قراءة في كتاب: سوسيولوجيا النص المسرحي

د. عبد الحكيم الزبيدي

هل تعد أعمال باكثير المسرحية نموذجاً للمسرح اليمني؟

الأديب الكبير الأستاذ: علي أحمد باكثير

د. عبد الحكيم الزبيدي

مؤسس ومدير موقع الأديب باكثير على الإنترنت

 [email protected]

صدر الكتاب عام 2004م  ضمن إصدارات وزارة الثقافة والسياحة باليمن التي أصدرتها تحت شعار (صنعاء عاصمة للثقافة العربية)، ولكن لم يتح لي الاطلاع عليه إلا مؤخراً. والمؤلف – كما ورد في ترجمته في آخر الكتاب- أستاذ لمادة المسرح في جامعة ذمار باليمن ومخرج مسرحي وتلفزيوني من العراق الشقيق.

يتكون الكتاب من مدخل وثلاثة فصول. أما المدخل فقد خصصه المؤلف للحديث عن خطة البحث والبحث عن المصطلح حيث عرَّف فيه المصطلحات الواردة في العنوان وهي (سوسيولوجيا، المعالجة، الرؤية، البناء الدرامي، المسرحية الاجتماعية).

وأما الفصل الأول فقد تحدث فيه المؤلف عن ظهور المسرحية الاجتماعية في أوروبا، بينما خصص الفصل الثاني لظهور المسرحية الاجتماعية في الوطن العربي. وقسم الفصل الثالث إلى مبحثين: المبحث الأول بعنوان: المسرحية في اليمن، والمبحث الثاني بعنوان: باكثير والمسرحية الاجتماعية.

لن أستعرض الكتاب كله، ولكن يهمني الإشارة إلى ما يتعلق بأعمال الكاتب الكبير علي أحمد باكثير، فقد وقع فيها خلط كثير.

مسرحيات باكثير الاجتماعية واليمن:

النقطة الأولى التي أود مناقشتها هي إلى أي مدى يمكن النظر إلى مسرحيات باكثير الاجتماعية (النثرية) كنموذج للمسرح الاجتماعي اليمني؟ فالمؤلف يصرِّح في المدخل إلى أن أهمية كتابه هذا تأتي في "تسليط الضوء على مفهوم المسرحية الاجتماعية في المسرح العالمي والعربي وتطبيقها في المسرح اليمني من خلال إلقاء الضوء على بنية المسرحية الاجتماعية عند الأديب والكاتب المسرحي اليمني (علي أحمد باكثير)" (ص 6).

ولن أناقش هنا "يمنية" باكثير، فهو أندنوسي حضرمي يمني مصري، وقبل هذا وبعده فباكثير عربي مسلم. ولكن هل تعد مسرحيات باكثير الاجتماعية (النثرية) نموذجاً للمسرح اليمني؟ وأؤكد على عبارة (النثرية) لأن الكاتب اقتصر في بحثه على المسرحيات الاجتماعية النثرية، ولأن لباكثير مسرحية اجتماعية شعرية، هي أول مسرحية له على الإطلاق وأول مسرحية شعرية له أيضاً، وهي (هُمام أو في عاصمة الأحقاف). وهذه المسرحية ربما جاز عدها نموذجاً من المسرح اليمني باعتبار أن باكثير كتبها قبل وصوله إلى مصر ودراسته لأصول العمل المسرحي، ولأن أحداثها تدور في حضرموت وتعالج قضية من قضايا المجتمع اليمني في حضرموت. على أن باكثير كتبها وهو في الحجاز وذلك بعد إطلاعه على مسرحيات شوقي الشعرية التي لم يتح له الإطلاع عليها في حضرموت.

