حق الله بين "جان أنوى" و"ثروت أباظه"

ترجمة الكاتب:

لا تزال روايه "شئ من الخوف" للأستاذ ثروت أباظه تمثل الروايه الأهم فى أدبنا المعاصر أو ماتبقى من أدب الروايه فى عالمنا العربى كذلك الأمر بالنسبه لروايه "للزمن بقيه" للأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله روايتان هامتان فى تاريخ الروايه العربيه الحديثه والمتابع لأدب الروايه يصيبه الفزع مما آلت إليه ودون شك فقد توارت الأعمال الإبداعيه الحقيقيه وبرزت كتابات لا معنى لها ولا قيمه. وهتف لها (الناقد) الضال المضل بعد إن رحل كبار النقاد أو غابوا لسبب أو لآخر بعد أن أستشرى الفساد فى الحياه الأدبيه إلى الحد الذى يجب على القلم الجاد أن يقضم الصمت ويأوى إلى ركن رشيد.

ويدعى البعض أن دور أباظه كان هامشياً وكل ما يحظى به أنه سليل الأسرة الأباظيه الإقطاعيه التى أفسدت الحياة فى مصر وربما العالم بأسرة!! ولسنا هنا فى مقام الدفاع عن الرجل أو أسرته فهو من رجالات مصر غايه فى النبل كما عهدناه عن قرب. رجل نبيل من أسرة نبيله.

وهو كاتب من طراز فريد. تخرج فى كليه الحقوق عاش هموم وطنه رغم ارستقراطية. دائم التردد على قريته غزاله بمحافظه الشرقيه بمصر. صودرت أموال والده فأصبح لا يملك شيئاً إلا قوت يومه وسن قلمه الذى صادرته السلطات وقتذاك على أساس أنه من كبار الإقطاعين!! ومنح جنيهات قليله للصرف منها ومنع المناصب والكتابه فى العهد الناصرى لولاً مساعده الأديب العظيم محمود تيمور له بأن أفسح له مكاناً فى مجله القصه التى ترأس الأخير تحريرها لسنه أو اقل ثم أغلقت وأضطر الرجل إلى بيع بيته الواسع بالمعادى ليسكن فى شقه راقيه على النيل من أملاك أقاربه وذلك تقليلاً للنفقات..ذلكم هو ثروت أباظه الذى عرفته عن قرب. لقد كان غايه فى النبل. عشق اللغه العربيه وآدابها لأنه تربى فى بيت علم ولا شك. يحرص على الصلاه فى أوقاتها. كان يدير كرسيه وقت الأذان أستعداداً للصلاه فى وقتها. لا يعبأ بشئ ولا يلتفت إلى شئ بخلاف الإستعداد للصلاه. ذلكم هو ثروت أباظه الذى عرفته عن قرب.

عاش الأستاذ ثروت أباظه هموم وطنه حكى لنا عن الريف كما لم يصوره أحد من قبله إلا الأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله فهما فى هذا الأمر سواء بسواء..

و(كمال) فى روايه (هارب من الأيام) للأستاذ ثروت أباظه هو(عتريس) بعد أنه أكتمل فى

(شئ من الخوف).

و(حموده) فى روايه (الجنه العذراء) لعبد الحليم عبد الله هو (طه) بعد أن أكتمل إجرامه فى (للزمن من بقيه) إشتباك مع الواقع الحقيقى لا الواقع المنحرف المزيف الذى شغل الناس بالراقصات إنها الواقعيه الحقيقيه لا الواقعيه المزوره.

إن واقع الأمه لا يمثله تاريخ الراقصات فلا علاقه للراقصات بالكفاح ضد المحتل إنما يقع كفاهن فقط فى الفراس نعم أنه واقع موجود ولكنه لا يمثل الصوره الحقيقيه إنما يمثل صوره منحرفه مرفوضه من عامه الناس ولكن إصرار الأعلام على بطولتهن لا يعنى سوء محاوله إفساد الزوق العام وتقديم النماذج المنحرفه فى الأعمال الأدبيه ثم تحويلها إلى أعمال دراسيه لتجتاح كل البيوت ويتم إعاده تشكيل المفاهيم.

