الشاعر: شريف قاسم
في مجموعته الشعرية (إلى فتيان الأترجَّة)
شريف قاسم
د. عبد الحكيم الأحمد
وصلتني هذه المجموعة عن طريق أخي الأستاذ صالح الشبكة ، وهي إحدى المجموعات الشعرية التي تمت طباعتها في الكويت ، وقد أهداها شاعرنا الأستاذ / شريف قاسم إلى فتيان الأترجة ، حفظة كتاب الله الكريم من بنين وبنات ، ويطيب لي أن أنقل هذا الإهداء مباشرة من الصفحة الثالثة من صفحات المجموعة التي جاوزت الستين صفحة ، وتضم أكثر من أربعين أنشودة نقلت الكثير ... الكثير من القيم الإسلامية القرآنية ، ووضعت هذا الجيل أمام واجباته تجاه كتاب الله ، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحيث أهداها الشاعر إلى الفئة التي تناغي الفطرة الصافية من شرائح المجتمع:
· إلى الأطفال الأبرياء في مغاني فطرة الله ، وهم رؤى فجرنا الوليد ، وبراعم الأمل الندية في حجقول ربيعنا المنشود .
· إلى اليافعين الذين درجوا على مطارف الطهر ، واستقوا من ينابيع الخير الثَّرة ، رغم السراب المحدق بالناشئين .
· إلى الشباب الساخر من زينة الحضارة المادية المتهافتة والمتسلطة بالغواية والجبروت على مشاعر الناس ورقابهم ، إلى أمل أمتنا الذي لاينهار أمام انفلات المفاتن الأخاذة ، ومكائد الشيطان .
· إلى فتيان الأترجة ، ورود حقل أمتنا الوارف ، حيث نرى فيهم الأفق الأعلى نستسقيه غيثا يحيي الأشواق في مقل المؤمنين .
ويبدو أن شاعرنا جزاه الله خيرا أهدى هذا الديوان إلى إحدى الجمعيات الخيرية ، التي تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم باليمن السعيد ، وهي جمعية النور الخيرية ، وقد نوَّه الدكتور الشاعر عدنان علي رضا النحوي أمدَّ الله في عمره عن هذا الإهداء في مقدمته الجميلة للديوان . حيث قال : ( كتاب إلى فتيان الأترجة ، أول مشروع من مشروعات جمعية النور الخيرية في منطقة بيحان من أرض اليمن السعيد . يحمل عبق الشعر الندي ، والنغم الشجي والكلمة الطيبة الطاهرة ، وجمعية النور جمعية خيرية إسلامية ، نهضت بها أيدٍ كريمةٌ وقلوب مؤمنة ، تحمل روح الإسلام وتمضي على طريقه في ميدان من ميادينه الواسعة ... ) .
ثم يستطرد أخي الدكتور النحوي في تعريف الأترجة ، فهي ثمرة طعمها طيب وريحها طيب ، وهي الثمرة التي شبَّه بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن الكريم حيث قال : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ، ريحها طيب وطعمها طيب ... ) ، ولقد كفاني النحوي عناء الكتابة عن شاعرنا وأخينا شريف قاسم الذي مازال يجول في ميادين الأدب شعرا وقصة ومقالة ومسرحية ، إضافة إلى كتاباته الدعوية والفكرية في مجلة البلاغ والمجتمع الكويتينين ، وفي العديد من الصحف والمجلات داخل سوريا وخارجها منذ أكثر من أربعين سنة ، ولا بد لي أن أُنوِّه إلى أن الصفحات الأخيرة الخيرة من هذا الديوان تحمل أكثر من ثلاثين عنوانا لدواوين شعرية مطبوعة أو مخطوطة أو تحت الطبع ، وكذلك لمجموعات تضم الأناشيد ألإسلامية المتنوعة ، وبعض الكتب النثرية ، ولقد ذكر ذلك الشاعر النحوي في مقدمته فقال : ( شريف قاسم ... داعية مسلم ، وشاعر وأديب ، عرفته الصحف والمجلات في مدن سوريا والسعودية ، والصحف والمجلات الإسلامية على مدى غير قليل من السنين ، وعُرف بدواوينه الشعرية التي صدرت ، وله دواوين أخرى تحت الطبع ومخطوطة ... ) ويتابع الأديب النحوي حديثه : ( وله مؤلفات في الدعوة الإسلامية ، ودراسة عن أدبية عن الشاعرين محمد منلا غزيل والشابي ، وله عدة مجموعات للأطفال والناشئين ، تنوَّع عطاء شاعرنا ، ولكنه اتخذ في النهج والغاية ، والكلمة الطيبة ، والروح الوثابة والعزيمة التي تحتفظ بشبابها مع الزمن لاتضعف ولا تشيخ ... ) .
