هاني بن عبد الله آل ملحم في فلسطينياته

هاني بن عبد الله آل ملحم

في فلسطينياته

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من مواليد مدينة «الإحساء» عام 1395ه.

بعد تخرجه عُين معيدًا فى كلية التربية بجامعة الملك فيصل.

أحب الشعر منذ صباه، وحفظ الكثير منه، وبدأ خطواته الأولى فى نظم الشعر عام 1412ه.

نشرت له قصائد متعددة فى الصحف والمجلات السعودية والعربية.

هذا الشاعر السعودى الشاب الذى يعمل فى كلية التربية بجامعة الملك فيصل بالإحساء، ينظم الشعر فى كل الأغراض الشعرية من غزل، ومدح، ووصف، ورثاء، وحنين، ووطنيات، وعروبيات، وإسلاميات، وباستقرائي شعره نخلص إلى أن أهم ملامحه ما يأتى:

1 - التزامه الأوزان الخليلية، فلم أر له قصيدة واحدة من الشعر الحر.

2 - حرصه على الألفاظ والقوالب العربية الأصيلة، بعيدًا عن الأساليب الدارجة.

3 - التقارب الفنى والفكرى بين مستوى الأغراض والموضوعات الشعرية، التى يعالجها، فليس فى سجله الشعرى غرض يتفوق على أغراضه الأخرى.

4 - قرب خياله، وغلبة الخيال التقليدى الموروث.

5 - صدق الوجدان، بلا تضخيم عاطفى، أو إسراف انفعالى يجافى المضمون الفكرى.

6 - طول النفس الشعرى، فقصائد الشاعر كلها مطولات، أو شبه مطولات، فلا قصيدة تقل عن خمسة وعشرين بيتًا.

**********

تلك هى أهم الملامح التى اتسم بها شعر الشاعر هانى آل الملحم، ولا يتسع المقام لتفصيلها، وتقديم الشواهد الشعرية الدالة عليها، فوقفتنا فى هذه الصفحات مخصصة لفلسطينيات الشاعر.

يرى الشاعر أن مأساة فلسطين ليست مأساة وطن، ولكنها مأساة أمة، أمة العروبة والإسلام، التى فرطت، وارتضت بالاسترخاء، والتقلب فى نعيم الحياة الدنيا، من هنا تأتى صرخته قوية عاصفة:

قـومـى  يـريـدون الحياة iiسعيدةً
ويـنـام قـومى فى حريرٍ .. iiناعمٍ
يـا قـومـنـا إن الـحـياةَ iiجميلة
لا تـسـألـوا عـن أمـة iiمهزومة
لا  تـسـألـوا عـن أمـة iiأهدافها
يـا إخـوة الإسـلام هـذا iiنـهرنا





فـى  كـفِّ مـن يلهو ومن يتبخترُ
وأخـى  مـفارشُه الهوانُ iiالأحمرُ..
فامضوا كما شئتم، وبيعوا واشتروا!!
تـعـطـى الولاءَ لمن يغشُّ iiويكفرُ
تـحـقـيق ما يرْضى به iiالمستعمر
يـجـرى دمًـا، وبكت عليه iiالأنهرُ

    ونأخذ على الشاعر أنه حصر مسئولية الضياع فى الأمة، مع أن هذه الأمة المسكينة عاشت ضحية حكامها الذين حكموها بالحديد والنار، والسجون، والجلادين، وأهدروا قدراتها، وخنقوا كل صوت حرٍّ فيها، وزرعوا فى قلوب أبنائها الخوف واليأس، والميل إلى السلامة والاستسلام.

مع أنه فى قصائد أخرى أثنى على هذه الأمة؛ لأن الله أكرمها بأعظم دعوة، وخير نبى:

فـبها عرفتُ رسالتى iiوهُويتى
وبـها  الأخوة والصفاء iiتلاقيا
ضـمتْ قلوبًا قد أحاط iiبنهجها
دسـتورها الشرعُ الحكيم iiوآيُه
وزهت بذكرى مُصعب وأسامة
*             *            ii*
إنى  لأخجل حين أمدحها، iiوقد
مـا قلت إلا بعض أنعمها التى







