نقد كتاب الرباعي

نقد كتاب الرباعي

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

والصلاة والسلام على أول ما انزل عليه "اقرأ"وتصاقبه "ارق"،فالقراءة تعني الفهم وليس الخط بالقلم وحده، في ما نفهمه من إجابة رسول الله لجبريل آمره ـ عليهما الصلاة والسلام  ـ  وان كان الخط بالقلم المبدع أولى، إلا على الرسول محمد الأمي كيما يتهم بتأليف القرآن ،الذي لم يُوتَ من بين يديه ولا خلفه ،تنزيل من حكيم بأمره  حميد دائما بفعله عز وجلّ ، واسلم على الآل والصحب من مهاجر وناصر، وبعد ؛

فقد عنّ لي أن اعرض كتابا للأستاذ الدكتور عبد القادر احمد الرَّّبَّاعي عنوانه "في تشكل الخطاب النقدي ـ مقاربات منهجية معاصرة " لأهميته ، نشره قبل أحد عشر عاما من اليوم قي مكتبة الأهلية للنشر والتوزيع ،عمان ، الأردن ،ط1، 1998م ، وان كانت طباعته الأنيقة في لبنان .

والكتاب من  مقدمة وخمسة فصول في (216)مائتي وست عشرة صفحة من القطع المتوسط ، وتحتوي الصفحة على نحو عشرين سطرا ، بمعدل اثنتي عشرة كلمة تقريبا في كل سطر ،اعتمد في مراجعه على نحو (109)مائة وتسعة من الكتب العربية بين مصدر ومرجع ،وعلى (18) ثمانية عشر كتابا مترجما وعلي (38) ثمانية وثلاثين مرجعا باللغة الانجليزية

أمَّا في المقدمة فبين هدفه من هذا الكتاب ،وهو إعادة القراءة للبديع الشعري ، بما ينقض كونه لعبا وزينة  فحسب ،ومنه أن يرد تهمة عن أبي تمام مفادها أن ما جمعه من مختاراته الشعرية التي انتقاها  في الحماسة هي  اشعر منه في شعره ،وان يعرض للتفكير النقدي عند أبي حيان التوحيدي فيربط بينه وبين فلسفته الجمالية ، وان يعرض أهمية الدراسات العملية والتطبيقية التي الفت في مجال الصورة الفنية وجهدها في إعادة قراءات جوانب من الشعر العربي القديم ،وإبراز فكرها النقدي المتجدد في طرح أفكار متجددة ، لفهم جوانب جمالية ، وأفكار إنسانية راقية يمتلكها الشعر العربي القديم ، ولولا مثل هذه الدراسات التي كشفت عنها بمناهجها ، لفقدنا قيما  كبيرة الأهمية في شعرنا القديم ، ولما استطعنا أن نكتشفها في الشعر الحديث.

 والحقُّ فان الفصول الخمسة في كتابه هي بحوث منشورة في مجلات  علمية محكمة ومعتمدة ،تشكل جوانب مختلفة من هدف واحد ، ولكن البروفسيور  الرَّبَّاعي ارتأى أن يضمنها في كتاب واحد ، فيلملمَ أطرافها على نحو من هدف مشترك في عنوان الكتاب "مقاربات منهجية معاصرة "