ولقد كفاني مقدم الديوان مرة أخرى ما كنت أعزم عليه من تقديم دراسة موجزة لبعض ملامح شعر شريف قاسم بمناسبة صدور هذا الديوان العاشر كما أعلم فقد تحدث شاعرنا النحوي وهو الجدير بالحديث في هذه الميادين فقال : ( عرفته منابر المساجد خطيبا ، والندوات أديبا شاعرا ،وتابع نشر المقالات يدافع عن الإسلام الذي آمن به ، وملأ نورُه قلبَه ، فبذل من أجله البذل الكريم الذي ندعو الله أن يتقبله منه ... ) ويحلو لي أن أنقل بعض المعالم التي أثبتها النحوي في مقدمته : ( وعندما نعيش مع دواوينه الشعرية ، وكذلك مع سائر مؤلفاته نجد رقة الإيمان ، وخفقة الإحسان ، وجميل البليان ، في لفظ رقيق ، وكلمات متناسقة مترابطة ، تبعث النغمة الحلوة لتحمل المعنى المبدع ، والصور الجميلة والحركة المؤثرة التي تُدخل إلى النفس إشراقةً وجلاءً . صادق اللهجة ، لايتاجر * بالكلمة صاحب رسالة وعقيدة :
صدقتُك الشعرَ مازوَّرتُ قافيةً وما اتخذتُ معانيه لتسليةٍ |
|
ولستُ أكذبُ فيه مثل مَن كذبا ولم أُمارِ به الغاوين منتسبا |
* وطنه دار الإسلام حيث رفرفت رايةُ التوحيد :
بلادي شعوب المسلمين ورايتي |
|
ترفرف بالتوحيد والعز والطهرِ |
* ويحن إلى دار الشام حنين المؤمن لدار الإيمان ( ولم يزل الشاعر يعيش في الغربة ) :
أنا الشآم التي كانت معاقلُها أيامها البيض للدنيا ندىً وشذىً |
|
للمجدِ أُمُّا توشِّي تاجَه وأبا وظلها أبهجَ العاني بما عذبا |
· ويبكي غفلة المسلمين :
لستُ أبكي ملاعبي وغناها فحياتي قصيدة لعلاها إنما أدمعي لغفلة قومي |
|
وصِباي المسفوح بين الدروب والقوافي من روحها المنكوب وشرودي لوهنخم ونحيبي |
· ومع ذلك فهو يرى النصر يطلع من الأفق :
إنني رغم ظلام دامس وأحس النصر يسري في دمي إنها الرؤيا أتت صادقةً |
|
لأرى النورَ خلال السحب وهو يحيي في الحنايا أربي ليس من أضغاث حلم مجدب |
ويقف الأديب النحوي بعد ذكر هذه المعالم ، ليتناول النماذج الحلوة في ديوان الأترجة ، والحق معه ، فإن دراسة شعر شاعر له عشرات القصائد في كل قضايا الأمة لابد لها من صفحات ، ولا بد لها من شواهد ، ويعود النحوي ليلتقط الأناشيد الواحدة بعد الأخرى في وقفات يعالج فيها قضايا الأمة ، وما أصابها ، وضرورة عودتها إلى كتاب ربها وإلى سنَّة نبيِّها صلى الله عليه وسلم ، وإلى الاهتمام باللغة العربية التي نزل القرآن بأحرفها وجزالتها وسموها ، وقد سمَّى النحوي هذه الثلاثة بالمنهج الرباني ، وقد أحسن وأجاد . وأنا هنا أتابع مابدأه مقدم الديوان من استمداد الشاعر تصوراته من النهج الإسلامي ، حيث ألقى عصاه الشعرية في محيط المقومات الأصيلة للشعر ، ونزل إلى واقع المجتمع فرأى عدم الاهتمام بالأطفال خاصة ، فأنكر هذا السلوك ، لأن من شبَّ على شيءٍ شاب عليه كما يُقال . فابتعاث الحس الإسلامي عند الأطفال والناشئة بشكل عام إنما هو تعزيز لإحراز صورة مشرقة لمستقبل الأمة إن شاء الله . يقول الشاعر شريف قاسم :
