السرقات العلمية.. مشكلة متفاقمة

محمد مسعد ياقوت*- باحث تربوي

[email protected]

تفاقمت في الآونة الأخيرة ظاهرة سرقة البحوث والمؤلفات سواء داخل المجتمع الأكاديمي ( جامعات ومراكز بحثية ) أو خارجه في الصحافة والنشر، وبين الفينة والأخرى نقرأ في الصحف عن أخبار تحمل عناوين عريضة مثل :

- أستاذ جامعي يسرق سبعة بحوث من مجلات علمية دولية ..

- صدور حكم قضائي بتغريم مدرس بجامعة ( ...) غرامة قدرها (...) لسرقته عشر صفحات من كتاب لزميله بنفس الكلية .

- صدور قرار من جامعة ( ...) بنقل الدكتورة (...) إلى وظيفة " أمين مكتبة" لطورطها في سرقات علمية .

- فضيحة الطالبة والأستاذ بجامعة ( ...) الأستاذ استغل سلطته في تكليف طالبة الدراسات العليا في إعداد بحوث خاصة للأستاذ، يُكتب عليها اسمه وتُنشر باسمه .

- حصول باحث على الدكتوراه سنة 1992م من جامعة (...) برسالة ماجستير مسروقة من باحث متقدم سنة 1980م

 

نعم، هذه عناوين نقرأها كثيرًا في صحف اليوم، الأمر الذي دفع بعض المخلصين لدق ناقوس الخطر، مطالبين بضرورة وقف هذه الظاهرة المخزية بشتى الطرق القانونية ، وفي هذه المقالة نحاول طرح إجابات لعدة أسئلة مهمة :

1-                 ما هو السطو العلمي  وما هو الاقتباس؟

2-                 ولماذا يسرق الباحث ؟

3-                 وهل من عقوبات رداعة للسارقين ؟

4-                 وما تأثير سرقات البحوث على منظومة البحث العلمي ؟

 

بين السطو العلمي  والاقتباس

 يُعرف علماء الشريعة الإسلامية السرقة أو السطو بأنه " أخِذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ" [ انظر كتب الأصول ، مثل تحفة الفقهاء للسمرقندي3149 ]..

وتُعرف السرقة في مواد القوانين الوضعية على أنها : اختلاس مال منقول مملوك لغير الجاني عمداً.

فإذا كانت المادة المسروقة هي نتاج فكري كعمل أدبي أو بحث أو رسم كان الذنب أشنع، والفعل أقبح، حيث يمارس هذا النوع في الغالب الأعم أناس يحسبون في صفوة المجتمع كتاب وعلماء وأدباء، حيث نزل بمنزلته ككاتب ومفكر إلى مستوى اللصوص الذين يمارسون السطو على المنازل أو الملابس أو حافظة نقود في المواصلات .

 

أما الاقتباس فمعناه النقل الحرفي أو غير الحرفي لنص أو فكرة،من كاتب إلى آخر ، وينقسم إلى اقتباس شرعي واقتباس غير شرعي، أما الاقتباس الشرعي فهو نقل الفكرة أو النص مع الإشارة إلى المصدر ( اسم الكاتب والكتاب)، فإذا كان النقل حرفيًا وجب وضع علامة تنصيص حول النص المقتبس، فإذا كان النقل "غير حرفي" أو تم نقل فكرة فلا يلزم وضع علامة تنصيص مع ضرورة ذكر المصدر في كلتا الحالتين في نفس الصفحة، مع عدم الاكتفاء بذكر المصدر في قائمة المراجع فحسب، فبعض الكُتاب ينقل من هنا وهناك ولا يذكر المصادر إلا في قائمة نهاية البحث وهذا لا يصح . بل يجب ذكر المصدر في كل مرة يُنقل منه على مدار صفحات البحث ثم تُذكر بينات المصدر بالتفصيل - من اسم المؤلف الكامل واسم الكتاب الكامل ومكان النشر ودار النشر وتاريخ النشر - في قائمة المراجع المرتبة ترتيبًا هجائيًا . 

 

أما الاقتباس غير الشرعي فهو النقل دون ذكر المصدر، كأن ينقل الكاتب فقرة أو فكرة من آخر ويُضّمنها في مقالته بحيث تظهر للقراء وكأنها من بنات أفكارها، وهذه هي السرقة بعينها ، وهي تعدي واضح على حقوق الملكية الفكرية للآخرين، وفي هذه الحالة يحق للكاتب الضحية ( الذي سُرق من بحثه أو كتابه) أن يلاحق السارق قضائيًا وإعلاميًا ولو كان المسروق سطر واحد يتألف من عشر كلمات، شريطة أن يكون السارق قد نقلها نقلاً حرفيًا .

لماذا يسرقون ؟

ولكن دعونا نتأمل الأسباب التي دفعت بعض الباحثين والكتاب إلى ممارسة السطو على حقوق الملكية الفكرية لآخرين، فمن هذه الأسباب:

- الإفلاس الفكري : فالسارق في الغالب إنسان فقير الفكر، ضعيف الفهم، قليل العلم، يرى أن عجزه لن يسعفه لإبداع فكرة أو كتابة فقرة، فيسرقها، فسرقتها أسهل له بكثير وأخف جهدًا من إبداع مثلها !

