الشِّعر الذي ينقض الوضوء!
محمد عبد الشافي القوصي
منذ عقودٍ خلتْ، احتدمت المعركة بين "الحداثيين" و"المحافظين"، أو بين "الأدعياء" و"الأصلاء" وكانت معركة حامية الوطيس بين دعاة الخروج على النص الحضاري العربي (لغة وتراثاً وشعراً) وبين رعاة هذا النص الذين رأوا فيه هويتهم فتمسكوا به، ووجودهم فيه فدافعوا عنه في شجاعة وقوة.
وانطلق الملأ -من دعاة الحداثة وأكابر مجرميها وأشدّهم على الرحمن عتيّا-تحت ظلال الزخم الإعلامي الوافد، والواقع العربي المعقد- في سباق محموم، ولهاث مسعور .. فتسلّطوا على مؤسسات الثقافة والإعلام، ومنافذ الصحافة والنشر، ليحشدوا الرأي العام لصالحهم، فتظاهروا بالاجتهاد، وادعوا الإبداع، وحرية الرأي والفكر، وأخذوا يشوهون ويهدمون الأدب العربي، تحت دعاوى التطوير، والحداثة، وعزفهم على أكثر من نغمة، وركوبهم موجة مقاومة التطرف، والتخلص من القديم، بهدف عزل الأدب والثقافة الإسلامية عن الحياة عامة، وفصل الأدب عن الدين والأخلاق، حتى تخلو الساحة لنظريات ومذاهب وأيديولوجيات عفنة، ونفايات الفلسفات الشاذة، التي قذفت بها مراحيض الشارع الغربي، والتي تربّتْ في كنف الصهيونية العالمية، وترعرعت في أندية الفجور وصالات القمار والرقص والإباحية، لإفساد العرب والمسلمين، ومسخ هويتهم، وإلغاء خصوصيتهم، واقتلاعهم من جذورهم .. لكي يعيشوا عالة على "حامض" الثقافة الغربية، وفتات الآخرين!
نعم .. إن المتأمل في المشهد الثقافي في بلادنا، لا يكاد يملك نفسه من فرط الحسرة التي تنتابه لما آلتْ إليه منظومة الثقافة على أيدي المتغرّبين الذين حوّلوا الثقافة والأدب إلى حربة تهاجم الإسلام والمسلمين، وحولوا الفكر والفن إلى هتاف وصياح وصرخات تشنجية، ومارسوا أسلوب الإرهاب الفكري في وجه مخالفيهم، في الوقت ذاته راحوا يفرزون نماذج هزيلة من الفحش والسخافة والعبث والسطحية، وكتابات كريهة كالمحيض أو كأرجل الفئران ورءوس الشياطين! وأسموها "إبداعاً" حتى فقد لفظ "الإبداع" مدلوله لكثرة اللغط حوله والعبث بدلالاته ومراميه .. بلْ دعوا إلى إزالة كل الموانع من طريق الإبداع، وجعلوا الإبداع في صورة معبود مقدس تنحني له الجباه، والمبدع لا يُسأل عما يفعل!
هكذا فعل دعاة "الحداثة" وأدعياء "التنوير" وعبيد "الشعر الحر" الذي ينقض الوضوء! إنهم يحاولون ظلماً وعدواناً- أن يغالبوا "الأصلاء" بالتهويل والتزييف والتعقيد والتضليل والإرهاب الفكري والنفسي، قائلين بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون! يريدون أن يسحروا أعين الناس ويسترهبوهم، وربما أوجس بعض "الأصلاء" خِيفة، من كثرة حبالهم وعصيهم، وربما خُيّل إليهم من سحرهم أنها تسعى! حتى إذا ما حللوا هذه "الأشعار" ووضعوها في ميزان الأدب ومقاييس النقد، علموا أنها من كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى!
ولكن، ومع كل ما تفعله "ميليشيات" الحداثيين والتنويريين والمتشاعرين؛ فإن "الأصلاء" سيظلون مرابطين في سبيل الحق، حُراساً لصروح الأدب العربي، حماة للتراث، ومدافعين عن هُوية الأُمة .. لأنهم يعلمون أن هذه المؤامرات المكشوفة، والحملات المأجورة ليست وليدة اليوم، بلْ هي موجودة منذ فجر التاريخ .. فالصراع بين "الحق" و"الباطل" سُنّة أزلية .. وإنّ الثقافة العربية والإسلامية لهي أقوى من أن تشوه روعتها بعض الأتربة العابرة، أو أن يطمس نورها الذين يحاولون حجب الشمس بغربالهم الهزيل!
وإني لأرجو ألا أكون قد نكّرتُ لأحدٍ عرشه، أو وضعت "السقاية" في رحله فلم أجهر بالقول ولم أخافت، ولعلي ابتغيتُ وراء سبيلا!