا أضفنا إلى ذلك كون الكاتب أديبا مبدعا كان وجوده أشد ندرة ، ولهذاوجب الاحتفاء والضن بمن يحملون هذه المؤهلات من الكتاب المبدعين ، ومحاولة رصد فكرهم وابداعاتهم وتحليلها وابرازاها للقراء والمهتمين للاستفادة منهم ، ومن إبداعاتهم الفكرية واسهاماتهم الأدبية والنقدية والتربوية.

ومن الكتاب الذين يملكون طاقات فكرية ومواهب إبداعية و قدرات نفسية هائلة الكاتب المبدع واالأديب الأريب الأستاذ الدكتور جابر قميحه ، إنه واحد ممن جاد بهم الزمان ؛ ليسخر مواهبه المتعددة وطاقاته الإبداعية وقدراته النقدية وجرأته فى الحق ... يسخر كل ذلك لخدمة قضايا أمته ، ونصرة مشروعها الثقافى ، وكشف ومطاردة الفساد والمفسدين .

 ولهذا نحاول فى السطور الآتية التوقف عند بعض ملامح منهجه الفكرى والأدبى والإبداعى : 

 - أولا الدكتور جابر قميحة يؤمن إيمانا راسخا برسالة الأديب فى الإصلاح ، ودوره الرئيس فى نشر الفضيلة ، والارتقاء بالأخلاق والقيم والمثل يقول : 

(وشعورالمبدع بأنه ذو رسالة إنسانية يرفع من قيمة إبداعه من ناحية, ويرفع من «قيمته الذاتية» من ناحية أخري, فهو - في هذه الحال - مبدع سويّ, يعبر عن قيم الحق والحرية والجمال والإنسان, بريئاً من الإسفاف والسقوط والابتذال. 

 وهذا يعني أن المبدع يأخذ نفسه «بالتزام ذاتي» استجابة لفطرة سوية, حتي ليصبح هذا الالتزام جزءًا لا يتجزأ من عملية الإلهام الفني, وليس خاضعاً لعنصر الاختيار الواعي المتعمد. ويغدو الخروج عليه شذوذاً مرفوضا في عالم العقل والشعور, فهو ليس التزاماً «أيديولوجيا» كالالتزام الشيوعي أو الوجودي. ولكنه - كما أشرت - التزام نابع من ذات مبدع سوي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالقيم الإنسانية بمفهومها الواسع الجليل) . 

ولا يعنى التزام الكاتب وهمه بقضايا وطنه أن يهمل عناصر الإبداع والجوانب الفنية التى تقدم إبداعه البناء فى صورة فنية أنيقة تشبع النفس وتثرى الخيال ، يقول الدكتور جابر فى نفس المقال :

(والمبدع - وهو ينطلق في إبداعه من الشعور القوي بهذه الالتزامية, أو هذه الرسالية, وحرصا منه علي إيصال إبداعه إلي المتلقي - يحرص علي أن يستوفي عمله الإبداعي كل العناصر الموضوعية والفنية الجمالية) .

- والدكتور جابر محلل نفسي على درجة كبيرة من الوعي ، يسبر أغوار النفس الإنسانية ... يحللها ويخرج مكنونها . ففى مقال بعنوان - الرسول القائد فى غزوة بدر- نراه يغوص فى أعماق أطهر نفس وأشرف إنسان ، يرصد رفعتها وينهل من روعة وسلاسة قيادتها ، فيقول عن قيادة النبى صلى الله عليه وسلم وجمعه بين حزم القيادة ومتطلاباتها وروح الرسالة وسماحتها : ( وإذا نظرنا إلى شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) رأيناه ـ كما ينقل التاريخ ـ أعلم الناس بطبائع الرجال، ومواقفه كلها تتسم بالإنسانية التي لا تعرف التهاون، وبالحسم الذي لا يعرف الظلم. وبالعدل الذي يضع كل إنسان في موقعه المناسب، وقد يحتاج الموقف لينًا لو استبدل به شدة لفسد كل شيء، وقد يحتاج الموقف شدة لو حلّ محلها لين لأضار ذلك بالدين والقيم، واختلاف التصرف باختلاف المواقف والرجال لا يتعارض مع القواعد العامة، والقيم العليا، إذا ما صدر ذلك عن نفس بصيرة موصولة بالله، وهل كان هناك من هو أنقى وأطهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ) . 

