الفاصلة في القرآن الكريم

الفاصلة في القرآن الكريم

آخـر الآيـة

محمد الحسناوي

[email protected]

       ينقل صاحب ( الكشكول ) عن الأصمعي أنه " قال :  كنت أقرأ ( والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديَهما جزاءً بما كسبا ، نَكالاً من الِله ، واللهُ غفورٌ رحيمٌ ) ، وبجنبي أعرابي ، فقال: كلامُ منْ هذا ؟ فقلتُ : كلامُ الله . قال : أعِدْ ، فأعدتُ . فقال: ليس هذا كلامَ الله , فانتبهتُ ، فقرأتُ : ( واللهُ عزيزٌ حكيمٌ ) (سورة المائدة:41) فقال : أصبتَ هذا كلامُ الله ، فقلتُ : أتقرأ القرآن ؟ قال : لا . فقلتُ : من أين علمتَ ؟ فقال: يا هذا ، عزَّ فحكمَ فَقَطَعَ ، ولو غفرَ فرَحِمَ لَمَا قَطَع ". فالأعرابي بسليقته الفصيحة وحسه البياني السليم اهتدى إلى إحكام النظم في أسلوب القرآن ، ولا سيما علاقة ( الفاصلة ) (حكيم ) بآيتها تلك العلاقة التي تميز كلام ربّ العالمين من كلام سواه .

وينسب السيوطي إلى الجاحظ قوله : ( سمّى الله تعالى كتابه اسماً مخالفاً لما سمّى العرب كلامهم على الجملة والتفصيل : سمّى جملته قرآناً كما سمَّوا ديواناً ، وبعضه سورة كقصيدة ، وبعضه آية كالبيت ، وآخرها فاصلة كقافية ) (1)

كلام الجاحظ هذا يحمل عدداً من الدلالات ، أولها : استقرار الدلالة على تسمية أواخر الآيات بالفاصلة في طبقة الجاحظ ، على حين كانت عبارة ( مقاطع القرآن ) هي المعروفة في طبقة الخليل ابن أحمد الفراهيدي ، ثم أصبحت خاصة أي ( الفاصلة ) بأواخر الآيات في طبقة أبي حسن   الأشعري ، وإلى يومنا هذا ، كما اختصت ( القافية ) بالشعر ، والسجعة بالنثر .

الدلالة الثانية : الاستعانة بمنهج المقارنة بين أسلوب القرآن الكريم وأسلوب الشعر في إظهار جماليات الأسلوب القرآني وإعجازه ، كما فعل الإمام الباقلاني في كتابه ( إعجاز القرآن ) والجرجاني في كتابيه ( أسرار البلاغة ) و( دلائل الإعجاز ) ومن جاء بعدهما .

الدلالة الثالثة : التفطُّن إلى تسلسل وحدات القرآن وتماسكها : ( فاصلة – آية – سورة –   قرآن ) ، ثم الالتفات إلى التماسك ( أو ما يسمى حديثاً الوحدة الفنية ) أو ما سماه البقاعي التناسب     ( في الآيات والسور) و ما سماه سيد قطب وعبد الحميد الفراهي وعبد الله دراز بـ ( نظام القرآن ) .

كان على رأس المهتمين ببحوث الفاصلة بحسب التسلسل الزماني :

1 – علماء الكلام ، بما فيهم المعتزلة والأشاعرة .

2 – اللغويون : من رجال النحو على وجه الخصوص .

3 – المفسرون وجماعة علوم القرآن .

4 – البلاغيون (2)

وفي حدود ما وصلنا من الدراسات القديمة حول (الفاصلة ) ننوه بنوّعين :

1 – النوع الأول : وهو الكتب التي أُفردت للفاصلة ، مثل : كتاب ( بغية الواصل لمعرفة الفواصل )(كتاب مفقود)  لنجم الدين الطوفي الصرصري (670- 710هـ ) ، و( إحكام الراي في أحكام الآي ) لشمس الدين ابن الصائغ ( 710 – 776هـ) ( مفقود لكن نقل منه السيوطي وغيره نقولاً ) ، و( منظومة في فواصل ميم الجمع )( مخطوطة )  لمحمد الخروبي  ( نظمها 1026هـ) ، و(القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز )(مخطوط )  لرضوان المخللاتي ، و( نفائس البيان : شرح الفرائد الحسان ، في عدّ آي القرآن ) (مطبوع ) لعبد الفتاح القاضي ، ( وهو شرح وجيز لمنظومة في علم الفواصل) .

2 – النوع الثاني : وهو الفقرات التي عُقدت للفاصلة في أثناء دراسات أعمّ :

أ – فمن مؤلفات علماء الكلام : لدينا رسالة ( النُّـكَت في إعـجاز القرآن )  للرمّـاني المعتزلي  , و(إعجاز القرآن ) للباقلاني الأشعري .

ب – ومن مؤلفات النحويين : لدينا ( معاني القرآن ) للفرَاء ، و ( مجاز القرآن ) لأبي عبيدة.

ج – ومن أسفار المفسرين وعلماء القرآن : لدينا ( البرهان في علوم القرآن ) للزركشي ،    و( الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي .

د – ومن تصانيف البلاغيين : لدينا (سرّ الفصاحة ) لابن سنان الخفاجي ، وكتاب ( الفوائد- المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان ) لابن قيم الجوزية .

