إطلالة على المجموعة الشعرية (صلواتي)

إطلالة على المجموعة الشعرية (صلواتي)

للشاعرة الكويتية: ندى الرفاعي

سيد سليم سلمي *

[email protected]

عطاء روحي متجدد:

بعد أن أتحفتنا الشاعرة ندى السيد يوسف الرفاعي بديوانها الرائع(زهرة المصطفى) هاهي تعود بنا إلى موارد الصفو، ومشارب الهيام، في عطاء روحي متجدد، ودفق وجداني مستمر؛ يغمر القلب بنفحات القرب والوصال، ويحرك الروح إلى الملأ الأعلى حيث الرضى والنور؛ وذلك من خلال مجموعتها الشعرية الجديدة(صلواتي)

والمجموعة الشعرية يغلب عليها الطابع الروحي؛ فالعنوان ( صلواتي) فيه ما فيه من وقوف الشاعرة في محراب الأدب الإسلامي والشعر النوراني؛ لترتل آيات الشعر الإيماني، وترانيم العشق الروحي؛ محلقةً بأجنحة النور في عالم اللامحدود؛ فسبحان من أودع في كل قلبٍ ما أشغله!

ويبدو الطابع الروحي واضحاً كذلك من خلال الإهداء؛ فهي تهدي ديوانها إلى سيد الخلق سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ـ مرجعةً الفرع إلى الأصل؛ ففي الإهداء تذكر نسبها الشريف قائلة: "إلى جدي وسيدي رسول الله صلى الله علية وسلم". ولم تخل المجموعة كذلك من الشعر الوطني، والاجتماعي

ومجموعة السيدة ندى جاءت في مجلد يضم ثلاثة دواوين تحوي خمساً وستين قصيدةً في جزأين، بلغا مائة وتسعاً وستين صفحةً من القطاع المتوسط، يضم الجزء الأول ـ وهو الأكبر الذي اندرج تحته العنوان ـ خسة وأربعين قصيدةً استحوذت على ما يزيد عن ثلثي المجلد من حيث الكم الشعري، كما يضم الجزء الثاني ديوانين هما: (غوص) الذي يضم اثنتي عشرة قصيدة اجتماعية في معظمها، و(أسفار) الذي يضم ثماني قصائد، منها أدب الرحلات التصويري، وغيره، وجاء الختام متمثلاً في قصيدتين وطنيتين دافقتين بحب الوطن ، وإذا كان العرف الشعري يقول: أن أقل القصائد سبعة أبيات، وأقل الدواوين سبع قصائد؛ فإن مجموعة (صلواتي) التي تضم خمس وستين قصيدة قد تخظت حاجز العرف؛بالنظر إلى الكم السابق الذي تراوحت قصائده ما بين الطويلة كقصيدة (مسافاتي) التي بلغت أربعة وستين بيتاً، وما بين أقصر قصيدة (ليل العاشقين) والتي بلغت تسعة أبيات.

بحور المجموعة:

جاءت معظم بحور المجموعة على الأوزان الصافية التي تتكون من تفعيلة واحدة متكررة حسب حال البحر، تاماً كان أم مجزوءاً باستثناء أربع قصائد للبسيط وثلاث للطويل، وقصيدة للمجتث، وكان للبحر الكامل النصيب الأكبر 24 قصيدة ، يليه الرمل 15، الوافر 12، والمتقارب 4، والرجز 1، والمتدارك 1ومن البحار المزوجة: البسيط 4، والطويل 3، والمجتث 1 ، كما أن بحور المجموعة خلت من المشطور والمنهوك.

نماذج من مناهل الحب الإلهي:

شاعرتنا استعملت في بعض عناوين قصائدها الإضافة إلى ياء التخصيص أو الملكية؛ وهذا يعطينا انطباعاً عن الذاتية التي تبرز جوانب عدة عن شخصيتها، واهتماماتها، ومسيرتها النورانية، وعنوان المجموعة نفسه يشير إلى هذا: (صلواتي) وكذلك (ربي) و(إلهي) ( أشعاري) و (مسافاتي).