وعلى الجانب الآخر نراه يرصد شخصية القائد المتسلط المنفرد بالرأى متمثلة فى شخصية أبى جهل وموقفه قبل غزو بدر يقول : 

(كان أبو جهل مثالا للقائد المغرور، الذي لا يحسن تقدير المواقف، وكان مستبدا برأيه، ولم يفتح أذنيه للرأي الآخر،فنزل المعركة وبينه وبين جنوده جدار من عدم الارتياح وفقد الثقة ،أي فاصل نفسي سميك. وكان قائدا أحمق لا يعتبر الحرب إلا نوعا من الاستعلاء، والمظهرية الدعائية) 

- ود قميحة يقف على عتبات الروساء والملوك ،لا مستجديا متسولا رضاءهم وفتات عطاياهم بل ناصحا باذلا آمرا وناهيا . يقول ما يمليه عليه حسه الأدبي وضميره الإنساني ، فنراه فى رائعته التى دبجها من خلاصة خبراته الأدبية والدينية يخاطب رأس دولته باسمه خطابا يهز الوجدان الحي ، وتنخلع منه القلوب الخافقة خطابا يجمع بين الأدب الجم والشجاعة فى الحق يقول في خطاب بعنوان " يا مبـارك هل تنام ؟ " : 

(ذكرتني قصة الحطيئة بالخمسة والعشرين ألف مواطن الذين ألقي بهم في المعتقلات والسجون المباركية، وذكرتني بأطفالهم الذين يعيشون "أيتامًا"، وآباؤهم أحياء. خمسة وعشرون ألفا -يا مبارك- أغلبهم مضي عليهم في جحيم معتقلاتهم أكثر من عشر سنين. وأسراك هؤلاء -يا مبارك- يمثلون في العدد ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف أسري الفلسطينيين في سجون إسرائيل. وعدد أسراك هؤلاء -يا مبارك- يعني أنهم تركوا وراءهم قرابة مائة ألف طفل يعيشون علي الألم والحرمان والضياع والفقر والمرض. فكيف تنام -يا مبارك ؟ . وهل يهنأ لك منام في قصورك، ومنتجعاتك، واستراحاتك ؟ . ألم يؤرقك ضمير، وتصرخ فيك نفس لوامة ؟ ألم تقل لك: إن أسراك هؤلاء إما أبرياء، فيجب أن تطلقهم فورًا، وتعوضهم -من مالك الخاص- عن زهرة عمرهم التي أُهدرت وديست في معتقلاتك ؟ . وإما مذنبون فيجب تقديمهم فورًا لمحاكمات علنية عادلة ؟! . وما أري كلاً منهم إلا قائلاً بلسان الحال، ولسان المقال:

أنـا لم أسرق القروضَ من iiالبنـ
لـم أبـعْ ذمتي، ولا خنتُ يومًـا
أنـا لـم أقـتحمْ بيوتًا مع iiالفجـ
لا ومـا زوَّرتُ انتخابًا، ولا iiكنـ
إنـمـا  عـشـتُ شامخًا iiبيقيني
أنـا مـا بـعـتُ أمتي iiبرخيصٍ
مـا  اتخذتُ الإرهابَ دينًا iiونهْجًا
*              *              ii*
فـلـمـاذا أصـيرُ رهن iiاعتقالٍ
وأعـانـي  لـهيبَ شوقي iiلطفل
زوجـتـي رُمِّـلت وما أنا iiمَيٍْتٌ
حَـمَـلَت  ما حملت قبلاً، iiفقامتْ
وصـغـاري تـيتموا في iiحياتي
لـم يـعيشوا في العيد بهجةَ iiعيدٍ













ـك، ولـم أخـتلسْ جهارًا iiنهارا
أو  لـبـستُ الرياءَ ثوبًا iiمُعـارا
ـر، وأُفـزع أطـفالَها iiوالعذارى
ـتُ دعـيًّـا أسـايـرُ iiالأشرارا
رافـعَ  الـرأس عـزةً وفـخارا
أو بِـغـالٍ، ولـم أُخـرِّبْ iiديارا
لا،  ولا حـتـى فـكرةً iiوحوارا
*              *              ii*
وأعـانـي  الـقـيودَ iiوالأسوارا
وبـنات  للحزن عشن iiأُسارى؟!!
وهْيَ- مِن غيبتي- تذوب انتظارا
تـشـكـرُ اللهَ قُـربةً واصطبارا
"يـا يدَ الظلم ما رحمْتِ iiالصغارا"
و  تـزيَّـوا بِِـزيِّـه اسـتبشارا

