الحال والمحال لنور الدين الطيبي

البناء العام للمسرحية/ الترابط والتناسق

د. محمد دخيسي - وجدة المغرب

[email protected]

إذا كانت لكل نص خصوصيات تؤثثه وتضعه في صورة مميزة، فإن النظرة الأولى لمسرحية الحال والمحال لنور الدين الطيبي تضعنا أمام تشكيلة ترابطية للمشاهد؛ هذا الترابط منحه سمة التنسيق التلقائي الكافي لإعطاء نظرة أولية عن سير الأحداث، سواء تعلق الأمر بالجانب المشهدي أم المجال الدرامي.

لذلك توجهت ورقتنا - وعلى تواز بما تقوم به عناصر التحليل الدراماتورجي – إلى هذا العنصر باعتباره اللبنة الأساسية لتحديد البناء العام المميز للنص، وفي مقابل ذلك لا نقوم بإلصاق نظرية من النظريات لتحليله، وإنما طبيعة النص ذاته هي التي فرضت هذه الطريقة:" لأن محلل الخطاب لا يقرأ نظريات، إن كان واعيا بما يفعل، ثم يلصقها إلصاقا بما يقرأ، وإنما عليه أن يستضيف النص ويعقد معه صلاتٍ حميمة ليتعاونا معا على إنجاز مهمة الفهم والتأويل( النقد)"( 1)

إن عملنا إذن سينصب على شكلين اثنين، يتعلق الأول بالشكل البارز من حيث الارتباط العضوي بين المشاهد الثمانية، ثم العنصر البنائي المتعلق بشكل

التنامي الدرامي من حيث تسلسل الأحداث، والسير الموازي للخطاب المسرحي بمكوناته الثلاثة: المعرفية والجمالية والإديولوجية. ( 2)

 1 – الترابط بين المشاهد: ثنائية الشكل والخطاب

 إن القصد بالشكل هو سمة التحول الذي نلاحظه على المسرحية من حيث التنوع في عتبة العناوين الداخلية للفصول/ المشاهد، وعلاقتها بالخطاب الموجه إلى المتلقي باعتباره المؤول الأول للنص.

في علاقة مباشرة بالعتبة الخارجية (العنوان: الحال والمحال) نستطيع أن نجمل ملاحظاتنا على العناوين الداخلية بإبراز نوع التفاعل المحصَّل بعد العنونة.

* أولاً: الحال والمحال سمة الثبات الذي يلخص فعل (محا/ جحا) في ارتباط بالشخوص وتنامي الأحداث.

* ثانياً: العناوين الداخلية سمة التحول التي تنبع من شخصية "محا" الحاكي والمُحكَى عنه.

* ثالثاً: تنامي دور الوُصلة كما حددها المؤلِّف في بداية المسرحية، إذ هي:"تعبير يواكب الحدث المسرحي وليس فعلاً فيه، تؤديه جماعة أو فرد داخل فضاء العرض، إيذانا ببداية مشهد أو بنهايته.." ( 3 )

هذا التنامي له صلة بالخيط الرابط بين المشاهد. ويمكننا أن نعينه بالصيغ التالية:

أ‌- الصيغة الأولى: الوصلة مرتبط بالصياح، حيث نلاحظ هذا التناسق التلقائي بإبراز دور الصوت في فتح المجال أمام الممثل لتشكيل حركيته (إما بداية أو نهاية).

حين نطلع على الصفحات الأولى للمسرحية تصادفنا – كما اتفق معنا سالفا المؤلف- التتالي المبرمج للوصلة، سواء تكررت بصيغتها اللفظية، كما في المشهد الأول بين بدايته ونهايته. وكما في تكررها في نهاية المشهد الرابع" شرع السوق" و نهاية المشهد السادس"الرأس تكشفها العمامة". أم لم تتكرر كما نجد ثلاث وصلات أخرى متميزة عن بعضها البعض.

إن هذا التناغم في إضفاء صفة استهلال ونهاية المشاهد أعطى الانطباع النهائي في قصدية المؤلف إنشاء الصرح المتعالي لمسرحيته، المتعالي على الموقف الثابت للأحداث، باعتباره يسجل لحظة الخيانة العربية واللاتفاهم على مستوى الإيديولوجيات بين الإخوان والأحباب.

