الاقتباسُ اللغويُّ من القرآنِ الكريمِ في الحديثِ النّبويّ الشّريفِ، دراسةٌ بلاغيّةٌ

د. خليل محمّد أيّوب

أوّلاً- تَوْطِئةٌ:

     كانَ نزولُ القرآنِ حادثةً فريدةً فذّةً في تاريخ البشر؛ إذ جاءَ الناسَ كلامٌ لا يشبهُ الكلامَ، وكان الغايةَ في الحسن الجمال، حتى إنَّه من فرطِ حسنه ورائعِ نظمه غلَبَ من كفرَ به على نفسِه، فإذا الوليدُ بنُ المغيرة ذوّاقَةُ الشّعرِ والبيان، يقول فيه قولتَه المعروفةَ التي سارتْ معَ الزمانِ: (والله لقد سمعتُ كلاماً ما هو بالشّعر، ولا بالسّحرِ، ولا بالكهانة، وإنّ له لحلاوةً، وإن عليه لطُلاوةً، وإنّ أعلاه لمثمِرٌ، وإنّ أسفلَه لمغدقٌ، وما هو بقول بشرٍ، وإنّه ليعلو، ولا يُعْلَى.)[1] وإذا الذين أشركوا بالله لا يملكون إلّا أن يسجدوا[2] لسلطانه خاضعين مستسلمِين لِما رَأَوا فيه من عجائبَ وبدائعَ، لا يحيط بها كلامٌ، ولا يوفّيها حقَّها أيُّ بيانٍ.

     وآيةٌ كتلك الآيةِ في الحَلاوة والطُّلاوة لا غرابةَ أن تكونَ مَهْوَى الأفئدةِ، ومَطمَحَ النفوسِ، وقبلةَ أهل البيان، يقبِسُون من معانيها، ويحومون حولَ لغتِها، لا يبغون منها غيرَ بضعِ كلماتٍ يُحلُّون بها كلامَهم، (فيكتسبُ حَلاوةً وطُلَاوةً ... ويستفيدُ فخامةً وجَلالةً.)[3]

     وكان السبّاقَ إلى ذلك المعِين الثّرِّ يَعُلُّ منه، وينْهَلُ مَنْ نزل عليه القرآنُ محمدٌ صلّى الله عليه وسلّمَ، (فاقتبسَ من معانيه وألفاظِه في الكثير من كلامه، والجمّ الغفير من مقاله.)[4]

     ولو أنّا أردنا استقصاء ما اقتبسه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من القرآن الكريم لاستلزم ذلك منّا الصفحاتِ ذواتِ العدد[5]، وما ذلك بممكنٍ في دراسةٍ محدّدة الصفحات.

     فلذا قرّ الرأيّ على الاكتفاء بما يدلّ على الموضوع، وأن يكون الدّرس مقصوراً على الاقتباس اللفظيّ دون المعنوي، مكتَفِين من اللفظيّ ببضعة نماذجَ؛ فالنّظير يغني عن نظيره، والشّبيه يدلّ على شبيهه.

     والزّاويةُ التي ستنظر الدّراسةُ من خلالها إلى الموضوع هي ما يكُوْن بين المقتَبس والمقتبَس منه من أوجه التقاءٍ وافتراقٍ في الأسلوب تنشأ عمّا يحدثُه المقتَبِس من تغييرٍ لفظيّ يجعل لمقتبَسه صورةً تتميّز عن أصلها، من غير أن تنبتّ عنه وتنقطعَ؛ فالنّبي صلّى الله عليه وسلّم كان في كثيرٍ من الأحايين يتصرّف في مقتبَسه اللغويّ على نحوٍ يناغم المرادَ من كلامه، ولكنْ من غير أن يقطعَ وشيجةَ مقتبَسِه بأصله، فكان أن ترتّب على ذلك وجودُ الكثير من أوجهِ الالتقاء والافتراق في الأسلوب بينَ المقتبَس والمقتبَس منه.

    وعلى شديد أهمّيّة هذا الوجهِ، وعظَمِ قدْرِه فإنّ عملَ البلاغيين كان دائماً مقتصِراً على مجردِ الإشارة إلى المقتبَسِ والمقتبَسِ منه، من غير تعرُّضٍ لِمَا بينَهما من اعتلاقٍ لُغَويُّ، واشتباكٍ معنويّ، وذلكم تقصيرٌ غيرُ حميدٍ؛ لأنّه يَبْعُد بنا عن درْسِ أهمّ ما يجبُ درسُه، وهو ما أحدثَه المقتبِسُ من تغييرٍ في الأسلوب.

     وذلك ما سأعملُ على تناولِه في عملي هذا من خلال درس مظهرَين من مظاهرِ الاقتباس النّبويّ من القرآن، وسأمثل لهذين المظهرين بثلاثةِ مقتبَسَاتٍ أدرسُها درساً بلاغيّاً أُبْرِزُ من خلالها ما بين المقتبَس النّبويّ وأصلِه القرآنيّ من أوجه التقاءٍ وافتراقٍ في الأسلوب، ولِمَ كان الالتقاءُ؟ ولِمَ كان الافتراقُ؟

ولكنْ قبل أن ألجَ إلى هذه المقتبَسَات سأُبِيْن ابتداءً عن المراد من الاقتباس لغةً واصطلاحاً.

ثانياً- الاقتباسُ لغةً:

     القبسُ في أصل اللغة جذوةٌ من النّار صغيرةٌ تؤخذ من مُعْظَم النّار، جاء في العين في الكلام على مادّة القبَس أنّ (القبسَ: شعلةٌ من نارٍ تقْبِسُها، وتقْتَبِسُها، أي: تأخذُها من معظم النّار.)[6] وبمثل ذلك قال الأزهريّ[7] والفيروزآباديّ[8]، وذهب أبو عبيدةَ في مجاز القرآن إلى أنّ القبّس بمعنى النّار يقول: (بشهابٍ قبَسٍ) أي: بشعلةِ نارٍ)[9] وجاء في اللسان: (القَبَسُ: النارُ، والقَبَسُ: الشُّعْلةُ من النّار... وقوله تعالى: (بشهاب قَبَس) القَبَس: الجَذْوَة، وهي النار التي تأْخذُها في طَرَف عُودٍ. والقابِسُ طالِبُ النّار وهو فاعِلٌ من قَبَس ... والجمع أَقْباسٌ... ويقال: قَبَسْت منه ناراً أَقْبِس قَبْساً، فأَقْبَسَني أَي: أَعطاني منه قَبَساً، وكذلك اقْتَبَسْت منه ناراً، واقْتَبَسْت منه عِلْماً أَيضاً، أَي: استفدته...)[10] وأورد الزّبيدي في التّاج هذا الذي ذكره ابن منظور بنصّه، ولكنّه كأنّه استَضعفَ أن يكون القبَس بمعنى الشّعلة من النّار؛ إذ صدّره بصيغة تمرّض هذا المعنى، يقول: (وقيل الشّعلةُ من النّار...)[11]وهذا تضعيف من الزّبيدي غير صحيح، ومثلُه في عدم الصّحة إطلاق النّار على القبَس من غير قيدٍ؛ ذلك أنّ في القبَس معنيين لا يفارقانِه أبداً: أوّلُهما: معنى الأخذِ. وثانيهما: الصِغَرُ في جَنْب الكِبَرِ. وهذا الكِبَرُ ملحوظٌ فيه معنى صِغَرِ الشّعلة المقبوسة.