 وإذا كان الحديث عن الشعر؛ فلنا أن نسأل الشاعرة عن مضومن أشعارها، وهل أشعارها صلوت حقا؟ ولندع الشاعرة تجيبنا في تلك الأبيات من قصيدتها (أشعاري)

لقد   أطلقت أشعاري        بِحُب الخالق الباري

فكلّي في الهوى رهنٌ        لِمن قد شاءَ أقداري

لِمن   يَجلو  سرائرنا        ويعفو   عفو  ستّارِ

وعلى هذا المنوال تسير شاعرتنا في صلواتها، مغتنمةً عمرها فيما يرضي ربها ومولاها، متغلبةً على العثرات بجميل الرجاء:

سأمضي في رضا ربي        إلى أن يأذنِ الباري

فليس  سواه  مَن نرجو        بأحقابٍ     وأعمارِ

أجمل أوقات الوصال، وقت السحر؛ ففيه استغفار المتقين، ودعاء الموقنين، وسياحة المحسنين، وصلاة الليل تورث نور الوجه، كما أن صلاة الفجر إلى النشاط نهاراً وشاعرتنا في قصيدتها (صلواتي) التي اتخذتها عنواناً للمجموعة تصف لنا هذا الحال فتقول:

 الليلُ في ديَجورِه صلواتي        والفجرُ في أنسامِه دعواتي

بك يا إلهَ الكونِ أبدأُ رحلتي       هذا   الصباحَ بِهمةٍ وثباتِ

وإذا كان هذا حالها لذاتها؛ فإنها لا تنسى واقع الحال بالنسبة للأمة، وما يحيط بها من ظلمات، وما يعيقها من قيود، والصلاة دعاء، والدعاء صلاة؛ فكلاهما وصل عن طريق المناجاة:

ونـلـوذُ بالرحمنِ جلّ iiجلالِهِ
يـا ربـنا الْمعبودُ حُلَّ iiوثاقَنا
سـلِّـم بلاد الْمسلمين جميعها
حـقّـق لأمّة أحمدٍ كل iiالْمنى



من  جورِ ليلٍ حالكِ iiالظُلُماتِ
اطلق سراح الروحِ والعزَماتِ
من فتنـةٍ تَصحو بُعَيدَ iiسُباتِ
يـسِّـرْ لأُمَّـتِهِ سفيـنَ iiنجاةِ

وما بين النشوة بالحب الإلهي، ومحاولة كتمان هذا الحال، وبين مزاحمة الخواطر التي لابد أن تنطلق في صورة حروف شعرية نورانية، ننظر إلى الشاعرة من خلال قصيدة عنوانها (في حب الله ومناجاته)

أقولُ ، وحال المرءِ ليس iiيُقالُ
وماذا عسى يُجدي مزيدُ تكتُّمي
يقولونَ كم للشعرِ عِندَكِ iiحاجةٍ
فقُلتُ دعوني للذي هو iiشاغلي



ولـكـن لوَجدِ الوالهينَ iiمَجالُ
وحـالـي حديثٌ شائعٌ iiومقالُ
فـمـالـكِ لا تأتينَ منه iiمثالُ
فـما عاد لي بالعالمينَ iiوصالُ

ومن خلال الانشغال بالحب الأعلى، ولهذا الهيام تطلب من الخلق تركها للخالق ـ عز وجل ـ فحبه ـ سبحانه ـ لا يزاحمه حب؛ فكل ما سواه زوال

دعوني ومَن أهوى لطول صبابتي
دعـوني ومن أهوى بخيرِ iiمنازلٍ
دعـونـي  بـمحرابٍ أهيمُ iiفحبّهُ
دعـونـي  أُناجيهِ وأهتفُ iiباسمِهِ



فـنـحـرُ فؤادي في هواهُ iiحلالُ
وطـيـبِ  لـقاءٍ ليس فيه iiخِلالُ
أرّقُ وأحـلـى إذ حـواهُ iiكـمالُ
فـكـلُّ  حـديثٍ عن سواهُ زوالُ

وتعلل الشاعرة مطلبها الانفراد بحب خالقها؛ وما من به عليها من شراب القرب وما ذاقته من لذة المنح الإلهية، حيث شراب الأنس والوصال؛ الذي ينعش الروح، ومن الشاربين من شرب؛ فغاب، ومنهم من شرب؛ فطاب، فهي ممن شرب؛ فطاب ولولا لطف الله؛ ما رأينا حروفها وهي تريد أن نتذوقه نحن من خلال حروفها تلك؛ فتقول:

سقاني من العذبِ الذي قد أدارني        فكلُّ حروفي في هواهُ زُلالُ

وما  عدت مِنْ نُعماهُ أبصِرُ غيره        وما زال يُدنيني إليه  جمالُ

معارضة روحية:

المعارضات من أجمل فنون الشعر (أن ينشئ الشاعر قصيدة على وزن وقافية القصيدة التي يحب معارضتها) ومن القصائد التي جرت معارضتها كثيراً، القصيدة الغزلية للشاعر الرقيق: الحصري القيرواني؛ فقد عارضها ـ كما ذكر أحد البحاث ـ أكثر من ثمانية وثلاثين شاعراً والتي مطلعها:

يا ليلَ الصَّبِّ متى غَدُهُ             أ قِيامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

وكان أشهر من عارض قصيدة الحصري أمير الشعراء: أحمد شوقي، في غزليته الرائعة التي مطلعها:

مضناك جفاه مرقده         وبكاه ورحم عوده

وقد لاقت قصيدة أمير الشراء رواجاً أكثر مما لاقته الأصل، حي تغنى بها المطربون اهل الفن، وأشهرهم: الفنان الراحل محمد عبد الوهاب.

وتربد الشاعرة ندى أن تثبت لنا ثراء العطاء الروحي للمحبين؛ فالغزل عندهم في حب جمال التجليات النورانية، وصفو المشارب الروحانية في أوقات السحر، فهي تتمنى طول ليل الوصال؛ ففي رحاب الله: الأمن، والمغفرة، والرحمة، والرضوان:

يا ليل الوصلِ وموعِدُهُ              باللهِ لو يقصى غَدُهُ

وهنا تجيب الشاعرة عن سبب تمني طول ليل الوصل، ليل العاشقين:

فـلنحيي الليلَ iiبأذكارٍ
جـئناهُ  بذنبٍ مُرتكَبٍ
وحـملنا  قلباً iiمُنكسراً
بركات الباري ، رأفته
يا  ربِّ فخذه إلى سعةٍ




نـرجو الغفّارَ iiونَحمَدُهُ
فعسى  الرحماتُ iiتُبدِّدُهُ
يرجو  ومناهُ iiومقصَدُهُ
وصـلٌ  باللهِ iiيُـجدِّدُهُ
مـن ذل الأسرِ تُجرِّدُهُ

مسافات الزمان والمكان:

وإذا كانت شاعرتنا قد أكثرت من عنصر الزمن في عناوين قصائدها مثل: (جاء المساء، وليل العاشقين، ليل الكرام، يا ليل الوصل، رمضان، ليالي المبحرين...) فإنها لم تنس كذلك عنصر المكان؛ فنجد العناوين: ( يا مك، أم القرى، منماء زمزم، الحج، البحر يدعوني، دارين، زنجبار،...)

وشاعرتنا في مطولتها(مسافاتي) تحلق في فضاء الكون الفسيح، وتصور بعدسة أحاسيسها الإيمانية المرهفة آيات الله في الكون من خلال إطلالاتها على المسافات الزمانية والمكانية، والنفسية، والمعارج العلوية؛ متخطيةً كل العوائق والعلائق؛ لنرى من خلال تصويرها شيئاً من ذلك:

سأسحبُ حبلَ مرساتي
سـأنسى  وهج iiآلامي
سـأعـبرُ بحرَ iiآمالي
سـأرفعُ كلَّ iiأشرعتي
سـأهدمُ سور iiأوهامي
سـأدفـنُ  مُرَّ iiإخفاقٍ





وأمضي  في iiمسافاتي
وأسـخرُ  من معاناتي
وأطوي  موجَه iiالعاتي
أُسابقُ  في iiالمحيطاتِ
لـكـي أبني iiقراراتي
لـكـي أحيا iiنجاحاتي
أحدّق  في iiالمساحاتِ
فـفوقي  أنجمٌ iiزهرا
وحولي  أُبصِرُ iiالآتو
أمـامي  البحرُ iiممتدٌ
ودوني  رملُ iiشاطئنا
فـما  عددُ iiالرُمَيلاتِ
وأنـتَ  اللهُ يـا iiاللهُ
شُـغِلتُ  بعِشقِكُم iiأبداً
وحـبـك شَهدُ iiأيامي
وأنت  الواحِدُ iiالأبدي









وأبـحثُ عن iiنهاياتِ
ءُ تزهو مثلَ iiشمعاتِ
نَ من أقصى مسافاتِ
أُداعِـبُ موجهُ iiالآتي
إلـى أدنى iiمُحيطاتِ
ومـا عددُ iiالقُطَيراتِ
كـم  أهـواكَ iiللذاتِ
فـأنتَ حديثُ iiأوقاتي
وأُنـسي  في لقاءاتي
لـديكَ لقيتُ iiحاجاتي

              

*عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

عضو رابطة الأدب الحديث