 أمَا الفصل الأول فعنونه ب "الأدب بين حمال الفن ومنطق العلم "واحتلّ مساحة في كتابه من (9ـ 23)عرض فيه مادة "الأدب "لغة واصطلاحا "قي المعاجم ودلالاتها وتوظيفها في قول الرسول الكريم "أدبني ربي فأحسن تأديبي" ، وكانت تعني اصطلاحا ؛ التعلم والمسلك الحسن ، وقد تحول هذا المعنى من الدعاء للوليمة ، لاقتران متقارب بين الدعوة لوليمة و الدعوة الى اكتساب خلق بالتعلم ، واستوقفته مفارقة بين معلم ومرب، لان الثانية ارقي واهم ،ويخالف  الأستاذ الدكتور الرباعي ، الدكتور  طه حسين الذي تشكك في الشعر الجاهلي أصلا ، وذهب إلى أن أول ما تداول  لفظ "أدب " هو العصر الأموي ، مع أن حديث الرسول الكريم شاخص بين عينيه ،وعلى مسمعيه .وتوقف الدكتور الرباعي عند توسعات "الأدب "في ما بعد ،ممثلة ب"أدب الكاتب "لابن قتيبة "و شدَّد في كتابه على آداب النفس ، وتقويم اللسان فجمع في كتابه علوما أخرى من لغة ونحو وهندسة وجغرافيا وحديث وفقه والآداب الداعية للتواضع للحق ، "والآداب السلطانية " للفخري ، وابن خلدون ذهب غالى أن الأدب عند اهلل اللسان ثمرته وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ،وذكر معهما علم الأنساب وأيام العرب والأخبار والأخذ بكل طرف "وخلص الرباعي إلى أمور أبرزها أن الأدب على معنيين ، عام واسع يحوي الشعر والنثر وعلوما أخرى كالهندسة والجغرافيا وخاص ضيق يربط الأدب بالأسلوب المبدع الجميل المعبر والمؤثر كالشعر والنثر ، وأضاف الربَّاعي  إلى أن الأدب تراجعت قيمته الفنية الجالية اثر الانهيارات السياسية والاجتماعية للدولة الإسلامية بعد القرن السادس الهجري .

  أما الفصل الثاني فعنونه ب"البديع الشعري بين الصنعة والخيال "واحتلَّ من مساحة كتابه(23ـ 69) ستا وستين صفحة ، وهدف من بحثه قراءة الشعر العربي القديم من منظور جديد، واستطاع ببحثه أن يخلَِّّص البديع من زينته الشكلية ،ويثبت أن البديع نتاج الخيال الفني ، الذي يصدر عن تجربة  حية عميقة ،فوازن بين مفهومي الخيال والصنعة ،ممثلا على دراسته بانموذجات شعرية ، وردَّ بعضها في أول كتاب في علم البديع لابن المعتز المتوفى سنة (296 هـ )،الذي ذكر أمثلة  من علوم البيان  كالاستعارة  والتورية والبديع من جناس وطباق  ، فجعل من وسائل البديع خمسا اختياريا ، وفرَّق بين المحاسن والبديع ،وجعل القلة والكثرة مقياسه في علم البديع  وقد احتج بشواهد من القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي من أهل الاحتجاج اللغوي ، فوضع قواعد "علم البديع "وعرض الرّباَّعي  حركات علم البديع مرورا بالجاحظ والموازنة بين أبي تمام والبحتري ، و"الوساطة بين المتنبي وخصومه "للقاضي الجرجاني ، و"إعجاز القرآن "للباقلاني "والعمدة "لابن رشيق القيرواني ، و"أسرار البلاغة "ودلائل الإعجاز" لعبد القاهر الجرجاني، هذا قديما .أما حديثا فعرض إلى الدكتور  طه حسين" في حديث الشعر والنثر" وهو الذي أرخ للأدب القديم ،وللدكتور محمد مندور في كتابه "النقد المنهجي عند العرب "وللدكتور شوقي ضيف في كتابه "الفن ومذاهبه في الشعر العربي "وللدكتور يوسف خليف أستاذ عبد القادر الرباعي في مرحلة الدكتوراة في جامعة القاهرة في نحو سنة 1974م في كتابه "حياة الكوفة حتى نهاية القرن الثاني  الهجري و ل"كراتشوفسكي في كتابه "تاريخ الأدب العربي "ومقدمته ل"كتاب البديع "لابن المعتز وغيرهم.