وقدم التليفزيون المصرى روايه (هارب من الأيام) وتابعها الملابين من الشباب الصغيره وكانت عملاً وراعياً رائعاً. كما قدم روايه (الجنه العذراء) وكانت هى الأخرى من الأعمال الراقيه للمخرج العبقرى نور الدمرداش ولا تنسى الذاكره العمل الدرامى الرائع (الساقعه) للأستاذ (عبد المنعم الصاوى) الذى أتسحوذ على قلب المشاهد وعقله.

لا تنسى الذاكرة مطلقاً روائع الأعمال الدراميه

-       هارب من الأيام

-       الجنه العذراء

-       الساقيه

إنها الواقعيه الحقيقيه لا الواقعيه المزورة.

       نعود إلى روايتا (شئ من الخوف) للأستاذ ثروت أباظه أعود بالذاكره التى صارت غرباليه إلى 1972 كنت قد تخرجت فى كليه التجارة ودفعتنى جرأه الشباب وقتئذ إلى مقابله الأستاذ ثروت أباظه وكان رئيساً لتحرير مجله الاذاعه والتليفزيون بعد أن اعاد له الرئيس السادات بعض حقوقه. قابلنى الرجل وقدمت إليه مقالى (حق الله بين جان أنوى وثروت اباظه) وكانت فرائصى ترتعد. تبسم الرجل وضغط على زر فجاء رجل على عجل فقال له الأستاذ ثروت أباظه: إعط هذا لعبد الله خيرت وانصرفت. وعرفت بعدها أن عبد الله خيرت هو مدير تحرير مجله (الجديد) وكانت تحتل قاعه بجوار مكتب الأستاذ ثروت أباظه. ونشر المقال فى مجله (الجديد) التى كان ترأسها الدكتور رشاد رشدى نشر المقال على صفحتين متقابلين. ذلكم هو الأستاذ ثروت أباظه كما عرفته عن قرب.

الأستاذ محمد ثروت أباظه عالم من النبل.

كنت إذا ذهبت إليه بمكتبه بجريده الأهرام وطلبت مقابلته. أسمع صوته القوى يقول للسكرتيره لا يستأذن الولد على أبيه!!!

نعم لقد كان نبيلاً.

(ولا توجد الاعمال الادبيه إلا ولها قاعدة فكريه تقوم عليها وإلا يكون المجتمع فاقداً للخصوصيه).

       يقول الدكتور/ عبد الوهاب المسيرى والأستاذ ثروت أباظه صاحب قاعدة فكريه قرانيه ولا شك فى ذلك مطلقاً، لقد شكل القرأن ثقافته وكانت هذه الخصيصه سر كراهيه كتاب اليسار له ومعظم أبناء جيله لم تتشكل ثقافاتهم على قاعدة القرأن ما عدا قله قليله منهم وقد صاحبته هذه القاعدة طوال حياته عرفناها فى سلوكه وفى كتاباته بشكل لا يستطيع أن ينكرة إلا مكابر.

       لم تتسرب إلى أعماله من المفاهيم ما يناقض عقيدته أو يكسر منظومه القيم العليا لولا بعض الترف الذى نراه قد تسرب إليه فى أعماله الأولى نتيجه للحياه الأرستقراطيه التى تأثر بها وظهرت فى أعماله الأولى نتيجه أيضاً للحياه الأرستقراطيه التى تأثر بها فى شبابه ولكنها انتهت بروايه (شئ من الخوف) التى كتبها قبل عام 1970 وصدرت عن دار المعارف سلسه إقرار وقد أهدانى نسخه منها وكتب (إلى إبنى زغلول محمود..) لا أعمال أدبيه أذن بدون قاعدة فكريه إنها عند أذن تكون مجرد لوحات عبثيه لا معنى لها. لقد إتخذ الغرب الوثنيه الإغريقيه قاعده فكريه له وأنتج أعمالاً غايه فى الروعه الفنيه وفى ذات الوقت بلا هدف!!

فلماذا لا نتخذ من خصائصنا الحضاريه قاعده فكريه!؟ وقطعاً لا تصلح لنا وثنيه اليونان أو الرومان التى أتخذها الغرب قاعده فكريه لكل أبداعاته فهى مقطوعه الصله بخصائصنا وإذا كان بعض الكتاب قد إهتم بها واتخذها منهجاً له فهذا عجز عن هضم الخصائص الذاتيه لنا وإستبدالها بخصائص مجتمعيه أخرى.