- الإفلاس الإخلاقي : فسارقوا الأبحاث قد أُصيبوا بأمراض أخلاقية مثل الكذب والاحتيال والرغبة في كسب المال ولو من الحرام، والحصول على الدرجات العلمية والجوائز على أكتاف الآخرين، فهم قوم انتهازيون وصوليون، فضلاً عن كونهم أهل سوء وفسق، كيف لا ! وقد استباحوا حقوق أناس أبرياء، بذلوا الغالي والنفيس وسهروا الليالي من أجل إنتاج أعمالهم الفكرية .

- الإفلاس الإيماني : فأغلب هؤلاء الذين مارسوا السرقات الأدبية أناس قد ضعف في نفوسهم الوزاع الديني، وغلب الشرُ الخيرَ  في نفوسهم، وقست قلوبهم فلا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا . أناس مات فيهم نداء الضمير، فتميعت شخوصهم إلى دركات سوداء .

- البيئة المساعدة : فكثير من حالات السطو العلمي التي مرت بنا تحدثت عنها وسائل الإعلام، كثير منها وجد البيئة المساعدة للسطو العلمي، مثل قيام بعض الأستاذة الكبار بممارسة السطو في جامعة ما؛ مما يوفر بيئة مناسبة لصغار أعضاء هيئة التدريس فيمارسوا ما يمارسه الأساتذة الكبار ،  أو وجود السارق في بيئة أكاديمية لاتردع أرباب السرقات العلمية، فيتمادى المخطئون في خطئهم .

 

نحو ردع لصوص الكلمة

لا شك أن الحل الأمثل لتقويض هذه الظاهرة يكون بالملاحقة القانونية والإعلامية للصوص العلم، أما الملاحقة الإعلامية فمعروفة، وذلك بالتشهير بهم في وسائل الإعلام وفضح ممارساتهم في حدود الأدب العام والقانون .

أما الملاحقة القانونية فهي واجبة على الكاتب الأصلى الضحية أو ورثته، فيجب عليهم أن يتقدموا إلى القضاء لردع الجاني وتعويض المجني عليه، وغالبًا ما يحكم القضاء بتعويض مالي مناسب للمؤلف حسب مقدار المادة التي تم السطو عليها .

والحق  أن المشكلة ليست في ساحات القضاء، فقوانين حقوق الملكية الفكرية رادعة بمعنى الكلمة ، ولكن المشكلة في الأوساط الأكاديمية لاسيما الجامعات حيث تنتشر المحسوبيات والرشوة في الأماكن التي يكثر فيها السرقات العلمية، فتجد الباحث السارق يستخدم علاقاته وعائلته وأمواله في الإفلات من أحكام المجلس التأديبي الذي عُقد له بعد كشف سرقاته، بل قد يتحول المجني عليه إلى عبرة ويُنكل به إذا حاول أن يطالب بحقوقه من الباحث السارق، حيث أن الأخير له من النفوذ والسلطة ما تمكنه من إلحاق الأذى بالباحث صاحب المادة الأصلية ، ويصبح حاله كما يقول المثل : " موت وخراب ديار" .

 

يجب على الجامعات الوقوف بقوة في مواجهة ظاهرة السرقات العلمية بين الباحثين، وتفعيل قرارات المجالس التأديبية في ذلك، وضمان حيادية اللجان الخاصة التي تقوم بفحص أعمال الباحث السارق، إضافة إلى حرمان الباحث السارق من أية ترقيات أو درجات أو مناصب قياية إذا ثبتت سرقته العلمية.

 

أثر السرقات العلمية على البحث العلمي

إن ظاهرة السطو العلمي لهي نذير شؤم وجرس إنذار  لانهيار المراكز البحثية والجامعات في عالمنا العربي، ونستطيع أن نذكر ما يمكن أن تسببه هذه الظاهرة من أثر في المجتمع الأكاديمي على النحو التالي :

- سوف تؤدي ظاهر السرقات العلمية إلى حصول باحثين على درجات علمية لا يستحقونها.

- ومن ثم تدخل المجتمع الأكاديمي عناصر فاسدة دخيلة عليه، تفسد أكثر مما تصلح .

- سوف يعتلي من هؤلاء – دون شك – مناصب إدارية حساسة في الوسط العلمي، مما يجعل البحث العلمي ألعوبة في أيدي مجموعة من اللصوص والانتهازيين.

- يتتلمذ على أيدي هؤلاء طلاب وباحثين، وفاقد الشيء لا يعطيه، فلن يُخرّج هؤلاء اللصوص إلا من على شاكلتهم في الأغلب، إذا كيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟ !

- ومن ثم ترتفع معدلات الفساد المالي والإداري في المجتمع الأكايمي، ويصبح بذلك هيئة فاسدة داخل المجتمع، لا تفيد إن لم تضر . والله المستعان .

               

* كاتب مصري متخصص في الشأن العلمي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والفائز بجائزة أحمد بهاء الدين عن كتاب أزمة البحث العلمي .

yakut.blogspot.com

[email protected]