أما مسرحياته الاجتماعية التي كتبها في مصر، فأنا أرى أنه لا يمكن عدها من الأدب اليمني لعدة أسباب. منها أن باكثير كتبها في مصر بعد أن درس الأدب الإنجليزي وأصول فن المسرح في الجامعة وتمرس بالكتابة المسرحية. وعد مسرحيات باكثير تلك من الأدب اليمني فيه ظلم لمعاصريه من الأدباء في اليمن الذين لم يتح لهم من العلم والثقافة ما أتيح لباكثير، وفيه من الظلم لباكثير الذي ينبغي أن يقارن بأقرانه في مصر وأن يُنقد إنتاجه الأدبي بالمقارنة بإنتاجهم. ومنها أن موضوعاتها مستمدة من المجتمع المصري وتعالج مشكلاته الاجتماعية.

ولا أدري كيف ساغ للمؤلف أن يقول أن باكثير في مسرحياته الاجتماعية قد عالج "مجمل الأزمات والقضايا المتعلقة بحياة الشعب اليمني خاصة وحياة الشعب العربي عامة" (ص 78)، وأن مسرح باكثير الاجتماعي قد ارتبط "ارتباطاً مباشراً بالأحداث السياسية والاجتماعية للبيئة اليمنية والعربية وبالتالي فهو سجل لمراحل تطور هذه البيئة وفي نفس الوقت هو كشف للصراعات والمتغيرات الاجتماعية والسياسية" (ص 10).

ما هي مسرحيات باكثير الاجتماعية؟:

أما القضية الثانية التي أود مناقشتها فهي في تصنيف مسرحيات باكثير الاجتماعية فقد شابها خلط كثير. فهو وإن كان قد وضَّح في المدخل تعريفه للمسرحية الاجتماعية في البحث بأنها "المسرحية (النثرية) التي ترصد الظواهر الاجتماعية فتكتب درامياً وتقدم على خشبة المسرح وفق شروط المسرح" (ص 10)، إلا أنه لم يوضح المقصود بـ "الظواهر الاجتماعية". وبالتالي لا نستطيع أن نفهم الأساس الذي جعله يعد مسرحية مثل (مأساة زينب) مسرحيةً اجتماعيةً، بينما عدَّ المسرحيتين الأخريين المكملتين لثلاثية باكثير عن الحملة الفرنسية على مصر، ونعني بهما (الدودة والثعبان) و(أحلام نابليون) عدَّهما مسرحيتين تاريخيتين. فهذه المسرحيات الثلاث تشكل ثلاثية ذات موضوع واحد، وبالتالي فهي –كلها- تنتمي إلى صنف واحد، أما أن تنتمي واحدة منها فقط إلى الصنف الاجتماعي، فهذا عجب. وهكذا بالنسبة لمسرحية (إمبراطورية في المزاد) وهي مسرحية سياسية تدور أحداثها في بريطانيا وتظهر تسلط اليهود على الساسة البريطانيين، عدَّها المؤلف مسرحية اجتماعية بينما لم يعدَّ (شعب الله المختار) مسرحيةً اجتماعيةً وهي شبيهه بالمسرحية السابقة من حيث أنها تصف المجتمع (الإسرائيلي، هنا) من الداخل. كذلك عدَّ (مأساة أوديب) و(فاوست الجديد) و(سر شهرزاد) مسرحيات إجتماعية وكلها مستوحاة من أساطير يونانية وألمانية وعربية.

وقد استشهد المؤلف بنص لباكثير من كتابه (فن المسرحية) يشير فيه إلى أنه لم يكتب من المسرحيات الاجتماعية –حتى ذلك التاريخ- سوى مسرحية واحدة هي (الدكتور حازم) وأخرى تعد إلى حد ما اجتماعية وهي (الدنيا فوضى). وحيث أن الطبعة الأولى من كتاب باكثير (فن المسرحية) قد صدرت عام 1958م، فإننا نرى باكثير يهمل الإشارة إلى مسرحيات عدها المؤلف اجتماعية وصدرت قبل هذا التاريخ وهي (السلسلة والغفران -1949) و(إمبراطورية في المزاد -1952) و(سر شهرزاد -1953)، أما (هُمام) فلعل باكثير لم يشر إليها لأنه لم يكن يعدها عملاً مسرحياً متكاملاً من الناحية الفنية، أو لأنها لا تتناول المجتمع المصري. وهكذا يتضح لنا اختلاف تعريف المسرحية الاجتماعية لدى كل من باكثير والمؤلف.