 ثم عرَّف البديع لغة واصطلاحا وربطه بصريع الغواني ، مسلم بن الوليد (208هـ)أستاذ أبي تمام، وهو أول من قال الشعر في البديع كما جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني ،الذي اثبت محتجا من شعره ، أن أول من نظم في البديع متعمدا  كان لمسلم صريع الغواني .واحتجَّ البروفيسور  الرباعي بقول ابن قتيبة عن مسلم بأنه أول من ألطف في المعاني ورقق في القول ،وهذان المصطلحان وردا لأول مرة  على يد مسلم بن الوليد ،وميَّز الأستاذ الرباعي بين البديع والصنعة ، بانَّ الصنعة هي عملية الإبداع الشعري ،محتجا بقول ابن طباطبا الذي يعني عنده  المبدع أن يمخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه ، واستوقفه نوعان من الصنعة عند الشعراء ، الأولى صنعة تؤدي إلى تعميق المعنى ، وهي صنعة أهل المعاني والشعراء وأهل الصنعة والثانية صنعة تصدر عن موازنات منطقية بارعة تؤدي إلى جمال في اللفظ،دون معنى وحجته قول لأبي هلال العسكري ،وتوقف عند الإبداع المرتبط بالعقل على حد قول ابن طباطبا ،وتحدث الرباعي عن ثلاث حالات تطرأ على الشاعر في أثناء النظم ،سكون وإثارة ثم سكون ، أما السكون الأول فمرحلة يعيشها الشاعر إنسانا عاديا تختزن دوافعه داخله دون أن تخرج، أما في مرحلة الإثارة فتنجم عن تجميع الدوافع التي تثور داخله دفعة واحدة، لتخرج بشكل ما ، أما المرحلة الثالثة فتعود حالته إلى السكون ، بعد أن يطمئن الشاعر إلى انه وظف من الأشكال ما يفي بحاجة دوافعه .وذكر الخيال عند كوليردج بنوعيه الأولي والثانوي ، أما الأوليُّ فطاقة حية ، وهو عامل رئيس لكل إدراك إنساني ، وتكرار في العقل المحدود لعملية الخلق الخالد في "الأنا " اللامتناهي، ويعتمد قوة الوهم  . أما الخيال الثانوي فصدى للخيال الأول ، وهو موجود مع الإرادة الوجدانية ، وواجبه تحليل ونشر ، ويفتت ليخلق من جديد، في علاقات منتظمة ، على رغم من أحوال متباينة ،أو متنافرة ، وباختصار فالخيال الأولي عملية ترابط وتذكر و تداعي معان ، والخيال الثانوي عملية خلق وإبداع .ويبدو من بعض دراسات الأستاذ الرباعي أن الاستعارة برزت أكثر مع تطور الزمن ، ذلك من  نظرة مقارنة  إلى استعارات أبي تمام يجدها أكثر من استعارات أستاذه مسلم صريع الغواني ، كما هي واضحة في دراسات الرباعي وملاحظاته النقدية ، لان الاستعارة أكثر تطورا من التشبيه ،والزمن المتحرك كفيل بذلك ,وأفاد أبو تمام من معطيات عصره ومن قبلهم ، ووحد بين القديم والجديد فلعله حقق في ما يمكن أن ينسحب عليه قول  اسماه" كوليردج" في ما بعد  "لغز العالم "، ذلك الذي وحَّد به أبو تمام بين الأضداد  المتنافرة خارج النص، ووظفها متآلفة داخله  ، على نحو من قوله في قصيدة عمورية بان النهار ليل تغشاها  من دخان ، والليل نهار من لهيب يعلوها ، فتتحول ليلا واللهب ليلا يحول عمورية نهارا ، أو كقوله  