راموا للعصرِ بمصحفهم فالعصر ترامى في كدر وكتاب الله سينقذه ولهذا نادوا إخوتهم فبناتٌ فيه وأولادٌ ذاقوا حلواه وما برحوا |
|
مايبعدُ لذع الحرمانِ وفسادٍ مثل الطوفانِ من وخزِ ثيابِ الأدرانِ لمقام العز المزدانِ شبُّوا في حقلِ الإيمانِ يدعون القاصي والدَّاني |
ففي كتاب الله دعوة إلى القيم العالية ، وإلى مكارم الأخلاق ، وإلى طلب العلم ، ويؤكد هذه القيم نشيد يحمل العنوان التالي : ( قرآني يدعو للقيم ) :
قرآني يدعو للقيمِ ويحث على الخُلُق الأسنى ( واقرأ ) في أول دعوته من علم فيه وآدابٍ والنور بأحرفه يمحو |
|
والأخذ بأسباب الشيمِ والسعي إلى أعلى القِممِ فانهلْ ماشئتَ ولا تجمِ وضياء شعشع في الغسمِ عتمات الحسرة والألمِ |
إنَّ مصاحبة القرآن في الدنيا لهي من أجل الغنائم ، فقارئ القرآن مع الأبرار ، ويلبسه الله تاج الوقار ، ويشفع لأهله ، ويروي الحنين الأزلي في أعماق روحه للحقيقة ، فيزداد الإيمان يقول شاعرنا في نشيد آخر :
ماضعتُ فنورُك يهديني آيات المصحف ترشدني كم جئت وبي ظمأ يشوي أهفو للنبع وأنهل من أتلو آيًا وأكررها وتقول لآيات أخرى |
|
ولطائف برِّك تغنيني لدروب الخير وتدعوني شريان فؤادي المحزونِ سلسالٍ ثرٍّ يرويني وأحسُّ الروح تناديني زيدي من هديِك زيديني |
وهذه تذكرة بما في ليلة القدر من ثواب وخير وفتح :
هي خيرُ ليالي العام فقم الليلة جلاَّها الباري وحبا بالفضل مطالعها تتنزل فيها أفواجا ومن الرحمات بلا عدٍّ |
|
كي تغرفَ من بحرٍ ثرِّ بالنُّور السَّاطعِ والقَدْرِ من أولها حتى الفجرِ للأرض ملائكةُ البِشرِ ومن الغفران بلا حصرِ |
وهذه دعوة للتبرع في سبيل إقامة حلقات التحفيظ ، وعمارة بيوت الله ،
فتعالَ أخي لتساعدَنا ونعلم أبناءَ الفصحى |
|
ولنْحملْ خيرَ الإيمانِ آيات الله الرحمن |
أجل ... إنه التبرع بالمال ، وبالعمل ، وبالمؤازرة فكلها خير ، يقول شاعرنا :
بالمال وبالعمل المجدي فالدعوة فينا قد نادت أَوَمَا ترضى أن تبعثَ في فعليك لأهلِ الله أخي |
|
سنعيدُ شموخ البنيانِ بكتاب الله الدَّيَّانِ الجنَّاتِ ذوات الأفنانِ !! حقٌّ يُعطَى للفتيانِ |
من أعظم الشر مصاحبة الأشرار ، الذين لاهمَّ لهم سوى البحث عن الرذائل والمفاسدوهذا ماهو واقع في مجتمعاتنا ، فرفاق السوء شرُّ مستطير ، وضياع وهلاك ، ولذلك جاءت دعوة الشاعر للتآخي على نور كتاب الله ، وفي ذلك الفخر والفوز والنجاح
