تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 78
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 78
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[ تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " أَسْرارُ الْبَلاغَةِ " لِعَبْدِ الْقاهِرِ الْجُرْجانيِّ ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
أَرادَ أَنْ يُشَبِّهَ الْهَيْئَةَ الْحاصِلَةَ مِنْ مَجْموعِ الشَّكْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكونَ بَيْنٌ فِي الْبَيْنِ . |
" بين " افتراق ، و" البين " كلمته الشهيرة بمعنى أثناء الكلام وطواياه . |
إِذا تَفَرَّى الْبَرْقُ مِنْها خِلْتَه بَطْنَ شُجاعٍ في كَثيبٍ يَضْطَرِبْ |
علق عليه أستاذنا قوله : " تَفَرَّى الْبَرْقُ تَلَأْلَأ فِي السَّحابِ ، وَالشَّجاعُ ضَرْبٌ مِنَ الْحَيّاتِ دَقيقٌ لَطيفٌ ، وَالْكَثيبُ قِطْعَةٌ مُرْتَفِعَةٌ مِنَ الرَّمْلِ تَنْقادُ مُحْدَوْدِبَةً (...) ، وَقَوْلُه : إِذا تَفَرَّى الْبَرْقُ عَنْها ، يَعْنِي السَّحابَةَ " ؛ فذاكرتُه في أن صواب " مِنْها " التي في المتن ، " عَنْها " التي في الحاشية ، فتوقف حتى يراجع المخطوطة ! |
في هذَا التَّقْريرِ ما تَعْلَمُ بِهِ الطَّريقَ إِلَى التَّشْبيهِ مِنْ أَيْنَ تَفاوَتَ في كَوْنِه غَريبًا ، وَلِمَ تَفاضَلَ في مَجيئِه عَجيبًا ، وَبِأَيِّ سَبَبٍ وَجَدْتَ عِنْدَ شَيْءٍ مِنْهُ مِنَ الْهِزَّةِ ما لَمْ تَجِدْهُ عِنْدَ غَيْرِه - عِلْمًا يُخْرِجُكَ عَنْ نَقيصَةِ التَّقْليدِ ، وَيَرْفَعُكَ عَنْ طَبَقَةِ الْمُقْتَصِرِ عَلَى الْإِشارَةِ ، دونَ الْبَيانِ وَالْإِفْصاحِ بِالْعِبارَةِ . |
لا كما قال أحد أساتذتنا المشغولين عن العلم : " هِيَّ كِدَهْ ، اعْرَفْها زَيِّ ما هيَّهْ " ! يعلمنا سيدنا ألا نقول بقول حتى نُحَصِّلَه ، فيكون عندئذ لنا ، وإن كان لغيرنا . فأما ذلك الأستاذ الموظفي ، فيرفع بيننا وبين الأقوال حجابا ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ! |
كَأَنّا وَضَوْءُ الصُّبْحِ يَسْتَعْجِلُ الدُّجى نُطيرُ غُرابًا ذا قَوادِمَ جون |
قيل : جون جمع جَوْن ، وهو هنا الأسود ، ويكون الأبيض ؛ فهي من الأضداد . ولقد خطر لي أن يكون جَوْن على فَعْل ، مخففا من أَجْوَن على أَفْعَل ، ليستقيم على الطريقة جمع جَوْن على جون ، كما يُجمع أَسْود على سود . ومثل ذلك التخفيف معروف في خَيْر بمعنى أَخْيَر ، بل قد قيل فيه من غير تخفيف . |
لَمْ أَرَ صَفًّا مِثْلَ صَفِّ الزُّطّ تِسْعينَ مِنْهُمْ صُلِبوا في خَطّ مِنْ كُلِّ عالٍ جِذْعُه بِالشَّطّ كَأَنَّه في جِذْعِهِ الْمُشْتَطّ أَخو نُعاسٍ جَدَّ فِي التَّمَطّي قَدْ خامَرَ النَّوْمَ وَلَمْ يَغِطّ |
هي ستة أبيات مشطورة من بحر الرجز : لَمْ أَرَ صَفْ/ فًا مِثْلَ صَفْ/ فِ الزُّطّ / مستعلن / مستفعلن / مستفعلْ / مطوية / سالمة / مقطوعة / ... - جعلها أستاذنا أربعة أبيات تامة من بحر السريع كما فعل من قبل ، وإن كان اسم الرجز أعمَّ قديما منه حديثا ! |
فيهِ ( قول الأخيطل في صفة المصلوب : كأنه عاشق قد مد صفحته يوم الوداع إلى توديع مرتحل أو قائم من نعاس فيه لوثته مواصل لتمطيه من الكسل ) زِيادَةٌ أُخْرى ، وَهُوَ ما يُقْصَدُ مِنْ صِفَةِ الْمَصْلوبِ ، وَهِيَ الِاسْتِمْرارُ عَلَى الْهَيْئَةِ وَالِاسْتِدامَةُ لَها . |
