تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 85
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 85
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " أَسْرارُ الْبَلاغَةِ " لِعَبْدِ الْقاهِرِ الْجُرْجانيِّ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
" الْمَجازُ " ، " مَفْعَلٌ " ، مِنْ " جازَ الشَّيْءَ يَجوزُه " ، إِذا تَعَدّاهُ . وَإِذا عُدِلَ بِاللَّفْظِ عَمّا يوجِبُه أَصْلُ اللُّغَةِ وُصِفَ بِأَنَّه مَجازٌ ، عَلى مَعْنى أَنَّهُمْ جازوا بِه مَوْضِعَهُ الْأَصْليَّ ، أَوْ جازَ هُوَ مَكانَهُ الَّذي وُضِعَ فيهِ أَوَّلًا . |
هي ككلمة " مَصْدَر " ، تحتمل المصدر الميمي ، كما تحتمل اسم المكان . ولو لم يُحَصِّلِ البلاغي علم اللغة ، لم يقدر على تفصيل شؤون علم البلاغة مثلما قدر سيدنا ! ثم ذكرت سخرية أستاذنا الدكتور أحمد درويش من مترجمَيْ كتاب جون كوهين أستاذه الفرنسي : " بِنْيَة اللغة الشعرية " ، الذي ترجمه هو من قبل : " بِناء لغة الشعر " - بغلبة العجمة عليهما ، كغفلتهما عن مصطلح " مجاز " ، العربي المكين ، في ترجمة " الانحراف " ، بـ" الانزياح " ، على حين ترجمه هو بـ" المجاوزة " ، أخذا من المجاز ، وتمييزا منه . ثم لقد ترجم أستاذنا الدكتور أحمد درويش نفسه ، كتابا آخر لجون كوهين ، كأنه جزء ثان ، بعنوان " اللُّغَةُ الْعُلْيا " - وما ألطفه عنوانا ! - ثم جمعهما في إهاب كتاب واحد ، عرضه علي عام 8/1999م ، الجامعي ، الثاني لي الثالث له أو الرابع بجامعة السلطان قابوس الغراء ، فهذبته له تهذيبا ، ونقحته تنقيحا ، حتى عَجِبَ ، وعَجَّبَ ، واقترحت عليه أن يسميه نَظَريَّةَ الشِّعْريَّةِ ، وأظنُّه لم يُسَمِّه ، فلم أر لطبعته نسخةً قط ! |
قالوا : رَعَيْنَا الْغَيْثَ ، يُريدونَ النَّبْتَ الَّذِي الْغَيْثُ سَبَبٌ في كَوْنِه . |
تأمل كيف صاغ صلة الذي ، جملة اسمية صدرها المبتدأ المعرف بأل ! ولقد صغتُها مثل صوغه مرة من نفسي بأوائل ما كتبتُ ؛ فاستغربها بعض أساتذتي ، وكأنها مما يُنْتهى إليه ، ولا يُبْتدأ به ! |
أَعْني أَنَّ الشَّجاعَةَ أَقْوَى الْمَعانِي الَّتي مِنْ أَجْلِها سُمِّيَ الْأَسَدُ أَسَدًا . |
عفوك ، سيدنا ، ليتك قلت : الشجاعة أقوى المعاني فيما يسمى أسدا ؛ فما أشبه عبارتك بعبارات صحفيينا ! |
تُريدُ بِقَوْلِكَ : رَأَيْتُ أَسَدًا ، أَنْ تُثْبِتَ لِلرَّجُلِ الْأَسَديَّةَ ، وَلَسْتَ تُريدُ بِقَوْلِكَ : لَه عِنْدي يَدٌ ، أَنْ تُثْبِتَ لِلنِّعْمَةِ الْيَديَّةَ ! |
الله ! هذا أفضل ما قلت في تمييز الاستعارة من المجاز المرسل ! |
لَأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ جارِيَةً خِدَبَّهْ مُكْرَمَةً مُحَبَّهْ تَجُبُّ أَهْلَ الْكَعْبَهْ |
أربعة أبيات منهوكة من بحر الرجز : لَأُنْكِحَنْ/ نَ بَبَّهْ/ ددن ددن/ ددن دن/ مُتَفْعِلُنْ/ مُتَفْعِلْ/ مخبونة/ مخبونة مقطوعة/ جارِيَةً/ خِدَبَّهْ/ دن دددن/ ددن دن/ مُسْتَعِلُنْ/ مُتَفْعِلْ/ مطوية/ مخبونة مقطوعة/ مُكْرَمَةً/ مُحَبَّهْ/ دن دددن/ ددن دن/ مُسْتَعِلُنْ/ مُتَفْعِلْ/ مطوية/ مخبونة مقطوعة/ تَجُبُّ أَهْ/ لَ الْكَعْبَهْ ددن ددن/ دن دن دن/ مُتَفْعِلُنْ/ مُسْتَفْعِلْ/ مخبونة/ مقطوعة/ جعلها أستاذنا