     يقول الزمخشري رحمه الله في سياقة كلامه على آية النمل: (..أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)النمل7: (الشّهابُ: الشّعلةُ. والقبسُ: النارُ المقبوسةُ، وأضاف الشّهابَ إلى القبسِ؛ لأنّه يكون قبَسَاً، وغيرَ قَبَسٍ. ومن قرأ بالتّنوين جعل القبَسَ بدَلاً ، أو صفَةً[12] لِمَا فيه من معنى القَبَسِ.)[13]

ثالثاً- الاقتباسُ اصطلاحاً:

     الاقتباسُ مصطلحٌ بلاغيٌّ يعرّفُه الخطيبُ القزوينيّ بقوله: (هو أن يُضَمَّنَ الكلامُ شيئاً من القرآن أو الحديث، لا على أنّه منه)[14] وعرّفه السّيوطي في الإتقان، فقصَرَه على القرآن دونَ الحديثِ بقوله: (هو تضمينُ الشعر أو النثر بعضَ القرآن، لا على أنّه منه، بألّا يقال فيه: قال الله تعالى.)[15] وذكر ابن حجَّة في الخِزانة أنّ تسميةَ الأخذِ من القرآن بالاقتباس (هو الإجماعُ.)[16] وذهب السّيوطي في "الحاوي للفتاوى" في رسالته "رفع الباس" إلى أنّ الاقتباس كان (يُسمّى عند الصّدر الأوّل من الصّحابة والتّابعين، فمن بعدَهم من الأئمّةِ والعلماء ضربَ مثلٍ وتمثُّلاً واستشهاداً إذا كان في النثر، وقد يُسمّى اقتباساً بحسب اختلافِ المورد، فإذا كان في الشعر سُمّيَ اقتباساً لا غير.)[17] ولأجل القول في التّعريف:(لا على أنّه منه) كما رأينا عند القزويني والسّيوطي وغيره[18](ساغ سوقُ اللفظ مع تغيير فيه، أو في معناه.)[19]

     فالتغيير في المقتبَس إذن إمّا يصيب اللفظَ من غير أن (يَخْرُجَ به المقْتَبِسُ عن معناه) [20]، وإمّا اقتباسٌ (يخرجُ به عن معناه.)[21]، وهو كذلك إمّا اقتباسُ لفظٍ، وإمّا اقتباسُ معنى.

     وقد عقد الثعالبيّ في كتابه "الاقتباسُ من القرآن" فصلاً لِمَا اقتبس النّبيُّ معناه من القرآن، فعنونَ له بعنوان: (فصلٌ في بعض ما جاء عنه عليه السلامُ من الكلام المقتبَس معناه من القرآن)[22]، ثمّ أتبعه بفصلٍ لِما اقتبس لفظه من القرآن تحت عنوان: (فصلٌ في بعض ما جاء عنه عليه السلامُ من الكلام المقتبَس من ألفاظ القرآن.)[23]

     ولعلّه يكون صار واضحاً في نور ما قدّمتُ من تعريفٍ للاقتباس ما بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي من علاقاتِ مشابهةٍ قويةٍ؛ إذ نلقى في المعنيين، الحقيقةِ والمجازِ، معانيَ الأخذِ والصِغَرِ والانتفاعِ؛ إذ طالبُ النّار يأخذ شعلةً صغيرةً من معظم النّار، وطالبُ الكلام يأخذ من كلام غيره جملةً أو أقلَّ أو أكثر، وطالبُ النّار تأْنَسُ نفسُه بالنّار، فيستضيءُ بها، ويصطلي، وطالبُ الكلام يأْنَسُ بالمقتبَس، فيقْبِسُه، فيزيّنُ به كلامَه على نحوٍ حسنٍ جميلٍ.

رابعاً- المقتبَسُ النّبويّ من القرآن:

     ذكرتُ في التّوطئةِ أنّي سأدرسُ المقتبَس النّبويّ وعلاقتِه بأصلِه القرآني، وما بينهما من أوجهِ التقاءٍ وافتراقٍ في الأسلوب من خلال مظهرين من مظاهر الاقتباس، وهذان المظهران هما: أولاً- اقتباسُ أحد طرفي التّشبيه. ثانياً- اقتباسُ الهيئةِ العامّة للمعنى.

أولاً- اقتباسُ أحدِ طرفي التّشبيه:

     ويكون هذا الضّرب من الاقتباس عندما يدور التشبيهُ في المقتبَس والمقتبَس منه حول معنى واحدٍ أو غرضٍ واحدٍ، وسأمثّل له بمثالين: أوّلهما: الاقتباسُ اللفظيّ للمشبّه والمعنويّ للمشبّه به. وثانيهما: الاقتباس اللفظيّ لأداة التشبيه والمشبّه به.

1-  الاقتباسُ اللفظيّ للمشبّه، والمعنويُّ للمشبّه به: 

     ويطالعنا هذا الضّربُ من الاقتباس بشكليه اللفظي والمعنويّ في قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم من حديث مُسْتَوْرِدٍ أخي بني فِهْرٍ:(وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخرةِ إلا مِثْلُ مَا يَجْعَل أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ‏ ‏يَحْيَى ‏بِالسَّبَّابَةِ - فِي ‏‏اليَمِّ‏‏ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟)[24]

     فالنّبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا التّمثيل يريد أن يقول لنا: إنّ متاع الدّنيا في مقابل الآخرة ليس بشيءٍ؛ إذ متاع الدّنيا هو متاعُ اللحظة، ومتاعُ الآخرة هو الحقّ الذي لا يفنى، ولا يُقَارَنُ ما يفنى مهما كَبُرَ وعَظُم بما يبقى.

     وهذه المقارنةُ بين متاعِ اللحظة ومتاعِ الأبد مقتبسةٌ من كتابِ الله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)) التوبة38. ((اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ.))الرعد26.

     والاقتباسُ النّبويّ في هذا التّمثيلِ ذو شكلين: لفظيّ، وآخرُ معنويّ، فاللفظيّ كائنٌ في قولِ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما الدّنيا في الآخرةِ إلّا) اقتبسَه بلفظِه من قولِ الله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا) ومن قوله: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا) وترّتب على هذا الاقتباس تشابهُ القولين القرآنيّ والنّبويّ في التّصوير اللغوي، فكلا القولين قام على أسلوب القصْرِ (ما ... إلّا...) لتقرير معنى القلّةِ في نفس السامع، وكلاهما قام على أسلوب المقارنةِ بذكرِ الدّنيا أوّلاً ثمّ مقارنتِها بالآخرة بوَسَاطة حرف الجرّ (في) (الدّاخل بين مفضولٍ سابقٍ وفاضلٍ لاحقٍ)[25] مفيداً معنى (المقايسةِ)[26]، وذهب الطّاهر رحمه الله في التّحرير إلى (أنّ المقايسة معنى حاصلٌ لاستعمال حرف الظّرفيّة، وليس معنى موضوعاً له حرفُ في.)[27] والمعنى أنّ (متاعَ الحياة الدّنيا إذا أُقحِمَ في خيرات الآخرة كان قليلاً بالنّسبة إلى كثرة خيرات الآخرة، فلزم أنّه ما ظهرت قلّتُه إلاّ عندما قيس بخيراتٍ عظيمةٍ، ونسب إليها.)[28] ولم يفترقِ القولان القرآنيّ والنّبويّ في الشطرِ المقتبَسِ إلّا في أنّ الدّنيا جاءت في التّعبير القرآنيّ وصفاً للحياة، وفي التّعبير النّبويّ وقعت مبتدأً.

