رحلة إلى الله
قراءة في المضامين*
يوسف بن عبد الرحمن الحمود
من الروائيين المعاصرين الذين تصدرت أعمالهم ساحة الأدب الإسلامي: نجيب الكيلاني، والدكتور نجيب له بلاؤه الحسن في هذا المجال فمن أعماله المشهورة رواية "رحلة إلى الله" وحيث يحمل اسمها البعد الإسلامي الذي يمكن أن تحمله الرواية مضموناً، فإنني بغض النظر عن المستوى الفني الرفيع الذي تميزت به والقدرة الإبداعية لدى نجيب الكيلاني في التعامل مع أحداث وشخصيات الرواية من خلال رسم الخلفيات النفسية وتصوير انعاكسات الأحداث في نفسيات الشخصيات –الرئيسة أو الثانوية على السواء- في الرواية، أقول: إنني بغض النظر عن كل ذلك فإنني أريد قراءة الرواية من ناحية المضمون مركزاً على ما يمكن أن يسمى ملحوظات على المضمون وإلا فإن المضمون العام لهذه الرواية مضمون إسلامي لكنني أردت الوقوف على بعض التجاوزات التي لا يقرها الأدب الإسلامي الذي ارتضاه الدكتور نجيب الكيلاني منهجاً لأدبه رحمه الله.
وسأستعرض تلك التجاوزات مستشهداً عليها بمقاطع من الرواية:
1- استخدام الكاتب لبعض الألفاظ والتعبيرات التي فيها تعدٍّ واضح على ما له قداسته لدى المسلمين".. كانت الملائكة تغني لنا أنغاماً سحرية تتناهى إلى أسماعنا وكان السحاب الأبيض يحمل جوقة موسيقية" ص:38/39، أو التي فيها مخالفة شرعية، كقوله على لسان نبيلة". لقد فكرت أن أدعو لك بالهداية لكن أعتقد، وليسامحني الله بأن مثلك لا يهتدي أبداً".. ص:297 وهذا من التألي على الله وكذلك قوله على لسان سجين أثناء التعذيب".. يا افندم أنا مظلوم! أنا في جاه رسول الله.." ص130.
2- تجاوزات صوفية كقوله: "وتنسكب بعض الدموع والرؤوس تتطوح في حركات محسوبة" ص:130، وكذلك على لسان محمود صقر: "كان جدي رحمه الله من المتصوفين، وكان يردد أبياتاً من الشعر الصوفي عن حب الله والوجد والتفاني في العبادة. والذكر وسمعته مرة يقول:
قلوب العاشقين لها عيون.. ص143
وعبادة الله بالحب وحده هي أس المذهب الصوفي نراها بجلاء في موقف أبي محمود صقر من مقتل ابنه: "ثم أخذ العجوز يتطوح برأسه يمنة ويسرة وقد أغلق عينيه الدامعتين ويترنم ببعض الأبيات:
فليتك تحلو والحياة مريرة
ويتضح هذا المنزع عندما يردد أشعاراً صوفية مشهورة
أحبك حبين: حب الهوى=وحب لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى=فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له=فكشفك لي بالحجب حتى أراكا
ص:399
تعالى الله عما يقول الظالمون
ويتجلى الإيغال في انحراف المذهب الصوفي عندما يقول: "وغمغم رجل طيب" الشيخ واصل" وفهم الحاضرون ما تعنيه هذه الكلمة من شدة القرب من الله وصفاء الروح والانسلاخ عن مفاتن الدنيا وبهارجها" 400.
ومعلوم أن مصطلح "الواصل" يطلق في المذهب الصوفي على من بلغ مرتبة اليقين فتسقط عنه التكاليف ويزعم أنه يأخذ عن ربه مباشرة تعالى الله سبحانه.