تناولت جهود القدماء الفاصلة في أبعادها المختلفة ، ولكن الجهد الأكبر قد انصبّ على بُعد الفاصلة العلمي ، لا سيما جهود المتأخرين منهم .

 أما في الزمن الحديث ، فلا تكاد تجد باحثاً في أسلوب القرآن الكريم إلا تناول ( الفاصلة ) في  معرض حديثه ، ويمكن أن نرى في المحدثين ثلاث فئات ، نجملها فيما يلي :

أ – فئة وقفت عند حدود الجمع والتنسيق لجهود القدماء ، مثل : الدكتور أحمد أحمد بدوي ولبيب السعيد وكامل السيد شاهين .

ب – فئة تجاوزت الجمع والتنسيق إلى المناقشة والترجيح وبعض الإضافة ، مع تفاوت بين أفرادها ، مثل : مصطفى صادق الرافعي ومحمد عبد الوهاب حمودة وعلي الجندي ومحمد المبارك وعائشة عبد الرحمن وعبد الكريم الخطيب .

ج – سيد قطب : انصرف إلى فتح أبواب جديدة في مناحي الفاصلة الجمالية ، كالتصوير والإيقاع ... وإن كان القدماء أنفسهم لم يهملوا الإيقاع الموسيقي للفواصل .

علم الفاصلة

اختلف العلماء ، هل في القرآن سجع ، أو ليس فيه سجع ، ولم يقل أحد كما زعم محرر المادة في دائرة المعارف الإسلامية هل كان القرآن سجعاً ؟) (3) ونحن مع الذين ينفون السجع في القرآن لأسباب : منها الفرق الفني بين أسلوب القرآن المعجز وأسلوب البشر في النثر المسجوع أولاً ، ولضرورة التمييز علمياً بين مصطلحات كل من الشعر والنثر والقرآن الكريم عن بعض ، توخياً للدقة والوضوح .. ثانياً  .

لمعرفة ( الفواصل) طريقان . الأول : توقيفيّ ، كما روى أبو داود عن أمّ سلمة لما سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم . قالت : كان يُقطّع قراءته آية آية . وقرأتْ : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إلى (الذين ) تقف على كلّ آية ) ، فمعنى (يقطّع قراءته آية آية ) أي يقف على كلّ آية ، وإنما كانت قراءته صلى الله عليه وسلّم كذلك ليعلِمَ رؤوس الآي . والطريق الثاني : قياسيّ ، وهو ما أُلحق من المحتمل غير المنصوص عليه بالمنصوص ِلِمُناسب (4).

ومبنى الفواصل على الوقف – كما قال الزركشي في البرهان (5) – ولذا شاع مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس ، وكذا المفتوح والمنصوب غير المنون ، ومنه قوله تعالى : ( إنّا خلقناكم من طينٍ لازِبٍ )(الصافات :11 ) مع تقدم قوله : ( عذابٌ واصِبٌ ) و( شهابٌ ثاقِبٌ ) ( الصافات :10 ) .

هذا بالنسبة إلى الوقف على السكون – وهو معظم الفواصل – لكن الفواصل المطلقة ، يكون الوقف فيها – طبعاً – بإطلاق الحركة ومدّها ، نحو قوله تعالى : ( ويُطافُ عليهم بِآنيةٍ من فضّةٍ وأكوابٍ كانتْ قواريرا ) ( الدهر : 15 ) .

وللفاصلة عدد من الأبنية من حيث حرف الرويّ ، أو الوزن ، أو طول القرينة ، أو طول الفقرة ، أو من حيث موقع الفاصلة ، أو مقدارها من الآية ، أو مدى التكرار .

لم تلتزم فواصل القرآن العزيز حرف الرويّ دائماً التزام الشعر والسجع ، ولم تُهمله إهمال النثر المرسل ، بل كانت لها صبغتها المتميزة في الالتزام والتحرر من الالتزام ، فهناك الفواصل المتماثلة والمتقاربة والمنفردة .

أما المتماثلة – وتسمى كذلك المتجانسة أو ذات المناسبة التامة (6) – فهي التي تماثلت حروف رويها ، كقوله تعالى : ( والطورِ/ وكتابٍ مسطور / في رَقٍّ منشور / والبيتِ المَعمورِ)(الطور:1 –4 ) ، أما الفاصلة المتقاربة – وتسمّى ذات المناسبة غير التامّة (7) – فهي التي تقاربت حروف رويّها ، كتقارب الميم من النون : ( الرحمن الرحيم / مالك يومِ الدين ) ( الفاتحة : 2-3) .

هذان النوعان ( المتماثلة والمتقاربة ) غالبان على الفواصل ، لا يكاد أحدهما يزيد عدداً على الآخر ، لكن الملاحظ أن الفواصل المتماثلة تشيع في الآيات والسور المكية : كسورة (النازعات) و (عبس) و( الانفطار) و( الأعلى ) ، على حين تغلب المتقاربة على الآيات والسور المدنية : كسورة      ( البقرة ) و(آل عمران ) و( المائدة ) .

وقد استقلت الفواصل المتماثلة بإحدى عشرة من سور المُفَصَّل ( السور القصار) – ومعظمها مكيّ – هي :

1 – سور ( القمر – القدر – العصر – الكوثر - ) التي تماثلت فواصلها في حرف الراء .