المراحل الثلاث لمسرح باكثير الاجتماعي:

الأمر الثالث الذي وقع فيه الخلط هو أن المؤلف زعم أن أعمال باكثير المسرحية الاجتماعية قد مرت بثلاث مراحل:

 "المرحلة الأولى: هي المرحلة الواقعية التي امتازت هذه المسرحيات بالحدث المباشر وبروح النقد التي تنبع من التعارض بين واقعين مختلفين هو الواقع الحياتي الاجتماعي للشعب وواقع السلطة السياسية والحكام فضلاً عن تأكيده على الجوانب المأساوية في حياة الإنسان كمسرحية (الدكتور حازم، قطط وفئران، الدنيا فوضى، حبل الغسيل، الفلاح الفصيح([1])، قضية أهل الربع، إمبراطورية في المزاد). أما المرحلة الثانية فقد بدأت في أوائل الخمسينات التي نستطيع أن نطلق عليها ب(المرحلة الواقعية التجريبية) حيث امتازت باللامباشرة في طرح الموضوعات حيث استخدم باكثير دلالات خاصة تفسر تفسيرات شتى كل حسب الظروف المتباينة ومنها مسرحية (مسمار جحا، السلسلة والغفران، مأساة زينب). أما المرحلة الثالثة فهي (الواقعية الرمزية) التي استخدم باكثير فيها الأسطورة والرمز وأوجد تفسيراً جديداً للأسطورة كما في مسرحية (مأساة أوديب، سر شهرزاد، فاوست الجديد)"، (ص 79 -80).

وتعبير (مراحل) يدل على ارتباطها بفترة زمنية معينة من حياة وفكر الكاتب، بمعنى أن الأعمال المرتبطة بمرحلة معينة تأتي متقاربة في تاريخ كتابتها، وقد أشار المؤلف إلى ذلك عند حديثه عن المرحلة الثانية إذ نص على أنها "بدأت في أوائل الخمسينات"، ولكنه لم ينص على المرحلتين الأولى والثالثة، وإن كان المفترض –بناء على كلام المؤلف- أن الأولى كانت قبل "أوائل الخمسينات" وأن الثالثة بعد "أوائل الخمسينات".

ولكن بإلقاء نظرة على تاريخ تأليف كل مسرحية من مسرحيات المراحل الثلاث نجد الاضطراب، حيث تتداخل التواريخ بشكل لا يؤيد نظرية المؤلف. فمسرحيات المرحلة الأولى –حسب تقسيم المؤلف- هي (الدكتور حازم-1949، قطط وفئران-1962، الدنيا فوضى- 1952، حبل الغسيل-1965، الفلاح الفصيح 1965، قضية أهل الربع- 1967، إمبراطورية في المزاد-1952). وهذه المسرحيات –كما يظهر من تاريخ تأليفها- لا تنتمي إلى فترة زمنية واحدة، هذا إذا سلَّمنا جدلاً بانتمائها إلى تصنيف واحد وهو المسرح الاجتماعي. وكذلك الحال بالنسبة لمسرحيات المرحلة الثانية: (مسمار جحا- 1952، السلسلة والغفران 1949، مأساة زينب-1967)، والمرحلة الثالثة: (مأساة أوديب- 1948، سر شهرزاد- 1953، فاوست الجديد-1967).

أخطاء في التوثيق:

وأما الملاحظة الرابعة فهي حول بعض الأخطاء التوثيقية بشأن أعمال باكثير المسرحية. فقد ورد في الكتاب –مثلاً- أن باكثير "كتب عام 1938م أولى مسرحياته الشعرية وهي (إخناتون ونفرتيتي ومن بعدها قصر الهودج)"، (ص 75). والصواب أن أولى مسرحيات باكثير الشعرية هي (هُمام أو في عاصمة الأحقاف) وقد كتبها في الطائف سنة 1352هـ ونشرها في مصر أول قدومه إليها عام 1934م. ثم ترجم عام 1936م مسرحية (روميو وجولييت) لشكسبير إلى العربية بالشعر المرسل (الشعر الحر)، ثم كتب عام 1938م مسرحيته الشعرية الأولى بالشعر المرسل وهي (إخناتون ونفرتيتي).