وكل ما سبق من التجاوزات الصوفية ربما حملت لصاحبها على أنه لا يعلم مخالفتها لمنهج أهل السنة، لكن الذي لا يمكن لمنصف أن يجد فيه عذراً للكاتب هو أن يحاول باستماتة تسويغ بدع الصوفية –كبناء الضريح مثلاً عند ما يقول: "وانسلت أفواج الطرق الصوفية حاملة البيارق والأعلام يدقون وينشدون الأناشيد الصوفية، وأصبح في القرية حشود هائلة لم تحدث في تاريخها الطويل هرع الناس إلى أجمل بقعة وسط الحقول وأخذوا يشقون الأرض بالفؤوس ويضعون أساس بناء الضريح..).
وإلى هنا نستطيع أن نتمحل الأعذار ونتكلفها للكاتب، لكنه عندما يقول بعد هذا الكلام "لم يكونوا يفكرون في أن الأضرحة ليست من السنة كان ما يفعلونه مجرد تعبير عفوي عن الحب والولاء لرجل عشقوه بمحض إرادتهم وهو لا يملك ما لا يذكر ولا سلطاناً مادياً..": ص404 هنا نقف متعجبين من هذه الجرأة في تبرير الخطأ بأسلوب غريب.
3- عدم تمثل أحكام الإسلام كاملة في الشخصيات الإسلامية، فمثلاً من الطبيعي أن تخلو نبيلة بعبد العزيز السيسي بل وتدور بينهما لقاءات ونقاشات، ومن الطبيعي كذلك أن يخلو الدكتور سالم بنبيلة في العيادة أو السيارة وتدور بينهما لقاءات ونقاشات، ومن الطبيعي كذلك أن يخلو الدكتور سالم بنبيلة في العيادة أو السيارة وتدور بينهما أحاديث غرام أحياناً" مع أن كل هذا يتنافى مع كون هذه الشخصيات إسلامية حيث يقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
4- ويحاول الدكتور نجيب وهو يرسم لنا الرابطة بين البلاد العربية والإسلامية رابطة الدين والتاريخ الإسلامي في ذهن وملاحظات نبيلة عندما كانت في تركيا وهي تقارنها بمصر وما فيها من مساجد بل وحتى في المطاعم والنكهة الشرقية في الوجبات التي تشبه إلى حد كبير الوجبات التي تقدمها مطاعم مصر، بيد أنه يتجاوز تجاوزاً عجيباً حين يقول: "بل إن بعض الأغنيات الشهيرة في تركيا قد استعارت بعض ألحان محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وفيها الطابع الشرقي المميز": ص436 ولا أدري هل يقر الإسلام الذي التزم به كاتبنا في أدبه وألزم به شخصية نبيلة سماع الغناء والموسيقى والطرب، فضلاً عن أن يجعل من التوافق في الألحان والأغاني رابطة غير رابطة الإسلام تربط بين المسلمين!! أظن أن الجواب واضح؟!
5- يستخدم الكاتب بعض الكلمات العامية التي كان من الأولى أن لا تستخدم وأمثلتها في هذه الرواية كثيرة من مثل قوله: "مع السلامة يا نمس" ص62 "ولا طبيب ولا دياولو" ص103 "أخص عليك ياتوسكا" ص12 "هذه المدرسة كالعقلة في الزور" ص197 وأمثلة أخرى عديدة، قد يعتذر البعض للدكتور نجيب في استخدامها من أجل إكمال رسم الشخصيات، وأظن أن بإمكان روائي مبدع مثل الدكتور نجيب أن يرسم صورة واضحة لشخصياته دون اللجوء إلى العامية كما فعل في أعمال روائية أخرى مثل: "عمالقة الشمال – الظل الأسود – ليالي تركستان..".
وأخيراً... إن كل ما سبق لا يعدو كونه ملحوظات في المضمون لا تغض من المستوى الفني الرفيع لهذه الرواية شيئاً، إضافة إلى أن التوجه العام للرواية لا شك في إسلاميته.
*الندوة 30/3/1418