مطر يذوب الصحو  منه     وبعده صحو يكاد من الغضارة يمطر

 والأمثلة كثار . وقد مثل الدكتور الربَّاعي على هذه التشكيلات الفنية في كتابه "الصورة الفنية في شعر أبي تمام "وذكر أن الإبداع لا يعني رفض القديم لقدمه ولا إتباع الجديد لجدته ، وانما في الواقع إعادة تشكيل  النص على نحو خاص مستفيدا من النصوص قديمها جديدها . وقد أتى الأستاذ الرَّبَّاعي بأمثلة تطبيقية تسند مذهبه .ـ واختتم بحثه  عن البديع من وجهتي نظر : الأولى صنعة شكلية والثانية خيال فني ،فالصنعة الشكلية تقبل ما يقبله عمود الشعر من قبل ، ويرفض ما رفضه والخيال الفني يمكن أن نعده طريقة طريفة في تجديد الشعر أو تأليفه بخيال خصب يجمع بين القديم والجديد .

 أما الفصل الثالث فعنونه ب"التفكير النقدي في كتاب المقابسات للتوحيدي ، مقاربات نصية ، وقراءة ذاتية )،وقد احتل فصله هذا من الصفحة (69 ـ105)عرض الأستاذ الرباعي في بحثه هذا التفكير النقدي للتوحيدي في كتابه "المقابسات "  المحكوم بفلسفة صاحبه المؤسسة على أهمية الفرق بين العقل والحس ، لان العقل في نظره خليفة الله بل العلة الأولى ، وموقعه في العلام العلوي ، أما الحس فقوة إنسية وموقعه في العالم السفلي ، وعلى هذا فان  الأسفل يظل يرنو للأعلى وذك تشوق دائم في داخله ، للالتحاق به ،وإذا حصل اللحاق به وتوحد معه وصل الإنسان إلى درجة الكمال المطلق، ولذا فان أي عنصر في مجال النقد الأدبي متأثر بذلك التباعد، أو بالاقتراب والتوحد ما بين العقل والحس. وتعرض التوحيدي إلى النفس والطبيعة ، فهما يأتيان بعد العقل وقبل الحس ، فالنفس تستمد الصور من العقل ، أما الطبيعة فتقوى بالنفس وهي الأقرب إلى الحس. وقواعد التوحيدي هذه تتأسس حول مسائل الأدب والشعر مثل حاجة الإلهام إلى الفكر، أو البديهة إلى الرؤية.وعلاقة الاستعارة بالحقيقة وحاجة الطبيعة إلى الصناعة ، وليس من حقيقة ثابتة إلا الله سبحانه وتعالى وما عداه فاستعارة . والحقيقة العليا تجذب إليها ما دونها ،لأنها مكان شريف يتعشقه كل ما سواه ،فابرز العلة الثانية وتعشقها العلة الأولى بمعنى علقة الثانية المخلوقة بالعلة الأولى الخالقة  ، وافترض أن العلة الثانية تتقرب من العلة الأولى بوسائل شتى منها الاستعارة والتشبيه والقياس والفكر والوهم وغير ذلك ، ووسائله هذه توحي بالمحاكاة الأفلاطونية ،أو الخيال بمصطلحنا الحالي .  وناقش التوحيدي رحمه الله الصورة والهيولى ، من حيث اقتراب كل منهما من العقل ،وابتعاده عنه ، فقدم الصورة لأنها نتاج عقل بالاختيار ، وقلل من شان  الهيولى لأنه نتاج حس بالاضطرار ،من جهة ولانّ الهيولي تعيق الحركة نحو التسامي ، وبلوغ المأرب ، من جهة أخرى . وعالج المنظوم والمنثور في الليلة الخامسة والعشرين ، وفضل المنثور علي المنظوم ،لأنه اقرب إلى العقل ،أما الشعر فلصيق بالحس والطبيعة ، وأما تفضيل الشعر عند بعضهم فعزاه إلى  أن الناس بالطبيعة أكثر منهم  بالعقل ، ونظر إلى المعنى الذي ينتسب للعقل فهو أفضل من اللفظ الذي ينتسب للحس، ولذا فالصورة تفضل المعنى المرادف لها ، ومما يسجل للتوحيدي حرصه على تكامل الثنائيات وتلاحمها وامتزاجها معا من نحو ثنائية الحس والعقل ، وجانبي القوة والضعف عند الإنسان ، فهما بتكاملهما معا يوجدان التوازن الداخلي الضروري لإدامة الحياة.