2 – سورتا (الأعلى – الليل ) اللتان تماثلت فواصلهما في حرف الألف المقصورة .

3 – سورة ( الشمس ) التي على فواصل الألف الممدودة بعدها الضمير( ها ) .

4 – سورة ( الإخلاص ) التي على الدّال .

5 – سورة ( الناس ) التي على السين .

6 – سورة ( المنافقون ) التي على النون .

7 – سورة ( الفيل ) التي على اللام .

أما الفاصلة ( المنفردة ) (8) – وهي نادرة – فهي التي لم تتماثل حروف رويّها ، ولم   تتقارب ، كالفاصلة التي خُتمت بها سورة ( الضحى ) (المكية) : ( ...فأمّا اليتيمَ فلا تَقهرْ / وأمّا السائلَ  فلا تَنهرْ / وأمّا بِنِعمة ِربِّكَ فحَدِّثْ)  .

الفاصلة أقسام من حيث توافر الوزن و انتفاؤه ، ومن حيث اجتماع الوزن مع عنصر آخر ، أو انفراده ، فهناك (المطرّف )أو ( المعطوف )(9) ، وهو ما اتفق في حروف الروي لا في الوزن ، نحو قوله تعالى : ( ما لكم لا تَرجونَ للهِ وَقاراَ / وقد خلقكم أطواراً )( نوح :31-14). وهناك (المتوازي ) (10): وهو رعاية الكلمتين الأخيرتين في الوزن والرويّ ، مثل قوله تعالى : ( فيها سُرُرٌ مَرفوعةٌ / وأَكوابٌ موضوعةٌ) (الغاشية :13- 14) . وهناك ( المتوازن)( 11) : وهو ما راعى في مقاطع الكلام الوزن وحسب ، كقوله تعالى : ( ونمارِقُ مَصفوفةٌ/ وزَرابيُّ مبثوثة ٌ)( الغاشية :15-16) . وهناك المُرصّع(12) : وهو أن يكون المتقدّم من الفقرتين مؤلفاً من كلمات مختلفة ، والثاني من مثلها في ثلاثة أشياء: وهي الوزن والتقفية وتقابل القرائن ، كقوله تعالى : ( إنَ إلينا إيابَهم /ثمّ إنّ علينا   حِسابَهم ) ( الغاشية :25-26) . وهناك أخيراً ( المتماثل ) (13) وهو : أن تتساوى الفقرتان في الوزن دون التقفية ، وتكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية ، فهو بالنسبة إلى المُرَصَّع كالمتوازن إلى المتوازي . قال تعالى : ( وآتيناهما الكِتابَ المُستَبِينَ / وهديناهما الصِّراطَ المُستقِيمَ ) ( الصافات: 117- 118 ). فالكتاب والصراط يتوازنان ، وكذا المستبين والمستقيم ، واختلفا في الحرف الأخير . 

لكل فاصلة قرينة ، جمعها قرائن ، سميت بذلك لمقارنة أختها ن وتُسمّى فِقْرة ، غير أن الفِقرة أعمّ من القرينة ، لأنها مماثلة لقرينتها بحرف الرويّ ( مسجوعة ) ، وغير مماثلة ، والقرينة لا تكون إلا مماثلة ، والقرينتان في النثر بمنزلة البيت من الشعر (14) . وقد ترتب على طول الفقرة وقصرها أقسام ، قال قوم : هي ثلاثة أقسام : قصير موجز ، ومتوسط مُعجز ، وطويل مُفصح للمعنى مُبرز    (15) . ومن القصير ما يكون من لفظ واحد ، أو عدد من الحروف : ( آلم- ح~م –ط~سم )أو  ( الرحمن – الحاقة – القارعة ) . وأطول الفقرات القصار ما يكون من عشر لفظات . وما بين هذين متوسط ، كقوله تعالى : ( والنجمِ إذا هوى/ما ضلّ صاحبُكم وما غوى/ وما يَنطِقُ عن الهوى /إنْ هوَ إلا وَحيٌ يُوحى) ( النجم :1-4 ) .

من الفواصل ما هو آية كاملة ، وما هو بعض آية ، وهذا النوع الثاني هو النوع الغالب المضطرد . والفاصلة التي تستغرق آية ترد في فواتح السور ، وهي على شكلين :

الشكل الأول : المؤلف من مجوعة حروف مثل : ( أل~م – ح~م –ط~سم) .

الشكل الثاني : المؤلف من كلمة مثل : ( الرحمن ) أو ( الحاقَّة ) أو (القارعة ) .

أما الفواصل التي هي بعض آية ، فعلى وجهين : أحدهما ما كان جزءًا من الآية ، لا تقوم الآيات إلا به ، ولا تستقل هي بمفهوم في غير آياتها ، وذلك كثير في القرآن الكريم ، كقوله تعالى :   ( والنجمِ إذا هوى ...) وأكثر قصار السور جاءت فواصلها على هذا النحو من الاتصال . ثانيهما : ما جاء وكأنه تعقيب على الآية ، أو تلخيص لمضمونها ، أو توكيد لمعناها .. وقد تصرف القرآن في هذا تصرفاً عجيباً ، فجاء بالفواصل بعد الآيات كأنها رجع الصدى ، أو إجابة الداعي إذا دعا(16) ، كقوله تعالى : ( وردّ اللهُ الذين كفروا بِغيظِهم لم يَنالوا خيراً ، وكفى اللهُ المؤمنين القتالَ وكانَ اللهُ قويّاً   عزيزاً ) (الأحزاب : 10 ) .

