دور المرأة في خدمة الحديث النبويّ، في القرون الثلاثة الأولى
هذا الكتاب هو أحد أعداد سلسلة "كتاب الأمة"، وهو في أصله رسالة ماجستير جامعيّة من إعداد آمال قرداش، وقد طُبع في حوالي مئتي صفحة من الحجم المتوسط.
المؤلفة:
هي آمال قرداش بنت الحسين، من مواليد باتنة، شرقي الجزائر، عام 1967م. تحمل شهادة بكالوريا رياضيات، وبكالوريوس في الدعوة والإعلام بكلية أصول الدين في جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، وماجستير في الحديث الشريف من كلية أصول الدين بإسلام أباد. وعندها خبرات وممارسات في التدريس والإعلام، وتُجيد اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.
خلاصة الكتاب:
ابتدأ الكتاب بتقديم الأستاذ عمر عبيد حسنة الذي اعتاد أن يُقدّم لكل كتب سلسلة كتاب الأمة أو معظمها، وتحدّث في تقديمه عن واقعنا الحضاري، وموقع قضية المرأة من قضية النهوض الحضاري المأمول، وتحديد المشكلة الحقيقية في منهج تعاملنا مع هذه القضية فكرياً واجتماعياً، من وجهتي النظر الإسلامية الأصلية، والتغريبية المستوردة، وذلك لبيان أهمية موضوع الكتاب، وتميّز محتواه ومنهجه في معالجة هذا الموضوع.
وتبع تقديم الأستاذ عمر عبيد حسنة مقدمة مؤلفة الكتاب، وهي عن أهمية موضوع هذا الكتاب وسبب اختياره. واشتملت هذه المقدمة على بيان منهجها في البحث، وتحديد مباحث الكتاب، وأتبعت ذلك بتمهيد عن عناية الإسلام بتعليم المرأة.
ثم بدأت المؤلفة في عرض فصول كتابها، وهي نتاج البحث والتنقيب والاستقراء في المصادر الأصلية لاستخراج كل ما له علاقة بمعرفة دور المرأة في خدمة الحديث النبوي رواية ودراية، وشمل بحثها: كتب السنّة النبوية المسندة، خاصة الكتب الستة، وكتب التخريج المعتمدة، وكتب التراجم والتاريخ، وكتب مصطلح الحديث. وعرضتْ ما استخرجتْه في أبواب متسلسلة، تضمّنت إحصاءات، أو قوائم أسماء وتراجم، أو تحليلاً تاريخياً، وكل المفردات التي تسهم في تحقيق هدف البحث حسب منهج الباحثة الذي اختارته.
ثم وضعت المؤلفة خاتمة كتابها، وضمّنتها أبرز ما توصّل إليه بحثها، وسننقل منها ما انتهت إليه من حقائق تاريخية، وتحليلات لهذه الحقائق، حيث تقول: يمكن تلخيص البحث في النقاط الآتية:
1- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم المرأة، وتشجيعها على المشاركة الإيجابية في حياة المسلمين.
2- توفي النبي صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات رضي الله عنهن جميعاً، كلهنّ روين وبلّغن سننه، مع تفاوت بينهن في الكثرة والقلة.
3- إحدى زوجاته وهي السيدة عائشة رضي الله عنها تعدّ من المكثرين من الرواية مع ست من الصحابة هم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وابن عباس.
4- عرفت القرون الثلاثة الأولى وجود راويات من صحابيات وتابعيات وتابعيات التابعين... منهنّ الثقة، ومنهن المقبولة، ومنهن المجهولة أو مستورة الحال.
5- الرحلة لطلب الحديث عرفتها المرأة منذ الصدر الأول للإسلام، عندما كانت تَفِدُ مع الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عرفتها عن طريق الحج وتغيير بلد الإقامة، ونقلت لنا آثاراً تحمّلتها في أثناء هذه الرحلات.
6- إسهام المرأة في رواية الكتب الستة أمر واضح، سواء بعدد الروايات، أو بالقيمة الحديثيّة للمروي.
