قراءة في ( معجم الصّواب اللّغوي ) للدكتور محمّد خان
معجم متميّز:
من حسنات دار علي بن زيد للطباعة والنّشر[1] - وحسناتها كثيرة - أنّ صاحبها كاتب وقاص مثقف، يُولي الثقافة والأدب اهتماما كبيرا، ويفرض ضريبة ( لطيفة ) على كلّ من يطبع عنده كتابا فيترك عشرين نسخة من كتابه في المطبعة، تسلم نسخة منها لكلّ من يزور المطبعة من المثقفين والمبدعين، وقد دئب على تزويدي بجديد مطبعته بين حين وآخر..
وعندما زرته منذ بضعة أيّام أعطاني كتاب ( معجم الصّواب اللّغوي ) للدكتور محمّد خان الأستاذ بجامعة بسكرة، وهو أحد رجالات الأدب والكتابة في الجزائر، ممن يشار لهم بالبنان، وقد صدر الكتاب في حوالي 134 صفحة من القطع المتوسّط في شكل أنيق جدّا يغري بالتصفّح والمطالعة، ولذلك لم أصبر على قراءته إلى حين، بل شرعت فيها فور وصولي إلى البيت، مبتدئا بمقدّمة المؤلّف بطبيعة الحال، وقد ذكر فيها أنّه وضع هذا الكتاب بسبب ما لاحظه من شيوع كثير من الأخطاء في اللغة بين طلبة الجامعة، وعدم اهتمامهم بتصويب هذا الأخطاء، برغم التنبيه والتوجيه المتكرّر..
وذكر المؤلّف منهجه الدّقيق في هذا الكتاب فقال:
" إننا نرتب هذا المعجم ترتيبا ألفبائيّا، فندوّن الكلمة الأصل مرقّمة، ونكتب تحتها العبارة الصّحيحة، ونمثّل لها بأمثلة حيّة، ونشرحها شرحا معجميّا واصطلاحيّا، ثمّ نردفها بالعبارة الخطأ ..."
فهو بذلك يعجّل بالصّواب قبل الخطأ مُسْتنا بنظريّة وجوب ذكر الصّواب قبل الخطإ، تجنّبا لعلوق الخطإ في الأذهان، فكثير من النّاس يلتقطون الخطأ فيرسخ في أذهانهم ويغفلون عن الصّواب أو التصحيح ويقعون في المحضور..
وذكر الكاتب أمثلة في مقدّمته مما شاع استعماله خطأ عند الطلبة وبعض الكتّاب والمثقفين، ممن مثل قولهم:
" على حدى، وإنشاء الله ، والمدراء والمخذّرات .." ولقد بلينا بهذه الأخطاء في زمننا هذا، فشاعت على الألسنة واستشرت في كتابات المؤلّفين المعاصرين، وكأنّ النّاس لا يلقون للغة القرآن بالا ولا يلونها اهتماما..
واستعان الكاتب بالقرآن الكريم والحديث النّبوي الشريف وأمثال العرب المشهورة، ليثري المعجم بها ويجعل منه مادّة علميّة دسمة لا يستغنى عنها.. وذكر أيضا أنّه يستعين بكثير من قرارات المجامع اللغويّة العربيّة حول ما جدّ من ألفاظ ومصطلحات..
وسأذكر أمثلة مما جاء في هذا المعجم الصّغير من طريف اللّغة ونوادرها، ووجب الإشارة إليه لأهميّته أو جودته وإتقانه، أو أردفه الكاتب برأيه وتعليقاته المفيدة:
فمن لطائف الألفاظ التي ذكرها الكاتب كلمة ( أبو ظبي ) والتي الأصل فيها أن تتبع قاعدة الأسماء الستة، ( أبو، في الرّفع، وأبا في النّصب، وأبي في الجرّ ) ولكن يصحّ بقاؤها على حالة واحدة هي حالة الرّفع ( أبو ظبي ) على الحكاية..