لقد أهتم الأستاذ ثروت أباظه بقضيه (الحق) فى مقابله (الباطل) فى حين أنتصر الأستاذ نجيب محفوظ لقضايا فلسفيه غامضه فجاءت أعماله لتثير الشكوك حول مسائل الأعتقاد وعرضها من زاويه مخالفه للعقيده أو أنتصر لقضايا الساقطات وصدرهن على إنهى أصحاب مواقف ضد الإحتلال الإنجليزى!! أنه صور الواقع المنحرف الذى يرفضه السواد الأغلب من الناس، صور الواقع المنحرف على أنه الواقع الحقيقى.

لقد جسم الناقد الكبير الدكتور حلمى القاعود قضيه أدب الأستاذ نجيب محفوظ فى سطر عبقرى قال:

 - أنه كتب الروايه الغربيه!!! (بتصرف) ويمكن مراجعه كتابه (النثر الفنى) فى هذا الأمر وقال الدكتور يوسف عز الدين عن أدب محفوظ ومقارنته بأدب عبد الحليم عبد الله

(( أن نجيب محفوظ يحاول أن يتفلسف فتخونه الفلسفه، ويحاول أن يكون مصلحاً إجتماعياً فلا تواتيه. لم يضع نجيب محفوظ للكثير من القضايا الفكريه حلولاً، بل كان يهرب منها ويترك الأمور بجذر وخوف ويؤسفنى أن أقول أن حوارى نجيب محفوظ حاولوا حجب شخصيه (عبد الحليم) الفذه كثيراً)) (مجله الكتاب العراقيه العدد 3،2 السنه الخامسه 1970وهذا الكلام قائله كما أوضحت الناقد الكبير الدكتور يوسف عز الدين ـــــــ الأمين العام للمجمع العلمى العراقى ورئيس تحرير مجله الكتاب العراقيه أيام كان للعراق مكانا على خريطه الدنيا.

       وقد إشار الدكتور السيد فرج الأستاذ بكليه التربيه جامعه المنصوره إلى خطوره روايات الأستاذ نجيب محفوظ وطالبت جريده أخبار الأدب برئاسه تحرير جمال الغيطانى الذى يرقد الان فى غرفه العنايه المركزه ـــــــ طالبت الجريده التى لا تباع بمصادره كتاب الدكتور فرج لمجرد طرحه لأدب محفوظ لأن الأستاذ نجيب محفوظ ذات لا تمس! استغفر الله العظيم.

       رحل الأستاذ نجيب محفوظ والحوارى العقيد جمال الغيطانى يرتد الأن 25/8/2015 فى غرفه العنايه المركزه وقد حاول أن يكون نسخه من أستاذه نفسه لأنه يستفنى بالأصل عن الصوره، فجاء الغيطانى مقلداً وكثيراً ما فند الدكتور عبد الحليم إبراهيم و.....و.....

 إلى آخر ما لا نريد ذكره لقد خرجنا عن موضوعنا الأساس.

       أن روايه (شئ من الخوف) للأستاذ ثروت أباظه نقلت الروايه العربيه من السكون إلى الحركه من السكون الناعم إلى الحركه الإيجابيه الفاعله نفلتها من الفلسفات الغامضه واثاره الأسئله التى لا يدركها العقل ولا تستطيع الإجابه عليها مطلقاً إلى عالم الواقع الحقيقى وقضايا الإنسان لتعمير الأرض كما أمره الله تعاظم وارتفع.

نعم، نقلت روايه (شئ من الخوف) الروايه العربيه من عالم السكون إلى عالم الحركه.

       إنها عمل إبداعى فريد. إعتمد فيه الكاتب على قاعده قرانيه تملأ عقله وقلبه فنقلها فى إيمان شديد فى قالب روائى شديد التماسك ولغه عربيه فصيحه يعجز عن الإتيان بمثلها من وصفوهم بالرواد!!

       لم ينقل لنا الأستاذ ثروت مفاهيم اليسار كما نقلها عبد الرحمن الشرقاوى فى روايه (الأرض) ولم ينقل لنا أفكار (يوسف أدريس) فى روايه (الحرام) أو (البيضاء)!! وكتب  الكثير من النقاد أن الشرقاوى هو كاتب قصه (الأرض) ونسوا أن يكملوا العباره الأرض اليساريه!! مفاهيم ضاله مضله!!