     ولعلّ الباعثَ على وصفِ الحياةِ بالدّنيا في آيتي القرآنِ مناسبةُ حالِ المتكلَّمِ عليه؛ ففي آية التّوبة دارَ الكلام حولَ من تخلّفَ من المؤمنين عن غزوة تبوك، فصارَ أولئك بهذا التخلّفِ كأنّهم بمنزلة من قصَرَ الحياةَ على الدّنيا، فناسب هذه الحالَ أن يُذكر لفظُ الحياةِ لا أن يُحْذَفَ، وفي آية الرّعد دار الكلام القرآني حول رِضا النّاسِ بالدّنيا وفرحِهم الشّديد بها، وتلك حال يناسبها ذكرُ لفظِ الحياة؛ لأنّه ما من شيءٍ يفْرَحُ له الإنسانُ الضالُّ فرحَه بالحياة.

     وأمّا الحديث النّبويّ فجاء عدمُ ذكرِ لفظ الحياة متّسقاً مع الغرض منه؛ وهو التهوينُ من أمر الدّنيا، وكأنّ عدمَ الذكرِ يعني أنّ ما يستحقّ أن يوصفَ بالحياة هو الدّار الآخرةُ لا الدّنيا، وفي ذلك مزيدُ تقليلٍ وتهوينٍ من قيمة نعيم الدنيا وما فيها.

     ويواجهنا الشّكل المعنويّ للاقتباس في هذا الحديثِ في التّعبير عن الخبر القرآنيّ بالمعنى؛ إذ يخبرُنا القرآنُ الكريمُ عمّا تفضي إليه المقارنةُ بين الدّنيا والآخرةِ من خلال اللفظ المباشرِ: (قليلٌ، متاعٌ) مُنْكِّراً إيّاه لتقرير معنى (التّقليل والتّحقير)[29] وأمّا الحديث فيخبرُنا عن هذه النّتيجةِ من طريق التّمثيل: (مِثْلُ مَا يَجْعَل أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ ‏يَحْيَى ‏بِالسَّبَّابَةِ - فِي ‏‏اليَمِّ، ‏‏فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟)

     وما كنّا قلناه في توجيهِ ذكر لفظ الحياة في آيتي التّوبة والرّعد يصْلُحُ كلّ الصلاحِ للأخذ به في تفسيرِ سبب الاختلاف في الإخبار عن نتيجة المقارنة؛ فالإخبارُ في آية التّوبة بالخبر (قليلٌ) مرجعُه إلى أنّ الآية جاءت في سياقِ الحثّ على النّفور في سبيل الله، ومعاتبةِ من تخلّفَ من المؤمنين في غزوة تبوك، فهؤلاءِ المتخلّفون كأنّهم أخلدوا إلى متاع الدّنيا، فرَأَوا فيه خيرَ المتاع وأعظمَه، ولذلك دخلت همزةُ الإنكارِ والمعاتبةِ على فعل الرِضوان، والإنسان لا يرضى بغير الكثير، فناسب هذه الحالَ أن يُنَبّه المؤمنون على أنّ ما رَضُوا به ليس إلّا شيئاً قليلاً حقيراً في جَنْب نعيم الآخرة، ولا يرضى به أهلُ العقولِ وذَوو الألبابِ، وأمّا آيةُ الرعد فالإخبارُ بلفظ (متاع) راجعٌ إلى أنّ الآية  تتكلّم على فرحِ النّاس بالحياة الدّنيا، فناسب هذه الحالَ أن يُؤتى بلفظٍ يناسبُ حالَ الفرح، ويناغم لفظَه، ولا لفظَ في هذا الموضع كمثل لفظ (المتاع)؛ إذ (المتاع في كلام العرب: كلّ ما اسْتُمْتِعَ به من شيءٍ، من معاشٍ استُمتع به أو رِياشٍ أو زينةٍ أو لذّةٍ أو غير ذلك.)[30] وكلّ هذا ممّا يبعث الفرح والسّرور في نفس المتمتّع.

     والجملتان في آية الرّعد -كما ترى- بنيانٌ واحدٌ؛ إذ جملةُ: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) حالٌ من الحياة في جملة: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا.).

     وأمّا التّمثيل النّبويّ فسياقُه مختلفٌ؛ إذ النّبي صلّى الله عليه وسلّم يوجّه فيه كلامَه لكلّ سامعٍ استغرقته الدّنيا حتّى كأنّه نسيَ الآخرةَ في كلّ زمانٍ وكلّ مكانٍ، لذلك ينبّهه على أنّ الدّنيا ليست بشيءٍ، وأنّ الآخرة هي كلّ شيءٍ، وحتّى يقرّر في نفسه هذه الحقيقةَ أخرجَ كلامَه من طريق التمثيل، ودفعَ السامعَ إلى أن يبحث في المسألة، ويصلَ بنفسه إلى النّتيجة، فجعله يغْمِسُ إِصبعَه في البحر الكبيرِ الممتدّ، ثم دعاه بعدَ إخراجِها إلى النّظر بم ترجعُ؟ وإذا هي مجرّد ذراتٍ سرعانَ ما تزول في مقابل بحرٍ زاخرٍ لا ينتهي.

     وهذا الاقتباس من القرآن يُعدّ عاملاً مهمّاً في تحديد الدَّلالة النّبويّة تحديداً يمنعُ أن يخالطَها ما قد يُتَوَهَّمُ أنّ اللغةَ تحتملُه؛ فعدمُ ذكرِ النّبيّ وجهَ الشّبه جعَلَ بنيانَ لغتِه عامّاً مطلَقاً، وهذا قد يُغرِي بمدّ المقارنة بين الدّنيا والآخرة إلى العذاب في معاني القِصَرِ والشّدّةِ والدّوامِ، ولكنّ هذا ما أسرعَ ما يتهاوى صريعاً عندَ ملاحظةِ الأصلِ القرآنيّ الذي اقتبس منه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حديثه، ويقوّي هذا التّصورَّ النّظرُ في مقارنات القرآنِ والحديثِ بينَ الدنيا والآخرةِ في العذاب؛ إذ يفضي بنا الاستقصاءُ اليقظُ والدقيقُ إلى نتيجتين:

أوّلُهما: اطّرادُ التّهوين من متاع الدنيا في القرآن والحديث في مقام المقارنة؛ وذلك لأنّ الإنسان بما جُبل عليه من حبّ الخير العاجل الداني، وغلبةِ المحسوس في نفسه على الغيوب يُقبِلُ في الغالب على الدّنيا حتى يصيرَ إلى حال ينسى معها الآخرةَ، فيرى في نعيمها خيرَ النعيم، وفي ملذّاتها خيرَ الملذّات، وتنقلبَ الموازينُ عنده أشدَّ الانقلاب، وفي هذه الحال فإنّ الأسلوب الأمثل هو التهوينُ الشديدُ من الدّنيا كي يرغبَ عنها، أو يُقبِلَ عليها إقبالاً منضبِطاً ليس فيه سرفٌ، ولا تضييعٌ لحقوق الله ولا لحقوق العباد. فمن ذلك التّهوينِ قول الله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران185. وقوله تعالى: (مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) آل عمران197.