هناك نوع من الفواصل يرد ضمن الآية ، كقوله تعالى: ( ... لتعلموا أنَّ اللهَ على كلّ شيءٍ قدير وأنَّ الله قد أحاطَ بكلّ شيءٍ عِلماً ) ( الطلاق :12) ، فلفظ (قدير) فاصلة داخلية بالإضافة إلى   (علماً) الفاصلة في رأس الآية . وهذه الفواصل الفرعية أو الداخلية أنواع ، تنقسم انقسام الفواصل الأصلية : إلى فواصل متماثلة ومتقاربة ، وغير متماثلة وغير متقاربة ، وبمعنى آخر متباعدة ، والفاصلة الداخلية ظاهرة من ظواهر القرائن والفقرات الطويلة ، لأنها تقوم مقام المرتكزات والمحطّات النفسية معنى وموسيقى .

هناك من الفواصل ما يتكرر ورودها بشكل ملتزم في السورة الواحدة . والالتزام أنواع ، فقد يلتزم كلمة الفاصلة وحدها ، كما ورد في سورة ( البقرة ) من التزام (يعلمون ) أو( تعلمون) إحدى وعشرين مرة ، أو التزام قسم مستقل من القرينة ، وهو كثير مما تقفيته بالواو والنون فالياء والنون أو الياء والميم ، كقوله تعالى : ( ... أصحاب النار هم فيها خالدون) يرد خمس مرات في سورة البقرة ، أو التزام آية أو قرينة بأسرها ، أهمُّه ما تردّد في سور ( الرحمن ) و(المرسلات ) و(الصافات) و(الشعراء ) . وقد يلتزم السياق بتكرار مقطع كامل ( آيات عدة ) ، كما جاء في سور ( الشعراء ) (الصافات ) و( القمر ) . والمقطع الملتزم في سورة ( الشعراء ) لم يقتصر على آية أو ثلاث آيات ، بل يصل إلى ست آيات مع تغيير طفيف يلائم السياق . وهو : ( كذّبتْ قومُ نوحٍ المُرسلين /إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتقون / إني لكم رسولٌ أمين / فاتقوا اللهَ وأطيعونِ/ وما أسألكم عليهِ من أجرٍ إنْ أجريَ إلا على ربّ العالمين ) ، واقتصر التغيير – برغم التكرار خمس مرات – على (قوم ثمود) ,( أخوهم صالح ) و( قوم لوط) و( أخوهم لوط) و( أصحاب الأيكة ) و( أخوهم شُعيب) , وتقديم آية قبل الأخيرة في موضع واحد ، ليتلاءم المقطع مع السياق ، وليشيع في التجانس حيوية .

جمال الفاصلة

التقفية في التعبير الفني نظام عربي الأصل ، قال بذلك البحاثون العرب والأجانب ، ويرجع عباس محمود العقاد في كتابه ( اللغة الشاعرة ) ذلك ( إلى أسباب خاصة لم تتكرر في غير البيئة العربية الأولى ، أهمها سببان: هما الغناء المفرد ، وبناء اللغة نفسها على الأوزان )(17) ، ولا خلاف على جمال التقفية في التعبير الفني ، وفي القرآن الكريم بالذات ، حيث تبلغ الجمالية حدّ الإعجاز .

بوسعنا أن نتلمس الأبعاد الجمالية للفاصلة من خلال علم الجمال الذي تقوم عناصره على قانونين عامين اثنين : قانون الإيقاع وقانون العلاقات . وقانون الإيقاع بدوره يضمّ سبعة قوانين ، يكمل بعضها بعضاً ، هي : النظام والتغير والتساوي والتوازي والتلازم والتوازن والتكرار . ومقولة العلاقات في العمل الفني تعني وجود أجزاء متعددة ، كما تعني أن الجزء يكتسب جماله من علاقته بما قبله وما بعده . وهذا ما عَكَسَه القانون القديم وحدة الشتات . فالصورة الجميلة بنية حية ، تشتبك وحداتها في علاقات فيما بينها، وهي في مجموعها تؤلف تلك الوحدة التي هي نتاج تلك العلاقات(18).

الإيقاع

يتجلى قانون (النظام) في مظاهر شتى ، مثل : اطّراد الفاصلة في القرآن كله ، اطراداً لا يحوج إلى برهان ، ثانيها التزامها الوقف ، لا سيما الوقف على السكون ، وهو معظم فواصل القرآن ، ومألوف الوقف في فواصل القرآن العزيز أن يكون أكثر ما يكون على حرف النون مردوفاً بحروف المدّ واللين ، ولا سيما الواو فالياء فالألف : ( عدد الفواصل على سكون الروي 4557 وأقلّها فتح الروي 608 من مجموعها في عدّ الكوفيين 6236 آية ، وذلك فضلاً عن المردوف في الوقف على الضمائر وهاء السكت ) . والمظهر الثالث للنظام افتتاح السور جميعاً – ما عدا سورة (التوبة) – بعبارة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، أو استهلال عدد من السور بمجموعات من الأحرف : ( ق) ( ن) ( ح~م ) ...   لا شك بدورها التنبيهي أو الموسيقي المتسق مع ما بعدها أو قبلها ، والإيحاء الموسيقي الذي يُحسّ اكثر مما يعبر عنه .