 أما فصله الرابع فعنونه ب"حماسة أبي تمام :قراءة في شاعرية الاختيار ) واحتلت مساحة  صفحات من كتابه بدأت من  (105 ـ145)فعرض المؤلف ظروف تأليف الحماسة في خراسان لثلجة اعترضنه، فمنعته من المضي إلى هدفه ، وأعانه مضيفه ، فهيأ له دواوين شعراء أكثرهم مغمورون ، فانتقى أبو تمام انموذجات من أشعارهم ، واسمي منتقياته بأول باب منه " الحماسة " وقسَّم كنابه عشرة أبواب ، انتهت ب"باب مذمة النساء" ، مارا بالمراثي والأدب والنسيب والهجاء والأضياف والمديح والصفات والسير والنعاس والملح ، وفي انتقائه هذه الأشعار وتسميته الحماسة دليلان على تحدي أبي تمام لمنتقدي شعره والإكثار من الأخذ عليه في قوله ما لا يفهم من شعره واهتمامه بالغريب ،وابتعاده عن التقليد ، واستقاء الأفكار من كتب غيره،  وإجابته لهم متحمسا متحديا  "لماذا لا تفهمون ما يقال؟ "وقد انقسم الشعراء والنقاد على الموازنة بين شعره وشعر البحتري  حسن شعره ومعاضلته قسمين بين مؤيد لإبداعه ومنكر حاسد لشعره واتهامه بالسرق ممن سبقه أو عاصره  من الشعراء ؛معانيهم  وألفاظهم ، وعلى ذلك فيعزى شعره الغريب وتسميته الحماسة إلى إثبات ذاته وتشبثه بطريقته الجديدة في قول الشعر ، استجابة فردية ولإحساسه الجماعي بضرورة التغيير ، لكسر الجمود والرتابة في الشعر على ما يشهد له أبو الفرج الاصبهاني من تفضيل القطاع الأكبر من الناس لشعره ،وعزا الأستاذ الرباعي تأليفه الحماسة واختياراته الأخرى وطبيعته المخالفة للمألوف عزاها تحقيقا للتحرر الداخلي وانتصافا للذات من أولئك الذين نصبوا أنفسهم حكاما على شعره ، على قلة مؤهلاتهم ، لأنهم عنوا بما تسمروا عن حدوده من رواية الشعر ولم يسمحوا له بمحاولة أن يضيف شيئا جديدا خارجا عن مفهوماتهم ،وعلى ذلك فان اختياره  لشعر الحماسة هو سلاحه الصامت من جهة ورد على آن من الشعراء المغمورين يمكن أن يعادلوا بفنهم ونتاجهم الشعراء الكبار المشهورين ، فقد أثرت الحماسة في بعض من جاء بعده يؤلف في الحماسات كالبحتري الذي زاد عليها كثيرا وفتت الغرض إلى نحو مائة وسبعين نوعا وغير كثر ، وقد أثارت أشعار الحماسات كوامن النفس عند أبي تمام لا من جهة فنها فحسب ، ولكن من جهة القيم المعنوية والإنسانية التي فيها ، من جهة أخرى ،لأنها ترفع من قيم الإنسان وكرامته وإبائه وعدله وغيرها من مثل تشد الإنسان إليها شدا، في أي زمان وفي أي مكان