     وأمّا الحديث النّبوي فمن أمثلة التّهوين من متاع الدنيا حديثُ جابرٍ رضي الله عنه، أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ ‏‏العَاليَةِ، ‏‏وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ ‏أَسَكَّ ‏مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَال:‏ ‏أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ قَال: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالوا: وَاللَّهِ لَو كانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لأنه ‏أَسَكُّ،‏ ‏فَكَيْفَ وَهُو ميِّتٌ؟ فَقَال: فَوَ اللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ.)([31])

ثانيهما: أنّ القرآن والحديث في مقام الكلام على العذابِ لا يهوِّنانِ من عذاب الدّنيا، بل يعظِّمان[32] منه، وكلّ ما يفعلانِه هو التنبيهُ على أنّ عذاب الآخرة أشدّ وأبقى، وذلك ما نراه في الآيات التالية:

يقول الله تعالى: ((لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ))الرعد34.

ويقول تعالى أيضاً: ((فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))الزمر 26.

 ويقول في آيةٍ ثالثةٍ: ((لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ)) فصلت16.

 ويقول في آيةٍ رابعةٍ: "كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" القلم33.

    وعلى ذلك النّهج جرت مقارنات النّبي، وهذا ما نلقاه في خبر المتلاعنَين، فقد وعظ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم الرجلَ (وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا. ثُمَّ دَعَاهَا – أي دعا المرأة - فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ.)[33]

     فكلّ هذه النصوص لا تهوّن من عذاب الدنيا كما جرى عادةً التهوينُ من متاعها، ولذلك يمتنع مدُّ المقارنةِ في التّمثيل إلى العذابِ.

2- الاقتباسُ اللفظيّ لأداةِ التشبيه والمشبّه به:

      ويلقانا هذا الضّرب من الاقتباس اللفظيّ فيما ذَكَرَه النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن سحر لبيدِ بنِ الأعصمِ من حديث عائشةَ رضي اللهُ عنها: (والله يَا ‏‏عَائِشَةُ ‏لكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحنَّاءِ، ولكأَنَّ نَخْلِهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ). قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا اسْتَخْرَجْتَهُ؟ قَال: (قَدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا. فَأَمَرَ  بِهَا  فَدُفِنَتْ.)[34]

     فالنّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في كلامه مع عائشةَ يشبّه النّخلَ الذي شَرِبَ من ماء السّحر برؤوس الشّياطين في شديدِ البشاعة وعظيم القَبَاحة، وقد قبس ذلك التّشبيه من قول الله تعالى: ((طلعُها كأنّه رؤوسُ الشياطين))الصافات65.

     ولعلّه بيّن أنّ المشبّه به في الصّورتين واحدٌ: (رؤوسُ الشّياطين)، وكذا حرفُ التّشبيه (كأنّ)، وبيّنٌ كذلك شديد مناسبةِ المشبّه للمشبّه به في الصّورتين القرآنيّة والنّبويّة، فشجرة الزّقوم تنْبُتُ في أصل الجحيم، ولذا (ناسبتها هذه الرّؤوسُ الغريبةُ رؤوسُ الشّياطينِ)[35]، وشجرُ النّخيل يشرب من ماء السّحر، فناسبته كذلك رؤوسُ القبحِ والبشاعة، رؤوسُ الشّياطين.

     والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا المقتبَس كأنّه أراد تشبيهَ شجرِ النّخل الذي شرب من ماء السّحر بشجرةِ الجحيم، مبتَغِياً من وراء تلك المشابهةِ غيرِ المباشرةِ أن ينقلَ لسامعه إحساسَه بعِظَمِ قُبْحِ ما رآه، وذلك من خلال نقلِ معاني القبحِ الكبيرة، والبشاعةِ الشّديدةِ من شجرة الزّقّوم إلى شجرِ النّخيلِ؛ وذلك أنّه مهما قِيل في تبشيعِ هذا الشّجرِ فإنّ ذلك لن يبلغَ في الأذهانِ والنفوسِ قِيْدَ أُنْمُلةٍ بشاعةَ شجرةِ الزقّومِ.

     وقد ذهبَ الفرّاءُ رحمه الله في كلامِه على المشبّهِ به: (رؤوس الشّياطين) إلى ثلاثة أوجهٍ: أوّلُها: التّمثيلُ برؤوس الشّياطين في القبح، وثانيها: التّمثيل بحيّة معروفةٍ عند العرب باسم الشيطان، وثالثُها: التّمثيل بنبْتٍ معروفٍ برؤوسِ الشّياطين. يقول رحمه الله: (قولُه: (كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّياطِينِ) فإنّ فِيهِ فِي العربيّة ثلاثةَ أوجهٍ: أحدُها أن تشبّه طَلْعَها فِي قبحه برؤوس الشّياطين؛ لأنّها موصوفةٌ بالقبح، وإن كانت لا تُرى. وأنت قائلٌ للرجل: كأنّه شيطان إِذَا استقبحتَه. والآخرُ: أنّ العرب تسمِّي بعض الحيّات شيطانًا، وهو حَيّة ذو عرفٍ... ويُقال: إنّه نبْتٌ قبيحٌ يُسَمّى برؤوس الشياطين. والأوجه الثلاثة تذهب إلى معنى واحد فِي القبح.)[36]

     وواضح أنّ التّوجيهين الثّاني والثّالث يعتمدان في إبراز المُراد على صورةٍ مرئيةٍ يعلم السّامع خبرَها، وما تتصفُ به هذه الصّورة من قبحٍ شديدٍ، وأمّا التّوجيه الأوّل فسبيلُه مختلفٌ؛ إذ (اعتمد في إبراز الحقيقة المراد إبرازُها على ما ترسّخ في نفوس النّاس من صورٍ لأشياءَ ليست حقائقُها مرئيةً في حياة النّاس.)[37] وما رسَخَ في النّفوس من صور الجنّ والشّياطين (أنّها صورٌ مُنْكَرةٌ وبشِعةٌ).[38]

     والذي يَرْجُح عندي هو القول بالتّوجيه الأوّل؛ وذلك لأنّ الغرضَ المرادَ من الصّورتين تنبيهُ السّامع على أنّه لا شيءَ يداني بشاعة طلع شجرة الزّقّوم، ونخلِ بئر ذروان، وذلك ما يتحقق على أحسن وجهٍ إذا ما أخذنا بمعنى التّوجيه الأول؛ إذ إنّ صورة هذا التّوجيه تمكِّن الخيالَ من الذّهوب كلّ مذهبٍ في التّبشيع والتّقبيح، فيستجمعُ الخيال السيّار في كلّ فجّ كلّ قُبْحِ الدّنيا، ليلقيَه من بعد ذلك على رؤوسِ الشّياطين، ومثلُ هذا لا يتأتّى للسّامع في التّوجيهين الثّاني والثّالث؛ إذ القبحُ المستخرَح منهما على شدّته يبقى محصوراً بما رأتْه العينُ، وأحسّت به النفسُ.