وذكر أيضا في باب الهمزة ، أنّه إذا التقت همزتان في بداية الكلمة حوّلت الثانية (حرف مدّ )، مثل (أأخذ ) تصير ( أوخذ ) و (أأمن ) تصير ( أومن ).. إلا أنّ كلمة ( أئمة ) بقيت على حالها، ولم يذكر المؤلّف سبب ذلك، ويا ليته فعل لتكون الفائدة أعمّ وأشمل..
وفي صفحة 15 ذكر الكاتب الفرق بين كلمة الأذان التي هي نداء الصّلاة والآذان مفرد أذن التي هي إحدى الحواس الخمس، وساق تمثيلا لذلك بيتا من الشّعر لأمير الشعراء أحمد شوقي والذي يقول فيه:
فلا الأذان أذان في منارته * * إذا تعالى، ولا الآذان آذان
وذكر العبارة المشهورة ( أخيرا وليس آخرا ) وعلّق عليها بقوله " ولا فائدة من استعمال (وليس آخرا) فالكلمة الأولى أدّت المعنى .." والكلام هنا فيه شيء من الغموض، لأنّ الكلمة الثانية ليست تكرارا للأولى بل هي نفي لها، أو على الأقل لجزء يتبادر إلى الذهن من معناها، إذ ( الأخير ) في الذكر ليس آخرا في المرتبة والقيمة فالتكرار مفيد.. !! ولعلّ المؤلّف قصد إلى شيء آخر لم أتبيّنه..
نماذج حيّة..
ومن الأمثلة الحيّة والهامّة التي وردت في ( معجم الصّواب اللّغوي ) للدّكتور محمّد خان؛ قوله حول اسم ألمحرّم:
" شهر ألمحرّم ( بأل التّعريف ): أوّل العام الهجري. ولا يقال شهر محرّم ( مجرّد من أل ) لأنّه لم يسمع من العرب إلا معرّفا " وبهذا يقرّ الدّكتور محمّد خان قاعدة جليلة في اللّغة وهي أهميّة السّماع من العرب، فهم أهل العربيّة وأوّل من نطق بها، فالسّير على نهجهم، والانتهاء عند حدودهم في الكلام أولى..
ويقول عن لفظة ( الطّاهر ):
) " تقول الطاهر رجل فاضل ( بقطع الهمزة في أوّل اسم العلم )؛ لأنّ المبدوء بهمزة وصل إذا سمي به، وصار علما يجب قطع همزته... مثل: ألبشير وألصّالح، وإنشراح، وإعتماد ( أسماء أعلام ". ثمّ يضيف قائلا ( ويوم الإثنين ) تقطع همزته لأنّه علم،أمّا إذا كان اثنان بمعنى العدد فهمزته وصل ".
وفي هذا الكلام نظر نرجو أن يتسعَ صدر المؤلّف لمناقشته فيه، ليتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الصّواب واليقين.. فإنّ الّذي أعرفه أنّ الأفعال التي تبدأ بهمزة وصل إذا اشتقّ منها اسم تصير همزتُه همزةَ قطع فعلا كما ذكر الأستاذ، مثل قولنا:
( ابتسم ) بهمزة وصل؛ فإذا اشتققنا منها اسما لامرأة قلنا ( إبتسام ) بهمزة قطع، و( اعتدل ) اسم العلم منه ( إعتدال )، فقد تحوّلت الكلمة من مجال الفعل إلى مجال الاسم فوجب تغيير الهمزة، لكن كما يقول الدّكتور عبد الحليم توميّات وغيره من جهابذة اللّغة إذا بقيت الكلمة في مجالها؛ كأن تكون اسما ويُشتقّ منها اسمُ علمٍ فلا يحدث في همزتها تغيير، مثل ( اثنان ) في العدد بهمزة وصل، وفي الأيّام ( الاثنين ) بهمزة وصل أيضا.. لأنّها بقيت في مجال الأسماء ولم تنتقل إلى مجال آخر أو من مجال آخر..
