حالات السيد صابر فقعتوني

حالات السيد صابر فقعتوني

تأليف: شريف الراس

بقلم: حسيب كيالي

تلقيت مسرحيتك التي أسميتها "حالات السيد صابر فقعتوني" أقبلت عليها ملتهماً إياها بلقمة واحدة –أي بجلسة ككل ما يصدر عنك- لن أجادلك في تسميتك إياها (رواية) وهي (مسرحية) بكل معنى الكلمة، وإن كنت تمنيت –لأنها نوع من الفانتازيا- لو أنك أصررت على القبض منذ البداية حتى النهاية على هذه الصفة الغلابة، مثلاً: لو أنك دفعت الفانتازيا إلى حدودها القصوى، فجعلت (الشيطان الأكبر) يتورط على كره منه بدخول حرب وخسرانها، واستقدامه خبراء من وراء البحار، من معلميه ومحركي خيوطه، خبراء مختصين بقلب الهزائم إلى انتصارات مدوية! ذلك أن مسرحيتك في شكلها الحاضر قد تنجح على خشبة المسرح، ولكن نجاحها سيكون (خُلّبياً) لغلبة روح (دريد لحام) عليها –لا تؤاخذني- قد أكون جائراً ولكنني مؤمن بأن أوجاعك ومعاناتك والمتاح لك من وسائل النشر حتى ولو كانت محدودة هي التي تدفعني إلى هذا الكلام.

منذ أيام كنا نشرّح دريد اللحام صاحب مسرح التنفيس. فقال أحد الحاضرين وهو كاتب فذ:

- إن اللحام حكى عن الحدود المصطنعة بين الدول العربية، ولكنه لم يجرؤ على الحكي عن الحدود بمعناها الفقهي التي لا تدرأ بالشبهات.. هل يتجاسر على ذكر مذبحة حماة؟.. لو كان شجاعاً لقال كلمة عن مذبحة تدمر، حلب، المحامين، النقابات، الحرية، الكرامة الإنسانية.

أردت أن أصل إلى أمر على غاية من الأهمية: ما عانته بلادنا منذ تولي هذا المـ...، تكفي روايته وحده، تراجيديا حيناً، وكوميديا حيناً آخر وتراجي- كوميدي أحياناً، حتى الكوميديا التي يمكن استلهامها مما يقع في سوريا يجب أن تكون لها نكهة خاصة، وأما أن تصور ضحايا هذا الحكم المتفرد بخصوصياته اللامعقولة تصويراً ضاحكاً فهو كثير على أمة ما تزال في الوحل والدم والدموع.

ليس مبرراً أن تكون مسرحية أو أي عمل فني حاملاً لهذا العنوان الكاريكاتوري: فقعتوني.. هذا ممكن إذا كان العدو أميل إلى أن يكون خصماً سياسياً، كأن يكون هو في الحكم ديمقراطياً، وتكون أنت –الكاتب- في المعارضة، في هذه الحال قد تقبل المداعبة (فقعتوني!) وأما إذا كان الذي تتصدى له هو عدو محتل متجذّر في العمالة ظهره مستند إلى إيديولوجية معادية للإسلام ومستند إلى حليف له حقده الذي عمره ثلاثة آلاف سنة، فليس أمامنا إلا أن نتبع سبيل الأدباء الروس والفرنسيين والأوربيين المقاومين.

في مسرحيتك خطأ ذريع: حاولت أن (تُعربن) المأساة السورية، فوقعت في اللاشخصي وفي اللاواقع.