     ولعلّ أوّل من ذهب إلى ترجيح الوجه الأوّل أبو العبّاس المبرّد رحمه الله تعالى رادّاً ذلك إلى تقبيح الله لرؤوس الشياطين. يقول رحمه الله: (والقول الآخر - وهو الذي يسبقُ إلى القلب - أنّ الله جلّ ذكرُه شنّع صورة الشياطين في قلوب العباد. فكان ذلك أبلغَ من المعاينة، ثم مثّل هذه الشّجرة ممّا تَنْفُر منه كلُّ نفس.)[39]

     ولكنّ هاتين الصّورتين - على ما بينهما من التقاءٍ في حرف التشبيه، ووحدة المشبّه به، ومناسبتِه للمشبّه - تفترقان في عددٍ من مكونات الأسلوب؛ وذلك لوقوعِهما في سياقين مختلفين؛ فقد جاء طلعُ شجرة الزّقّوم في الصّورة القرآنية مشبَّهاً، وذلك ما لم يكن في الصورة النّبويّة؛ إذ جاء فيها رؤوسُ النّخل من ثمرٍ وسعَفٍ المشبَّهَ [40]، وهذا مردُّه إلى أنّ الصّورةَ القرآنيّة جاءت في سياق الكلام على قبح شجرة الزّقّوم، وأنّها مأكلُ أهل الجحيم، فناسب مثلَ هذا السّياق جعلُ ثمرِ النّخيل المشبَّه، وأمّا الصّورة النّبويّة فجاءت في سياقٍ مغايرٍ يدور حول وصف التبدّل الكبير الذي أصاب شجر النّخيل بسبب ريّها بماء السّحر، فكان من المناسب في هذا السّياق ألّا يُقتَصَرَ على الثّمر وحدَه كما الحالُ في القرآن، وإنّما يؤتى بما أصاب النخلة من تبدُّلٍ في ثمرها وسعَفِها.

     )وتفترق الصّورتان القرآنيّة والنّبويّة كذلك في عِدّة المؤكدات؛ فقد أكدّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم صورتَه بثلاثة مؤكّدات، هي:(القسم، ولام الجواب، وكأنّ)، وفي الصّورة القرآنيّة لم يأتِ غيرُ مؤكّد واحد، هو حرف التشبيه والنصب (كأنّ). ولعلّ ذلك معادُه إلى مقام كلّ صورة، فالصّورة القرآنيّة تصوّر لنا شجرةً تخرج من أصلِ الجحيم، وشجرةٌ كهذه ليس غريباً أن يكون ثمرُها قبيحاً قبحَ رؤوس الشّياطين، أمّا الصورة النّبوية فهي صورةٌ دنيويّة تثير فينا الإحساس بالدّهْشَةِ والغرابة؛ إذ كيف يصيِّرُ السحرُ لونَ الماء كنُقَاعة الحنّاء في الحُمْرة، ويبدّل شكلَ النّخيل الحسن إلى قُبْحٍ لا يقاربُه قبحٌ، فمثلُ هذا غريبٌ، ويستدعي من المؤكّدات عدداً غيرَ قليلٍ.)[41]

ثانياً- اقتباسُ الهيئةِ العامّة للمعنى:

     وفي هذا الضّرب من الاقتباس يكتفي النبّي صلّى الله عليه وسلّم بقبس الصّورة العامّة للمعنى دون دقائق الأسلوب وتفاصليه. وسأمثّل لهذا الضّرب بحديث النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: (‏لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ،[42] فَتُكْسَرَ خِزَانَتُه، فيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ إنما تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمتَهُمْ. فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِهِ.)[43]

     فالنّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث ينهى المسلمين عن أن يحلبوا ماشية أيّ أحدٍ من إخوانهم من غير إذنٍ، ثُمّ يُلْحِقُ نهيه بتشبيه يبيّن فيه للمسلمين وَجَاهَةَ النّهي، ووجوب طلب الإذن، وينهجُ لبلوغ ذلك مِنْهَاجَ الاقتباس من قول الله تعالى: ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات12. مكتفياً في هذا الاقتباس بأخذ الهيئة العامّة للمعنى القرآني دون تفاصيل الأسلوب، فتشابه القولان القرآنيّ والنّبويّ في أنّ كلّاً منهما من التشبيه المركّب الذي لا يشفّ عن دلالته على نحوٍ مباشرٍ، وفي أنّ كلّاً منهما جاء بالمشبَّه من خلال أسلوب النّهي: (ولا يغتب، لا يحلبنّ)، وفي أنّ كلّاً منهما جاء بالمشبَّه به من خلال كلام مستأنَفٍ بُني على تقرير المخاطب بأسلوب الاستفهام: (أيحبّ أحدُكم أن تؤتى..، أيحبّ أحدكم أن يأكل...)، وذلك للحصول من المقرَّرِين على الردّ الطّبيعي بكره المقرَّرِ ليلزمَ عن ذلك الكفُّ عن الفعل المنهي عنه أحسنَ لزومٍ: الغيبةُ في القرآن، والحلبُ بغير إذنٍ في التعبير النبوي، وفي أنّ كلّاً من المقتبَس والمقتبَس منه أعقب تشبيهه بالفاء الفصيحة، المُفْصِحة عن محذوفٍ يُفْهَم من سياقِ القول، فجاء القرآن بجملة: (فكرهتموه). يقول الزّمخشري رحمه الله معلّقَاً على هذه الجملة، وصلتِها بما قبلَها: (ولمّا قرّرهم عزّ وجلّ بأنّ أحداً منهم لا يحبّ أكل جيفةِ أخيه، عقّب ذلك بقوله تعالى: (فَكَرِهْتُمُوهُ) معناه: فقد كرهتموه، واستقرّ ذلك. وفيه معنى الشرط، أي: إن صحّ هذا فكرهتموه، وهي الفاء الفصيحة، أي : فتحقّقت - بوجوب الإقرار عليكم، وبأنّكم لا تقدِرُون على دفعه وإنكاره: لإباء البشرية عليكم أن تجحدوه - كراهتُكم له، وتقذرُّكم منه ، فليتحقّقْ أيضاً أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعنِ في أعراض المسلمين.)[44] وجاء الحديث النّبويّ بجملة: (فلا يحلبن أحدُكم..) مكرِّراً طلب النّهي، والفاء في هذه الجملة هي الفصيحة، وتقدير الكلام مع هذه الفاء المفصِحَة عن محذوفٍ: فإذا أقررتم بكُرْه أن يُسرَق طعامُكم، وظهر لكم ظهوراً لا لبسَ فيه أنّ ما في ضروع الماشية طعامٌ لأصحابه كطعامكم الذي في خزائن بيوتكم، فلا يحلبنّ أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه.

     وهكذا يكون النّهي النّبويّ جاء نتيجةً لِمَا قبلَه من تشبيهٍ مُقْنِعٍ مؤثّرٍ، فصَّل النبي في أحداثه: (تُؤتى، تُكسر، يُنتقل)، وبناها لغير الفاعل مرِيداً من ذلك أن يعاين السّامع الأذى الذي يقع عليه لحظةً بعد أخرى بغضّ النّظر عن الفاعل له؛ إذ لا تعلّق للغرض بذكره، فإذا ما وقع ذلك كان السامع مهيّئاً لجملة النّهي؛ لأنّ الرّهبة من ذلك الفعل البشع الشّنيع تكون قد استمكنتْ من نفسه، فيمتنعُ لذلك عن إيذاء غيره بحلب الماشية بغير إذنٍ.