       لقد أفسدت روايات محفوظ وادريس والشرقاوى وعبد القدوس على الخصوص حياتنا الثقافيه وعرضت منظومه قيمنا للخطر الداهم كما ساعد على ذلك مجموعه الحرافيش الذين كانوا يسبحون بحمدهم ليل نهار وهم كوكبه هائله يرقد كبيرهم الآن فى غرفه العنايه المركزه الحوارى الآخر العتيد لا تزال فى حياته بقيه!!

       لا شك نحن ضد أى عمل يفسد منظومه قيمنا ويعرض المجتمع للخطر. ليس هناك ما يطلق عليه الفن للفن أو الأدب للأدب. ان كل عمل له ما يضبطه من ضوابط بصرف النظر عن كلام الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى الذى يدعى انه لا سقف لحريه التعبير.

       لقد استطاع الأستاذ ثروت أباظه ان يقدم للقارئ المتعه الفنيه العاليه والرساله معاً فى عمل إبداعى فريد نقل الروايه العربيه من السكون إلى الحركه ولكن اصحابنا اياهم استطاعوا ان يسدودا إليه سهام النقد المنحط فزلزل كيان الرجل ونفذ إلى قلبه ولم يستطع الرجل مقاومه كل السفله لكثرتهم فاكتفى بمقاله الأسبوعى فى الأهرام كل اسبوع حتى وافته المنيه.

لقد كان نبيلاً.

وإلى شئ من التفصيل عن روايه "شئ من الخوف"

يا عم الشيخ إبراهيم طول عمرك رجل طيب لم ترفع صوتك، حتى ان أعتدى عليك، فما معنى ثورتك هذه المره؟

-            ( حق اللــــــــــــــــــــــــــــــــــه ).

-            أنك لم تدافع عن حقوقك ضد المعتدين.

-            حقوقى أنا حر فيها. أما حق الله فأنا مرغم على الدفاع عنه.

       ثار "توماس بيكيت" على ما يفعله صديقه ملك إنجلترا بعد إن إختاره كبيراً للأساقفه وبعد أن كانا لا يفترقان خاصه عند طلب اللهو والمتعه قائلاً: لن أعرف كيف أخدم الله واخدمك (يقصد الملك) وثار الشيخ إبراهيم ضد زواج فؤاده من عتريس لأن (العقد باطل) وبطلانه جور على حق الله. الأول أدب يقوم على تصور ذهنى محض، والثانى يقوم على تصور عقيدى كامل ولنتأمل معاً هذا الحوار:

الملك:    حسنا ياتوماس بيكيت، هل أنت راض؟ ها أنا عريان على قبرك وسيأتى رهبانك ليضربوننى، يالها من نهاية لحكايتنا. أنت يصيبك العفن فى هذا القبر وفى جسمك أثار من طعنات خناجر باروناتى وأنا..الا تعتقد انه كان أولى بنا أن نتفاهم؟

بيكيت:    (بيكيت فى لباس الا ساقفه) ما كان فى وسعنا أن نتفاهم.

الملك:     قلتها لك "كل شئ الا شرف المملكه" ومع ذلك فأنت الذى علمتنى هذه القاعده.

بيكيت:    ولقد أجبتك "كل شئ إلا شرف الله".

           حوار بين الملك والأسقف! حوار حول شرف المملكه الذى يدافع عنه الملك، و"شرف الله" الذى يدافع عنه الأسقف!. تصورات ذهنيه مجرده! خاليه من اليقين..

(2)

      ثار ((توماس بيكيت)) على ما يفعله صديقه ملك إنجلترا بعد أن اختاره كبيراً للأساقفة وبعد أن كانا لا يفترقان خاصة عند طلب اللهو والمتعة قائلاً: (( لن أعرف كيف أخدم الله وأخدمك (يقصد الملك). فرق كبير بين أن نخدم ((الله)) وبين أن نرضى الغرائز الإنسانية للبشر. وثار الشيخ إبراهيم ضد زواج فؤاده من عتريس لأن (العقد باطل) وبطلانه جور على حق الله. والسؤال لماذا ثار الشيخ إبراهيم من أجل هذه المسألة بالذات ولم يدفع الأذى عن أهل القرية من قبل؟ إن ثورة الرجل لم تبدأ إلا عندما بدأ عتريس يجور على حق الله. أليس تعذيب الناس وأخد ممتلكاتهم جور على حق الله فى صورة الناس وكان يجب على هذا الرجل الثائر أن يثور من زمن مضى؟ هذه هى القضية.