أخطاء أخرى:

وأثناء دراسة المؤلف لثلاث من مسرحيات باكثير كنماذج للمراحل الثلاث التي حددها، وقعت بعض الأخطاء في الحوادث والأسماء، ولعل بعضها ناتج عن أخطاء مطبعية. فعند دراسة مسرحية (السلسلة والغفران) ذكر المؤلف أن زوجة قاسم المغربي توفيت "قهراً على زوجها السجين" (ص 90)، والصواب أنها توفيت أثناء وضعها للجنين الذي حملت به سفاحاً من عبد التواب. وفي نفس الصفحة ذكر المؤلف "تحاول (أم مستور) والدة الفتاة بالتشاور مع آسية تزويج عبد التواب من ابنتها كوثر"، وفي هذا خلط كثير فأم مستور هي أم زوجة قاسم المغربي التي ماتت في الطلق بسبب حملها من عبد التواب وبالتالي فإن أم مستور ظلت حاقدة على عبد التواب طيلة المسرحية رغم عطفه عليها وبره بها، ولم يكن لأم مستور دور في تزويج عبد التواب. والضمير في "ابنتها" لا يمكن أن يعود على (أم مستور) لأنها لم تكن أم كوثر.

وعند دراسة المؤلف لمسرحية (سر شهرزاد)، وردت أخطاء مشابهة، مثل قوله "فاستطاعت الملكة الذي([2]) اختار لها المؤلف اسم (بدور) أن تحمي نفسها من هذا المصير المحتوم بتلك القصص والحكايات التي ترويها" (ص 95)، وبديهي أن اسم الملكة هو (شهرزاد) وليس (بدور).

أخطاء في الملحق:

وأخيراً، فقد وقع بعض الخلط في قائمة مسرحيات باكثير التي أوردها المؤلف في "الملحق" الذي يقع في نهاية الكتاب. ففضلاً عن أنها لا تشمل كل أعمال باكثير المسرحية، فقد شابها بعض الأخطاء. فمثلاً (ملحمة عمر) وردت على أنها عشرين جزءاً، والصواب أنها (19) جزءاً. ووقع الخطأ حين أورد المؤلف مسرحية أسماها (عمر) وكتب تحت عنوان (نوعها) أنها "تاريخية من الملحمة الإسلامية الكبرى" (ص 105). والحق أن الملحمة كلها اسمها (ملحمة عمر) أو (الملحمة الإسلامية الكبرى: عمر).

ومن الخلط أيضاً أنه عدَّ مسرحية (سر الحاكم بأمر الله) "وطنية تاريخية" (ص 106)، ولم أفهم المقصود بوصف "وطنية". وذكر عن مسرحية (مأساة أوديب) أنها: "عن سوفكليس (تاريخية)" وكذلك مسرحية (روميو وجولييت): "عن شكسبير (تاريخية)" (ص 106). وكلمة "عن" توحي بأنها مترجمة، وهذا حق بالنسبة لروميو وجولييت، وليس صحيحاً بالنسبة لمأساة أوديب. والمعروف أن (مأساة أوديب) أسطورية وليست تاريخية، كما أنه عدَّها في بحثه (إجتماعية). وكذلك عدَّ (سر شهرزاد) "تاريخية" (ص 107)،  وهي أسطورية، وعدَّها في بحثه (إجتماعية).

وقد وردت بعض الأخطاء المطبعية في عناوين المسرحيات في الملحق، مثل (هكذا ألقى الله عمر) صوابها (هكذا لقي الله عمر)، و(من فوق سبع جمرات) صوابها (من فوق سبع سموات)، و(سيف الله المختار) صوابها (شعب الله المختار).

              

[1] - في الأصل (الكلام الفصيح)، وهو خطأ مطبعي ولاشك.

[2] -كذا في الأصل، والصواب: التي.