      ولكنّ هذين القولين المقتبَس والمقتبَس منه يفترقان بعدَ ذلك التشابهِ العامّ في كثيرٍ من تفاصيلِ الأسلوب، ومن هذه الفروقِ:

أوّلاً: إسنادُ الفعل إلى المخاطَب في جملةِ النّهي القرآنية: (ولا يغتبْ بعضُكم بعضاً) وإسنادُه إلى الغائب في جملة القصر النّبويّة الأولى والمكرَّرةِ؛ إذ اكتفى النّبي صلّى الله عليه وسلّم بتقرير حكمٍ عامٍّ يعمّ كلّ أحدٍ، في كل زمانٍ ومكانٍ: (لا يحلبنّ أحدٌ ماشية أحدٍ إلّا بإذنه)، وكأنّ الغايةَ عدمُ إشعار المخاطب أنّ الكلام موجّه إليه، وذلكم مِنْهَاجٌ مغايرٌ لِما عليه القولُ القرآنيّ من مكاشفةٍ صريحةٍ، ومواجهةٍ حاسمةٍ.

ثانياً: جعلُ التّشبيه القرآنيّ الواقع في الغيبة آكلاً للحم أخيه الميّت، وأمّا التّشبيه النّبويّ فلم يجعل من يحلبُ الماشية بغير إذن صاحبِها سارقاً، وإنّما جعله مسروقاً، فلم يقلْ على طريقةِ القرآن: (أيحبّ أحدُكم أن يأتي بيتاً، فيكسرَ خزانته، وينقلَ طعامَه)، وإنّما قال: (أيحبّ أحدُكم أن تؤتى مشربتُه، فتُكسر خزانتُه، فيُنتقل طعامُه.) وذلكم مظهرٌ آخر من مظاهر المواجهة الشّديدة، نلقاه في القرآن، ولا نلقاه في الحديث.

ثالثاً: التّصريح بلفظ الكره في القول القرآنيّ، وتذييل تشبيهه بقوله تعالى: (واتقوا الله...) فدلّ هذا وذاك على قَبَاحة الغيبة، وعِظَم ذنبها عند الله؛ إذ المعنى: (فخافوا عقوبته بانتهائكم عمّا نهاكم عنه...)[45] وأمّا القول النّبويّ فلم يصرّح بلفظ الكره، وإنّما أبقاه مضمَراً، وجاء بجملةٍ مستأنَفةٍ: (إنما تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمتَهُمْ)، وكان يمكن أن يُستغنى عن هذه الجملة من دون أن يؤثر ذلك في المراد من التشبيه، ولكنّ النّبي ابتغى من وراء هذه الجملة أن يؤكّد المراد من التشبيه، وأن يقرّر في نفوس سامعيه أنّ ما في ضروع الماشية من طعامٍ لا يختلفُ عمّا في البيوت، (فمن حلبَ مواشيهم فكأنّه كسرَ خزائنَهم، وسرقَ منها شيئاً.)[46] ولهذا صدّر هذه الجملةَ بحرف التّوكيد والحصر (إنّما)، وكرّر لفظ الطعام لإثبات عدم الاختلاف بين الطّعامين، وأن حال المتعدّي عليهما حال واحدة.

      وهذا الافتراق في الأسلوب بين المقتبَس والمقتبَس منه معادُه - فيما يظهر لي- إلى التّفاوت الكبير بين المعصيتين في القبح، وإلى اختلاف نظر السّامع إليهما؛ فالغيبة خطيئة تأباها الفطرةُ، ويرفضُها العقلُ، ولا يجهلُ مسلمٌ ذكيّ الحسّ حرمتَها، ولا عِظَمَ قباحتِها، ولذلك سلكَ القرآنُ في سياقة الكلام عليها مع المخاطب مسلكَ المواجهة والمكاشفة، ومثّل ما (يناله المغتابُ من عِرْض المغتاب على أفظع وجهٍ وأفحشهِ. وفيه - أي في التمثيل- مبالغاتٌ شتّى: منها الاستفهام الذي معناه التّقرير، ومنها جعلُ ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبّة. ومنها إسنادُ الفعل إلى أحدِكم، والإشعارُ بأنّ أحداً من الأحدين لا يحبّ ذلك، ومنها أن لم يُقتَصرْ على تمثيل الاغتياب بأكل لحمِ الإنسان، حتى جُعِل الإنسان أخاً، ومنها أن لم يُقتصر على أكل لحم الأخ حتى جُعِل ميّتاً.)[47] وأمّا حلبُ بعض الماشية بغير إذن صاحبها طلباً للطّعام مع إمكان الاستغناء عنه فحال مغايرةٌ لحال خطيئة الغيبة؛ إذ الناس يتساهلون فيها أشدّ التّساهل، ولا يرونها خطيئةً، بَلْهَ أن ترقى إلى حدّ السّرقة.

     ولو كان حال من يحلب الماشية بغير إذنٍ على غير الحال التي وصفتها لَمَا رَفَقَ النّبي صلّى الله عليه وسلّم بالمخاطب، ولا أَلَانَ له القولَ؛ لأنّ هذا ليس من منهج النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ولأنّ العالم بحقيقة الخطأ لا تنفع معه غيرُ المواجهةِ الحاسمة، والتّصريحِ المباشر، والتّشبيه غير الموارب.

     وما يؤكّد عدم دراية النّاس بخطيئة حلب الماشية بغير إذنٍ صاحبها طبيعةُ الصّورة التي أتى بها النّبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فهو لم يأتِ بمشبَّه به من جنس المنهيّ عنه كالقول: (أيحبّ أحدكم أن تُحلب ماشيتُه)، وإنّما أتى بصورةٍ تدلّ دَلالةً بيّنةً على فعل السرقة، وأراد منِ هذا أن ينبّه السامع على أنّ ما يُتساهل في شأنه، ولا يُتصور بلوغُه حدّ السرقة هو فعلُ سرقةٍ لا يختلفُ عن فعل الاقتحام والسلب الذي تدلّ عليه صورة المشبّه به.

خامساً- فاصلةُ القولِ:

     عرضْنا فيما مضى من صفحاتٍ للمقبوس النّبويّ وصلتِه اللغويّة بأصله القرآني، وما بين المقبوسِ وأصلِه من أوجهِ التقاءٍ وافتراقٍ، ولم كان الالتقاءُ؟ ولم كان الافتراقُ؟ وفي هذا الجزء من الدّراسة نختِمُ بفاصلةٍ   نُودِعُهَا أبرزَ ما انتهيْنا إليه، ووقفْنا عليه:

 أولاً - رجّحتِ الدراسةُ في المعنى اللغويّ للاقتباس أن يكون (القَبَسُ) بمعنى الجذوةِ الصغيرة تؤخذ من معظم النّار، وذهبتْ إلى تضعيف قول من قال: إنّ المرادَ من القبس النارُ، أو الشعلةُ والنارُ معاً، وعلّةُ هذا التّضعيفِ أنّ في لفظ (القبَس) معنيين لا يفارقانه أبداً: أوّلُهما: معنى الأخذِ. وثانيهُما: الصِغَرُ في جَنْب الكِبَر. وكشفتِ الدّراسةُ عن أنّ المعنى الاصطلاحي للاقتباس مجازٌ من المعنى اللغوي في معاني: الأخذِ والصِغَرِ والانتفاعِ.

