تعليقةٌ على "مهارة الكتابة العربية"
زرت مكتبة دار السلام بالقاهرة، ولقيت مدير نشرها، واتفقنا على ما سيكون من أمر تعاقدنا على كتابي "مهارة الكتابة العربية".
أطلعني الأستاذ مدير النشر على تقرير المحكم الكبير الذي كتم عني اسمه ورفع لي قدره وذكره! وعبر عن خشيته أن يضايقني شيء من عبارات هذا التقرير:
"تقرير عن بحث بعنوان "مهارة الكتابة العربية".
"مهارة الكتابة العربية": مقال أقرب في معالجته إلى السيرة الذاتية لصاحبه ولتجاربه في الحياة وفي التعليم، منه إلى البحث العلمي!
كُتب البحث بلغة فصحى تكاد تستغلق على القارئ من فرط فصاحتها وتجمُّلها، ولغة البحث العلمي تنأى عن ذلك، وتؤثر البساطة واليسر والوضوح واستخدام ما هو مصطلح عليه بين أهل الصناعة. وقد أصاب الكاتب حين نعت بحثه أو مقاله، بأنه تجربة طريفة؛ فهو هكذا حقاً!
ولي عليه الملاحظات الآتية:
1- العينة المدروسة 26 ورقة إجابة عن نصين صغيرين، غير كافية البتة لتعميم الأحكام. وتفسيره لنتائج بحثه تفسير ذاتي بحت، يرد الأمر إلى اختلاط التفكير والكسل العقلي.. إلى غير ذلك مما يتصل بطلاب عينة البحث، والأسباب كثيرة ومعقدة، وليس مردها إلى كَتَبة الإجابة فحسب.
2- معياره للخطأ والصواب متشدد جداً، لا يراعي ما حدث في الفصحى الحديثة من تغيرات ليست كلها ضارة أو خاطئة.
3- إن كثيراً مما خطأه يمكن رده إلى القواعد أو إلى الاستعمال الفصيح.
4- يتفنن في التقسيم وفي ابتداع المصطلحات؛ فيعسر على قارئه متابعة البحث والاستفادة منه.
ومع ذلك فالبحث مقبول للنشر؛ فهو يعكس رؤية نابعة من معرفة، ومن طاقة عالية في التعبير.
وبالله التوفيق".
فلما قرأت التقرير ارتحت له، واستغربت أن يتوقع الأستاذ مدير نشر مكتبة دار السلام، غضبي لأي شيء فيه! فذكر أنه استصعب قوله: "كتب البحث بلغة (...) وتجملها"!
قلت: لقد سرني كل ما فيه، بل وجدت فيه من يراني لنفسي، ويؤيد رأيي!
كان الأستاذ مدير نشر مكتبة دار السلام، يسمع كلامي، ويتبسَّم.
ولقد كنت قدمت للمكتبة كتابين: هذا، و"عصا المربد: أبحاثٌ نصيةٌ عروضيةٌ"، فلم يقر للمحكم على العصا قرار، والحر تكفيه الإشارة!
والآن أعلق كلمتي هذه بغرفة 508 من جناح 5 – 6، من القطاع الخارجي بمستشفى النيل التخصصي، بعد نجاح استئصال فص من إحدى رئتي أمي، أفسده الورم الخبيث – أتم الله شفاءها، وأوزعني أن أبرها! – قبل ثلاثة أيام من سفري إلى المدينة المنورة – إن شاء الله – أستاذاً مشاركاً، بقسم اللغة العربية، من كلية التربية والعلوم الإنسانية، بجامعة طيبة، فلله الحمد والشكر، حمداً وشكراً دائمين، كثيرين، طيبين، مباركاً فيهما، مباركاً عليهما، كما يحب ربنا ويرضى!
وسوم: العدد 629