وذكر أيضا في باب السّماع كلمة ( أَموي ) بفتح الهمزة، وقد استعملها كثير من النّاس بضمّ الهمزة ( أُمويّ ) فقال أنّ السّماع بالفتح ويجوز ضمّها قياسا، لكنّ السّماع أولى..
ولكن ما سمعته أنا من بعض أهل اللغة أنّه لا قياس مع النّص، فإذا ورد السّماع وجب اطّراح القياس، والله أعلم..
وفي الحديث عن ( أين )، ذكر أنّه يجوز تأخير أداة الاستفاهم على غير العادة كأن نقول:
" كتابك أين " واستدلّ بقرار المجمع اللّغوي بالقاهرة بقوله:
" وقد أجاز المجمع اللّغوي بالقاهرة هذا الاستعمال على أنّ اسم الاستفهام وقع صدرا في جملته التي حذفت، أو حذف جزء منها ".
ومن لطائف الألفاظ التي وردت في ( معجم الصّواب اللّغوي ) وصاغها المؤلّف بأسلوب مميّز؛ كلمة ( مُتحف ) فقال: " في مدينة بسكرة متحف خاصّ بالولاية السّادسة التّاريخيّة ( بضمّ الميم )؛ لأنّه اسم مكان من الفعل ( أتحف ) .. " واللّطيف هنا ذكره للمُتحف الجهوي، وهو مكان مشهور في ولاية بسكرة عروس الزيبان، وله نشاط ثقافي وعلمي مميّز على المستوى الوطني، وذِكره في المعجم إغناء لمعارف القارئ وتنويع في مادة المعجم، وخروج عن الروتين بعض الشيء.. فضلا عن المعلومة المهمّة في ضمّ ميم مٌتحف التي طالما تحيّر النّاس فيها ، هل هي بالضمّ أم بالفتح..
وقد اتّبع الطريقة نفسها عندما تحدّث عن لفظتي ( ثلاثة وثلاثينيّات ) فذكر في السيّاق جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين، حيث قال:
" وتقول: تأسّست جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين في ثلاثينيّات القرن العشرين.." وفي ذلك أيضا فائدة علميّة وتاريخيّة بالإضافة إلى تصحيح الخطأ الشّائع والذي كادت تعمّ بلواه، وهو حذف ياء النّسبة من ألفاظ العقود والصّواب إثباتها ( العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيّات ... الخ ).
وجرى على النّهج ذاته في كلمة ( تَجربة ) حيث ذكر الدّكتور الأديب عبد الله ركيبي فقال:
" نقول جرّب الدّكتور عبد الله ركيبي صروف الدّهر، فله تَجربة إنسانيّة عظيمة.." والدّكتور ركيبي من أدباء بسكرة والجزائر المعروفين والمشهورين، فتضمين معلومة عنه في المعجم شيء لطيف وطريف، وله في مثل هذا أمثال بديعة سنذكرها بعدُ..
1 - سمعته يقول ذلك من شريط مسموع وهو موجود على الشّابكة، وهو من علماء الجزائر المبرّزين في اللغة ، وقد رجعت أيضا إلى عدّة مواقع مختصّة في اللّغة ومنها ما جاء في ( شبكة الفصيح ):
" ولو سميتَ باسمٍ مبدوء بهمزة وصل فإنّ همزتَه تبقى بعد العلمية همزةَ وصلٍ كما كانت .
وإليك كلام « ابن مالك » في « شرح الكافية الشافية » ( 1466 ) : « وإذا سُمِّيَ بما أَوَّلُهُ همزةُ وَصْلٍ قُطِعَتِ الهمزةُ إنْ كانَتْ في منقولٍ مِن فِعْلٍ ، وإلاَّ استُصْحِبَ وَصْلُها.
