المرايا المقعرة: نحو نظرية نقدية عربية

قراءة في كتاب:

"المرايا المقعرة: نحو نظرية نقدية عربية"

للدكتور عبد العزيز حمودة

د. محمد دخيسي - وجدة المغرب

[email protected]

 على عكس المرايا المحدبة، يقوم كتاب " المرايا المقعرة: نحو نظرية نقدية عربية" للدكتور عبد العزيز حمودة على تبني النظرية العربية (التراثية) باعتبارها الأساس التي تقوم عليه جل التنظيرات الغربية من:  حداثة، بنيوية، تفكيكية، وقد استعرض المؤلف المبادئ التي تقوم عليها تلك " الغربيات" محاولا إيجاد صيغ لها في تراثنا النقدي العربي خاصة عند عبد القاهر الجرجاني في "أسرار البلاغة" و" دلائل الإعجاز" والجاحظ، وابن جني، وحازم القرطاجني..

إذن، إلى أي حد استطاع أن يحقق هذا المبتغى؟ وما سبيله في إحداث التوفيق بين هذا وذاك في إطار تخليق الأصالة والمعاصرة كما انتهى إلى ذلك المؤلف؟..

بدأ عبد العزيز حمودة مؤلفه بالحديث عن الضجة الإعلامية التي خلفها كتاب المرايا المحدبة، ولعل السبب هو الانبهار أمام النظريات الغربية وعدم الاكتراث بما أنتجه العقل العربي فيقول:" وهكذا وضع بعضنا منجزات العقل العربي عامة وتراثه النقدي خاصة أمام مرايا مقعرة فرأوه صغيرا قليل الشأن، وتعاملوا معه وسط انبهارهم بمنجزات العقل الغربي"(ص، 41)

والصعوبة التي وقف أمامها المؤلف هي: أزمة الثقافة التي أفرزت المصطلح النقدي، وليس أزمة المصطلح وترجمته كما ذهب البعض.

وبذلك فقد كان التعامل مع النصوص المترجمة من الطلاسم الغريبة التي جعلت النص غامضا وابتعدت عن الأصل، فلخص كتابات الحداثيين في نزوعهم إلى:

1- الغموض: ومنه الغموض المقصود وغير المقصود.

2- الترجمة: وهو مضاف إلى الغموض، إذ سوء الترجمة كان حيفا

للقارئ وجعل أفكار الحداثيين العرب مشوشة. لماذا؟

·لعدم فهم النصوص المترجمة(في أصلها)

·تعدد مصادر الحداثة الغربية واختلافاتها من ثقافة إلى أخرى.

3- الحضور والغياب:

وارتباطه بجوهر الدراسة ( العلاقة بين الدال والمدلول)، فالجانب الغائب هو مفهوم الفراغ La  cuna، ووظيفة القارئ أن يملأها بتجسيداته.

قام بعد ذلك  بمناقشة الآراء والنظريات الغربية حول البنيوية والتفكيكية     من ميخائيل نعيمة برفضه القديم، بسبب تأثره بدراساته الغربية(الأمريكية). والولي محمد في كتابه" الصورة الشعرية في الخطاب النقدي البلاغي" الصادر سنة: 1990، الذي يدعو إلى ضرورة العودة للتراث. وفي موقف وسط مع شكري عياد. أما عن المواقف المختلفة الأخرى، فنجد على سبيل المثال "كمال أبو ديب" الذي يقرأ التراث ممثلا بعبد القاهر الجرجاني لإثبات صحة اتجاهه البنيوي وليس العكس. والجابري الذي يقول بأن العلاقة مع التراث علاقة اتصال وانفصال متزامنين. فيخلص المؤلف إلى:

· الحياة العربية الأدبية كانت لمدة أربعة قرون أو خمسة تموج بالتيارات  اللغوية والنقدية.

·لو تمت قراءة ذلك التراث لقمنا بتطويرنظرية نقدية عربية.

ومن ثم فهو يرد القول الخاطئ بعجز العقل العربي واللغة العربية عن تطوير نظرية لغوية.

من هذا المنطلق يناقش نظريات سوسور:

1- اللغة باعتبارها نظام:

يقر بوجود الفكرة عند الجاحظ في تعريفه للغة(تعريف مبكر للعلاقة بين الدال والمدلول). ونظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني" ومعلوم أن النظم ليس سوى تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب عن بعض" وهو تعريف لا يختلف عن مفهوم النسق أو النظام البنيوي.

وهناك لغوي آخر وهو أحمد بن ابراهيم (ت 388 ه) المعروف بالخطابي الذي يتحدث في مؤلفه " بين إعجاز القرآن" عن اللغة كنظام للعلامات ، وإنما يقوم الكلام بأشياء ثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم.

+ المحور الأفقي والمحور العمودي:

        * العلاقة الأفقية Syntagnatic: ربط المفردات على أساس التتابع .