 ثانياً - أرجعتِ الدّراسةُ في تحليلها التّطبيقي للمقتبسات النّبوية أوجه الالتقاء والافتراق في الأسلوب إلى اتّحاد المقتبَس والمقتبَس منه في الغرض العامّ، وافتراقِهما في الغرض الخاصّ.

ثالثاً -  أظهرَ التّحليل البلاغيّ للمقتبسات النّبويّة أنّ سياق الكلام النّبويّ، والغرض منه، وما يحتفّ به من أحوال هو ما يبعث على التغيير في لغة الكلام القرآني المقتبَس منه، وأنّ كلّاً من الكلامين القرآني والنّبويّ كان يتسق مع سياقه والغرض منه أحسنَ الاتساق وأكملَه.

رابعاً - أظهرتِ الدّراسةُ أنّ الاقتباسَ اللفظيّ والمعنويّ قد يجتمعانِ في قولٍ واحدٍ، فيكونُ بعضُ القولِ مقتبَساً بلفظِه، وبعضُهُ الآخرُ مقتَبَساً بمعناه، وذلك ما رأيناه في تمثيلِ الدّنيا.

خامساً - كشفتِ الدراسةُ أنّ الأصل القرآني للمقتبَس النّبوي قد يكون ذا أثرٍ مهمٍّ في تحديد الدّلالة النّبويّة تحديداً يمنعُ أن يخالطَها ما قد توهم اللغةُ النّبويّة أنّها تحتملُه.

سادساً: ظهرَ للدّراسة أنّ المشابهةَ غيرَ المباشرة تتحقّق في بعض المقتبسات النّبويّة، إذا ما تحقّق فيها شرطان: أوّلهما: أن يكون الاقتباس لفظيّاً. وثانيهما: أن يكون حالُ المقتبَس له في الصّفة أدّنى بكثيرٍ من المقتبَس منه، والغرضُ من هذه المشابهةِ غيرِ المباشرة المبالغةُ في اتّصاف المقتبَس له بالصّفة، فذلك يمكّن المتكلّمَ من إيصال ما يحسّ به من مشاعرَ تجاهه - أي تجاه المقتبَس له-  إلى السامع على أحسن وجهٍ وأكمل هيئةٍ.

سادساً- المصادر:

1- الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السّيوطي، تح: محمّد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1394هـ- 1974 م.

2- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، محمّد العمادي أبو السّعود، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، د.ط، د.ت.

3- أسلوب الحوار في الحديث النّبويّ، دراسة بلاغيّة، الدكتور خليل محمّد أيّوب، دار النّوادر، دمشق، ط1، 2012.

4- الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب جلال الدين محمّد القزويني، وضع حواشي الكتاب إبراهيم شمس الدّين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1424ه، 2003.

5- البحر المحيط، أبو حيّان الأندلسي، تح: عادل عبد الموجود، وآخرون، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 1993.

6- البحر المديد، أحمد بن محمّد بن عجيبة، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2، 2002.

7- تاج العروس، مرتضى الزّبيدي، مجموعة من المحققين، سلسلة التراث العربي، الكويت.

8- التّحرير والتّنوير، الطّاهر بن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، 1997 م.

9- التّصوير البياني، د. محمّد أبو موسى، مكتبة وهبة، القاهرة، ط5، 2004.

10-        التّفسير الكبير، فخر الدين الرازي، دار الفكر، ط1، 1981.

11-        تهذيب اللغة، أبو منصور الأزهري، تح: عبد السّلام هارون، وزملاؤه، الدّار المصرية للتّأليف والتّرجمة.

12-        جامع البيان في تأويل القرآن، محمّد بن جرير الطّبري، تح: محمود محمّد شاكر، وأحمد محمّد شاكر، مؤسّسة الرسالة، ط1، 2000 م.

13-        جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمّد بن جرير الطّبري تح: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ومركز البحوث والدّراسات الإسلاميّة بدار هجر، دار هجر، ط1، 2001.

14-        الجامع الصحيح، محمّد بن إسماعيل البخاري، تح: د. مصطفى البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1987.

15-        الحاوي للفتاوى، جلال الدين السّيوطي، دار الفكر، بيروت، 1424ه- 2004.

16-        خزانة الأدب وغاية الأرب، علي بن عبد الله الحمَويّ، تح: عصام شعيتو، مكتبة الهلال، بيروت، ط1، 1987.

17-        دلائل النّبوة، أبو بكر البيهقي، تح: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان، ط1، 1988.

18-        روح المعاني، محمود الألوسي، دار إحياء التّراث العربي، بيروت.

19-        زهر الأكم في الأمثال و الحكم، الحسن اليوسي، تح: د. محمّد حجّي، د.محمّد الأخضر، دار الثّقافة، المغرب، ط1، 1981.

20-        صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، تح: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

21-        العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ابن رشيق القيرواني، تح: د. محمّد قرقزان، مطبعة الكاتب العربي، دمشق، ط2، 1994 .

22-        العين، الخليل بن أحمد، تح: د. مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي.

23-        فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تصحيح محبّ الدّين الخطيب، وعليه تعليقات ابن باز، خرج أحاديثه محمّد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، 1379ه.

24-        القاموس المحيط، مجد الدين الفيروزآبادي، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، إشراف: محمّد نعيم العرقسُوسي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، ط8 ، 1426 هـ - 2005 م.

25-        الكامل في اللغة والأدب، محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس، تح: د. محمّد الدّالي، مؤسّسة الرّسالة، دمشق، ط3، 1997.

26-        الكشّاف، العلّامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407 هـ.

27-        الكلّيّات، أبو البقاء الكفويّ، تح: عدنان درويش، ومحمّد المصري، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1998.

28-        لسان العرب، ابن منظور، تح: عبد الله الكبير، وزميلاه، دار المعارف، القاهرة.

29-        مجاز القرآن، أبو عبيدة معمر بن المثنى، تح: محمّد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، مصر.

30-        مختصر المعاني، سعد الدّين التفتازاني، دار الفكر، ط1، 1411هـ.

31-        مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاضي أبو الفضل عياض، المكتبة العتيقة، ودار التّراث.

32-        مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ملّا علي القاري، تج: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2001.

33-        معاني القرآن، يحيى بن زياد الفرّاء، تح: أحمد يوسف النّجاتي، وآخرون، الدار المصرية للتأليف والتّرجمة، ط1، مصر.

34-        مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، تح: د.مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، مراجعة: سعيد الأفغاني، ط1، 1972.

[1] - الكشّاف، الزّمخشري، ج4، ص649. وانظر دلائل النّبوة، البيهقي، ج2، ص198.

[2] - البخاري، 4581، 4582.

[3] - الاقتباس من القرآن، أبو منصور الثّعالبي، ج1، ص39 . وقد منع مالكٌ الاقتباسَ من القرآن في الشعر والنثر- كما يذكر السّيوطي-  وشدّد النّكير على فاعله، وهو منعٌ لا دليلَ عليه، ولاسيّما أنّ النّبيّ عليه السلامُ أوّلُ من سلك سُبُلَ القبس من القرآن. انظر ما كتبه السّيوطي رحمه الله في كتاب الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص386- 390. وفي خزانة الأدب لابن حجّة ج2، ص455 أنّ الاقتباس من القرآن على ثلاثة أقسامٍ: (مقبولٌ ومباحٌ، ومردودٌ.) واستحسن السّيوطي هذه القسمةَ  في الإتقان ج1، ص387.