وبـهـا  سموتُ كطائر iiمترنِّمِ
وتـنـاغما،  وتعانقا iiكحمائم..
درّ  تـلألأ قـد أحاط iiبمعصم
ومـحـمد، فهما سلاحا iiالمسلمِ
ومـضـت بهمةِ خالدٍ iiوالأرقمِ
*             *            ii*
أثـنـى عليها ربُّنا فى iiالمحكمِ
قـد  علمتنى كيفَ شكر المنعِم

وفى قصيدته «أنين العبرات» يقف الشاعر فى حسرة وأسى أمام النكبات، التى نزلت بكل وطن من أوطان الأمة الإسلامية دون استثناء:

فـى كـل صـقعٍ تستباحُ iiديارُنا
والـنـارُ تزأر، والدماء iiتناوحتْ
والـمـسجدُ  اهتزت منابرُه التى
فـى  روضةِ البلقانِ نزفُ دعائِنا
هـذى سـراييفو الأسيرة، شعبها




ويـداس طـهـرٌ، والعدالةُ iiتُظلمُ
والأرض  تصرخُ، والأذان iiمكمّمُ
ظـلـت  تـئن، وصوتُها iiيتلعثمُ
وعلى هضاب السندِ عاثَ المجرمُ
يـمسى  ويصبح والقذائف iiتَرجمُ

ويناجى الشاعر القدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعيش مأساتها وهمومها، ولكنه لا يفقد الأمل فى تخليصها من براثن الأعداء، وقد رأى من تضحيات أبنائها ما رأى، وسعيهم يتنافسون فى طلب الشهادة:

أصـبحتِ  يا قدسُ الحبيبةُ iiسلعةً
فـى سَـلَّـةِ الخُوَّان ألفُ iiحكايةٍ
حـتـى  رأيتُ الحقَّ يُذبح iiعنوةً
ورأيـتُ  أقلامَ التفاوضِ لم iiتزلْ
ولقد رأيتُ القدسَ يصرخ iiباللظى
وأرى شبابَك ما استكان ولا انثنى
والـطـفل مكسور الجناح iiمشرد
يـبـكـى، ولا أمٌّ يلوذ iiبصدرها







وبـك  الـيـهودُ تآمروا وتنكبوا
أفـعـى  تـراود شـعبَنا iiتتقلبُ
وسمعتُ أصوات الضلالةِ iiتخطبُ
تـروِى الـدفاتر والمآسى iiتكتبُ
دهـرًا وصـخـرَ جداره iiيتلهَّبُ
يـومًا، فصار إلى الشهادة iiيطلب
وسـؤاله الحيران: أين iiالمهربُ؟
والـشيخ يدعو، والسهام iiتصوب

وينهى الشاعر قصيدته برؤية متفتحة آملة:

يا  أمة  الإسلام  وجهك مشرق         والفجر يعقبه الصباح الأرحبُ

إنى -وهذا الحزن- لست بيائس         فالنصر  آتٍ  إخوتى  فتأهبوا

ولعل أبرع قدسيات الشاعر قصيدة «ثورة الأوزان» ففيها خرج الشاعر على السردية التقليدية، ووظف الحوار القصصى بينه وبين شعره الذى تأبى عليه أن يعزف على شفة الهوى ترنيمة ترقص لها الألحان، وتعلن الكلمات تمردها فترفض أن تؤدى أدوار الهوى، وترنيمات الحب والغزل، هاتفة فى استنكار:

أو  مـا ترى الأقصى ينوحُ iiفؤادُه
أو مـا تـرى قُدسى ينكسُ iiرأسه
أو مـا ترى مِزَق الشهيد iiتبعثرتْ
أو ما ترى الأحلام خرسَى والأسَى
أو  مـا ترى يا صبُّ أن iiجراحنا
انـظـر  لـخارطتى تراها iiدمية





ويـنـوح  حتى تستحى iiالأُذُنانِ؟
مـمـا يـرى من خيبةِ iiالجيرانِ؟
ودمـاءه  ارتسمت على iiالجدرانِ؟
مـتـخـاذلاً  فى قبضة iiالسجّان؟
ظـلـت تـصـاحبنا بكلِّ iiمكان؟
عـبـث  اليهود بها.. فما iiأشقانى

وهو توجيه قيم للشعراء أن يعيشوا مشكلات أمتهم، ويساهموا بشعرهم فى معارك التحرير، ومازلنا ننتظر من الشاعر هانى مزيدًا من المعايشة لمآسى أمته وواقعها بأعمال شعرية ملحمية أوفى وأرقى.