و( النظام ) في العمل الفني ، هو الذي يُثير التوقعات أولاً ثم يُشبعها ثانياً . فحين تلتزم فاصلة أو أكثر ( الواو والنون ) يتوقع المُرتِّل تكرر هذه الفاصلة من جديد ، وحين يتحقق توقعُه يحدث لديه الإشباع ، فيتطلع مرة ثانية وهكذا دواليك .

على أن التوقع وإشباع التوقع ، أو النظام ، أو( السيمترية ) ليست وحدها تكفي العمل الفني ، لأن استمرارها أو انفرادها ينشئان الرتابة فالملل ( ومن الواضح لا توجد مفاجأة أو خيبة ظن لو لم يوجد التوقع ، وربما كانت معظم ضروب الإيقاع تتألف من عدد من المفاجآت ، ومشاعر التسويف وخيبة الظن لا يقل عن عدد الإشباعات البسيطة المباشرة ، وهذا يفسر لنا لماذا سرعان ما يصبح الإيقاع المسرف في البساطة شيئاً مملاً تمجّه النفس ، خالياً من الإيقاع والتأثير ، ما لم تتدخل فيها حالات من التخدير ، كما نجد في الكثير من الرقص والموسيقى البدائيين ، وكما هي الحال في الوزن ) (19 ) وهذا ما يفضي بنا إلى قوانين علم الجمال الأخرى ، كقانون ( التغير ) .

إن قانون ( التغيّر ) يقوم على إحداث الصدمة للتوقع عن طريق المفاجأة السارّة ، ( فإن كان ما يُحدث هذه الصدمة شيء جديد يثير الاهتمام على نحو مؤكد ، فإن الأثر الذي يتولد في نفوسنا هو أثر الشيء الطريف ، أما إذا لم يوجد ما يعوّض هذه الصدمة ، فحينئذ نُحسّ بما في الموضوع من قبح ونقص )(20)، وبعبارة مألوفة نقول : إن التأثير يعتمد على ما إذا كانت هناك علاقة تربط بين الأجزاء التي تؤلّف الكل .

الجدير بالذكر :

1 - أن تغيّر الرويّ في الفاصلة لم يبلغ حدّ الإهمال ، مما يؤكد أهمية التقفية في البيان العربي وبيان القرآن الكريم .

2 -  وأن أغلب سور القرآن – لاسيما الطوال منها – أخذت بنموذج (التغير) في الفواصل ، وأن السور التي وحدت الفاصلة فإحدى عشرة سورة ، ذكرناها من قبل .

3 – نموذج ( التغير ) في رويّ الفواصل قسمان : قسم يغير مقطعاً مقطعاً ، وفي الآيات ( 6-9 ) من سورة الانفطار يتوفر القسمان معاً : ( يا أيها الإنسان ما غرّك بِربِك الكريم) ( الذي خلقَكَ فسَواكَ فَعَدلَك . في أيِّ صورةٍ ما شاءَ ركّبَك) (كلا بل تُكذّبون بِيومِ الدّين. وإن عليكم لَحافِظين . كِراماً كاتبين . يَعلمون ما تفعلون . إنّ الأبرار لفي نعيم . وإنّ الفُجّارَ لَفي جحيم . يَصلَونها يومَ الدّين . وما هم عنها بِغائبين . وما أدراكَ ما يومُ الدّين . ثُمَّ ما أدراكَ ما يومُ الدين.) ( يومَ لا تَملِكُ نفسٌ لِنفسٍ  شيئاً ، والأمرُ يَومئذٍ للهِ )  .

4 – اتسع مجال تغير حرف الرويّ في الفواصل ، حتى تناول حروف الأبجدية العربية أو معظمها ، على تفاوت بينها في النسبة ، فحرف النون فاصلة القرآن الأثيرة ، فقد بلغ ما جاء عليها ساكنة بعد واو أو ياء (3050) خمسين وثلاثة آلاف فاصلة ، منها ( 1758) ثمان وخمسون وسبع مئة وألف على الواو والنون ، و( 1291) إحدى وتسعون ومئتان وألف على الياء والنون ، بينما لم ترد حروف كالغين إلا مرة واحدة : ( أولئك يعلمُ اللهُ ما في قلوبهم ، فأَعْرِضْ عنهم ، وقلْ لهم في أنفسِهم قولاً بليغاً ) ( النساء : 63 ) .

5 – لم ترد الفواصل المنفردة في أواخر السور وحسب ! بل وردت في ثنايا السياق أو في البداية . قال تعالى في أول سورة ( النصر) : ( إذا جاء نصرُ اللهِ والفتح) ، وقال تعالى في سياق سورة ( الرحمن) : ( ربُّ المشرقَينِ وربُّ المغربَينِ ) . والملاحظ أن معظم هذه الفواصل المنفردة قد سوّغت انفرادها البنية الداخلية للقرينة التي جاءت فيها . فمثلاً في قوله عزّ وجلّ ربُّ المشرقينِ وربُّ المغربينِ ) ارتكزت الفاصلة ( المغربين ) على فاصلتها الداخلية ( المشرقين ) ، كما كان للتقسيم والتقابل دور آخر ، فضلاً عن أن السياق على حرف النون كذلك ، وإن كانت نوناً مسبوقة بالألف الممدودة ( فبأيّ آلاء ربِّكما تُكذّبانِ ) ، وقل مثل ذلك في الفواصل الأخر .