فيقال في ( اعْلمَ ) إذا سُمِّيَ به : هذا إعْلمُ ، ورأيتُ إعلم.
ويقال في ( اخرج ) إذا سُمِّي به : هذا أُخْرُجُ.
ويقال في المسمَّى بـ ( اقْتِرَاب ) و( اعتِلاَء ) : هَذا اقترابٌ ، ورأيتُ اقتراباً ، وهذا اعتلاءٌ ، ورأيت اعْتِلاءً .
لأنه منقولٌ من اسميَّة إلى اسميَّة ، فلم يَتَطَرَّقْ إليه تَغَيُّرٌ أكثرُ من التعيين بعدَ الشِّياعِ .
ثراء ثقافي وزخم معرفي..
لم يكتفِ الدّكتور محمّد خان بالإشارة إلى الأخطاء اللغويّة الشّائعة وتصويبها في معجمه، بل حشد في الأمثلة التي ساقها ثروة كبيرة من المعلومات المعرفيّة والثقافيّة الحديثة، فضلا عن بعض المعلومات والمعارف الثقافيّة من تراثنا الثقافي الثّري والغنيّ.. ذلك ما جعل من المعجم مرجعا علميّا متميزا ومختلفا عن كثير من المراجع الأخرى التي تعجّ بها المكتبة العربيّة وأغلبها يكرّر بعضه بعضا..
ويحسن بكلّ طالب علم أو باحث لغوي أو حتّى مثقف متابع؛ أن يكون هذا المعجم في مكتبته، يناله من مكان قريب كلّما لبّس عليه أمر في اللغة أو الأسلوب الفصيح، فيجد البغية والغناء، ولكي نعطي صورة مقرّبة عن مادّة ( معجم الصّواب اللغوي ) وثرائه المعرفي والثقافي نقطف أمثلة من أزاهيره الشذيّة وثماره اليانعة:
أَوْلى الكاتب أحداثَ الجزائر وأعلامَها البارزين أهميّة كبيرة، فجنى لنا زبدة مما انتقاه ووافق مشربه، يقول مثلا في صفحة 72 عندما يتحدّث عن كلمة ( تضلّع ):
" نقول: تضلّع البشير الإبراهيمي من اللغة العربيّة.." ومعروف أنّ الشيخ البشير الإبراهيمي هو أوحد زمانه في اللغة العربيّة في الجزائر، ويعدّ في العالم العربي من طبقة العقاد والرّافعي وأضرابهما.
كما ذكر قبل ذلك الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، وذكره أيضا في صفحة 78 عندما تحدّث عن كلمة ( طوع ) حيث قال:
" درّس الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة في الزّيتونة طوعا.." وهي معلومة يكاد لا يعرفها إلا قلّة قليلة من النّاس، وتهم الباحثين في حياة رائد النهضة الجزائريّة..
وذكر الأمير عبد القادر عندما تحدّث عن كلمة ( غِيرة ) فقال:
وتقول: أغار فرسان الأمير على الفرنسيين.أي تفرّقوا وهاجموا من كلّ جهة .."
بل لم يكتف المؤلّف بذكر من مات من الأعلام فذكر حتّى الأحياء منهم، فذكر مثلا الشّاعر الفيروزي ( الأزهر عجيري شاعر بسكري من مخادمة – الجزائر ) لمّا تحدّث عن كلمة ( مصادفة ) فقال صفحة 68:
" تقول: لقيت الفيروزي مصادفة من صادف مصادفة بمعنى لقيه من غير موعد .." ولا شكّ أنّ في ذلك مداعبة لطيفة وإشارة ظريفة للشاعر البارع الفيروزي..