7- لم يقتصر إسهام المرأة على خدمة علم الرواية (في حفظ الأحاديث، سنداً ومتناً، وروايتها)، بل أدلت المرأة بدلوها في فنّ الرواية، فتكلّمت في نقد الروايات، وفي جرح الرواة وتعديلهم.
أهم النتائج التي توصّلت إليها:
1- كما كان الصحابة أسوة في الإيمان والجهاد والصبر والزهد... وغيرها من المكارم، كانوا أسوة في حب العلم والإقبال عليه. ويصدق هذا على الصحابيات من خلال تتبّع نشاطهن العلمي.
2- كان محور رواية النساء وبداية تأسيسها قائماً على جهود أمهات المؤمنين.
3- كان دور أم المؤمنين عائشة في خدمة الحديث عظيماً من خلال الجهود التي قدّمتها في هذا الميدان، سواء من حيث عدد الأحاديث التي روتها أو موضوعاتها، أو السنن التي تفرّدت بروايتها. كل هذه الجهود غطّت على جهود جميع النساء الراويات مجتمعات، فكانت بحق محدّثة عصرها، بل كل العصور.
4- يُلاحظ تراجع الرواية النسائية بعد عصر التابعيات، أي بعد ذهاب تلميذات أمهات المؤمنين، حتى كادت تنعدم في أواخر القرن الثالث.
5- الكلام عن سَيْر حركة الرواية النسائية وتطورها، مرتبط بالمادة الإخبارية التي توفّرها كتب الحديث والتاريخ والتراجم، وهي غير كافية لتوضيح الحياة العلمية للمرأة المسلمة ودورها في رواية الحديث.
6- وقد ذهبت المؤلفة إلى أن الخدمة التي قدمتها النساء للحديث، تحملاً وأداءً وتبليغاً ونشراً، كانت قائمة على جهود فردية.
نقد الكتاب:
الكتاب هو بحث علمي رصين، مبني على استقراء وافٍ، وتحقيق دقيق، ويدل على أن لدى مؤلّفته اطلاعاً واسعاً ومعرفة عميقة في بابه.
لقد كانت المؤلفة واعية أنها تُعالج موضوعاً مهمّاً، له مفردات كثيرة، لم تجتمع في مكان واحد.
وقد حقّق الكتاب هدفه، وكان خطوة متقدّمة في بناء معرفتنا عن دور المرأة في عصور صدر الإسلام، وأساساً صالحاً لنجعل هذه المعرفة مصدراً من مصادر تكوين المرأة المسلمة المعاصرة.
إننا نميّز في دراسة دور المرأة في التراث والتاريخ الإسلامي منهجين اثنين:
- أولهما يرى أننا يجب أن نركّز جهودنا حول دراسة نصوص القرآن، ثم نلاحظ كيف تمثّلت توجيهات هذه النصوص وتعليماتها في القرون الثلاثة الأولى لأنها تمثّل الصورة الصافية المتكاملة لمجتمع الإسلام، وكيف يجب أن تكون فيه المرأة. وما بعد هذه العصور دخلت صور لوضع المرأة والمجتمع عموماً لا تمثّل الإسلام، لذلك لا يمكن أن نعدّها مرجعية لدراستنا. بل يرى بعض الباحثين أننا يجب أن نتجاوز هذه العصور حتى لا تشوّش الصورة النقية التي قدّمتها العصور الأولى.
- والمنهج الثاني لا يُخالف في أهمية دراسة النصوص، والاطلاع على تاريخ الأجيال الأولى، لكنه يرى أن كثيراً من التغيرات في الأجيال اللاحقة حتى وقتنا الحالي هي صور تنتسب إلى الإسلام، وتمثّل نموذجاً لإمكانية تطبيقه في مختلف الظروف والعصور، وأن التراث الواسع الذي نراه بين أيدينا من مختلف العلوم العقلية والنقلية هو نتيجة الاجتهاد الشرعي، المتصل بالكتاب والسنة، وامتداد تجارب المجتمعات الإسلامية. لذلك لا يمكن أن نفهم صورة المرأة في الإسلام فهماً سليماً دون تمكين هذا التراث وهذه العلوم ودراستها.