[4]- المصدر السابق، ج1، ص39.

[5] - نُشرت هذه الدراسة في مجلّة كلّيّة الشّريعة بجامعة عثمان غازي في تركيا.

[6] - العين، الخليل بن أحمد، باب القاف والسين والباء ومعهما، ج5، ص86.

[7] - تهذيب اللغة، الأزهري، ج8، ص419.

[8] - القاموس المحيط، الفيروزآبادي، مادة (قبس).

[9] - مجاز القرآن، أبو عبيدة مَعْمَر بن المثّنى ،ج2، ص92.

[10] - لسان العرب، ابن منظور، مادة (قبس).

[11] - تاج العروس، المرتضى الزّبيدي، مادة (قبس).

[12]- أي: بشعلة نارٍ مقبوسةٍ، أي: مأخوذة من أصلها. روح المعاني، الألوسيّ، ج19، ص159.

[13] - الكشّاف، ج3، ص249.

[14] - الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني، ص312. وانظر مختصر المعاني، سعد الدّين التّفتازاني، ص291. وانظر الكليّات لأبي البقاء الكفوي، ص156.

[15] - الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص296.

[16] - خزانة الأدب وغاية الأرب، ابن حجَّة الحمَوي،ج2، ص455.

[17] - الحاوي للفتاوى، السّيوطي، ج1، ص305.

[18] - زهر الأكم في الأمثال والحكم، الحسن اليوسي، ج2، ص26.

[19] - المصدر السابق، ج2، ص26.

[20] - خزانة الأدب وغاية الأرب، ج2، ص456.

[21] - المصدر السابق، ج2، ص456.

[22] - الاقتباس من القرآن، ج1، ص84، 85.

[23] الاقتباس من القرآن، ج1، ص85-88.

[24] - مسلم،2858.

[25] - مغني اللبيب، ابن هشام، ج1، ص225.

[26] - المصدر السابق، ج1، ص225.

[27] - التّحرير والتّنوير، الطّاهر بن عاشور، ج10،ص198.

[28] - المصدر السابق، ج10، ص198.

[29] - البحر المديد، ابن عجيبة، ج3، ص105. بتصرّف يسير في اللفظ.

[30] - جامع البيان، ابن جرير الطّبري، ح1، ص450، ط: العلّامة محمود محمّد شاكر.

[31]- مسلم، 2957.

[32] -  وذلكم المنهجُ القرآنيُّ والنّبويُّ في تعظيم أمر عذاب الدنيا - مع أنّ عذاب الدّينا إذا ما قورن بعذاب الآخرة ليس بشيءٍ- منهجٌ حسنٌ؛ إذ يفيد أحسن الفائدة في الردع والزّجر؛ لأنّ النفوس تخشى أكثرَ ما تخشى القريبَ العاجلَ المُشَاهَدَ، وخشيتُها منه أكبرُ من خشيتها ممّا هو مُضْمَرٌ مستكِنٌّ وراءَ الحجُبِ والغيوب، وهو بذلك يقول للمخطئ المجترئ على الله: إنّ عذاباً عظيماً عاجلاً سيُصَبُّ عليه عاجلاً غير آجلٍ، وإنّ له لعذاباً في الآخرة أكبرُ من بعد ذهوب الدّنيا، فيرتدعُ لذلك عن آثامه، وينزجرُ عن مساويه.

[33]-  مسلم، 1493.

[34] - البخاري،5433. مسلم، 2189.

[35]  - التّصوير البيانيّ، الدكتور محمّد أبو موسى، ص 109.

[36] - معاني القرآن، الفراء، ج2، ص387.  وانظر جامع البيان، الطّبري، ج19، ص553، 554. ط: عبد المحسن التركي.

[37] - التّصوير البياني، ص109.

[38]  - العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ابن رشيقٍ القيرواني، ج1، ص491. بتصرف يسير في اللفظ.

[39] الكامل في اللغة والأدب، المبرّد، ج2، ص996، 997.  وهذا الذي ذهب إليه المبرّد رحمه الله، واخترته، وعلّلت سريرة اختياري له مال إليه أكثرُ المفسرين من غير تصريحٍ منهم بذلك أو تعليلٍ؛ فالزّمخشريّ رحمه الله في الكشّاف ج4، ص46 ذكر الأوجه الثّلاثة، ولكنّه ضعّف القولين الثّاني والثّالث؛ إذ صدّرَهما بصيغة: (وقيل) الممَرِّضة للمعنى، وصرّح الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ج26، ص142بصحّة الوجه الأول دون تعليل لهذا التّصحيح، ووافق أبو السعود في تفسيره ج7، ص194 صنيعَ الزّمخشري والرّازي فيما مالا إليه؛ وذلك بتصديره القولين الثّاني والثّالث بصيغة التضعيف (قِيل)، وأمّا صاحبُ البحر المحيط ج 7، ص348 فمال إلى القول الثّالث، مضعِّفَا القولين الأول والثّاني؛ إذ صدّرَهما بصيغة التّضعيف، وكذلك فإنّه في ترتيبه الأوجه قدّم الثّالث على الوجهين الأوّل والثّاني في دَلالة على تَرَجُّح الوجه الثّالث عنده، وعرض ابن حجرٍ في فتح الباري ج10، ص230، 231 للأوجه الثّلاثة مصدِّراً إيّاها بقوله: ويَحْتَمِلُ، ناسباً هذه الأوجه إلى الفرّاء وغيره. 

[40] - وقد رُوي المشبَّه به روايتين: (النخل) و(رؤوس النخل) يقول صاحبُ فتح الباري رحمه الله ج10، ص230: (قولُه: (وكأنّ رؤوس نخلها رؤوسُ الشياطين) كذا هنا، وفي الرواية التي في بدء الخلق: (نخلُها كأنّه رؤوسُ الشياطين) وفي رواية ابن عيينة وأكثرِ الرواة عن هشامٍ: (كأنّ نخلَها) بغير ذكر رؤوس أوّلاً، والتّشبيه إنّما وقع على رؤوس النّخل؛ فلذلك أفصحَ به في رواية الباب، وهو مقدّر في غيرها، ووقع في رواية عمرةَ عن عائشةَ: (فإذا نخلُها الذي يشرب من مائها قد التوى سعَفُه كأنّه رؤوسُ الشّياطين.)

[41] - أسلوب الحوار في الحديث النّبوي، الدّكتور خليل محمّد أيّوب، ص366، 367.

[42]- المشْرُبَةُ: (بفتح الراء وضمّها هي كالغُرْفَةِ، وقال الطّبريّ كالخِزَانَة يكون فيها الطعام وِالشرابُ، ولهذا سميت مَشْرَبَةً، وقالِ الخليل هي الغرفة، وقال يحيى بن يحيى هي الْمَسْكَنُ. وكلّه قريبٌ بعضُه من بعضٍ.) مشارق الأنوار، ج2، ص247.

[43]- البخاري،2303، مسلم،1726. واللفظ واحد.

[44] - الكشّاف، الزّمحشري، ج4، 373، 374

[45] - جامع البيان، الطّبريّ، ج21 ، ص 381. ط التّركيّ.

[46] - مرقاة المفاتيح، القاري، ج6، ص129.

[47] - الكشّاف، الزّمخشري، ج4، ص372، 373.

وسوم: العدد 628