وذكر الشيخ الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق، ذي الأصل الجزائري، عندما تحدّث عن كلمة ( نصب ) فقال في صفحة 112:
" وتقول: تولّى محمّد الخضر حسين منصب شيخ الأزهر ( بكسر الصّاد ).." هذا بالنّسبة للأعلام في الجزائر وقد ذكر من غير الجزائر أعلاما كثيرين أيضا معاصرين وقدامى، نذكر منهم: سيبويه وامرأ القيس والمعرّي وأبا ذّؤيب الطائي وقسّ بن ساعدة من القدامى والملك الحسين وإبراهيم مصطفى وأحمد شوقي والدّكتور محمّد ناصح ومحمّد بوضياف وغيرهم، أمّا المعارف والمعلومات الثقافيّة فحدّث ولا حرج، نكتفي بذكر بعضها:
ساق لنا من الشعر البيت المشهور:
لكلّ داء دواء يستطبّ به * * إلا الحماقة أعيت من يداويها
عندما تحدّث عن كلمة ( يستطب ) صفحة 75.
وفي صفحة 78 قال عن جامع الزيتونة:
" وكان جامع الزيتونة يمنح طلبته شهادات: الأهليّة والتحصيل والتطويع والعالِميّة ( بكسر اللام ) .." وفي صفحة 86 قال:
" تحدّث بن خلدون عن العمران .." وقال في الصّفحة التي تليها:
" شرح ابن جّني ديوان المتنبيّ ".. جاء في المعجم أيضا ذكر مسألة من مسائل الميراث التي قضى فيها عمر بن الخطّاب، وذلك عند حديثه حول كلمة ( هب ) فقال في صفحة 117:
" أجاز المجمع اللغوي وقوع أنّ ومعموليها بعد ( هب ) سادّة مسدّ مفعوليها. اعتمادا على ما جاء في المعنى من وروده في إحدى مسائل الميراث..." وذكر المسألة..
وجاء في المعجم كمٌ هائل من المعلومات المعرفيّة التي لا يمكن استقصاؤها إلا بقراءة المعجم قراءة درس ومتعة معا، فتحصل الفائدتان حتما..
ومن الغريب العجيب أنّ للسياسة في المعجم نصيب موفور نذكره لاحقا إن شاء الله تعالى..
زوايا سياسيّة في المعجم:
من طرائف ( معجم الصّواب اللغوي ) للدّكتور محمّد خان؛ أنّه حوى بين دفتيه جملة من الأفكار السياسيّة والقيميّة تدلّ على شخصيّة صاحبها ومنهجه الفكري في الحياة..
ولنبدأ بالقضيّة الجوهريّة للمسلمين قضيّة فلسطين، لقد حظيت بنصيب الأسد في المعجم إذ ذكرها مرّات كثيرة، متمثلا بأمثلة مصاغة عنها وعن مأساتها الكبرى وجهادها الطّويل، يقول في صفحة 93 بمناسبة تصويبه لكلمة ( غيرة ):
" أغارت إسرائيل على غزّة في شهر رمضان، فتصدّت لها كتائب القسّام ".
وهذا المثال يظهر تعلّق المؤلّف بالقضيّة الفلسطينيّة ومدى تتبعه للأحداث فيها، وهناك مثال آخر صفحة 102 يقول فيه بمناسبة تصويبه لكلمة ( قُوى ):
" لا تزال قُوى العدوان والاحتلال تقتل أطفال فلسطين.." وفي صفحة 123 يقول عند حديثه عن كلمة ( يجب ):
" ينبغي ألا ننسى القدس، ولا يقال: لا ينبغي أن ننسى القدس لأنّ النّفي لا يتعلّق بالفعل ( ينبغي ) بل بالفعل ( ننسى ).." وفي صفحة 125 يقول:
" وقفت باريس موقفا معاديا لغزة، ولا يقال: وقفت باريس موقفا عدائيا ضدّ غزّة .."
كما له مواقف سياسيّة أخرى متنوّعة وطنيّا ومحليّا نمثل لبعضها بهذه الأمثلة:
بالنّسبة للسياسة في الجزائر يقول:
" هناك قوّة خفيّة عطّلت المسار الانتخابي في الجزائر. فهو من سار يسير.."