ولم - يا سيدنا - ميزت بين " هِيَ " ، و" هُوَ ، وكلاهما عائد إلى " زِيادَةٌ " التي تستحق تأنيث ضمائرها العائدة ، وإن كانت هي لفظية التأنيث ! كأنك تريد لتوحي باعتراض " وَهُوَ (...) الْمَصْلوبِ " ، بين " زِيادَةٌ " ، وبين " وَهِيَ الِاسْتِمْرارُ (...) " ؛ وما من اعتراض ، بل جملة معطوفة بالواو على النعت المفرد ، ثم جملة " هي الاستمرار (...) " ، معطوفة مثلها عليه ؛ إذ لا ترتيب بين المعطوفات بالواوات . |
رَجَعَ ( عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ) إِلى أَبيه حَسّانَ وَهُوَ صَبيٌّ ، يَبْكي ، وَيَقولُ : " لَسَعَني طائِرٌ " ! فَقالَ حَسّانُ : " صِفْهُ ، يا بُنَيَّ " ! فَقالَ : " كَأَنَّه مُلْتَفٌّ في ثَوْبِ حِبَرَةٍ " ! - وَكانَ لَسَعَه زُنْبورٌ - فَقالَ حَسّانُ : " لَقَدْ قالَ ابْنِي الشِّعْرَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ " ! أَفلا تَراهُ جَعَلَ هذَا التَّشْبيهَ مِمّا يُسْتَدَلُّ بِه عَلى مِقْدارِ قوَّةِ الطَّبْعِ ، وَيُجْعَلُ عِيارًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الذِّهْنِ الْمُسْتَعِدِّ لِلشِّعْرِ وَغَيْرِ الْمُسْتَعِدِّ لَه ! |
ليت الشعراء يحظون بمثل سيدنا ؛ فلا يقل فهمه معنى الاستعداد الذي لم يشع في علم نفس الموهوبين إلا أخيرا ، عن فهم حسان ! ثم ذكرت رحلتي بشعراء جامعة السلطان قابوس مشرفا على جماعة الخليل للأدب ، إلى المنطقة الداخلية ، نحيي أمسية في بهلاء ؛ فقد استفززتهم في أثناء الطريق بوصف شجر السمر التي بدت لي نساءً في العباءات تملؤها الريح ! |
كَأَنَّمَا الْمِرّيخَ وَالْمُشْتَري قُدّامَه ( في شامخ الرفعه ) |
عجبا ! كيف تغفل العينُ عن هذا الخطأ ! لقد كفت " ما " " كَأَنَّ " عن العمل ؛ فما بعدها على حاله لو لم تكن ، أي مبتدأ مرفوع . |
إِنَّ الْجَمْعَ الَّذي تُفيدُهُ الصّيغَةُ فِي الْمُتَّفِقِ ، يَجْري مَجْرَى الْعَطْفِ فِي الْمُخْتَلِفِ . |
ينبغي أن تتخذ هذه العبارة قاعدة توجيه ، إن لم تكن اتخذت ؛ فما أجزلها لدينا وأدلها ! |
هذَا التَّفْضيلُ وَالتَّفْصيلُ مِنْ قَوْلِ الْقاضي ( الجرجاني صاحب الوساطة قال في زعم أخذ المتنبي قوله : دون التعانق ناحلين كشكلتي نصب أدقهما وضم الشاكل من قول البحتري : إني رأيتك في نومي تعانقني كنا تعانق لام الكاتب الألفا لئن كان أخذه كما يقولون ، فليس عليه معتب ، لأن التعب في نقله ليس بأقل من التعب في ابتدائه ) لَيْسَ قادِحًا في غَرَضي ، لِأَنِّيَ أَرَدْتُ أَنْ أُريَكَ مِثالًا في وَضْعِ التَّشْبيهِ عَلَى الْجَمْعِ وَالتَّفْريقِ ، وَأَجْعَلَ الْبَيْتَيْنِ مِعْيارًا فيما أَرَدْتُ . وَلَئِنْ كانَ الْمُتَنَبّي قَدْ زادَ عَلَى الْأَوَّلِ ، فَلَيْسَ تِلْكَ الزِّيادَةُ مِنْ حَيْثُ وَضْعُ الشَّبَهِ عَلى تَرْكيبِ شَكْلَيْنِ ، ولكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرى ، وَهِيَ الْإِغْراقُ فِي الْوَصْفِ بِالنُّحولِ ، وَجَمْعُ ذلِكَ لِلْخِلَّيْنِ مَعًا ، ثُمَّ إِصابَةُ مِثالٍ لَه وَنَظيرٍ مِنَ الْخَطِّ ؛ فَاعْرِفْ ذلِكْ ، وَلا تَظُنَّ أَنَّ قَصْدِي الْمُفاضَلَةَ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ ، مِنْ حَيْثُ الْقَوْلُ فِي السّابِقِ وَالْمَسْبوقِ وَالْأَخْذِ وَالسَّرِقَةِ ، فَتَحْسَبَ أَنّي خالَفْتُ الْقاضِيَ فيما حَكَمَ ! |
أي إكبار إكبارك هذا شيخك وشاعرك ! ولو لم تكن كذلك ما صرت هكذا ، ولا صرنا ! ولكنك مَنَعْتَ تشبيه أبي الطيب أن يقع على تركيب شكلين ، ولو تـأملت - عفو سيدنا - لوجدته على تلاقيهما دون العناق كليهما لا أحدهما ، تُلاقي القدم والقدم ، كما يلاقي الصدر الصدر ، والرأس الرأس - وليس انعطاف اللام الآلف على الألف المألوف - وإن كان مختصا بمعنى - بمانع تلاقي شكلتي النصب أن يختصا معا بمعنى ! |