 وكيف تنام – يا مبارك – وأنت تعيش في شرنقة مصفحة من الطوارئ الممتدة من ربع قرن ؟ ألم يؤرقك صراخ أرواح قتلى الانتخابات المزورة ، وضحايا عبارة رجل حزبكم : ممدوج إسماعيل ؟ وغير ذلك كثير وكثير ... وأخيرًا وأخيرًا.. هلا رجعت -يا مبارك- إلي ما كتبته أنا آنفًا من لمسات تاريخية عفوية؟ وبعدها أعاود سؤالك -وعلي أسي ووجع أليم-: يا مبارك.. يا رئيس هذه الأمة: هل تنام؟ وكيف يهنأ لك منام أمام ظلمكم هذا الفادح، الذي يؤرق جبالا وبحارًا وتهتز منه وله أرض وسماء ؟!) 

 - وللأديب البارع جابر قميحة لمحات أدبية رائعة يتوهج منها تصويرات فنية بديعة فيما يمكن أن نسميه بأدب الرحلات فهاهو يصف مشهد الجليد فى أمريكا التى قضى فيهاسنوات معلما فى جامعة( يل ) فى تصوير بديع لبلاد الجليد يقوك فى (يومياته فى أمريكا) : 

(لبست أثقل ثيابي و طاقيتي الصوفية ، وخرجت ومعي مظلتي إلي شارع " بروسبكت " حيث المنخفضات على اليمين والمرتفعات علي اليسار ، لأشهد مولد عيد حقيقي من أعياد الطبيعة ، كانت ندف الجليد تهبط ، فتنعكس عليها أشعة مصابيح الشارع ، فتبرق بريق قشور من الفضة ، وسعدت لأن حذاء الجليد الذي كنت أنتعله اجتاز التجربة بنجاح . كنت أشعر أنني أمشي في مدينة من القطن الطبي ... كل شيء قد اكتسي بالبياض: الأرصفة ... الحشائش الخضراء ... الأشجار التي نفضت عنها كل أوراقها ... السيارات الجاثمة أمام المنازل) 

 كما يحكى هذا المشهد الطريف : 

(وخرجت باحثا عمن يلتقط لي بعض الصور في الجو الجليدي الساحر ، كانت البرودة طاغية ، وأذكر أنني ـ منذ قدومي ـ ما واجهت مثل هذه البرودة القاسية ، أحسست أن أطرافي ستتجمد ، وضعت يدي في أعماق جيب معطفي وحفظت الكاميرا في داخل الجيب . وعثرت على هندي كان معه طفله الصغير, استجاب لى والتقط لي أكثر من عشر صور ، بعد أن أخبرني أنه بارع في التصوير ، واكتشفت بعد ذلك انه صور كل شيء إلا أنا ) 

 - كما أنه لغوى بارع غيور على العربية لغة القرآن ذلكم الوعاء الذى حفظ لنا ثقافتنا وهويتنا فتستفزه الأخطاء اللغوية وبخاصة إن صدرت عمن يفترض أنهم حماة العربية وحراسها ، ويستنكر أشد الاستنكار ما يحدث للغة من هتك وخلط على يد أبنائها 

ويشدد النكير على هؤلاء المقلدين المخلطين ، فنراه فى مقاله- العربية والاستعمار اللغوى -يقول : 

(إن الأمة التي تحترم نفسها، وتحرص على تحقيق هويتها يجب عليها أن تحترم لغتها، ولا تسمح بمثل هذا الاستعباد اللغوي، ولننظر إلى الفرنسيين الذين يرفضون بشدة استخدام لغة غير الفرنسية في الخطاب والتعامل، بل فرضت الدولة عقوبات على من يفعل ذلك، ولا تسمح بالترخيص لأي محل أو شركة أو مؤسسة لا تحمل اسما فرنسيا) 

 - والدعوة إالى الله عز وجل من الأساسيات والمرتكزات التى يقوم عليها أدب جابر قميحة ، وتقوم عليها كتاباته وإبداعاته فهو يوضح معنى الدعوة إلى الله ومقتضاياتها فى مقال له بعنوان- دعاة آخر زمن- يقول : 

 الدعوة إلى الله تعني تبليغ رسالته في صورة مُثْلى مؤثرة تغزو العقول والقلوب ، وتشد الآخرين إلى الإسلام ، والسلوكيات السوية الطيبة ، وتجنب كل ما يخالف الدين والقيم الإنسانية . 