وفي نقد خفيّ للمسؤولين في الجزائر يقول في صفحة75:
" يقولون: ذهب الوزير إلى فرنسا ليستطبّ. ولا يقال: ليتطبّب ". وهو نوع من النّقد بالإشارة لظاهرة تهاتف المسؤولين الجزائريين على الذّهاب إلى فرنسا ( عدوّة الأمس ) في كلّ صغيرة وكبيرة.. وفي صفحة 56 تحدّث الكاتب عن تصويب كلمة ( زَيف ) فقال:
" اكتشفنا زيف الخطاب السياسي بعد الانتخابات، أي الغشّ والخداع .."
وفي مادّة ( ساذج ) يسوق جملة ساخرة ولاذعة في نقد البرلمان الجزائري، الذي بدلا من أن يسمي الجزائريون العضو منه ( نائبا ) سموه ( نائما ) ، فقال المؤلّف في صفحة 57 :
" تقدّم نائب في البرلمان بسؤال ساذج، أي بسيط لا قيمة له، وهو لفظ دخيل فارسي أصله (ساده)..
ومن طرائف ما ساقه من أمثلة تمسّ السياسة بشكل جوهري، وفي أسلوب قويّ وساخر؛ هو قوله في صفحة 55 عند تصويب كلمة ( زوج ) إذ قال:
" ويقال زوج، وهي زوج، لأنّ كلاهما زُوّج بالآخر. وهذا ما جاء به الفصيح في القرآن الكريم قال تعالى: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ".
ثمّ يضيف قائلا:
" وكان يكفي في الماضي أن تقول: تزوّج فلان ، وتزوجت فلانة ، فيدرك السّامع المعنى، ويكمل المفعول به، لأنّ الرّجل لا يتزوّج إلا امرأة، والمرأة لا تتزوّج إلا رجلا، أمّا اليوم فلا بدّ من استخدام لفظ ( زوجة ) بالتّاء المربوطة وذلك للفرق بين المرأة والرّجل، وعليك أن تقول: تزوّج فلان امرأة، وهذه زوجته، ولا بأس أن تضيف: وهي أنثى، وهذا زوجها وهو ذكر. فقد تغيّرت هذه العلاقة عند بعض الشعوب، فشرّعوا للعلاقة المثليّة، وصارت من العقود المدنيّة "
ولقد نقلت الفقرة كاملة على طولها لأنّها لا يمكن أن تفهم مجتزأة، ويظهر فيها أسلوب المؤلّف السّاخر، سخريّة مرّة من شعوب تزعم أنّها متحضرة، فإذا بها تنحطّ إلى الدّرك الأسفل من البهيميّة المقيتة..
ولو تتبعنا المعجم كلمة كلمة لخرجنا بسلسلة من المقالات قد تبلغ عشرا، لما فيه من نوادر الفوائد، وزبدة المعاني الدّقيقة والأفكار الرّائعة التي تجعل من الكتاب مادّة غنيّة ومتنوّعة، يخرج منها المطالع بزاد معرفيّ وعلمي زاخر..
ووددت لو أنّ المؤلّف توسّع أكثر في هذا المعجم، وزاد في مادّته حتى يكون فيه الغنية لكلّ طالب، والبغية لكلّ باحث منقّب، ولعلّه يفعل ذلك في طبعة أخرى ( مزيدة ومنقّحة ) كما يقال.. ولا تزال العربيّة ( ودود ولود ).
[1] - مطبعة علي بن زيد ( ولاية بسكرة/ الجزائر ) لصاحبها محمّد الكامل بن زيد وهو قاص وروائي مبدع، ورئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين لولاية بسكرة.
