لا تقولي وداعاً والقرار الصعب

جميل السلحوت

[email protected]

" لا تقولي وداعاً " نصّ نثري صدر عام 2008 للأستاذ هاني عودة ، وقد سبق أن ناقشنا في ندوتنا هذه رواية " لحظات من الحب " لنفس الكاتب ، والتي كتبها منذ ما يزيد على أربعين سنة في بداية شبابه ، وها هو يعاود الكتابة من جديد ، بعد أن تقاعد من عمله في التدريس، ويبدو أن وفاة زوجة الكاتب في غفلة من العمر قد فجرت طاقاته الابداعية ، مما يؤكد مقولة أن النكبات والحرمات تولد الابداع .

و " لا تقولي وداعاً " التي نحن بصددها هي قصة طويلة اكثر منها رواية ، قصة فيها بوح كثير ، فيها حبّ وفيها حزن كبيران ، حبّ لزوجته التي شاركته حلو الحياة ومرّها ، وحزن على فراق هذه الزوجة ، فيها استرجاع لمواقف حياتية معاشة مع زوجة أحبها وأحبته ، وفيها استرجاع لمعاناة أسرة كاملة ،- الزوج والأبناء والزوجة - مع مرض هذه الزوجة الأمّ ، لكن لوعة الزوج كانت واضحة المعالم ، جرحها عميق في القلب ، فهو بين نيران ملتهبة ، نار حبّه لزوجته التي يرى أنها تموت أمامه بفعل سرطان الثدي الخبيث ، ونار تعاطفه الجارف مع هذه الزوجة ، وكيفية تخفيف آلامها وايهامها ببعد ملاك الموت عنها ، لتعيش ما تبقى لها من أيام براحة تامة ، ونار أبناء سيفقدون والدتهم خلال أشهر تتناقص الى أسابيع وأيام ، وناره هو ، نار المحب الذي يرى حبيبته شمعة تتلاشى أمامه .

وواضح لقارىء " لا تقولي وداعاً " أننا أمام عاطفة صادقة ، خارجة من صميم القلب والعقل والوجدان ، فجاء عنصر التشويق فيها جارفاً ، لا تكلف ولا تصنّع ، لغة انسيابية مثل لغة الحكايات ، صور فيها الكاتب مأساته ، فأجاد الوصف وكسب تعاطف القارىء في المشاهد الانسانية التي رسمها رغم عظم المأساة .

وبما أن النقاد يرون الكاتب يكتب شيئاً أو جوانب من حياته ، فإن " لا تقولي وداعاً " أدب واقعي عاشه الكاتب بلحمه ودمه ، بعد ان ارتسم خرائط حزن في تجربة عاش أدق تفاصيلها في بيته، ومع شريكة حياته التي عانت من مرض خبيث لم يرحمها، ولم يرحم من حولها ، فاختطفها من بين أحبتها لتحلق في علّيين ولتورثهم            

-  خصوصاً الزوج – لوعة وحسرة دائمتين .

وتظهر لوعة الزوج الكاتب في الرسالة التي بعثها في آخر النص لزوجته الراحلة ، فقد ظهر فيها البعد الانساني بكل معانيه ، فالزوج الذي فقد زوجته بعد الستين من عمره ، وبعد مرور بضع سنوات على رحيلها ، وقف على مفترق طرق بين وفائه لزوجته الراحلة وبين احتياجاته الانسانية، فكتب لها عن حيرته ، وعدم قدرته على اتخاذ القرار الصائب بالزواج من أخرى أو عدمه ، وبالتأكيد فإنه لن يتلقى جواباً منها ، لكنه بالتأكيد لم يتوصل الى قرار حاسم ، فأبقى الباب مفتوحاً ، أمام وحدته ، بفقدان الزوجة ، وزواج الأبناء والبنات ، لكنه في المحصلة بقي وحيداً يصارع وحدته حائراً بين عادات اجتماعية وحياة الرُّملة لرجل في خريف العمر ، وأبناء مشغولين في حياتهم الأسرية – وهذه سنة الحياة – ويبقى القرار صعباً .

وماذا بعد ؟

يرى بعض المهتمين أن الهمّ السياسي قد طغى على الأدب الفلسطيني ، ومع أن هذا الهمّ مفروض على الفلسطينيين بشكل دائم ،الا أن الجوانب الاجتماعية تكاد تكون مغيبة في الأدب الفلسطيني ، وتأتي " لا تقولي وداعاً " لتملأ جزءاً من فراغ هذا التغييب، مع أن بعض اللقطات عن الواقع السياسي المعاش كانت حاضرة ، مثل الحصول على تصريح للوصول الى المستشفى .