على ضوء هذا القصد شكل الصياح القنطرة الثانية التي حملت معها صفة الربط بين المشاهد. لنأخذ مثلا هذه الإرشادات المسرحية المبينة لذلك:

* ( يرتفع الصياح)/ ص- 7

* ( صياح أول: هنا الحرير..

 صياح ثان: لمأكولاتكم الشهية..

 صياح ثالث: متغنيا... ص- 17

* سامية: ( بصياح موقف) ص- 29

* علقمة: ( يصيح مبتهجا) ص- 51

* يسمع وقع الحوافر الراكضة وصفير وأصوات مداهمة..ص- 93

ليس غرضنا من عرض هذه النماذج الاطلاع فقط عليها، بقدر ما هي وسيلة لتحديد بعض صيغ الترابط بين المشاهد، إذ لا نجد الصياح غالبا إلا في بداية المشهد أو نهايته.

ب‌- الصيغة الثانية: إذا كانت الصيغة السابقة حفلت بالتشكيل البنائي المرتبط بالتتالي فيما يخص الوُصلة والصياح، فإن هذه السمة الثانية تحمل من الإرشادات ما يجعلها تثبت الغرض اللاحق وتربطه بالسابق. لذلك نجد مثلا بداية المشهد السادس( الخالي من الوُصلة) يحيل إلى بعض المناظر المتحركة والثابتة: "( لوحات وإشارات وقامات: حواجز- مراكز حدود- عساكر..

محا: (يحدق في المناظر وينشد..)" ص- 84.

ثم في المشهد الثامن ( في مطعم HATT HAK العالمي) حيث الإشارة إلى تأثيث المكان الدال على صالة المطعم المتميزة عن المشهد السابق( ص- 118)

إن مثل هذه الإشارات دالة على عمق التفكير في الربط بين الأشكال والمشاهد. وهي دليل على عمق التجربة المسرحية عند المؤلف، لأنه خطط في أول مسرحيته لتحديد خطواته واتبع تخطيطه بإحكام.

 -2 البنية الدرامية: التواصل والتحقق

 تتألف البنية الدرامية La structure dramatique :" من عناصر أساسية تتلاحم فيما بينها بهدف تقديم شكل درامي معين…غير أنه رغم الفروقات الملحوظة في البنى الدرامية، فإنها، مع ذلك ، تشترك في بعض الخصائص الفنية التي تعد ضرورية لكل بنية درامية. هاته الخصائص هي:

أ‌- الحدث الدرامي..

ب‌- الصراع..

ت‌- الحوار الدرامي..

ث‌- الشخصية.."( 4)

واعتبارا للمفارقة التي يعيشها المواطن العربي، وللتغريب الذاتي الذي خلف معه تغريب الحدث المسرحي، شق نور الدين الطيبي الطريق أمامه كي يحقق النوع التلقائي الدال على الارتباط الموضوعي أو الوحدة الموضوعية بين أحداث النص سواء تعلق الأمر بالارتباط الحدثي أي التسلسل المتنامي المعقلن للأحداث، أم خص الروح المؤسسة للعلاقة بين المشهد والعنوان المتخذ له. وعملنا هنا سنركز فيه على هذين الدورين دون غيرها، رغم أهميتها.

1-2- البداية والنهاية في المسرحية: التسلسل المنطقي

ركز المؤلف على هذا الجانب لأهميته أولاً، ولدوره في تشكيل العقدة والحل، لا بالمفهوم التقليدي للبنية الحكائية وإنما قصدا لإلغاء تعدد الأحداث وتنوعها، فالمسرحية تبنت الموقف التسلسلي للأحداث مراعية تحول الشخصية (محا/ جحا) يغير من حالاته من محا الحاكي وأخويه حنظلة وعلقمة (الشاهدين) إلى المتهمن، فالثور الثائر، إلى دوره الأخير القائم على خدمة الأعيان في المطعم. حالات تبرز دور الفدائي الفلسطيني ومنه العربي بعامة في محاولاته التخلص من قيد الاستعمار والتسلط الخارجي.