بيتين مجزوأين من بحر الرجز ، بما رسمها على سطرين ، وما هكذا تكون المجازيء . ثم هي أغنية من أغاني المهد ، المألوف فيها عند العرب استعمال بحر الرجز ( البحر الشعبي ) ، لكن على مثل هذه الصورة الخفيفة الراقصة المرقصة ، وبها كانت أم ترقص ابنها ! ثمت ينبغي أن يستشهد بثالثها لاسم المفعول من الثلاثي المزيد بالهمزة ( الْمُحَبّ ) المستغنى عنه في الاستعمال باسم المفعول الشاذ من الثلاثي المجرد ( حَبيب = فَعيل ) الحمّال مَعْنَيَي اسم الفاعل واسم المفعول . ولا يُذْكَرُ لاسم المفعول من الثلاثي المزيد بالهمزة عادة ، غير بيت عنترة الفلحاء ، على كرمه علينا : " وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلا تَظُنّي غَيْرَه مِنّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحَبِّ الْمُكْرَم " ! |
قَدْ يَكونُ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَحيلِ وُجوهٌ في الِاسْتِحالَةِ ، فَتُذْكَرُ كُلُّها ، وَإِنْ كانَ فِي الْواحِدِ مِنْها ما يُزيلُ الشُّبْهَةَ وَيُتِمُّ الْحُجَّةَ . |
وإنما ذلك من آثار الطبع السليم ، والذوق الصحيح ، والتحصيل الكامل ، والحفاوة البليغة ! |
هُوَ ( التأليف ) إِسْنادُ فِعْلٍ إِلَى اسْمٍ ، أَوِ اسْمٍ إِلَى اسْمٍ . |
فلذلك جعلت لتلامذتي " التأليف " ، هو إجراء علم النحو . |
ما هُوَ ؟ وَأَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِأَنْ يُثْبَتَ لَهُ الْفِعْلُ أَوْ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ ؟ |
ذاكرت أستاذنا في تخطيء تقديم واو العطف على همزة الاستفهام في " وَأَهُوَ " ، وصوابه " أَوَهُوَ " ؛ فاستبشع ذلك الخطأ ! ويا ما أسخطه على أخطاء كتبه ! ولكن هذا وكثيرا غيره ، من القائم على الطباعة لا الطابع ! |
يَقولُ أَبو عَليٍّ فِي الْكَلِمَةِ إِذا كانَتْ تَزولُ عَنْ أَصْلِها مِنْ وَجْهٍ ، وَلا تَزولُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ : " مُعْتَدٌّ بِها مِنْ وَجْهٍ ، غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِها مِنْ وَجْهٍ " ، كَما قالَ فِي اللّامِ مِنْ قَوْلِهِمْ : لا أَبا لِزَيْدٍ ؛ جَعَلَها مِنْ حَيْثُ مُنِعَتْ أَنْ يَتَعَرَّفَ الْأَبُ بِزَيْدٍ ، مُعْتَدًّا بِها ، وَمِنْ حَيْثُ عارَضها لامُ الْفَعَلِ مِنَ الْأَبِ الَّتي لا تَعودُ إِلّا فِي الْإِضافَةِ ، نَحْوُ : أَبو زَيْدٍ ، وَأَبا زَيْدٍ - غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِها ، وَفي حُكْمِ الْمُقْحَمَةِ الزّائِدَةِ . |
أراد سيدنا بلام الفعل ، ثالث أصول كلمة " أَب " ، التي أصلها " أَبَوٌ " ، على " فَعَلٌ " ، فحذفت لامها الواو - ثم زعم أن هذه الواو ( لام الكلمة ) ، هي التي تعود عند إضافة الكلمة ، واوًا عند الرفع ( أبو زيد ) ، وألفًا عند النصب ( أبا زيد ) ، وياءً عند الجر ( أبي زيد ) ، على إعراب الأسماء الستة ، وفيه نظر ! ثم ذاكرت أستاذنا في تخطيء بناء " مُنِعَتْ " للمجهول ، بأنه للمعلوم ؛ إذ اللام هي التي " مَنَعَتْ " الأبَ بدخولها على زيد ، من التعرف بالإضافة إليه . فتوقف أستاذنا قليلا ليقرأ الفقرة ، ثم قَبِلَ قائلًا للدكتور محمود محمد الطناحي - رحمهما الله ! - وكان جليسنا : " هي " مَنَعَتْ " ، يا محمود " ! ثمت لقد شهد هو والدكتور محمد أشرف مبروك أخو قسمي الحبيبُ ، الأستاذ المساعد الآن بجامعة الإمام بالرياض - كيف كنا أنا وأستاذنا تربين في مجلسه ، لولا السِّنُّ والعَلَميَّة لربما التبس التلميذ بالأستاذ ! |