وإذا تأملنا القسم الذي يتغير مقطعاً مقطعاً وجدناه ألواناً وأنماطاً ، بما يناسب السياق أو  يقتضيه :

أ – قد يكون التغيّر محدوداً في مقطعين أو ثلاثة أو أربعة ، كما يكون في مقاطع كثيرة تصل إلى عشرة مقاطع أو أكثر ( والمراد بالمقطع فقرة موسيقية مؤلفة من آيات عدة ) .

ب – قد يكون التغيّر بسيطاً يتوالى مقطعاً مقطعاً ( كمقاطع سورة العاديات ) ، وهو الغالب ، كما يكون مركباً ، أي يعرّج على رويّ سابق ، وهو الأقل .

ج – قد يكون التغيّر بمقاطع متقاربة الطول ، وغير متقاربة .

د – قد يكون التغير بمقاطع مختومة بلازمة ( كمقاطع سورة المرسلات ولازمتها الآية : ويلٌ يومئذٍ للمُكذّبين ) ، وغير مختومة بلازمة .

هـ – يغلب على المقاطع الأخيرة في هذا القسم التزام رويّ النون مردوفاً بالواو أو الياء ، انسجاماً مع شيوع هذه الفاصلة في القرآن .

و – معظم سور هذا القسم –إن لم نقل كلها – سور مكية .

وهذا غير التغير في طول القرينة من فاصلة إلى فاصلة ، أو من مقطع إلى مقطع . ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن قانونين من الإيقاع ( النظام والتغير ) للتمثيل .

العلاقـات

لعلاقة (الفاصلة ) بسياقها أنواع : علاقتها بقرينتها( أو الآية ) التي وردت فيها ، أو المقطع أو السورة ، أو حتى الجزء الواحد من القرآن  ، وبمجموع القرآن الكريم .

أما علاقة الفاصلة بقرينتها ، فقد أطلق عليه القدماء : ائتلاف الفواصل مع ما يدلّ عليه الكلام . قال الزركشي : ( اعلم أنّ من المواضع التي يتأكد فيها إيقاع المناسبة مقاطع الكلام وأواخره ، وإيقاع الشيء بما يشاكله . فلا بدّ أن تكون المناسبة للمعنى المذكور أولاً ، وإلا خرج بعض الكلام عن   بعض . وفواصل القرآن العظيم لا تخرج عن ذلك . لكن منه ما يظهر ، ومنه ما يُستخرج بالتأمّل للبيب) ( 21) . وقد حصروا هذا (الائتلاف)في أربعة أشياء ، هي : التمكين ، والتوشيح ، والإيغال ، والتصدير . الفرق بينها أنه إن كان تقدم لفظها بعينه في أول الآية سمّي تصديراً ، وإن كان في أثناء الصدر سمّي توشيحاً ، وإن أفادت معنى زائداً بعد تمام معنى الكلام سمّي إيغالاً ، وربما اختلط التوشيح بالتصدير لكون كلّ منهما ، صدرُهُ يدلّ على عجزه . والفرق بينهما أن دلالة التصدير لفظية ، ودلالة التوشيح معنوية .

فالتمكين : هو أن يمهد قبل الفاصلة تمهيداً تأتي به الفاصلة ممكّنة في مكانها ، مستقرة في قرارها ، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة ، متعلقاً معناها بمعنى الكلام كله تعلقاً تاماً ، بحيث لو طُرحت اختلََّ المعنى ، واضطرب الفهم . مثل الخبر الذي أخرجه ابن أبي حاتم عن طريق الشعبي عن زيد بن ثابت قال: أملى عليّ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم هذه الآية : ( ولقد خلقنا الإنسانَ من سُلالةٍ من طينٍ . ثمّ جعلناهُ نُطفةً في قرارٍ مكينٍ . ثم خلقنا النُّطفةَ عَلَقَةً ، فخلقنا العَلَقَةَ مُضْغَةً ، فخلقنا المُضْغَةً عِظاماً ، فكسَونا العَظامَ لحماً ، ثمّ أنشأناهُ خَلْقاً آخرَ ...)(المؤمنون : 12-14 ) ، وهنا قال مُعاذ بن جبل : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقِين) فضحك رسولُ الله صلى اللهُ عليهٍ وسلّم ، فقال له معاذ : مَمَّ ضحكتَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : بها ختمتْ . (22)

والتصدير : هو أن تكون لفظة الفاصلة بعينها تقدمت في أول الآية ، ويسمّى ( ردّ العجز على الصدر ) ، وقيل هو ثلاثة أقسام . الأول : توافق آخر آية وآخر كلمة في الصدر ، نحو قوله تعالى :  ( .. أنزلَه بِعِلمِهِ والملائكةُ يَشهدونَ، وكفى باللهِ شهيداً ) (المائدة : 165 ) ، والثاني : : أن يوافق أول كلمة منه نحو : ( وهَبْ لنا من لَدُنك َرحمةً . إنَكَ أنتَ الوهَّاب) (آل عمران : 8) ، والثالث : أن يوافق بعض كلماته ، نحو : ( ولقدِ استُهزيءَ بِرُسُلٍ من قبلِكَ ، فحاقَ بالذينَ سخِروا مِنهم ما كانوا بِهِ يَستهزِئون )( الأنعام : 10) .

