عبد الكريم كاصد طائر العراق

عبد الكريم كاصد طائر العراق

توفيق الشيخ حسين

[email protected]

طين الأرض الذي لم يعرف سوى العطاء الخصب يتشقق .. يبتلع ذاكرة الحزن ويرسم أبعادا جديدة لكثبان من الرمل الصخري .. جبال الغد .. سيول الزهيريات الندية .. التي لم تعشق إلا جبين – الأنهر السمر-  تعزف لنا صورة الحياة الجميلة ...

ولد الشاعر عبدا لكريم كاصد في البصرة عام 1964 , حصل على شهادة ليسانس في الفلسفة من جامعة دمشق عام 1967 ثم على شهادة الماجستير في الترجمة من جامعة – ويستمنستر – في لندن عام 1993 وبعدها حصل على شهادة البكالوريوس في الأدب الانكليزي من جامعة – نورت – في لندن علم 1995 ..

انه يعبّر بصدق عن مشاعره وعواطفه الصادقة .. عن الحبيبة التي كان ينتظرها ويفجأها بالشعر ويموت ويحيا كل مساء من اجل الحب والى آخر لحظة من عمره .. الحبيبة هي الأرض .. يمشي على الشوك وبين الصخور ولا ينعم بالهدوء ولا يفكر بالخيبة ابدا ...

ما زالت الأرض بها لمحة من أصالة حبه , رواها بالأمل وذرف الدمع وحرقة القلب .. ذبحوا الأمل في عينيه فغادر العراق عام 1978 وتنقل في دول عديدة حتى استقر المقام به في لندن منذ أواخر عام 1990 ...

يقول عبدا لكريم كاصد عن السفر والاغتراب في لقاء معه أجراه محمد جعفر :

( اغترابي قبل المنفى وبعده .. لكن الاغتراب الأخير هو ما يعنيني , فاغترابي الأول كان طبيعيا .. كان اغترابا هو وليد صراع حقيقي في أرض حقيقية وبين أناس اعرفهم ويعرفونني .. أما الثاني فهو اغتراب السائر في الهواء بين أقوام لا تعرفهم وأوطان لا تنتمي إليها .. ووطن بعيد لا تعرف متى تعود إليه .. ولقمة عيش لا تدري متى تفقدها .. وأطفال افتقدوا لغتهم حتى وان تحدثوا بها وما إليها من تفريعات .. لذلك يدهشني عندما اسمع من يتحدث عن محاسن المنفى إلا إذا كانوا يعنون مساوئه التي أصبحت محاسن لدى نفر كبير من الساسة والأدباء في المنفى ) ...

ترجم شعره إلى اللغتين الفرنسية والانجليزية في أول انطولوجيا للشعر العربي .. كما أدرج اسمه وأعماله الأدبية في " معجم الكتـّاب المعاصرين " و " معجم البابطين "

اصدر ( 9 ) مجاميع شعرية منها " الحقائب 1975 " و " النقر على أبواب الطفولة 1978 " و " الشاهد 1981 " و " وردة البيكاجي – نزهة الآلام – سراباد 1997 " و " دقات لا يبلغها الضوء 1998 " و " قفا نبك 2002 " وزهيريات .. واصدر عدة مجموعات مسرحية وقصصية ...

البصرة عند عبد الكريم كاصد هي بلد النخيل والمياه والطيبة والتي توصف ببندقية العرب لكثرة سواقيها وترعها وجداولها وانهرها وشطوطها واهوارها ومياهها الغزيرة وآبارها العذبة ..

البصرة عبارة عن لوحة آلوانها النخل والشجر وخطوطها انهر لا تنتهي وكأنها أرخبيل من الجزر وشبه الجزر التي تشكل واحة عجيبة نسجت اجزاءها من قطع بساتين خرافية بكل ما فيها من سحر وجمال وأسرار وأخبار ...

يقول زهير كاظم عبود :

( من يعرف عبد الكريم كاصد يلمح موجات شط العرب ونسائم البحر الممتدة فوق سواحل عدن في عيونه .. ويشمها من روحه من بين انفاسه .. ويقرأ فوق روحه تلك الأغترابات والعذابات والرحيل .. وطفولته التي اضاعها بين حدائق الأندلس وتأملات شط العرب وكازينو البدر وجزيرة السندباد منقوشة لا يستطيع نسيلنها او غض الطرف عنها ) ...

الرحيل عن الوطن كما هو اليوم لدى الآلاف من المهاجرين العراقيين حيث يطرقون ابواب المحيطات والبحار بحثا عن موقع آمان .. هذه الأسطورة التي بناها المثقفون العراقيون تتصل برحلة جدهم كلكامش حيث البحر بحثا عن الحرية والخلود ...

عبد الكريم كاصد من الشعراء الذين مارسوا الشعر كطقس من الطقوس الخاصة .. إذ كان انعكاسا لتغيرات جذرية في التفكير مع التزامه بواقعية اجتماعية منذ بداياته الأولى , فهو من أولئك الشعراء الذين حققوا ذواتهم ليس في الكلمة وحسب بل في الحب الذي منحه للأخرين عبر القضية الإنسانية .. فالشعر عنده ليس تعبيرا عن الهموم الذاتية وانما تتطغى عليه قضية الجماعة حيث يذوب الخاص بالعام والذاتي في الموضوعي فهو يقول:

" اذا تحققت الرغبة في اليقظة فهل يتبقى للإنسان ما يرغبه في الحلم " ...

فالكاصد شاعر يفكر بصمت ثم يميل إلى وعي عبر استلهام أبعاد الممكن للواقع الحي .. لذا فقصائده مشبعة بتأثيراتها الغنائية على نفسية المتلقي .. حينما يحلم الكاصد بالأمس تتساقط أمامه قبضة من أوراق شاحبة .. تصبح الوجوه غائمة وسط صخب السنين .. تتدافع في أعماقه زخة من أحزان جميلة .. يحلم بالذين ماتوا .. والأحياء .. فالتجدد لا يقهره الموت .. انه يقهر الحياة ذات الامتداد الزمني ولكنها لا تقهر التجدد بل تمده بوسائل البقاء ...

أرأيت القمر المطل بابتسامته التي تفيض محبة وسعادة ؟ انه يحتضن شوقنا ...

القمر يا وطني ليس غريبا عنك .. الذي لا يفكر في الرحيل عن ديارنا اليوم ولن يرحل غداً لأننا سنجعله بساطا للزهيريات .. عشا للعصافير .. لا بد أن يكون لنا وحدنا ضوءا ً أبديا لأننا في ظل النخيل وشمس الإنسانية ...