رواية كلمات على رمال متحركة

إبداع متميز وتنوع ثقافي

جميل السلحوت

[email protected]

هذا الشهر كانون اول –ديسمبر- 2009 صدرت رواية(كلمات على رمال متحركة)للأديبة المقدسية مزين يعقوب برقان، تقع الرواية التي صمم غلافها الفنان صلاح الأطرش في 318 صفحة من الحجم الكبير،وواضح ان الأديبة برقان طبعت روايتها على نفقتها الخاصة،كغيرها من الأدباء الفلسطينيين الذين يطبعون ابداعاتهم على حسابهم الخاص،لعدم وجود دور نشر تعنى بذلك،خصوصا هذا العام الذي احتفل فيه بالقدس عاصمة للثقافة العربية2009 .

وكان صدر للأديبة مزين برقان بداية هذا العام 2009 رواية(يوم ولد قيس)وصدر لها في العام 2001 رواية(ليلى) باللغة الانجليزية،وفي العام 1998ديوان شعر(اوراق الحب) عام 1998 والرواية التي بين أيدينا(كلمات على رمال متحركة)تشكل قفزة نوعية وكبيرة في فن الكتابة الروائية عند أديبتنا،كما أنها تشكل اضافة نوعية للرواية الفلسطينية والعربية.

وسيلاحظ كل من يقرأ الرواية كيف أن الكاتبة طورت أدواتها الفنية ولغتها الأدبية بشكل لافت، سيرسخ اسمها على الساحة الأدبية محليا وعربيا كأديبة وروائية لافتة.

ملخص الرواية:

 تتحدث الرواية عن دولة متخيلة(دولة السراب)يحكمها حاكم ظالم،مضطهد لشعبه،مجرد من الانسانية،يعشق سفك الدماء،وحروبه متواصلة لأتفه الأسباب وله ابن وحيد اسمه(مالك) فنان تشكيلي مرهف الاحساس والمشاعر،على نقيض والده،لكنه ما لبث أن فتك به المرض ومات دون أن يتزوج من الفتاة التي أحب وهي من عامة الناس،وذلك نتيجة لبطش والده.

الثقافة:

واضح جدا ومن خلال الرواية أن المؤلفة للرواية تتمتع بثقافة لافتة في الفلسفة والفنون التشكيلية،والموسيقى،وقد ظهر ذلك جليا من خلال الاقتباسات التي ضمنتها روايتها،فقد ذكرت في الرواية أشياء كثيرة واقتبست أقوالا لفلاسفة مثل فولتير،ونيتشه،وأوردت أسماء الكثيرين من الفنانين التشكيليين العالميين،كما أوردت أسماء بعض لوحاتهم، أمثال فان كوخ،والفنان الفرنسي انجريس،وهنر،وفي الموسيقى أوردت أسماء قطع موسيقية لموسيقيين عالميين امثال:موزارت،هايدسا،باخ وياني،ولم تستشهد بأي من الفلاسفة أو الموسيقيين والرسامين العرب سوى بجبران خليل جبران،ويبدو ان ثقافة ومطالعة أديبتنا تنصب على الثقافة والابداع الغربيين أكثر منها على الثقافة العربية.

اللغة: استعملت الأديبة لغة أدبية جميلة بليغة،فيها الكثير من التشبيهات والاستعارات، وفيها شاعرية تطرب القارئ،والأخطاء النحوية قليلة وقد تكون ناتجة عن أخطاء مطبعية.

التشويق:يطغى على الرواية عنصر التشويق بشكل واضح،بحيث انه رغم طول الرواية الا ان عنصر التشويق الطاغي يسيطر على القارئ،ويشده على قراءتها بمتعة ودون كلل أو ملل .

الأسلوب:استعملت الأديبة مزين برقان في روايتها هذه أسلوب السرد الروائي السلس،فلغتها متدفقة متناسقة ومشوقة،واذا كان عنصر الحكي قد طغى على روايتها السابقة(يوم ولد قيس)فإن روايتها هذه(كلمات على رمال متحركة) رواية لا حكي فيها،وقد ذكرتني روايتها هذه بثلاثية  الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي.

رسالة الرواية:

تحمل الرواية رسالتين هامتين هما:

1-   رسالة العدل والسلام والديمقراطية،والتنفير من الظلم والفساد والحروب.

2-   رسالة حب سامية لا ابتذال فيها،وأن على الوالدين أن لا يقفا في طريق زواج ابنائهما بمن يريدون،فالحاكم الظالم حال دون زواج ابنه الوحيد من الفتاة التي أحب،وقام رجاله بتعذيب تلك الفتاة حتى التشويه،كما قتلوا أهلها.

وفي ثنايا هاتين الرسالتين هناك جماليات الابداع من فنون وأدب وفلسفة وموسيقى،كما أن هناك سجونا،وتعذيبا واضطهادا وقتلا وحروبا،مما يجعل القارئ ينقاد وراء الجماليات الابداعية،وينفر من الظلم والحروب.