والتوشيح : سمّي بهذا الاسم لأن الكلام نفسه يدلّ على آخره ، نُزّل المعنى منزلة الوشاح ، ونُزّل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح ، اللذين يجول عليهما الوشاح ، ولهذا قيل فيه : إن الفاصلة تُعلم قبل ذكرها . وسمّاه بعض العلماء ( المُطمِع) ، لأن صدره مطمع في عجزه . قال تعالى : ( إن الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآل إبراهيمَ وآلَ عِمرانَ على العالمين ) (آل عمران : 33 ) ، فإن اصطفاء المذكورين يُعلم منه الفاصلة ، إذ المذكورون نوع من جنس العالمين . وقوله : ( وآيةٌ لهُمُ الليلُ نَسلخُ منه النهارَ فإذا هم مُظلِمون ) ( يس : 37 ) ، فإنه من كان حافظاً لهذه السورة ، مُتيقظاً إلى أن مقاطع فواصلها النون المردوفة ، وسمع في صدر هذه الآية : ( وآيةٌ لهم الليل نسلخُ منه النهارَ ) علم أن الفاصلة ( مُظلمون ) ، فإنَ من انسلخَ النهارُ عن ليله أظلم ما دامت تلك الحال (23) .

الإيغال : سمّي بذلك ، لأن المتكلم قد تجاوز المعنى الذي هو آخذ فيه ، وبلغ إلى زيادة على الحدّ ، كقوله تعالى : ( أفحُكمَ الجاهليةِ يَبغون؟ ومنْ أحسنُ من اللهِ حُكماً لقومٍ يوقِنون؟) ( المائدة :   50) ، فإن الكلام قد تمّ بقوله : ( ومن أحسنُ حكماً ) ثم احتاج إلى فاصلة تناسب القرينة الأولى ، فلما أتى بها أفاد معنى زائداً . (24)

وهناك علاقة الفاصلة بالمقطع( مجموعة آيات) الذي وردت فيه ، وهي على أنواع . النوع الأول : علاقة التقسيم أو القفل أو الختام على شكل من الأشكال ، ونجد له أمثلة في تكرار (اللازمات) : ( ويلٌ يومئذٍ للمكذبين ) (المرسلات ) ، ( فكيف كان عذابي ونُذُرِ ) ( القمر ) ...ونمثل له الآن بالمقطع الأول من سورة (النبأ ) ، قال تعالى : ( عمّ يَتساءلون .عن النبأِ العظيم . الذي هم فيهِ مُختلفون . كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ) . فالآيات الأولى تعرض لتساؤل المتسائلين عن ( يوم القيامة) واختلافهم فيه بين مكذّب ومستغربٍ ومتردّد وغير ذلك ، فجاءت خاتمة هذا اللغو :           ( سيعلمون ) . والتعليم مقرون بالتأديب للمُنكِر فحسُنَ التوبيخ بـ (كلا ) : ( كلا سيعلمون ) ، وبتوكيد هذا التوبيخ . والنوع الثاني : علاقة إيقاع موسيقي ، يقتضيه السياق : نمثل له من سورة ( مريم ) التي لاءم القصُّ فيها التزام رويّ ( يا): (زكريّا، حفيَا، شقيّا ..)في المقطع الأول ، ولاءمت الواو والنون سياق الجدل في المقطع الثاني : ( .. يَمترون ، فيكون ...) ، ثم لمّا عاد القصُّ في المقطع التالي عاد الرويّ (يا) : ( .. نبيّا ، شيئا) . وكذلك الحال في سور (آل عمران ) , ( النبأ) , ( النازعات ).

ثم هناك علاقة الفاصلة بالسورة - وهي ما أطلق عليه القدماء (خواتم السور) – وهي على أنواع. النوع الأول : تعلّق فاصلة آخر السورة بمضمون السورة أو بغرضها العام ، كخواتم سورة(المرسلات) و( الضحى ) و ( العاديات ) و( الكافرون ) والانفطار ). فسورة (المرسلات ) اتجهت إلى إقناع المكذبين مقطعاً بعد مقطع ، وحجةً بعد حجة ، معقبة على كل مقطع أو حجة بآية :  ( ويلٌ يومئذٍ للمُكذّبين ) ، ولما استكملت غرضها العام كانت الخاتمة : ( فبأيّ حديثٍ بعدهُ يؤمنون ) . أما سورة ( الكافرون ) التي اهتمت بإبراز المُفارقة بين المؤمنين والكافرين ، رداً على العرض الذي تقدّموا به إلى الرسول ، للاتفاق على عبادة الله تعالى الذي يدعو إليه الرسول ، يوماً أو شهراً أو سنة ، ثم عبادة أصنامهم – والعياذ بالله – مثل ذلك ، فكانت الخاتمة الحاسمة : ( لكم دينكم وليَ دينِ ) . النوع الثاني : تعلق الفاصلة الأخيرة بفواتحها ، أي ردّ عجز السورة على صدرها ، كما في سورة (المؤمنون ) و(ص) و(القلم) . ففي صدر سورة (ص~) قوله تعالى : (ص~ والقرآنِ ذي الذكرِ ) وفي خاتمتها : ( إنْ هُوَ إلا ذِكرٌ للعالمين . ولَتَعْلَمُنَّ نبأَهُ بعد حين ) ، وقريب منه في السورتين الأخريين . النوع الثالث : تعلق الفاصلة موسيقياً بجوّ السورة ، وهذا ما يبدو جلياً في السور الإحدى عشرة ، ذوات الرويّ الموحّد ( المتماثل  ) ، وقريب منها السور ذوات الرويّ المتقارب ، لاسيما (الفاتحة )   و(يونس ) و( المؤمنون ) و ( الدخان ) و ( القلم ) و( المُطفّفين) و( التين ) و( الماعون ) .

