من كان قادرا على الكتابة فليكتب.. أو فليسكت

من كان قادرا على الكتابة

فليكتب.. أو فليسكت!

د. أحمد الخميسي. كاتب مصري

[email protected]

سأتحدث عن الاحتيال الثقافي ، وهو ظاهرة قديمة ، لكنني سأبدأ من القشة التي قصمت الظهر وجعلتني أقرر أخيرا أن أكتب في ذلك . أبدأ من الدعوة التي وصلتني على البريد الالكتروني كما وصلت لغيري وجاء فيها بالنص : " يتشرف مختبر المسحراتي بدعوتكم لحضور العرض المسرحي " فيفا ماما " – دراماتورج وإخراج عبير علي ، كتابة د. هاني عبد الناصر ، ود . سهام وعبدالسلام المراجع لورشة الكتابة ، وذلك على مسرح الهناجر بأرض الأوبرا " . والآن أرجو القارئ أن يعود ثانية لنص الدعوة ، وأن يقرأه بتمعن مرة أخرى . ففي ذلك النص القصير تحيا تقريبا مدرسة كاملة من طرق الاحتيال الثقافي تعيش وتترعرع وتزدهر برعاية رسمية من هناجر الدولة وغيرها . حسب نص الدعوة هناك " كتابة " قام بها فلان وفلانة ، لكن بين أولئك الكتاب يبرز بشكل خاص اسم " عبد السلام " مراجع ورشة الكتابة ، مما يترك عندك انطباعا بأن لعبد السلام ( الذي لم تذكر الدعوة اسم عائلته ) اليد الطولى في التأليف ؟! ، وإلا لماذا ميز النص عبد السلام عن غيره من المؤلفين بأنه " مراجع ورشة الكتابة " ؟ . على أية حال نحن أمام " كتابة " قامت بها مجموعة بشكل مشترك ، و " الاشتراك في التأليف " يعيد للذاكرة فقط تجارب المزارع الجماعية ، حيث كان الاسم " جماعي " يخفي وراءه دائما مصالح أفراد محددين عديمي الموهبة على حساب آخرين موهوبين ، لكنهم لا يستطيعون شق طريقهم . ومع أن التأليف كان وسيظل رؤية خاصة جدا لا تصلح معها طريقة المشاركة ، لكنني سأفترض أن هناك " كتابة " مشتركة قامت بها مجموعة . وفي هذه الحالة ماذا يعني النص في الدعوة والإعلانات على أن " فيفا ماما " – دراماتورج وإخراج عبير علي . ماذا تعني كلمة " دراماتورج " هنا؟ . هل كتب الاخرون ثم قامت المخرجة بإضفاء دراما على العمل ؟ أم أن المصطلح يعني أن المخرجة هي أيضا المؤلفة ؟ . لن تفهم أبدا . لأن المقصود تحديدا برعاية مسارح الدولة هو خلط الأوراق ، بحيث يظل الاحتيال الثقافي مدرسة صاعدة ، طالما أن المخرجة لا تكتفي بالإخراج بل وتريد أيضا أن ينوبها من التأليف جانب . في نهاية نص الدعوة تأتي بالبنط الصغير إشارة إلي رواية بهيجة حسين " حكايات عادية لملء الوقت " . فما المقصود بذلك ؟ هل اعتمدت الكتابة الجماعية والأستاذة دراماتورج على تلك الرواية ؟ وإلي أي درجة ؟ . ويبقى السؤال الحائر : من هو مؤلف العرض بهيجة حسين ؟ أم المخرجة ؟ أم ورشة الكتابة ؟ أم من ؟ لا إجابة . المؤكد فقط أن ظاهرة خلط الأوراق ، والمصطلحات أصبحت إحدى ظواهر الكارثة الثقافية ، و " فيفا ماما " هي قطرة من بحر الاحتيال . فقد سبق أن حضرت عرضا موسيقيا عن حفل لألحان محمد عبد الوهاب ، لكن الإعلان عن العرض تضمن بالخط العريض " رؤية موسيقية لفلان الفلاني " ؟! . ما الذي رآه ذلك الملحن الشاب الجديد بحيث ينهب موسيقى عبد الوهاب ويقدمها كما هي تقريبا مقحما اسمه على روح موسيقار الأجيال ؟ . لاشيء . كما سبق أن شاهدت عروضا مسرحية معتمدة على أعمال مسرحية لكبار الكتاب العالميين ، قدمها مخرجون أو مؤلفون على أنها " رؤية " بعد أن تفضلوا بتشويه النص الأصلي . وإذا كان كل أولئك العباقرة من مؤلفين ، ودراماتورج ، ومخرجين ، وأصحاب رؤي ، قادرين على تقديم شيء خاص بهم ، فلماذا لا يؤلفون ويرحمون الأعمال الأصلية للكتاب؟ . لكن الاحتيال يظل أسهل الطرق أمام الكثيرين خاصة عندما تقف مسارح الدولة وراءه بقوة وتعتمده كمدرسة فكرية . وقد تأكدت تلك الظاهرة عندما قدم المسرح مؤخرا مسرحية السلطان الحائر لتوفيق الحكيم باعتبار أن العمل " رؤية عصرية " لعمل كتبه الحكيم عام 1959 . صاحب الرؤية هذه المرة هو المخرج عاصم نجاتي الذي فتح الله عليه بإدخال الموبايلات والفيس بوك وغير ذلك على نص توفيق الحكيم . ومعروف في تاريخ الثقافة أن تستلهم موضوعا ، لكن لا يعرف أحد أن تتناول عملا محددا لتقوم بتشويهه . ارحمونا من الرؤى ومن التأليف الجماعي ودراماتورج وكل أشكال السطو على أعمال الآخرين ومن كان قادرا على الكتابة فليكتب أو فليسكت !