تقديم ديوان الاعظمي

تقديم ديوان الاعظمي

بقلم المستشار: عبد الله العقيل

أول معرفتي بالأخ الشاعر وليد عبد الكريم الأعظمي سنة 1947 – 1948م حين قدمت إلى بغداد للدراسة في الثانوية الشرعية بالأعظمية مع زملائي الإخوة: يوسف العظم، وإبراهيم المدرس، ونعمان السامرائي، وحافظ سليمان، وغيرهم.

وكان لنا مع إخواننا سكان الأعظمية أمثال الشاعر الأخ وليد الأعظمي والأخ صالح الدباغ والأخ عبد الحكيم المختار وغيرهم لقاءات متصلة من خلال الأسر والكتائب والرحلات والمخيمات والدروس والمحاضرات، والمؤتمرات والاحتفالات

وكانت مكتبة الإخوان المسلمين في الأعظمية من الأماكن التي نكثر التردد عليها، حيث تجرى المناقشات الدعوية والمطارحات الشعرية والمساجلات الأدبية فضلاً عن المسابح على ضفاف نهر دجلة حيث نمارس السباحة والرياضة.

وكنت ألمح في أخي وليد الأعظمي هذا الحماس والعطاء المتدفق والعمل الدؤوب والغيرة الصادقة على الإسلام وحرماته، والحرص على جمع الشباب على منهج الإسلام والتصدي لقوى الإلحاد والطغيان والفساد والإفساد الذي يمارسه دعاة الشيوعية وأذناب الاستعمار وعملاء الأعداء الكفرة.

وكانت بواكير شعره تنطلق من أعماق قلب مؤمن وكبد حرّى، كما كان حبّه لإخوانه العاملين في حقل الدعوة الإسلامية السائرين في ركب كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة هو الطابع الغالب على أشعاره رغم حداثة سنّه، فلم يكن له لَهْوُ الشباب ولا عبثُ المراهقين، بل الجدُّ الصارم والعزم الأكيد والجهاد المتواصل. ولم تكن تفوته مناسبة صغرت أو كبرت إلا وكان له سهم فيها، لأنه تربّى في جامع الإمام الأعظم وكان يحضر الدروس على العلماء في مجالسهم مما زاد في ثقافته الإسلامية والتزامه.

بدأ نظم الشعر وهو في الخامسة عشرة من عمره، وساعده على ذلك محفوظاته للشعر العربي القديم والحديث، كما كان لتوجيهات خاله الأستاذ مولود الصالح والأستاذ المصري الإخواني محمود يوسف المدرس بدار المعلمين بالأعظمية، الأثر الكبير في تسديده، وتصحيح أوزان الشعر وضبط الكلمات.

وقد اشترك معنا في المظاهرات الشعبية بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف ضد معاهدة (بورت سموث) حتى سقطت حكومة صالح جبر التي عقدتها وألغيت المعاهدة وكان نصيبي وإخواني (العظم والمدرس والسامرائي) التوقيف في مركز الشرطة ثم الإفراج بعد أيام بشفاعة الشيخ أمجد الزهاوي. وقد أولاه الأستاذ الصواف عناية خاصة فكان يشجّعه ويقدّمه في المحافل العامة لينشد الشعر الإسلامي وينشره في مجلة الأخوة الإسلامية، كما كان يصحبه في زيارة المدن العراقية.

وقد ذاع صيته وانتشرت قصائده وأشعاره في العالم العربي كله، وكان الشباب المسلم يترنم بها في كل مكان وينشدها في المناسبات.

وأسهم بإلقاء الكثير من القصائد في البلدان التي زارها مثل الكويت وسورية والأردن وفلسطين ومصر والجزائر والسعودية والإمارات واليمن وغيرها.

كما اهتم به الأدباء والشعراء والنقّاد والدارسون في الجامعات الذين قدّموا رسائل الماجستير عن حياته وشعره.

ورحّبت به الكثير من المجلات الهادفة، ونشرت له أشعاره وبحوثه في النقد واللغة والتاريخ والفن.

ولقد وجدتُ كثيراً من الحرج والتردد حين طلب إليّ الشاعر أن أقدّم له مجموعة دواوينه التي سبق أن قدّم كل واحد منها علم من أعلام الدعوة المعاصرة، كالشيخ القرضاوي، ونعمان السامرائي، ونور الدين الواعظ، ومحسن عبد الحميد، الذين أجادوا التقديم، ذلك لأن باعي في الأدب والنقد والشعر قصير جداً، فأنا من المحبين والعاشقين للشعر الهادف الأصيل، ولكني لست من فرسان هذا الميدان ولا من رجاله.

واستجابة لطلب أخي أبي خالد، شرعتُ في تسطير هذه الكلمات، وفاء للأخوة، وتقديراً لهذا الشاعر الفحل الذي أحببته من كل قلبي، وتأثرت في شعره، وانفعلتُ به فهو لسان من ألسنة الحق في هذا الزمان الذي قلّ فيه الصادقون.