أما الفصل الخامس الأخير في كنابه المذكور الذي احتل الصفحات المرقومة من(145ـ 174)الذي وسمه ب"دراسات حديثة في الصورة الشعرية :تاريخا ومنهجا"، فعرض المؤلف لتاريخ الدراسات في الصورة الشعرية بدءا ب"كارولاين سيرجن"صاحبة الصورة الفنية عند شكسبير في الثلث الأول من القرن الماضي ، التي أبرزت فيه صورا مدهشة ومفاجئة ، من خلال لوحات فنية مثلت مجالات الصور و موضوعاتها ، وقارنت بين صور شكسبير والصور عند مارلو وبيكون ولوحات تمثل الصور عند شكسبير وخمسة مسرحيين معاصرين له وثمة لوحات تمثل جميع صور شكسبير من حيث المجال والموضوع من حيوان وطبيعة وجسد الإنسان والحياة اليومية والثقافة والفنون والخيال ولوحة تمثل الصور الغالبة في مسرحية  Hamlet))وغيرها .وقامت بعدها دراسات غربية عن الصورة في شعر شكسبير ل"ارمنسترونج" في خيال شكسبير ، الذي قام على مفهوم الصورة عند سبيرجن ،وبعده كلمن ب"تطور الصور عند شكسبير "وقسمه أربعة أقسام عن تطور الصورة في روايات شكسبير وتطورها في تراجيدياته والصورة عنده في الكوميديات ثم الملخص والنتيجة ، وقد شكلت هذه الدراسات الغربية اعتمد عليها الدرسة الغربيون تحليلا وانموذجا ، ثم احتذى حذوهم درَسَة عرب منهم الدكتور محمد غنيمي هلال في "الصورة الشعرية في المذاهب الأدبية " والدكتور عز الدين إسماعيل في تشكيل الصورة الشعرية "والدكتور مصطفى ناصف في "الصورة الأدبية "وهو أول لكتاب في العربية يختص لدراسة الصورة والدكتور كمال أبو ديب في "نظرية الجرجاني في الصورة الفنية "والدكتور جابر عصفور في   " الصورة الفنية عند شعراء الإحياء في مصر "والدكتور نصرت عبد الرحمن  ـ رحمه الله ـ في "الصورة الفنية في الشعر الجاهلي "والدكتور نعيم اليافي في "تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث"والدكتور علي البطل في "الصورة الشعرية في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري "وهذه الدراسات نحت منحى نطبيقيا" على غير شاعر محدد، أما دراسات الدكتور عبد القادر الرباعي فأول رسالة درست الصورة عند شاعر واحد هو أبو تمام ،فتبنى منهجا واحدا أداره على دراساته في "الصورة الفنية في شعر أبي تمام " وهو رسالته الدكتوراة في جامعة القاهرة، وقد نشره بدعم من عمادة البحث العلمي في جامعة اليرموك عام 1980م، ثم اتبع دراسته الأولى  ب"الصورة الفنية في النقد الشعري "دراسة في النظرية والتطبيق ، وأخرى حول "الصورة الفنية في شعر زهير بن أبي سلمى "عام 1984م، وقد أفاد الأستاذ الرباعي من الباحثين الغربيين، والعرب في مجال الصورة بدليل مراجعه الأجنبية  والنماذج التي اعتمدها  في مصنفاته ، فاختطَّ لنفسه منهجه الخاص الذي يعالج النمط الفني من حيث علاقات الصورة بين طرفيها في حالات ثلاث ، متناسبة متماثلة أو متوافقة مختلفة أو متآلفة داخل الصورة  متنافرة خارجها ،.واهتم بدوائر الوزن وترسم لهل مخططات على التناسب واختلاف الدوائر الوزنية وبغيته أن يكتشف بعض المواقف النفسية، إن لم يكن كلها؛ لاستيحاء المعاني العميقة من تزاوج الصور وتشابك علقاتها ، معتمدا مبدأ دقات القلب البشري كثرة عند الأشكال المدببة الرؤوس  ( M)الناتجة عن حركة من دائرة لأخرى . وقد طبق في دراساته ما فهمه من نظرية الصورة ، فجمع فيها بين النظرية وتطبيقاتها ، ونالت استحسان المتلقين .