أهمية موسيقى الشعر
أهمية موسيقى الشعر
خضر محمد أبو جحجوح
عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين
عضو رابطة أدباء الشام
تؤثر الموسيقى تأثيرا فعَّالا في بلورة التشكيل الجمالي للنصِّ الشعري، حيث تتضافر الأصوات اللغوية، وفق نظام خاص في النسق النصي لتحدث إيقاعا يعبر عن مختزنات الحالة الشعورية، ويكون محبباً إلى النفس الإنسانية، التي تميل إلى كل ما يثير فيها إحساسا ويدغدغ فيها أوتار شفافيتها.
وهذا لا يتأتى للشعر إلا بالموسيقى التي تتفاعل فيها الموسيقى الخارجية الناتجة عن الوزن الشعري، وأنظمة تشكيل القوافي، مع الموسيقى الداخلية المنبثقة من جوانية النسق المشكِّل للدوال التعبيرية، بكافة مجالاته بدأ بتضام الصوت إلى الصوت، مرورا بتعانق الكلمة بالكلمة، وانتهاء بتشابك الجملة بالجملة، مع ما ينضاف إلى ذلك من تسخير لطاقات البنى الدلالية حيث تكون مادتها اللغة : صوتا ومعنى محاور استبدالية، تتوظف فيها المعادلات الصوتية والإيقاعية وسواهما ، ومن خلال توزيع النغم الصوتي على وحدات زمانية بتناسق مخصوص، ينتج الإيقاع الشعري المموسق، الذي يثير النفس البشرية، ويبعث فيها مشاعر منشطة أو مهدئة حسب طبيعة التجاوب النغمي شدة ولين، والإيقاع الموسيقي بهذا المعنى، يضفي إلى عناصر التشكيل قوة جمالية، يكاد يفتقدها الشعر إن لم توجد فيه عناصر الموسيقى بكافة أشكالها، التي تُنَظِّمُ الوحدات الصوتية، وتهندس التشكيلات الإيقاعية، وتوزعها على حيز من الزمن يستفرغ الشحنات العاطفية، والدفقات الشعورية بما يصاحبها من إثارة الفكر والخيال في خضم التجربة الشعرية، فيندفع المتلقي مع الشاعر محاولا سَبْرَ أغواره السحيقة واستكناه أسرارها.وبذلك تعتبر الموسيقى "وسيلة من أقوى وسائل الإيحاء، وأقدرها على التعبير عن كل ما هو عميق وخفي في النفس مما لا يستطيع الكلام أن يُعبِّر عنهُ؛ ولهذا فهي من أقوى وسائل الإيحاء سلطانا على النفس وأعمقها تأثيرا فيها.
وتكون براعة الشاعر في قدرته على صياغة قالبه الشعري، مازجا فيه بين كافة الإمكانيات التصويرية المكانية حيث تشكيل الصورة لا ينفصل عن تشكيل الحيز الزماني متمثلا في التوقيعات النَّغمية التي تثري الدلالة وتعمقها، بإيحاءاتها الثرية المتنوعة، التي تتضافر مع كافة الإمكانيات لبلورة جماليات النص في نسق تشكيله النهائي، فالإيقاع علاقة بين الكلمات والحروف والمفردة، وما يجاورها من أنساق صوتية وتعبيرية، وحالة نفسية تنشأ عن صوت وتوقع وعن علاقات غامضة تثيرها جوانية اللغة، كما يثيرها النغم، والشاعر ينجح بقدر ما يستطيع تفعيل دور الموسيقى الخارجية بإيقاعاتها المميزة، في الوقت ذاته الذي يستطيع فيه أن يمزج بين عناصر الموسيقى الداخلية منتجا إيقاعا مميزا لكل حالة شعورية.
وفي هذا السياق ينبغي التنبيه إلى أن امتلاك القدرة على التشكيل الإيقاعي موهبة عظيمة تحتاج إلى صقل وتنمية متواصلة، وحس مرهف يوائم بين جماليات النسق؛ فتتآلف الصور مع الإيقاع لتنتج صورة كلية متكاملة تدهش وتنتج دلالات متشظية في بنية النص تكتشف بالاحتكاك والقراءة مرة تلو مرة.