(3)

      هل يمكن قتل ((فكرة))؟ هذا ما يعرضه الأستاذ ثروت فى ((شئ من الخوف)) أن اصعب الأشياء هى محاولة قتل الأفكار. قد نستطيع قتل الرجل العظيم ولكننا لا يمكن بحال أن نقتل أفكاره. وليس من السهل أن نتعرف فى ((شئ من الخوف)) على البطل الحقيقى ولا يمكننا بسهولة أن نقول عنها أنها قصة رمزية. يمكنك أن تقرأ هذه القصة عدة مرات وفى كل مرة تكشف لك عن شئ جديد. أن إكتشاف العمل الأدبى الرفيع لا يتم فى مرة واحدة، وأكاد ازعم أنه عملية مستمرة.

      ولو إستطاع الأستاذ ثروت أن يسيطر على أعصابه عند كتابة هذه القصة لوجدنا أنفسنا أمام عمل أدبى فريد. وربما يسألنى سائل: لماذا لم يستطيع الكاتب أن يسيطر على أعصابه عند الكتابة فأقول أن معظم الكتاب ذوى المواهب الأدبية الحقيقية، لا يسيطرون على أعصابهم، أو فى كل الأحوال ذوو حساسية فائضة، تؤثر على أخيلتهم كل الإنطباعات دون قيد وكثيراً ما تكون فى قسوة أما المكان الذى لم يستطع كاتبنا أن يسيطر عليه فى رائعته شئ من الخوف هو من 1-6 لماذا؟

      الكاتب عموماً رجل وطد العزم على أن يعرض حياته الباطنية للفحص العام والجزء من 1-6 من قصتنا لم يعط إلا فكرة أفقية عن كل شخصيات القصة ولكنها اتخذت من عتريس الأكبر محوراً تدور حوله وتؤكد شخصيته على الجميع وتجعلنا نحس الرهبة (نحن القراء) من اللقاء به..فعتريس هذا هو كل شئ فى حياتهم. وعلى هذا تبدأ قصة شئ من الخوف ((عجيب أن تكسر هذه المرآة فتصبح على هذه الصورة..دائرة فى الوسط تتشعب منها الشروخ فى إتجاهات شتى)) ويعتمد كاتبنا على طريقة النجوى الداخلية (المونولوج) فى تصويره لموقف عتريس تجاه الذين يعرفهم وتجاه نفسه فهو يقول (أى عتريس) عن نفسه وهو ينظر إلى المرآة المشروخة ((هذا الرجل فى هذه المرآة هو أنا.. أهو حقيقة أنا.. أفضل هذا الذى إلى جانبه من الناحية الأخرى.. الذى يدمع إن سمع دعاء طيباً ويرف قلبه أن رأى حمامة تعطف على زوجها..)) ويقول (عتريس) أيضاً عن الذين يعرفهم (من أفراد عصابته) ((هذا هو الشيخ إسماعيل الصفورى أصبح من ضمن عصابتى بعد أن طرده رجال الدين من بيئتهم)) ونلاحظ أن (المونولوج) عند الأستاذ ثروت يتميز بقصر العبارة، غير أنه يمزج بين ((المونولوج وبين علم النفس فى قليل من المواضع)).. نعم أردت ولكن الأرادة كانت تقف بك دائماً عند الرغبة ولا تعدوها إلى التنفيذ. ويبدو أن كاتبنا شغوف بالنجوى الداخلية وخصوصاً تلك التى تخفف من قسوة الرد. ومما يلفت النظر فى هذه القصة اجادة التصوير.

وقال عتريس فى هدوء وقد سرى فى صوته حنين ونعومه:

- فؤاده

  وقفز حافظ عن كرسيه:

- مالها؟

      ويستخدم كاتبنا معلوماته الشخصية أيضاً عند الحديث عن مقتل الحسن بن على ويميل إلى التركيز والاقتصاد فى الوصف. ومن نماذجه الفريدة فى التركيز تصويره لموقف عتريس مع الشهود الذين جاءوا ليشهدوا على عقد زواجه من فؤاده وهم لا يعلمون بذلك ويسأل عتريس الشيخ عبد التواب أن يسرع فيرد عليه قائلاً:

- أنا تحت أمرك ماذا تريدنى أن أفعل؟

- ألم تعرفوا لماذا جئتم؟

- جئنا لنتعشى معاً.

