ملائكة وشياطين

رواية تقرأها شخصياتها

الخير شوار

[email protected]

تثار حاليا في الجزائر ضجة إعلامية وحتى سياسية كبرى بسبب رواية وصفها كاتبها احميدة عياشي بـ"السياسية الخيالية"، مع أن أسماء شخصياتها مستمدة من الواقع السياسي في الجزائر وحتى خارجها، تلك الرواية التي ينشرها صاحبها حاليا على شكل حلقات في صحيفتي "الجزائر نيوز" و"ألجيري نيوز" المحليتين الناطقتين بالعربية والفرنسية على التوالي، ومن المنتظر أن تصدر في كتاب في شهر نوفمبر من هذه السنة.

حرارة صيف 2008 وعلى غير العادة صنعتها رواية غير عادية داوم "أبطالها" على قراءتها أكثر من غيرهم من الجمهور العام، وفيها زال الحاجز بين المفرنسين والمعربين، بل اضطرت الكثير من الشخصيات المتداولة على أحداث الرواية من المفرنسين في الجزائر على قراءتها بالعربية أولا لأن الحلقة تنشر في "الجزائر نيوز" قبل "ألجيري نيوز"، وعنوان الرواية (ملائكة وشياطين) يحيل إلى رواية بنفس العنوان لمؤلف "شفرة دافنتشي" الكاتب الأمريكي الشهير دان براون، التي أثارت ضجة كبيرة فور صدورها سنة 2000، وفيها تتواصل مغامرة بطل روايته الأولى شفرة دفينتشي داخل أحد أقبية الفاتيكان، بحثا عن تنظيم سري والصراع من أجل اختيار بابا جديد للفاتيكان، ويغتال الكرادلة المرشحون لمنصب البابوية بطريقة غربية، ولئن تقاطعت أجواء الروايتين فإن الشيء الذي تميزت به رواية "ملائكة وشياطين" في صيغتها الجزائرية، زيادة على أجواء النوادي السرية حيث يلتقي مختلف الفاعلين من الذين يبدو ظاهريا أنهم لا يلتقون، فأسماء الشخصيات مألوفة عند القارئ العام، وهي شخصيات عمومية في كل الأحوال من رجال أمن سابقين ومدراء جرائد واسعة الانتشار ووزراء وسياسيين فاعلين في المشهد الجزائري من مختلف التوجهات، فما أشبه ظلمات دهاليز الفاتيكان، بكواليس النوادي الليلية حيث تلتقي مختلف شخصيات رواية "ملائكة وشياطين" بصيغتها الجزائرية، فالأجواء تكاد تكون واحدة و"رهبان التخلاط السياسي" بالتعبير الشعبي الجزائري يشبهون إلى حد التطابق شخصيات الفاتيكان بعقلياتهم التآمرية، بل أن شخصيات رواية الصيف هذه انتزعت منها تلك القدسية التي اكتسبتها مع الرأي العام وهي تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد وأوقات الذروة في التلفزيون، وظهروا عرايا إلا من حقائقهم.. يحقدون ويحلمون ويتوهمون، ويحاولون الحفاظ على مناصبهم وبعضهم يطمح إلى منصب "البابوية الكبرى"، ويستعجل الوصول إلى الكرسي المقدس على حساب كل شيء، وبكل الطرق المدنسة، بل ويذهب مثل أي "ولية" لا حول لها ولا قوة إلى المشعوذات لتقرأ له ما كتب في كتاب مستقبله، وطلبا "للبركة"، بل وأن تلك المشعوذة، تذكّره بشبابه الأول عندما كان يأتي إليها وكان يشتغل في وظيفة حقيرة قبل أن يرتقي في سلم المناصب ويصبح من "كرادلة" السياسة الجزائرية في هذا العهد الجديد، ويطمح إلى ما هو أهم من ذلك المنصب، وهو سبب ذهابه إليها في هذا الوقت بالذات.

لقد بدأت تلك القصة "الخيالية السياسية" دون سابق إنذار في الشطر الثاني من صيف 2008 في زمن سبات سياسي محلي بفعل حرارة الصيف المرتفعة، ولا أحد يدري متى ستنتهي، واتخذت من الواقع السياسي والإعلامي منطلقا لها، لكن كاتبها استعان بخيال جامح، يروي الأشياء الحقيقية كأنها خيالية، ويرسم ملامح البعض من الإعلاميين كأنك تراها أمامك، وهي مكمن قوة الرواية التي مع تعدد شخصياتها فقد استطاعت المسك بخيوط اللعبة السردية إلى النهاية، والأخطر من هذا ومع انفتاحها على إقام شخصيات واقعية جديدة في كل حلقة، يتلهف الكثير من العاملين في "المطبخ السياسي" على تلقف كل حلقة جديدة لعل بعضهم ممن كان في سابق الحلقات يدخل فجأة ويتعرى من الوقار الرسمي الذي اكتسبه وظهر أمام الرأي العام درويشا من دروايش معبد "التخلاط السياسي" بأقذر طرقه.

ولئن اتخذت الرواية من الملائكة والشياطين عنوانا لها، فقد علّق بعض القراء قائلا، إنه وبعد هذا الكم الهائل من الحلقات لم ير في الأحداث المتلاحقة إلا الشياطين، ولا وجود للملائكة، مع أن شطرا معتبرا من الحلقات ينشر في شهر رمضان حيث تصفّد الشياطين، ويطلق العنان للملائكة، لكن هذا التساؤل قد يجابه بسؤال مفاده: وهل هناك ملائكة في الملعب السياسي؟