اعلْمَ ْأَنَّ مِنْ أُصولِ هذَا الْبابِ أَنَّ مِنْ حَقِّ الْمَحْذوفِ أَوِ الْمَزيدِ ، أَنْ يُنْسَبَ إِلى جُمْلَةِ الْكَلامِ ، لا إِلَى الْكَلِمَةِ الْمُجاوِرَةِ لَه ؛ فَأَنْتَ تَقولُ إِذا سُئِلْتَ عَنْ " سَلِ الْقَرْيَةَ " - هكذا والصواب " اسأل القرية " - : فِي الْكَلِمَةِ حَذْفٌ ، وَالْأَصْلُ : أَهْلَ الْقَرْيَةِ ، ثُمَّ حُذِفَ الْأهلُ ، تَعْني : حُذِفَ مِنْ بَيْنِ الْكَلامِ . وَكَذلِكَ تَقولُ : الْكافُ زائِدَةٌ فِي الْكَلامِ ، وَالْأَصْلُ : لَيْسَ مِثْلَه شَيْءٌ ، وَلا تَقولُ : هِيَ زائِدَةٌ في " مِثْلِ " ؛ إِذْ لَوْ جازَ ذلِكَ لَجازَ أَنْ يُقالَ : إِنَّ " ما " في " فَبِما رَحْمَةٍ " ، مَزيدَةٌ فِي الرَّحْمَةِ ، أَوْ فِي الْباءِ - وَأَنَّ - هكذا والصواب كسر همزة إِنَّ - " لا " مَزيدَةٌ في " يَعْلَمُ " ( في قول الحق سبحانه وتعالى : " لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون " ) وَذلِكَ بَيِّنُ الْفَسادِ ، لِأَنَّ الْعِبارَةَ إِنَّما تَصْلُحُ حَيْثُ يُرادُ أَنَّ حَرْفًا زيدَ في صيغَةِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ ، عَلى أَلّا يَكونَ لِذلِكَ الْحَرْفِ عَلى الِانْفِرادِ مَعْنًى ، وَلا تَعُدَّه وَحْدَه ، كَقَوْلِكَ : زيدَتِ الْياءُ لِلتَّصْغيرِ في " رُجَيْلٍ " ، وَالتّاءُ لِلتَّأْنيثِ في " ضارِبَةٍ " . وَلَوْ جازَ غَيْرُ ذلِكَ لَجازَ أَنْ يَكونَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ إِذْ حُذِفَ في نَحْوِ : زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ وَعَمْرٌو ، مَحْذوفًا مِنَ الْمُبْتَدَأِ نَفْسِه ، عَلى حَدِّ حَذْفِ اللّامِ مِنْ " يَدٍ " ، وَ" دَمٍ " ، وَذلِكَ ما لا يَقولُه عاقِلٌ ! فَنَحْنُ إِذا قُلْنا : إِنَّ الْكافَ مَزيدَةٌ في " مِثْلِ " ، فَإِنَّما نَعْني أَنَّها لَمّا زيدَتْ فِي الْجُمْلَةِ وُضِعَتْ في هذَا الْمَوْضِعِ مِنْها . وَالْأَصَحُّ فِي الْعِبارَةِ أَنْ يُقالَ : " الْكافُ في " مِثْلِ " مَزيدَةٌ ، يَعْنِي الْكافَ الْكائِنَةَ في " مِثْلِ " مَزيدَةٌ ، كَما تَقولُ : الْكافُ الَّتي تَراها في " مِثْلِ " ، مَزيدَةٌ - وَكَذلِكَ تَقولُ : حُذِفَ الْمُضافُ مِنَ الْكَلامِ ، وَلا تَقولُ : حُذِفَ الْمُضافُ مِنَ الْمُضافِ إِلَيْهِ . وَهذا أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَخْفى ، وَلكِنِّي اسْتَقْصَيْتُه لِأَنّي رَأَيْتُ في بَعْضِ الْعِباراتِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْمَجازِ وَالْحَقيقَةِ ، ما يوهِمُ ذلِكَ ؛ فَاعْرِفْهُ ! |
هو نعي على النحويين ، كما هو نعي على البلاغيين ، بل هو نعي على العروضيين الذين يتحدثون عن التفعيلة المجزوءة ، وإنما المجزوء البيت ! ثم لكن الأصح - يا سيدنا - أن تقول : الكاف في " كَمِثْلِ " مزيدة ، لا قولك : " الكاف في " مِثْلِ " مزيدة " ؛ إذ لا كاف في " مِثْلِ " ، بل في " كَمِثْلِ " ، وهذا أوضح من أن يخفى ! |