ولئن باعدت الأيام بيننا سنين طويلة، حُرمنا فيها من اللقاءات، بسبب بُعد الديار، وجور الطغاة، إن قلوبنا في لقاء متصل بورد الرابطة والأذكار في الليل والنهار والحمد لله.

ويعلم الله أنني مدين للأخ الحبيب أبي خالد بالكثير من الفضل، فقد وجدت في كتابه: (السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني) ما أزال الغشاوة عن عيني، فقد كنت في مرحلة الدراسة الجامعية بمصر معجباً بهذا الكتاب، وأعتبره من المراجع المعتمدة، حتى فضح عواره، وكشف عن خبيئته الأخ وليد الأعظمي، فسارعت في نقد الكتاب، وبيان أغاليطه، وأكاذيبه، وحذّرت الناس من الاغترار به، مستشهداً فيما نشرتُ بكلام الشاعر وليد الأعظمي في كتابه الرائع آنف الذكر.

وأعود إلى دواوين الأخ الأعظمي لأقول: إن كل ديوان فيها يزخر بفيض من هذا الشعر الإسلامي الأصيل الذي يشحذ الهمم، ويقوي العزائم، ويستجيش العواطف، ويدفع للعمل الجاد، والجهاد المتوصل، من أجل نصرة الإسلام والمسلمين، والتصدي للطغاة والجبارين.. ولنقرأ بعض ما جاء في قصيدة بعنوان: (ذِكرٌ ونسيان):

شـريعـة  الله للإصـلاح iiعنـوان
لما تركنا الهـدى حلّت بنـا iiمحـنٌ
تاريخنـا  من  رسـول الله iiمبـدؤه
محـمدٌ  أنقـذ الـدنيـا iiبدعـوتـه
لا  خير في العيش إن كانت iiمواطننا
لا  خير في العيش إن كانت iiعقيدتنا
ها  قد تداعى علينا الكفـر iiأجمعـه
والمسـلمـون  جماعـات  iiمفرقـة
في  كل  أفق على الإسـلام iiدائـرة
حرب  صليبية  شـعـواء  سـافرة
كـل  الحوادث نالتـنا iiمصائبـهـا
قـرآننا  مشـعل  يهـدي إلى iiسبل
قـد ارتـضيـناه حكمـاً لا iiنبـدّله
 













 
وكل  شيء  سوى  الإسلام  iiخسرانُ
وهاج   للظلم  والإفسـاد  iiطـوفانُ
وما  عـداه  فلا  عـزٌّ  ولا  شـانُ
ومن  هـداه  لنـا  روح iiوريحـان
نهباً  بأيدي  الأعادي أينمـا iiكانـوا
أضحى  يزاحمها  كفـرٌ iiوعصـيانُ
كما  تـداعى  على  الأغنام ذؤبـانُ
(فـي  كل  ناحية ملك وسلـطـانُ)
ينهدُّ من هولها (رضوى) و ii(ثهلانُ)
كالشمس  ما  عـازها قصد iiوبرهانُ
ولـم  يزل عنـدنا عـزم iiوإيمـان
مـن حاد عن نهجها لا شكّ iiخسران
مـا دام ينـبض فينـا منه شـريانُ
 

ويقول في قصيدة بعنوان: (نداء السجين):

ثوروا على الباغي iiالذليل
وابقـوا الحيـاة iiكريمـة
وتـمرّدوا فالحـر يـأبى
والموتُ  أهون عند iiنفس




 
واحموا   تعاليم  iiالرسول
في  ظل  دسـتور  iiنبيل
أن   يـساوى   iiبالذليـل
الـحر  من  حكم iiالدخيل

ويقول في قصيدة بعنوان: (ربيع تموز):

من الخليـج إلى تـطـوان ثـوار
طافتْ  به ذكريات المجد iiفالتهبـت
تحرّكتُ  فيه  روح العـزم iiثانيـة
سامته  خسفاً  لصوص بات iiيدفعها
آمنـت  بالله  أن الحـق منتـصر
والشعب  إن  مازج الإيمان iiهمـته
آمنت  بالله  إيمانـاً  عرفـتُ بـه
لا  يـنكر  اللهَ  إلا جـاهل iiنـزق








 
شعب  يزمجر  في  أحشـائه iiالثارُ
طـاقاته   باندلاع  دونـه  iiالنـارُ
فـهبّ  لم  يثنـهِ بطش iiوأخـطارُ
للغدر  والـظلم  جاسوس  iiودولارُ
والـظلم   مندحر  والكفر  منهـارُ
فـإنه   لقـوى  الإفـساد  iiدحّـارُ
أن  الزمان  على  الباغـين  iiدوّارُ
وغـرٌّ  بليد  سفيه  الرأي  iiختّـارُ