ومؤلفة الكتاب الذي بين أيدينا لا تنص صراحة على أنها تتبنّى أحد المنهجين، لكن قد يظهر من قراءة كتابها أنها تميل للمنهج الأول، وهو اعتبار العصور الأولى هي المصدر الأول والأساس لبيان الصورة التي تريدها نصوص الكتاب والسنة للمرأة، ومع ذلك فالمؤلفة قدّمت معلومات مجرّدة عن إعطاء أحكام مسبقة، تُفيد كل باحث يبغي الإنصاف، وأما أراؤها واستنتاجاتها فقد ظهرت في تحليلاتها التي تُعقّب بها ما تُقدّم من حقائق.
ويمكن أن نستخلص من الكتاب بعض النتائج التي قد تساعد على حسم الخلاف بين هذين المنهجين، فمثلاً: إن سلاسل الإسناد وتراجم الروايات التي بين أيدينا تُظهر أن الجزء الأعظم مما كانت تؤدّيه وتحدّث به المحدّثة في تلك القرون كان يتلقّاه منها نساء أخريات، أو رجال من محارمها. وإذا سلمنا بهذا فهو نتيجة للالتزام بأحكام الشريعة في الحجاب والاختلاط، وقد يستفاد منه أن معظم أدوار النساء المحدّثات كان يتم داخل أسرة كل منهنّ، وأن الأسرة في ذلك المجتمع كانت تقوم بدور المؤسسة التعليمية المنظّمة والمقصودة، التي تُعِدّ الفرد الإعداد المتكامل.
وفي المجتمعات المعاصرة أصبح هذا الإعداد المتكامل تقوم به مؤسسات أخرى مع الأسرة، كالمدرسة ووسائل الإعلام، مما يبرز الحاجة لدراسة دور المرأة في هذه المؤسسات.
ولو سلّمنا بهذا الدور الكبير للأسرة في تلك المجتمعات، فقد يمكننا أن نذكر أدواراً أخرى كانت تقوم بها المرأة في خدمة الحديث، وهو دور إعداد الرجل المحدّث، والذي قد يصل لمرتبة الحافظ، كما نلاحظ دور أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث وأختها أم الفضل، في إعداد عبد الله بن عباس، ودور أم سُليم بنت ملحان في إعداد أنس بن مالك، وكلاهما من أحفظ حفّاظ الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، ومثل ذلك دور أم المؤمنين أم سلمة في تربية الحسن البصري أحد سادة التابعين.
لقد اعتمدت المؤلفة المنهج العلمي في جمع مفردات بحثها وتحليلها، وفي ترجيح الآراء عندما يكون هناك اختلاف، وهذا كان عظيم الفائدة في توضيح كثير من الجوانب المهمة، لكن بعض ترجيحاتها واستنتاجاتها كان بحاجة لمزيد بحث ونقاش، مثل ردّها لرأي أحمد شاكر رحمه الله، في أن عائشة هي أكثر الصحابة رواية بعد أبي هريرة، مع أن بحث المؤلفة نفسها في الكتب الستة يؤيّد ذلك، وكذلك حجم مسند عائشة في كتب المسانيد كمسند أحمد بن حنبل.
وهذه النقاط التي قد تُخالف فيها المؤلفة، لا تلغي النظرة العامة للكتاب، وهو أنه أثبت أن السبيل السويّ في بحث قضايا المرأة في الإسلام، هو في دراستها ضمن إطارها المتكامل، وبفهم الواقع الماضي والحاضر فهماً شاملاً، لا بخطف الصور والأحكام من مصادرها، وتحويلها إلى شعارات للدفاع، أو ثغرات للهجوم.
وسوم: العدد 623