- فقط.

- فقط ؟؟

- هيه..لقد جئتم لتكتبوا كتابى على فؤاده وقال الشيخ عبد التواب فى سرعة:

وماله؟ نكتب

(4)

      أهم ما تفقده قصة ((شئ من الخوف)) هو عدم الإيحاء لنا بالنظر إلى الأشياء فهى لا تقول: انظر أنها تفقد صيغة الأمر أنها تجعلنا نتطلع إلى الأشياء المألوفة حتى تصبح فى نظرنا غريبة، أو حتى نراها نحن فعلاً بدلاً من الإيحاء الينا بطريقة رؤيتها وفى هذا يكون الكاتب بعيداً عنها. لا يتدخل فى مجرى الحوادث بل إن منطق الحوادث هو الذى يتطلب وقوعها

((أنه قانون الموقف))

(5)

      أعود لثورة الشيخ إبراهيم المتأخرة. واسأل هل موقفه السابق كان موقفاً سلبياً تجاه الحوداث أم أن هناك فرقاً بين ما هز وجدانه هذه المرة وبين ما كان يجب أن يهتز له فى المرات السابقة؟ يمكن أن ينظر إلى الشيخ إبراهيم على أنه ليس بطلاً أو بطلاً سلبياً.

ولكننى أجده بطلاً إيجابياً لسبب واحد هو ((اتخاذه موقفاً معيناً يثير أهتمام المجموع)) أو ما يسمى (بالموقف الإجتماعى) وهذا البطل الإيجابى لم يتخذ موقفاً إجتماعياً فقط بل موقفاً إجتماعياً واعياً. أى يدعو فى صراحة ووضوح وثقة إلى فكرة بذاتها لا يتنازل عنها بل حفرها على جدران حائط المسجد قبل أن يسير فى جنازة ولده.

      ولكن من أين بدأت قصة ((شئ من الخوف)) تنمو وتتطور رأسياً وحسب مقتضيات الضرورة الفنية. لقد بدأت قصتنا فى النمو منذ أن بدأ عتريس بنجواه الداخلية وماذا قبل هذه الصفحة، أنه تطور أفقى وفرق كبير من بداية القصة وبين البداية من هذه الصفحة المركزة ولا تخرج الصفحات السابقة عن كونها إسترجاع ولكننى أقول بغير ذلك أنها رهبة اللقاء..فكاتبنا كان يرهب اللقاء بعتريس لأنه بداخله، يعايشه يعرفه. يراه فى وجه كل مجرم، ودليلى هو هذه النجوى الداخليه التى امتدت لأكثر من عدة صفحات لعتريس وهو يناجى نفسه، ويتعرف على الآخرين فى المرآة المشروخة ومن هنا بدأت مرحلة التعقيد والتشابك والصراع. أن الشيخ إبراهيم رجل ثورى لأنه يعلو فوق ذاته ويتجاوز هذه الذات إلى الاخرين رجل ثورى لانه يريد ان يقيم شيئاً، أحسن بأن هدمه يعنى هدم كل شئ ويجب عليه هنا أن يقول كلمته ويبرز ذات المجتمع ككل ((حقوقى أنا حر فيها. أما حق الله فأنا مرغم على الدفاع عنه)).

      أما شخصيات قصتنا فنستطيع أن نلمس حدود تصرفاتها  ونستطيع أيضاً أن نتعرف عليها وهى تعمل وسؤال عترييس عن مدى صحة زواجه بفؤاده، وخوف الشيخ إسماعيل الصفورى من قول ((لا)) وتأكيد فؤاده لأمها عند الزواج أنها ما زالت (البنت) رغم زواج عتريس الباطل كل هذه تصرفات واضحة للشخصية تنم عن فهم الشخصية لما يجب أن يحدث (مقتضيات الضرورة الفنية).

      ذكر أن الله تعالى أوحى إلى يوشع بن نون عليه السلام أنى مهلك نم قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم فقال يارب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال أنهم لم (يغضبوا بغضبى) وآكلوهم وشاربوهم.    

وسوم: العدد 632