ويقول في قصيدة بعنوان: (يا هذه الدنيا):

يا هذه الدنيا أصيخي iiواشهدي
لا رأسمال الغرب ينفعـنا ولا
وسطاً  نعيشُ كما يريد iiإلهـنا
إسلامنا نور يضيء iiطريقـنا




 
أنا  بغير  محمدٍ  لا  iiنقتـدي
فوضى   شيوعي  أجير  iiأبلدِ
لا  نستعير  مبادئاً  لا iiنجتدي
إسلامنا  نار  على من iiيعتدي

ولو ذهبنا نستقصي روائع قصائده في هذه الدواوين الأربعة، بهذه المقدمة، لضاق بنا المجال، ولكنا نحيل القارئ إلى القصائد في الدواوين كلها، فليس فيها إلا الشعر الأصيل والعاطفة الصادقة، والدعوة الصريحة الواضحة لالتزام منهج الإسلام، والعمل به في واقع الحياة، وهجر ما عداه من مناهج الكفر، حيث يقول:

لسنا نريد مناهجاً وضعية      قرآننا السامي أعزّ وأرفعُ

إن الأخ الشاعر وليد الأعظمي لم تزده الأحداث، ولا تعاقب الأيام إلا إصراراً على التمسك بالحق، والدعوة إلى الحق، والصبر على الأذى في سبيل الحق واحتساب ذلك عند الله عز وجل.وهو لم يتلون مع المتلونين، ولم يخضع للسلاطين، وظل شاهراً سيفه، ينافح عن الإسلام ديناً، والمسلمين أمةً، في أي صقع من أصقاع الأرض وجدوا، تؤرّقه مشكلاتهم، ويتألم لمعاناتهم، ويستنهض الهمم لنجدتهم، والوقوف إلى جانبهم.

والأستاذ وليد الأعظمي شاعر عاش ويعيش قضايا أمته الإسلامية في أنحاء الدنيا كلها، وليس مختصاً بقطر دون قطر، فالعراق والعالم العربي كله بل والعالم الإسلامي برمته هو شغله الشاغل، فهو يتحدث عن فلسطين وكشمير وقبرص والفلبين والشيشان والجزائر وزنجبار وسائر الأقطار الإسلامية التي نابتها النُّوب، وأرخى الظلم بكلكله عليها، والاستعمار قمة الظلم والظلام حيث حلَّ ويحلّ، وشاعرنا الأعظمي كان له بالمرصاد، فلم يهادن ظالماً، مستعمراً كان جاء من وراء البحار، أو كان جاء بأمر من الاستعمار، من أبناء الوطن، وهو ليس من أهل الوطن وليس من أهل العروبة والإسلام، لأنه عمل غير صالح، ولذلك كان يتصدى له شاعرنا أبو خالد، ويسوطه بسياط من القول حِداد شِداد، ويلقي عليه حُمَمَ شعره، فلم يكن شعره الذي يستهدف به أولئك الظالمين، إلا شواظاً من نار.

ما كان وليد الأعظمي شاعر الدعوة في العراق وحده، بل كان بشعره يتخطّى الحدود، ليكون على ألسنة أبناء الحركة الإسلامية الذين أحبّوه، وأحبّوا شعره، وكان الوقود الذي يشعل الحرائق في القلوب، ليهبَّ ذووها إلى ميادين العزّ والفخار، وهم ينشدونها مرة، ويهتفون بها مرات.

إنني لأشدّ على يد أخي أبي خالد، باسمي وباسم الآلاف الذين آمنوا بدعوة الحق والقوة والحرية، ونطالبه بالمزيد في هذه الأيام والليالي الحبالى، والتي نحسبها بداية النهوض الحقيقي لهذه الأمة التي عانت ما عانت على أيدي الطواغيت الذين جاؤونا بالاستعمار من جديد، بتصرفاتهم اللامسؤولة، فكانوا بها الماهدين له الطريق، ليعيد استعمار العراق الأبيّ، وأهله الميامين الذين يتطلعون إلى الحادي وليد، يثير نخوات الأبطال، ويستنفر المجاهدين الأبرار، فقد عاد الصليبيون يحملون أوزارهم، وصلبانهم في عقولهم وقلوبهم وعلى أسنة ألسنتهم، وما يخفون من الأحقاد التاريخية أكبر، وليس لهم إلا الأسنة والرماح، مترعة بإيمان القذائف المؤمنة التي يحرّك بها الوليد أبو خالد، سواكن النفوس، فينادي مناديها: يا خيل الله اركبي، ولن يكون الله إلا مع جنوده، ينصرهم، ويدحر أعداءهم..

فهيّا يا وليد الشباب المؤمن، هيا يا أبا خالد، أثر الخوالد بأوابدك، فالميادين تنتظرك وتنتظرهم، والسلام عليك وعليهم في الخالدين.