المدرسة الحائية 4
"المدرسة الحائية"
مدرسة القصة العربية الغدوية
Neo-Experimental Short-Story School
محمد سعيد الريحاني
http://raihani.free.fr
البيان الرابع:
"المشروع
الحائي":
البدايات والامتداد
جرت
العادة في التقاليد الأدبية أن تقام الجوائز والمسابقات والمهرجانات لتقديم مشروع
من المشاريع الأدبية أو تنميتها وتطويرها لكن، في مشروع "الحاءات الثلاث"،
موجة الكتابة القصصية العربية الجديدة الممهدة لقيام "المدرسة الحائية"،
فضلنا اتخاذ مسلك مغاير في شكله ومضمونه.
فعلى المستوى الشكلي، عوض إقامة جائزة مالية لكتاب المشاركين أو إعلان مهرجان، تم
اختيار نهج جديد يعتمد التعريف بالكُتاب من خلال إعداد "قراءات عاشقة"
لنصوصهم المنتقاة كما تم اعتماد ترجمة النصوص المشاركة إلى اللغة الإنجليزية وربما
إلى لغات أخرى بعد ذلك. كانت هذه هي الجائزة وكان هذا هو المهرجان.
أما
على مستوى المضمون، فقد كانت هناك عدة أهداف تتقصد جميعا "إعادة الاعتبار
للمضمون" و"مصالحة الشكل بالمضمون". لذلك، كان الهدف الأول هو
دعم الخوض إبداعيا في أحد المحاور الثلاثة "الأقل حضورا" في السرد القصير
المغربي خصوصا والعربي عموما وهي "الحرية والحلم والحب"، إذ لا يعقل وجود
تراكم سردي في ثقافة من الثقافات الإنسانية أو مشوار من المشاوير الفردية وهو لا
يحتفل بهذه القيم الثلاث المحركة للحياة الإنسانية برمتها.
أما الهدف الثاني فيبقى هو تعميم الوعي بضرورة "المصالحة بين الشكل
والمضمون" في النص السردي "فتحرير الشكل يجب أن يرافقه تحرير للمضمون"،
و"تشظية الشكل تتناغم بشكل أنسب وأجمل وأوضح مع تشظية المضمون"، و"تقليدية
الشكل تكون أكثر انسجاما مع تقليدية المضمون"...
وأما الهدف الثالث فيظل هو دعم "الكتابة بالتيمة القصصية" أو
ما صار يعرف ب "الكتابة بالمجموعة القصصية" وهي الخاصية التي يُرْجَى أن
تُمَيّزَ القصة القصيرة المغربية خصوصا والعربية عموما. إن "الكتابة بالمجموعة
القصصية" ستجعل القصة القصيرة المغربية والعربية متصالحة ليس فقط مع نفسها بل
أيضا مع أجناس أدبية أخرى كالرواية ذات الموضوع الواحد كما ستجعلها متصالحة مع
أشكال البحث العلمي من أطروحات ورسائل وبحوث من خلال تعرضها لتيمة واحدة في
تجلياتها المتعددة...
لهدا الغرض، تم اللجوء إلى إعداد الأجزاء الثلاثة من "الحاءات الثلاث:
أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة" على تصنيف النصوص وتبويبها وترتيبها ترتيبا
يجعل من النصوص القصصية المشاركة في كل جزء من الأجزاء الثلاثة للانطولوجيا تبدو
نصوصا متكاملة في ترتيب لوني يبدأ باللون الفاتح مع النص الفاتح
في البداية ويتدرج نحو اللون الداكن مع النص الداكن في ختام كل جزء من
الأجزاء الثلاث من الانطولوجيا: "أنطولوجيا الحلم" سنة 2006 و"أنطولوجيا
الحب" سنة 2007و"أنطولوجيا الحرية" سنة 2008.
إن
"المشروع الحائي"، وإن بدأ مغربيا، فإنه سيتوسع عربيا بالضرورة لأن
الأمر لا يهم المبدعين المغاربة لوحدهم بل يهم كل أهل الإبداع السردي العربي ما دام
الأمر يتعلق بانتفاضة إبداعية. ولدلك، فالنصوص الخمسون المشاركة في الأجزاء
الثلاثة
من
"الحاءات الثلاث"
ليست أسرى اختيار عابر بقدر ما هي نماذج مرجعية للقصة الغدوية لكن الاعتماد
على الفاعلين في حقل الإبداع العربي في كل الأقطار العربية سيبقى ضروريا لإغناء
النقاش وإذكائه والترويج للمشروع والتعريف به...
