الغموض في قصيدة لمحمود درويش
الشاعر محمود درويش |
حمد بن فهد بن جنبان الخنفري القحطاني |
عيناك يا صديقتي العجوز... يا صديقتي المراهقة
عيناك شحاذان في ليل الزوايا الخانقة
لا يضحك الرجاء فيهما، ولا تنام الصاعقة
لم يبق شيء عندنا... إلا الدموع الغارقة
قولي: متى ستضحكين مرة، وإن تكن منافقة؟!
*
كفاك يا صديقتي.. ذئبان جائعان
مصي بقايا دمنا، وبعدنا الطوفان
وإن سغبت مرة.. لا تتركي الجثمان
وإن سئمت بعدها، فعندك الديدان
إنا خُلقنا غلطة.. في غفلة من الزمان
وانت يا صديقتي العجوز.. يا صديقتي المراهقة
كوني على أشلائنا، كالزنبقات العابقة!
*
الغاب يا صديقتي يكفن الأسرار
وحولنا الأشجار لا تهرب الأخبار
والشمس عند بابنا معمية الأنوار
واشية، لكنها لا تعبر الأسوار
إن الحياة خلفنا غريبة منافقة
فابني على عظامنا دار عُلاك الشاهقة
*
أسمع يا صديقتي ما يهتف الأعداء
أسمعهم من فجوة في خيمة السماء:
"يا ويل من تنفست رئاته الهواء
من رئة مسروقةٍ!..
يا ويل من شرابه دماء!
ومن بنى حديقة.. ترابها أشلاء
يا ويله من وردها المسموم"!!
تعد قصيدة محمود درويش الذي بين أيدينا وسنتناول الدراسة فيها من حيث الغموض: فهي ذات غموض واضح وذلك لأسباب كثيرة ومن أهم الأمور التي جعلتها غامضة:
-
عدم معرفة المناسبة، وعدم معرفة الوقت الذي قيلت فيه.-
كما أن العنوان على شكل علامة استفهام -؟- وذلك فيه غموض من جهتين:الأولى: قد ترمز هذه العلامة -؟- إلى عدم وجود عنوان لهذه القصيدة وذلك فيه غموض أكثر.
الثاني: قد ترمز هذه العلامة -؟- أي علامة الاستفهام إلى أنها عنوان للقصيدة، وهذا فيه غموض ولكنه أقل، حيث تتيه في تجاه السؤال أين هو موجه، هل هو للشاعر نفسه؟ أم لغيره؟ ولكن ربما يتضح أنه سؤال ويريد اجابة.
-
كما أن كثرة الرموز في النص جعلت النص غامض، حيث ربما تكون خاصة مثل (صديقتي، العجوز، المراهقة، ذئبان جائعان).-
كما أنه لا يوجد قناديل تضيء لنص (أي حواشي) فلا توجد علامات تشير على معنى النص مثل شرح أو معنى كلمة.-
عدم وضع تجسيم في القصيدة أدى إلى صعوبة الغموض.-
كثرة الحذف في القصيدة أدى إلى توقعات كثيرة وهذا فيه غموض.-
كثرة الفراغات بين الكلمات.تحليل القصيدة
القصيدة فيها غموض وقد تبادر الذهن إلى تأويلين عندي للقصيدة، وربما يكون هنالك ثالث، ففي المقطع الأول:
عيناك يا صديقتي العجوز... يا صديقتي المراهقة
عيناك شحاذان في ليل الزوايا الخانقة
لا يضحك الرجاء فيهما، ولا تنام الصاعقة
لم يبق شيء عندنا... إلا الدموع الغارقة
قولي: متى ستضحكين مرة، وإن تكن منافقة؟!
ربما تكون المناسبة عن وطنه فلسطين، حيث يقول يا صديقتي العجوز فالرمز يكون عن أرض بلده، والمراهقة: يرمز لأبناء وطنه الطاهر من المسلمين في شتى البقاع، حيث لم يقوموا بطرد اليهود من هذا البلد، إلى أن أشار بقوله لم يبقى إلا الدموع الغارقة، أي ليس لدينا حول ولا قوة في حمايتك من العدو الغاشم، حتى أنه قال: متى ستضحكين مرة، وإن تكن منافقة؟ أي متى سيكون النصر على هذا العدو ولو مرة واحدة.
وفي المقطع الثاني:
كفاك يا صديقتي.. ذئبان جائعان
وهي بقايا دمنا، وبعدنا الطوفان
وإن سغبت مرة.. لا تتركي الجثمان
وإن سئمت بعدها، فعندك الديدان
إن خُلقنا غلطة.. في غفلة من الزمان
وأنت يا صديقتي العجوز.. يا صديقتي المراهقة
كوني على أشلائنا كالزنبقات العابقة
فيقول: كفاك يا صديقتي.. ذئبان جائعان، أي كفاك اشرار اسرائيل المحتلة والنصارى والدول الكافرة الأخرى، فالاشارة ربما تكون لهذا القصد حيث رمز بالطوفان والجثمان والديدان، وهذه من الأمور التي تكون واقعة تحت هذا القصد. إلى أن قال: خُلقنا غلطة.. في غفلة من الزمان، أي أن المجتمع الإسلامي يتلائم بضعفه مع قوة هذا العدو الخاشم، وفي هذا القول خطر الشاعر حيث وجود الشرك والاعتراض على القدر.
وفي المقطع الثالث يرمز الشاعر إلى عدة أمور.
وفي المقطع الرابع:
أسمع يا صديقتي ما يهتف الأعداء
أسمعهم من فجوة في خيمة السماء
" يا ويل من تنفست رئاته الهواء
من رئة مسروقة!..
يا ويل من شرابه دماء!
ومن بنى حديقة .. ترابها أشلاء
يا ويله من وردها المسموم"!!
قوله: أسمع يا وطني ما يقوله الأعداء الذين هم اليهود حيث يقولون يا ويل من تنفس من المسلمين أو قال بأن هذه البلد ليست لنا أو حاول الحرب ضدنا فإنه لا يجد عندنا سوى الموت.

