"ورق ورحيق" للأستاذ يوسف ناصر

"ورق ورحيق" للأستاذ يوسف ناصر

موسى أبو دويح

كتب الأستاذ يوسف ناصر من كفر سميع من قرى شمال فلسطين في الجليل الأعلى، كتابه الذي سماه "ورق ورحيق"، والذي صدرت طبعته الأولى في كانون الأول لسنة 2008 عن مؤسسة الأيام في رام الله/فلسطين في (124) صفحة من القطع المتوسط.

تناول الكاتب في كتابه هذا سبعة عشر عنواناً أو موضوعاً مثل: أيها السائرون في طريقكم الى الغربة، ورق ورحيق، سلام على ابنة أمي وأبي، حتّام هذا الرحيل يا أحبتي، ما أعظم أن تكون معلماً، لا تبك عينك يا أخيّة، سل فؤادي عني، أمس كان يوم جنازتي، حتى متى تبقون في الظلمة، يا من رأى منكم أمي!... وهكذا. بالإضافة الى الإهداء الى روح أبيه وأمه وإلى زوجته وأبنائه والى إخوته وأخواته الأحياء منهم والأموات وإلى ذوي القامات الشامخة في هذا العالم.

إختار الكاتب لكتابه اسم "ورق ورحيق" وهو الموضوع الثاني من مواضيع الكتاب، وجاء على غلاف الكتاب وردتان جميلتان بلونٍ فتّان جذّاب وأوراق خضراء يانعة على ورق مطويّ من أعلاه ومن أسفله. وكأني بالأستاذ الكاتب قد عنى بالورق أوراق الورد أو أوراق الكتابة أو الكتابة الهادفة النافعة التي تنهض بالإنسان وبالمجتمع الى الأعالي وإلى الأفضل والأمثل. وعنى بالرحيق تلك العصارة الحلوة الطيبة والعرف الزكي الفواح الذي يمتصه النحل فيخرج من بطونه شهداً وعسلاً فيه شفاء للناس.

استمع الى الكاتب يقول في "ورق ورحيق":

"أحبّ الناس جميعهم، ليس في الدنيا شيء تمنحه للناس أعظم من المحبة".

"ارحم الناسَ جميعهم، فليس واحد من الناس في هذه الدنيا إلا مبتلىً".

"امنع لسانك عن الناس، لأن عيوبك أولى به من عيوبهم".

"تب عن خطاياك ولا تتوانَ.. واعلم أنه ليس كالخطيئة منخسٌ يدمي ضميرك، ويلقي في رُوعك الرعب والهلع الدائم".

"اقبل حياتك على علاتها كما هي، وكن منها حيث أنت راضياً، ولا تكن كنوداً جاحداً لانعامات الله عليك".

لقد ملأ الكاتب كتابه بالحكم والمثل والقيم، وهي محاولة جادة لغرس هذه القيم الجميلة في النفوس وتربية الناشئة عليها. وهي محاولة جادة أيضاً للعودة الى اللغة العربية الفصيحة الجزلة، وطرق الآذان بها حتى تستسيغها وتستسهلها وتتعوّد سماعها، بعد أن ألفت الآذان سماع اللغة العامية الركيكة، واستساغت العيون والآذان الأخطاء في الكتب والصحف والمجلات والإذاعات والتلفزيون. هذه المحاولة من الكاتب تسجل له ويحمد عليها، خاصة في هذه الأيام العجاف التي ركّ فيها القول.

وتناول الكاتب في كتابه ما يسمّى في هذه الأيام بالإنتقام الى شرف العائلة حيث تقتل الفتاة؛ للحفاظ على شرف العائلة كما يزعمون، مع أنهم في الحقيقة لشرف العائلة يسيؤون، وللعيوب المستورة يفضحون وينشرون، علموا بذلك أم لم يعلموا.

أسمع الى الكاتب يبكّت فاعلي هذه الفعلة الشنيعة:

"بناتكم في القبور، وأبناؤكم في السلاسل (السجون)، وأعراضكم مضغة في ألسنة الناس الذين يشمتون بكم. ما أخطأ تفكيركم! وما أقسى قلوبكم!".

"إن عاركم رجع عليكم أثقل أوزاراً حين تفضحون أمركم في الناس، وتعلنون للملأ سراً ثقيلاً كانت معرفته قصراً عليكم وحدكم دون غيركم من بني البشر".

"ماذا جلب عليكم جهلكم؟!".

"لماذا لا تسألون عن شرف الحيوش التي هزمت، والبلاد التي أحتلت، والمدن التي دمرت، والصبايا التي أغتصبت؟!!!".

"إن الجهل في الأمم ظلمةٌ دامسة".

وجاء تحت عنوان "ما أعظم أن تكون معلماً!" مطالبة الكاتب المعلمين بالحنوّ على التلاميذ ورعايتهم والاهتمام بهم وبناء شخصياتهم، وطالب المعلمين بتربية الطلاب قبل تعليمهم. حيث جاءت مطالبة المعلمين في عشر صفحات وخمسة أسطر، أما مطالبة الطلاب بإطاعة معلميهم فجاءت في ثلاثة أسطر فقط. ولو عكس لكان أصوب، وخاصة في هذه الأيام التي نرى فيها أن الذين يرغبون في العلم والفهم والدرس والسماع والتلقي من الطلاب تقل نسبتهم عن عشرة بالمئة من مجموع التلاميذ، والنسبة الكبرى منهم لا يسمعون ولا يفقهون شيئاً ولا يريدون أن يتعلموا مهما رغّبتهم في العلم ومنافعه.

وكأني بالاستاذ الكاتب نسي قول إبراهيم طوقان قبل أكثر من سبعين عاماً معارضاّ شوقي في قصيدته التي يشيد فيها بالمعلم، والتي بدأها بقوله:

قم للمعلم وفِّه التبجيلا           كاد المعلم أن يكون رسولا

حيث قال طوقان:

وأرى حماراً بعد ذلك كله       رفع المضاف اليه والمفعولا

وماذا كان سيقول إبراهيم طوقان لو أنه جرب التعليم في هذه الأيام وشاهد طلاب هذا الزمان الذين يكتب كثير منهم في أوراق الإمتحان: "فعل فاعل مفعول به مرفوع منصوب مجرور"، فلا يعرفون الاسم من الفعل ولا يعرفون الفاعل من المفعول ولا يعرفون المبتدأ من الخبر، ولا المعرب من المبني، بل أن كتيرين منهم في المرحلة الثانوية لا يحسنون كتابة أسمائهم.

وبالرغم من أن الكاتب حاول محاولة جادة للعودة باللغة الى معينها الأول وأجاد في كل ما كتب إلا أن هناك هنات وزلاتٍ في كتابه كان بإمكانه ان يتلافاها، كقوله مثلاً:

"ما أخطأ تفكيركم!" وكان الأحسن أن يقول: ما أشد خطأ تفكيركم.

وقوله: "بين أمم العالم التي تسخر بنا" وكان الأجود أن يقول: التي تسخر منّا. وإن كانت حروف الجر تتعدد معانيها. لقوله تعالى: "لا يسخر قوم من قوم".

وقوله: "رغم صياح الديكة، وصلصلة العصافير قرب النوافذ" وكان الأفضل أن يقول وزقزقة العصافير.

وقوله: "استفقت على صياح الريح" وكان الأحسن أن يقول على صوت أو هبوب أو دوي الريح.

وقوله: "يا طالما" وطالما هذه لا ينادى عليها، وغير ذلك مما جاء بالكتاب.

وختاماً، الكتاب مميز ومفيد وننصح بقراءته والاستفادة منه.