ثم إن الأحداث على تنوعها كما سبقت الإشارة تمشي في خط متنامٍ ومتسلسل على شاكلة التسلسل التاريخي للوضعية الراهنة والسالفة للأمة العربية الفلسطينية. مهما يكن فالأحداث المسرحية غنية بالمواقف والأطوار ما يلزم البحث فيها حيزا مستقلا.

2-2- عتبات المشاهد: العنونة ودورها في الربط والتميز

استغل المبدع نور الدين الطيبي العناوين الفرعية للمشاهد كي يحاكي فيها الأحداث ويحقق التنامي المقصود. ولإبراز ذلك نتتبعها عموديا.

المشهد الأول: قالت الحكاية في البداية

يحكي فيها محا بداية حكايته بملاحظة وشهادة أخويه حنظلة وعلقمة

المشهد الثاني: اللعنة على سامية

سامية تحتال على محا لطرده من موضعه( بلده) وأولاده، دون تدخل أخويه لإيقافها.

المشهد الثالث: آل الحال يمضغون الشوينغوم ويشربون الكوكا

يتحدد في هذا المشهد وارتباطا بسابقه نتائج التخاذل الذي عُومِل به محا من طرف حنظلة وعلقمة اللذين استساغا الطعم وشربا اللغم.

المشهد الرابع: شرع السوق

محا ينقلب جحا ، حنظلة يُطرَد خارج قاعة المحاكمة لأنه شهد بالحق لصالح أخيه، المدعي العام وهو في الوقت ذاته محامي سامية، والقاضي يحاكمان محا ويطردانه خارج السوق( بلده، ووطنه) :" يطرد الجاني خارج السوق، وتسخر جميع الإمكانيات البرية والبحرية والجوية" ص- 6 2..

المشهد الخامس: الرحلة والراحلة

الرحلة تتوقف مع محا في مجابهة المستعمر الغاشم ( الجاوري) الذي يحتال عليه أيضا وتستمر حكاية الاحتلال.

المشهد السادس: الرأس تكشفها العمامة

حنظلة وعلقمة في مجابهة خفية لأخيهما واستمرار الغدر والخذلان.

المشهد السابع: من الكوريدا إلى الروديو

ينقل في هذا المشهد محا من حالته الإنسانية إلى مركز الاستهزاء والسخرية حتى لا يعتد بأقواله.

المشهد الثامن: في مطعم HATT- HAK العالمي.

يتحول محا إلى خادم في مطعم تتحدد فيه المواقف والمراتب السياسية والعسكرية وكلٌّ يأخذ مكانه المناسب له.

هذه جملة ملاحظات تحتاج إلى تعليقات متعمقة، وغرضنا نحن أن نستعرضها إيضاحا للقصد الرامي إبراز الجوانب المشكلة للتنامي المعقلن للأحداث.

خاتمة

مسرحية الحال والمحال لنور الدين الطيبي مسرحية هادفة، تتسلسل فيها الأحداث كما تتعقلن ارتباطا بتاريخ المقاومة من جهة والخذلان من ناحية ثانية. خذلان الإخوة والجيران ومساهمتهم في طرد محا من بلده وأولاده، وعدم اكتراث باقي الهيئات القضائية والأمنية بمشكلته، بل بالعكس من ذلك يلوون يده طغيانا وظلما.

              

 الهوامش

1- محمد مفتاح: دينامية النص (تنظير وإنجاز)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط- 1، 1987، ص- 42.

2- مصطفى رمضاني: الحركة المسرحية بوجدة، من التأسيس إلى صناعة الفرجة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وجدة ، ط- 1 ، 1996، ص- 160.

3- نور الدين الطيبي، الحال والمحال ( مسرحية)، مطبعة سندي، مكناس، ط- 1، 2002،ص- 5 ( الهامش)

4- أحمد بلخيري: المصطلح المسرحي عند العرب، البوكيلي للطباعة والنشر، القنيطرة، ط- 1، ص- 111.