هاك ياصاحبُ أحلى خبرِ نحن بالقرآن قد أكرمنا وانطلقنا للمعالي موكبًا ونؤدِّي واجبًا نؤثره وتآخينا على قرآننا |
|
وامشِ ماشئتَ به وافتخرِ ربُّنا الأعلى بدنيا البشرِ نستقي النورَ و وحيَ السُّورِ لإله راحم مقتدرِ مذ نشأنا في صِبانا النَّضرِ |
لهذا الشعر ، ولهذه القيم ، نكهة خاصة تنقل النفس إلى أفياء النبوة ، وإلى دواوين السمو والارتقاء بالنفس البشرية ، وتثير في الأمة جذى الحنين إلى أيام العزة بالله ، وإلى تخطِّي النكبات والأزمات التي تعيشها الأمة اليوم ، تأتي هذه النسمات في نشيد ( في وجه الفتيان ):
سيعيد الدعوة فتيان فشباب المصحف قد ساروا وخطاهم أضحت عنوانا والأمةُ بشَّت وابتهجت |
|
لندائك لبُّوا أُمتَنا بالنهجِ الحق لرفعتنا حلو المعنى لحضارتنا بجنى القرآن لفتيتنا |
وفي نشيد آخر :
يا أمتنا جئنا نحدو وسنبقى ما عشنا جندا سنصون العهد بنشأتنا |
|
ولأجلِ علاك تفانينا فلدرب الخير تنادينا فعلى الأهواء تعالينا |
أعتقد أن قراءة هذه المجموعة من الأناشيد ماهي إلا سياحة ، يحاكي فيها قارئهاالعديد من القيم ، ويزور الكثير من الأماكن ، ويرتقي من خلالها إلى آفاق الملأ الأعلى . فحسن النية وصفاء الطوية والشوق إلى الله ، والإنفاق في سبيله ، والوقوف مع الأيتام ، وعمارة المساجد على الوجهين عبادة وبناء ، ومضاعفة الثواب ، ونزولك في دار البعثة ثم الهجرة مرورا بغار حراء ... إلى آخر الرحلة الممتعة ، وصدق مَن قال : إن للأدب الإسلامي سلطانه على القلوب والمشاعر .
طوبى للشاعر شريف قاسم المغمور لزهده بالشهرة وأهلها ، الشامخ بقوة تدفق هذا النبع الفياض في شعره ونثره ، طوبى له مترفعا في زمن الشلل والمنافع المتبادلة عن الدنايا في سوق المزايدات التي يستنكرها مَن ابتغوا وجه الله والدار الآخرة . واعتقاده وأمثاله من الشعراء الإسلامين بأن ماعند الله هو خير وأبقى أبقاهم قريبين من شعوبهم ، صادقين مع أنفسهم . فهم الذين يمتلكون مقومات النهضة الحقيقية ، وفي أدبهم شعرا أو نثرا دعوات جادة صادقة إلى الإصلاح الاجتماعي ، ولعلي أختم هذه الأسطر بالمقطع الأخير من آخر الأنشودة الخيرة لهذه المجموعة ( فيه ذكركم ) :
فالمنهج وحيٌ من ربي ونجاة الخلق بما فيه وزمان الناس به محن والناس بشرق أو غرب أخذتهم كفّ مآسيهم وتشاهد أعينَهم ترنو |
|
ونجاة الخلق بقرآني والفوز ، وليس كخسرانِ والمخرج كان بفرقاني حاروا بمناهج عبدانِ بثبور شطر الأحزانِ للمنقذ خلف القضبانِ |