أبطال الرواية: في الرواية أربعة أبطال رئيسيين هم:

مالك:ابن الحاكم الظالم،وهو شاب وحيد والديه،توفيت والدته وهو طفل،نشأ رقيقا محبا للموسيقى وللفنون التشكيلية،وكان يمارس الرسم،ولوحاته لها دلالات ومعاني،مثل لوحة(البئر الفارغة)ولوحة(الغربان)وعلى عكس والده كان مالك يتحلى بالانسانية وثقافة عاليتين،لذا رأيناه يزور السجون ويتعاطف مع السجناء،ويحاورهم ويتمنى لو كان يستطيع الافراج عنهم،كما رأيناه يكره الظلم والظالمين، بمن فيهم والده،ويحب مساعدة الفقراء والمحتاجين، وقاده تفكيره وانسانيته الى ترك قصر والده،والعيش وحيدا مع همومه.أحب فتاة من عامة الشعب اسمها سارة،لكن رجال والده اختطفوها ووالديها،وعذبوها بشكل كبير .

أمّا أسرتها فقد اصبحت في عداد المفقودين،كان دائم المعارضة لسياسة والده المحب للحروب،والمضطهد للشعب،ومرض ومات مالك قبل ان يتزوج.

عمر:سجين رأي،مثقف وصاحب رأي،يهوى الفنون والموسيقى،أمضى في السجن أربعة وعشرين عاما،ليتحرر بعدها وقد وجد والديه قد توفيا دون ان يراهما أو يرياه،ووجد أخاه الوحيد نزيل مستشفى للأمراض العقلية دون سبب يعرفه،فقد كان ذكيا في دراسته،ويبدو أنه من ضحايا ظلم الحاكم.ربطته بمالك ابن الحاكم صداقة بعد زيارة مالك للسجن الذي يقبع فيه،وبعد الافراج عنه زار مالك في بيته وتردد عليه الى أن مات مالك وهو بجانبه، تعرض في السجون الى تعذيب أفقده ذكورته.

الحاكم:

 بقي اسم الحاكم مجهولا طول الرواية،ويبدو أن الأديبة برقان قد رمزت به الى كل حاكم ظالم،كان محبا للحروب لأتفه الأسباب وحتى بدون سبب،وما يهمه هو ان تبقى دولته في حروب دائمة مع دول الجوار، وكان محبا للدماء والقتل والتعذيب واضطهاد شعبه.

سارة: فتاة جميلة من عامة الشعب،أحبها مالك ابن الحاكم الظالم،ولما أراد الزواج منها اختطفها وأسرتها رجال والده،وعذبوها عذابا شديدا،في حين اصبحت أسرتها في حكم المفقودين،عملت خادمة في ملجأ للعجزة ولم تجرؤ على الظهور ثانية.

اسم الرواية: (كلمات على رمال متحركة)هذا يعني أنها غير واضحة،فالرمال المتحركة تتشكل بأشكال مختلفة،وتتناثر على كل جسم تحط عليه،ولا أدري لماذا اختارت الروائية هذاالاسم لروايتها،فمضمون الرواية ورسالتها واضحتان،لا لبس فيهما.

ملاحظة:لا أعلم لماذا اختارت الكاتبة اسما متخيلا(دولة السراب)وعاصمتها (الوهم)وأسماء شوارعها ومستشفياتها متخيلة ايضا،فهل أرادت سحب الخيال على الواقع هروبا من الواقع؟؟ وقد ذكرتني هذه الرواية بروايتي الراحل عبد الرحمن منيف(شرق المتوسط)و(الآن هنا) فهما تتكلمان عن التعذيب والمظالم في شرق المتوسط دون أن يذكر اسم دولة بعينها،وأخذ كل قارئ يحسب ان دولته هي المقصودة.

ومع ذلك فإن رواية الأديبة برقان لم تخل من اشارة سياسية الى الدول العربية فقد جاء على لسمان عمر مخاطبا مالك صفحة288 (لا أدري،أو ربما لا أريد أن أدري،صراع فكري بين الابن ووالده الحاكم، إنه أمر محير بعض الشيء،أتطلب النصيحة من انسان مجزوء؟؟ ها أنا هزيل كتاريخ العرب الحديث،منقوص كسيادة العرب على بلدانهم).

ملاحظتان1:جاء في الرواية صفحة 289 على لسان عمر وهو يعقب على اللوحة التي رسمها مالك له(وجه منقوص لا رجولة فيه) وكان الأجدر والأصح قول(وجه منقوص لا ذكورة فيه)فهناك فرق بين الذكورة والرجولة،وفاقد ذكوريته ليس بالضرورة فاقد رجولته.

(2) وجاء في الصفحة158 على لسان مالك مخاطبا عمر ومتحدثا عن تشريح العالم لويس باستر للارنب:(ذهب الى مختبره من أجل قتل أرنب وتشريحه،وليس في ذلك تكريم للأرنب أمّا أنا فأتيت من أجل حياة انسان حكم عليها أن تموت وهي على قيد الحياة) فكيف تموت الحياة وتقبض وهي  حية ؟؟

ختاما:الرواية جميلة ورائعة والكتابة عنها لا تغني عن قراءتها.