أنا لا أحكي عن واقعية غوركي أو طبيعية زولا، ولكن عن لا شخصية الفن، ولا واقعيته، وهذا يعود إلى أنك ربما بعدت بعض البعد أو كله عن وطننا، ذلك أنه من رابع المستحيلات أن يكون تحت الشمس مثيل لما حدث في أثناء غيابك... إن كل مقطع.. كل جملة.. بل كل كلمة مما روته لي أختي عن تلك الأم التي جاءها "وسطاء الخير" ليقنعوها أنها إذا "زمطت" صيغتها التي جمعتها طوال ستين سنة من أساور ومحابس وموتيفات، وأعطتها لامرأة (...) سجانة وزوجة سجان، فإنها –السجانة- قد تسمح لها برؤية ابنها الذي مضى على اعتقاله سبع سنوات من غير محاكمة أو سماح لها برؤيته.. الأب عارض، قال لها:

"خذي العوض من الله واحسبيه ميتاً".

ولكنها أصرّت، عاندت، باعت كل شيء أو نزعت عن نفسها كل حلية، وذهبت إلى السجن... صاعقة، زلزال، جائحة، لم تعرف ولدها فلما سمعت صوته الواهن أغمي عليها، وحُملت إلى البيت واستطالت غيبوبتها حتى ماتت!.. هذه الحادثة من آلاف.. أخونا الدكتور (ك) في المئة صفحة التي نقلتها منه أورد ألفاً مثل هذه، ألفاً ما فيهن واحدة يمكن أن يكون لها وجه فكاهي ساخر.. ولا وقت لدينا للفكاهة أو السخرية يا أخي.

من المؤسف أن عذابات (صابر) كلها –لأمر أو لآخر- جعلت القارئ يضحك منه وعليه، وهذا شر ما يؤول إليه نص أدبي، لقد أشمت القارئ بالشخصية في حين يجب عليك أن تبكيه دماً، وإذا كان يحق لنا في هذه الملحمة الرهيبة، ملحمة حياة أو موت، أن نجعل القارئ أو المشاهد يضحك من أحد، أو حتى (...) عليه فهو الطاغية، والمسألة هنا ليست صعبة.. حسبك أن تأخذ شخصية مسلمة سنية مثل نور الدين محمود الزنكي (اقرأ تاريخ أبي شامة: كتاب الروضتين في تاريخ الدولتين النورية والصلاحية) وقارنه بالحكم الكافر الغُلاتي (من الغلاة) الذي يذبحنا: شكت زوج نور الدين إلى صديق للأسرة تقتير زوجها عليها في الرزق وهو الذي كان مالكاً الأرض ومن عليها فلما فاتحه الصديق غضب وقال له:

- إذا كنت أحبها، أأغضب الله بأخذ مال المسلمين لمرضاتها، عندي ثلاثة دكاكين في حمص هي كل ما أملك فلتأخذها!..

لمعلوماتك: تدريس تاريخ نور الدين ممنوع في سورية الآن، لأنه ملعون عندهم مثل صلاح الدين.

مشاهدو مسرحيتك سيضحكون من كل شخصيات المسرحية ما خلا المجرم الأكبر، إنهم سيعجبون به من غير أن يفكروا بأن إعجابهم يجب أن يظهّر (يجير) إلى واشنطن وموسكو وتل أبيب.

المسألة، يا أخي هي أن العدو يشنّ علينا حرباً دينية مثلما الخميني على العراق، والحروب الدينية منذ أقدم العصور هي أشرس الحروب، وأنت لا تستطيع إطلاقاً أن ترد على حرب دينية إلا بحرب دينية من هنا كان الإخوان المسلمون (نظرياً وعملياً إذا عرفوا كيف يطوّرون حربهم ويتصرّفون فيها) أعدى أعداء الأسخريوطي الذي سنّ من أجل إبادتهم القانون 49 لسنة 1980 وهو فريد في تاريخ الحقوق منذ جوستنيان إذ يعاقب بالإعدام على فكرة!..

تعرفت في برن بسويسرا على امرأة حموية، لما حكيت لها عن نظام الأسخريوطي ومجزرة حماة، كادت تبكي ولكنها استدركت: ولكنني أكره الإخوان المسلمين كرهي له! قلت لها: "إذن أنت معه!".