والاضطلاع بمهمة الدعوة يقتضي أن يكون الداعية متحليًا بعدد من الصفات أهمها : 

1ـ أن يكون قدوة حسنة للآخرين في أقواله وأفعاله . 

2ـ أن يملك الداعية قدرًا كبيرًا من العلم، والفقه ، والمعارف القديمة والمعاصرة ، لتوظيفها لمصلحة دعوته . 

3ـ أن يكون قديرًا دقيقًا في عرض موضوعات الدعوة وفقًا لطبيعة البيئة التي يدعو فيها ، أي يحرص على التوفيق بين معطيات الدعوة ، واهتمامات المجتمع. 

4ـ أن يتجنب في طروحاته مواطن الخلاف بين الفقهاء ، وخصوصًا المتعلقة بالفرعيات . 

5ـ أن يراعي المستوى العلمي والاجتماعي للمتلقين . 

وقد بين القرآن آليات الدعوة ووسائلها في هذه الآية الجامعة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...) ( النحل 125 )ا 

 - والدكتور جابر يؤمن بأن الرد على الحاقدين على الاسلام والمشوهين لصورته من أصحاب الشبهات والافتراءات سواء من المنتسبين إليه أم من المستشرقين ضرورة ، وأن التعامى عن كتابتهم فى غاية الخطورة ؛ لأنهم قد يشعرون أنهم فى موقع القوة والغلبة ، وأن خصومهم لا يجدون من الأدلة والبراهين ما يدفعون به شبهاتهم ويدحضون افتراءاتهم ، فضلا عن احتمال تأثر قليلى العلم بهذه الافتراءات . فهو لايفتأ يرد على الحاقدين على الإسلام وشرائعه ... يفند شبهاتهم ، ويدحض افتراءاتهم بالدليل العلمى الذى يجمع بين العقل والمنطق والنقل ، فهو تحت عنوان كتابات ساقطة يفند مزاعم محمود أبى رية وبذاءاته فى حق صحابة النبى صلى الله علبه وسلم يقول الدكتور قميحة

(ولكننا في هذه العجالة سنكتفي بنقل بعض العبارات من كتاب " أبي رية "( في طبعته الثالثة ) ، لنتبين منهجه في رسم صورة مشوهة للصحابي الجليل أبي هريرة، لنرى هل كان أبو رية هذا عالما مجتهدا – كما ذهب بعضهم أو أحدهم: 

عنوان الكتاب " شيخ المضيرة أبو هريرة " يبين ابتداء عن سوء قصد المؤلف ؛ فالمضيرة لون من الطعام كان أبو هريرة يحبه – ولا عيب ولاحرمة في ذلك – فقد ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحب من الطعام " الدباء ولحم الطير " ، وتعاف نفسه أكل الضب ، ووصف أبي هريرة – في عنوان الكتاب – بأنه شيخ المضيرة يعطي انطباعا صارخا بأنه عاش كأشعب الطفيلي، لا همّ له إلا الطعام ، فتشويه شخصية الصحابي الجليل هدف واضح من عنوان الكتاب) . 

 **********

 والحق أن كتابات د. جابر قميحه ومنهجه النقدى والفكرى والإبداعى يحتاج الى وقفات طويلة ، بل وإلى دراسات متخصصة لا يمكن أن يتم تناولها فى مقالات عابرة . والأهم من ذلك أن يأخذ هذا الرجل حقه من التقدير ، وأن يتبوأمكانته من اهتمام النقاد والمفكرين والدارسين ؛ لإبراز ما تزخر به مؤلفاته من فكر عميق وثقافة مبدعة . أما أن ينال ما يستحقه من تكريم رسمى فهذامالايمكن أن نحلم به فى ظل هذه الأحوال المتردية .