وأخيراً تعلّق الفواصل موسيقياً بمجموع القرآن ، من وجهين : الأول غلبة فواصل النون الساكنة المردوفة بواو أو ياء . الثاني : غلبة الوقف على السكون على سائر الفواصل الأخرى ، حتى إن القاريء الشادي يستطيع أن يميز التعبير القرآني بواحدة من هاتين الظاهرتين أو بهما معاً ، بالإضافة إلى مزايا التعبير القرآني الأخرى . ولا تقلّ عن هاتين الظاهرتين ظاهرة ثالثة ، وهي اطّراد الفاصلة في سور القرآن وآياته جميعاً . إن باب العلاقات واسع سعة باب الدلالات ، نكتفي منه بهذا القدر ، ونحيل من يحب الاستزادة إلى مطالعة هذا السفر الخالد الذي لا تنقضي عجائبه ، والذي لا حدَّ لجمالِه ودقّة إحكامه، وسيرتّل معنا بإمعان : ( أفلا يَتدبّرون القرآنَ ، ولو كان من عند غير اللهِ لوجدوا فيهِ اختِلافاً كثيراً ) (النساء : 81 ) .

     

الهوامش

(1) – الإتقان في علوم القرآن – السيوطي – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- مطبعة المشهد الحسيني بالقاهرة – 1961م - 1/143 .(2) – بحث(في تاريخ فكرة إعجاز القرآن) مجلة (المجمع العلمي العربي) بدمشق-مج27-ص573 .(3) – (دائرة المعارف الإسلامية ) عن النص الإنكليزي . ط2 – ج2 – مادة فاصلة – محرر هذه المادة هـ . فلايش (4) – البرهان في علوم القرآن – الزركشي – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – دار إحياء الكتب العربية بمصر – 1384هـ = 1944 م ط1 –1/89-101.(5) – البرهان في علوم القرآن – 1/69-70 .(6) – ثلاث رسائل في إعجاز القرآن : النكت للرماني – تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام – دار المعارف بمصر – 1961م . ( 7) –  النكت للرماني : 90 ، وسر الفصاحة – ابن سنان الخفاجي – تحقيق عبد المتعال الصعيدي – مكتبة صبيح بمصر 1372هت = 1962م –ص 203  البرهان 1/75. (8) - من بلاغة القرآن – الدكتور أحمد أحمد بدوي – مكتبة نهضة مصر – 1370هـ = 1950م – ط3 – ص88 . ( 9) – كتاب الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان – ابن قيم الجوزية – مطبعة السعادة بمصر 1327هـ - ط1 – ص226-227 ، والبرهان للزركشي 1/67 ، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة – طاش كبري زادة – تحقيق كامل كامل بكري وعبد الوهاب أبو النور – دار الكتب الحديثة 2/517. ( 10 ) و(11) – المرجع  السابق . (21) و(13) – البرهان1/77 . (14) – صور البديع – فن الاسجاع – لعلي الجندي – دار الفكر العربي بالقاهرة 1370هـ= 1951م –1/195 وصبح الأعشى في صناعة الإنشا – للقلقشندي – نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية بمصر 1388هـ = 1963م 2/280 . (16) – كتاب الفوائد : 227 . (15) – إعجاز القرآن – عبد الكريم الخطيب : 2/221. (17) – اللغة الشاعرة – عباس محمود العقاد – ط1 – ص 137- 138 . ( 18) – فلسفة الجمال – ا . ف. جاريت – ترجمة عبد الحميد يونس ورمزي يسّي وعثمان نويه – دار الفكر العربي بالقاهرة – ص 136 – 137 . (19) – مباديءالنقد الأدبي – إ . ا . رتشاردز – ترجمة الدكتور مصطفى بدوي – المؤسسة المصرية العامة 1963م -ص 192 .(20) – الإحساس بالجمال – جورج سانتيانا – ترجمة مصطفى بدوي – مكتبة الأنجلو المصرية - ص :116 .(21) – البرهان1/78 ، والإتقان 2/101 – نسخة غير محققة- البابي الحلبي- 1370هـ = 1951م  . ( 22) – الإتقان 2/101 – نسخة غير محققة . (23) – البرهان 1/95 ، والإتقان 2/104 – نسخة غير محققة .(24) – اابرهان 1/96- 97 ، والإتقان – غير محققة : 2/74 .