قراءة في ديوان "خيمة من غبار"

قراءة في ديوان "خيمة من غبار"

للشاعر الدكتور صدام فهد الأسدي...

د. صدام فهد الأسدي

[email protected]

توفيق الشيخ حسين

[email protected]

وطن يحمل غبار الهم ّ والحزن والألم .. ويسير بنا في غربة الحياة مع قسوة الأيام إلى عالم الآهات .. ويرحل بنا إلى اكتشاف حقائق النفس في خضم الذات .. لعل رياح القدر تؤدي بالشاعر في النهاية إلى مرفأ اليقين .. فنراه يقرع جدار الغد بإلحاح وبؤس ..

فالشاعر لا يمثل ذاته بقدر ما يمثل الإنسانية التي ما برحت تقف مخذولة أمام سر غدها بعد أن هالها الفراغ  الذي أبتلع ماضيها وحاضرها ...

" خيمة من غبار " المجموعة الشعرية الثانية للشاعر الدكتور صدام فهد الأسدي وتضم ( 28 ) قصيدة تعبر عن الألم  الذي خلقه الجرح في النفس .. نار تحرق أعماق القلب عندما تغرس أنياب البشر في الجسد .. مع ألم يحمله إلى قاع البحر .. ويحفر في العيون معابر للأدمع ...وحزن يغسل النفوس بدموع المطر ..

لو يسقط المطر

فيغسل البيوت والأبواب والشجر

لكنه مهما يظل ساقطا ً لا يغسل البشر

هل أنت جمعت الرياح على دموعي يا وطن ؟

إن ما يشعر به الشاعر الأسدي وما يعانيه هو أعمق بكثير مما يفهمه .. إن اليقين الذي تؤمن به أعصابه  هو أصدق تعبيرا ً عن حقيقته من المنطق والتفكير وسائر مظاهر الوعي .. فنراه مثقلا ً بدماء الجرح تصرخ في أعماقه ويقضي العمر غريبا ً في زمن تكثر فيه الذئاب .. ويرحل مع الأحلام في يوم ٍ تلاشى فيه الصدق وماتت الكلمات ...

احلموا ليس في الزمن من يحرق الحلم

اكتبوا ليس في الزمن من يمنع لون الكتابة

اشهقوا بالأسى

ليس في الزمن القرمزي من يمنع الشهقات

الأكف التي كتبت ذات يوم

لقد بصقت على الكلمات

يقول أمين الريحاني :

" مر ّن نفسك على الفكر قبل أن تسترسل إلى العواطف , وكن بعيدا ً عن التأفف والكآبة والأنين .. إن في آدابنا العربية الحالية من الدموع بحرا ً يخشى علينا الغرق فيه والهلاك " ...

ان الشاعر الحديث يستضيء بالأسطورة  ليكشف الظلمة فيما وراء الوعي .. أو فيما يعبـّر عما يشعر به دون أن يفهمه .. ان الأسطورة في الشعر الحديث هي فلذة يجتمع فيها قلق العصب الفلسفي الذي يتحرى الكون مع الانفعال العاطفي الذي يؤمن بالأشياء ويرضى به رضا ً عفويا ً حدسيا ً ..

ما من شك ان الشاعر الأسدي استفاد من الأسطورة وبقي محافظا على جزالة اللغة ..

أين بابل ,

أوروك ,

عشتار ,

عشروت ,

يد اوسيس كانت تموت بوضح النهار ,

يقول الدكتور " فاروق مواسي " :

" القرآن بأسلوبه ولغته له تأثير على كل شاعر وناثر " ...

تميز شعر الدكتور الأسدي باقتباساته من الألفاظ القرآنية مما جعله يوفق في تجسيدها بين جمال الروح وجلال التأمل .. ويحصل على التجاذب المدفون  بين ذاته العميقة التي تتخلل أغواره مع صدق التزامه بعمق النظرة الفلسفية للحياة التي تلدغ كل قلب وتترك عليها بصمات لا تندمل ...

ركبنا الصهيل ,

كرهنا الأصيل ,

سلبنا من الأمس حتى الأمان

" بأي آلاء ربكما تكذبان "

يبس الخوف والجذع ,

جذع الأماني ,

ويصفر وجه السكون

وبعد انتهاء العذاب نقول لماذا نخون ؟

دموع وأحزان تبحر مع الأمواج  .. تغرق فلا تجد من ينقذها .. ما ذنبك يا عراق .. تئن من الوجع وتنزف دما ً .. وفي كل يوم تدفع من شبابك المئات .. تحاصرك القيود .. طال ليلك .. دارت عليك ذئاب العصر اجمعها .. بعد أن أنارت حضارتك الكون في هذا العالم ..

وتبقى أحاسيس الشاعر في طوفان مشاعره يتأمل المأساة ...

في كل يوم يدفع العراق من شبابه المئات ؟

في كل يوم والعراق في أحزانه يبات ؟

في كل يوم والدروب ملأى بالحفاة ؟

ما ذنبه عراقنا ؟

يخرج من مأساة يدخل في مأساة ؟؟

يظل الوطن يقطر ألما ً .. وينزف بصمت .. وتبقى الأحزان تدق الأبواب .. حيث القهر والعذاب .. أعطيتنا قلبا كبيرا .. وحنينا نابضا في داخلنا يستفيق من البكاء .. وتبقى محبتنا أسمى من الكلمات ...

يقول الشاعر عبدا لوهاب البياتي :

" هذا هو العراق بحزنه الدائم منذ أقدم العصور كما لو أن الأقدار ألبسته طقس الآلهة والحياة بشكل مهيب .. في حزن العراق نجد ولادة التأريخ وديمومة الحياة جنبا ً إلى جنب " ...