* العلاقة الرأسية paragmatic: العلاقة بين ألفاظ النص والألفاظ الأخرى.

·وقد تأثر الغذامي بهذه المصطلحات فاستخدم التعاقبي والاستبدالي،مبتعدا عن

النقد العربي القديم في استخدامه لمفردات مثل : الجوار وعلاقة الاختيار. وهي تدل نفس المعنى ونفس المقصد.

+ اعتباطية اللغة:

وهي من الركائز التي تقوم عليها البنيوية، ونجد عند عبد القاهر الجرجاني قوله: " ولا معنى للعلامة والسمة حتى يحتمل الشيء ما جعلت العلامة دليلا عليه وخلافه."

  2- الركن الثاني: الكلام واللغة.

  تمثل الجاحظ هذا المفهومين خلال التركيز على العلاقة بين العلاقات الصوتية والدلالية باعتبار الأولى شرطا لتحقق الثانية فالدلالة الصوفية هي آلة اللفظ.

3- ثنائية اللفظ والمعنى:

المعنى الجيد حسب الجرجاني هو الذي يتحدى الفهم السريع، أي اعتماده على المجاز. والجاحظ كذلك في هذا المقام أول من أثار جدلية اللفظ والمعنى. كما أن الجرجاني يستخدم الخبر والمخبر. والمخبر به (بدلا من المرسل والمرسل إليه والرسالة عند سوسور وياكبسون) نفس الشيء نجده في علاقة الاختلاف داخل الكلام السوسورية. إذ الجرجاني ينبئ بذلك من خلال القول بوجود الصفات المتناقضة داخل الكلام . وكل كلمة تدل على نقيضها.

إن هذه المقاربات الثنائية بين النقاد العرب خاصة الجرجاني والغربيين خاصة سوسور، جعل الدكتور عبد العزيز حمودة يقر بوجود النظرية الأدبية العربية على غرار النظرية اللغوية. ولعل السبب في بروز هذا الفعل هو التأثير المسبق بالثقافة اليونانية خاصة كتاب أرسطو "فن الشعر"، وبذلك قامت البلاغة العربية على النظريات اللغوية شأنها شأن النظريات العربية الحديثة. ودليله على ذلك هو تعريفات كل من ابن طباطبا، قدامة بن جعفر، حازم القرطاجني للشعر.

 أركان النظرية النقدية عند العرب:

 1- الأدب بين المحاكاة والإبداع:

هذا الركن خصه النقاد العرب ( قدامة مثلا)بالحديث عن توافر الأغراض الشعرية ( وهو يسبق الرومانسية والنقد الجديد)

   2- الإبداع باللغة:

كان قيام البلاغة العربية على اللغة والمجاز خاصة مدخلا للنظرية الأدبية العربية. والواقع أن المعادل الموضوعي عند إليوث يقترب من مفهوم المجاز المباشر وغير المباشر عند الجرجاني.والشروط التي تقوم عليها البلاغة العربية هي :

* التباعد في وجه الشبه.

* رفض الغموض.

* تفادي فوضى الدلالة.

 3- قضية الصدق والكذب:

إذ أن حازم القرطاجني قدم نظرية جمالية سبق بها بوازنكه وكروتشيه.

  4- السرقات الأدبية / التناص.

فالتناص يحول النص إلى كيان لا نهائي لاينتهي، بل إلى الوحش القبيح المرعب الذي صوره باختين في تأكده لفكره( ومآل السرقات في البلاغة العربية)

5- الموهبة والتقاليد:

هنا يطرح المؤلف السؤال على غرار القدامى من جهة والحداثيين الغربيين من جهة ثانية:

ما الذي يجعل الشاعر شاعرا؟

نجد المفهوم الأول للتقاليد عند ابن طباطبا الذي يدعو إلى الحفظ، ثم استعمال لفظتي الصنعة والطبع عند اللاحقين له. والوعي بالنقد التنظيري عند القرطاجني الذي يحدد ملكات الشاعر في القوة الحافظة والقوة المائزة والقوة الصانعة، ونفس الأمر نجده عند إليوت.

   6- الشكل والمضمون:

تحدث الجرجاني عن قضية اللفظ والمعنى، وابن طباطبا يستخدم قضية التوافق بين اللفظ والمعنى. كما أن قدامة بن جعفر يؤكد حرية المبدع في الكتابة.

من خلال هذه المقاربات الخطية التي اعتمدها عبد العزيز حمودة، انتهى في نهاية المطاف إلى تأكيد علمية أحكام عبد القاهر الجرجاني "بل إنها لا تقل عن علمية التحليل البنيوي للنص الأدبي"(ص. 484)

ويقترح الحل النهائي فيجيب عن سؤالنا المبكر بالقول بثنائية الأصالة والمعاصرة، باعتبار الأصالة هي التي تمكن العقل العربي اليوم من تطوير هوية واقعية.