في
البدء، إذن، كانت "الحاءات الثلاث: أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة"
ثم
كان قرار دخول تاريخ الأدب العربي بترقية "المشروع الحائي" إلى "مدرسة
حائية"، مدرسة القصة العربية الغدوية. لكن ما بين نقطة انطلاق "المشروع
الحائي" ونقطة إعلان قيام المدرسة ثمة تجربة تستحق وقفة حقيقية إما للتذكير أو
للمواجهة.
فعلى
خُطَى المنهج العلمي المعروف ب "OHERIC"
(Observation-Hypothèse-Expérimentation-Résultat-Interprétation-Conclusion)،
بدأت رحلة مشروع "الحاءات الثلاث" بملاحظة بسيطة لأزمة جليدية عائمة؛ وهي
"ملاحظة" تبعتها، وفق المنهج العلمي السالف ذكره، "فرضية" و"تجريب"
ف"وقوف على النتائج" ثم "تفسيرها وتعليلها" قبل "استنتاج
الخلاصات" التي صارت "تنظيرات في الكتابة القصصية الغدوية".
ففي
مرحلة "الملاحظة"، أثار انتباهنا ضعف الاهتمام بالحرية والحلم والحب
في الإبداع السردي العربي من محيطه إلى خليجه فافترضنا أن الأمر له علاقة ب
ثقافة "حالة الطوارئ الدائمة" و ثقافة "الخوف من الخطر المحدق بالبلاد"
و ثقافة "تفسير الأحداث بالمؤامرات الخارجية على الأمة"...
وعند "تجريب" الفرضية ووضعها على المحك، لاقينا صعوبات بالغة وأحيانا
مقاومة لفكرة الكتابة في موضوع "الحرية" تحت مبرر مقاومة "الكتابة تحت
الطلب" رغم أن الكتابة مجالها الطبيعي هو "الحرية". فكيف يمكن أن تكون
هناك كتابة حرة في زمن تخشى فيه الأقلامُ المُبدِعةُ الكِتَابَةَ عن "الحرية"؟
لقد كانت هده الصعوبة كبيرة بشكل يكاد يكون "حَصْرِيا" مع الجزء الثالث من"الحاءات
الثلاث: أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة"، وهو الجزء الخاص ب"محور
الحرية". وللتاريخ نقول أنه، مع صعوبة الوصول حتى إلى العدد المحدد للنصوص
المشاركة في الجزء الخاص ب"الحرية"، فقد فكرنا مرارا في التوقف وإنهاء
الرحلة وإقبار المشروع. وهو التهديد الذي توقعناه، بالحدس، قبل البداية في "المشروع
الحائي"، فعمدنا، مند البداية، إلى قلب الترتيب الأصلي ل"الحاءات
الثلاث". فبعدما كان الترتيب هو "الحرية فالحلم ثم الحب"، فقد أخّرنا
الجزء الخاص ب"الحرية"، ليقيننا بصعوبة جمع نصوص تنتصر لها، وسبقنا
عليه الجزأين الآخرين الخَاصّينِ ب"الحلم" و"الحب" حتى لا يفشل
المشروع في حائه الأولى مع خطوته الأولى.
وفي مرحلة "الوقوف على النتائج"، خرجت للسطح أزمات إضافية وجدت "تفسيراتها
وتعليلاتها" في الأثر الكبير للغياب التاريخي للفكر الفلسفي وحضوره الضعيف
والمتقطع في الثقافة العربية على مدى خمسة عشر قرنا مما أثر سلبا على حرية
التفكير وحرية التعبير وحرية التقرير في كافة مناح الحياة الثقافية بما فيها المجال
الإبداعي السردي العربي القصير.
في
مرحلة "استنتاج الخلاصات"، وهي خاتمة الحلقات الست للمنهج "OHERIC"،
كان الانطباع الأولي العابر عن جبل الجليد العائم، في مرحلة الفرضية، قد
أضحى يقينا راسخا بوجود أزمة في بنية التفكير والتعبير الإبداعي السردي المغربي
والعربي دون غيره من أشكال التعبير الأخرى (الشعر، مثلا). ولأنه وجب العمل
على حلها وتجاوزها، فقد كانت "الحاءات الثلاث" مواضيع بديلة للإبداع
القصصي التواق للتجديد والتجدد لتحرير المضمون بنفس الحرص على تحرير الشكل،
وكانت "المدرسة الحائية" إطارا جديدا للأقلام الجديدة تؤطرها وتغتني
بتجاربها وإسهاماتها.