قراءة في ( معجم الصّواب اللّغوي )
للدكتور محمّد خان
بقلم: عبد الله لالي
معجم متميّز:
من حسنات دار علي بن زيد للطباعة والنّشر[1] - وحسناتها كثيرة - أنّ صاحبها كاتب وقاص مثقف، يُولي الثقافة والأدب اهتماما كبيرا، ويفرض ضريبة ( لطيفة ) على كلّ من يطبع عنده كتابا فيترك عشرين نسخة من كتابه في المطبعة، تسلم نسخة منها لكلّ من يزور المطبعة من المثقفين والمبدعين، وقد دئب على تزويدي بجديد مطبعته بين حين وآخر..
وعندما زرته منذ بضعة أيّام أعطاني كتاب ( معجم الصّواب اللّغوي ) للدكتور محمّد خان الأستاذ بجامعة بسكرة، وهو أحد رجالات الأدب والكتابة في الجزائر، ممن يشار لهم بالبنان، وقد صدر الكتاب في حوالي 134 صفحة من القطع المتوسّط في شكل أنيق جدّا يغري بالتصفّح والمطالعة، ولذلك لم أصبر على قراءته إلى حين، بل شرعت فيها فور وصولي إلى البيت، مبتدئا بمقدّمة المؤلّف بطبيعة الحال، وقد ذكر فيها أنّه وضع هذا الكتاب بسبب ما لاحظه من شيوع كثير من الأخطاء في اللغة بين طلبة الجامعة، وعدم اهتمامهم بتصويب هذا الأخطاء، برغم التنبيه والتوجيه المتكرّر..
وذكر المؤلّف منهجه الدّقيق في هذا الكتاب فقال:
" إننا نرتب هذا المعجم ترتيبا ألفبائيّا، فندوّن الكلمة الأصل مرقّمة، ونكتب تحتها العبارة الصّحيحة، ونمثّل لها بأمثلة حيّة، ونشرحها شرحا معجميّا واصطلاحيّا، ثمّ نردفها بالعبارة الخطأ ..."
فهو بذلك يعجّل بالصّواب قبل الخطأ مُسْتنا بنظريّة وجوب ذكر الصّواب قبل الخطإ، تجنّبا لعلوق الخطإ في الأذهان، فكثير من النّاس يلتقطون الخطأ فيرسخ في أذهانهم ويغفلون عن الصّواب أو التصحيح ويقعون في المحضور..
وذكر الكاتب أمثلة في مقدّمته مما شاع استعماله خطأ عند الطلبة وبعض الكتّاب والمثقفين، ممن مثل قولهم:
" على حدى، وإنشاء الله ، والمدراء والمخذّرات .." ولقد بلينا بهذه الأخطاء في زمننا هذا، فشاعت على الألسنة واستشرت في كتابات المؤلّفين المعاصرين، وكأنّ النّاس لا يلقون للغة القرآن بالا ولا يلونها اهتماما..
واستعان الكاتب بالقرآن الكريم والحديث النّبوي الشريف وأمثال العرب المشهورة، ليثري المعجم بها ويجعل منه مادّة علميّة دسمة لا يستغنى عنها.. وذكر أيضا أنّه يستعين بكثير من قرارات المجامع اللغويّة العربيّة حول ما جدّ من ألفاظ ومصطلحات..
وسأذكر أمثلة مما جاء في هذا المعجم الصّغير من طريف اللّغة ونوادرها، ووجب الإشارة إليه لأهميّته أو جودته وإتقانه، أو أردفه الكاتب برأيه وتعليقاته المفيدة:
فمن لطائف الألفاظ التي ذكرها الكاتب كلمة ( أبو ظبي ) والتي الأصل فيها أن تتبع قاعدة الأسماء الستة، ( أبو، في الرّفع، وأبا في النّصب، وأبي في الجرّ ) ولكن يصحّ بقاؤها على حالة واحدة هي حالة الرّفع ( أبو ظبي ) على الحكاية..
وذكر أيضا في باب الهمزة ، أنّه إذا التقت همزتان في بداية الكلمة حوّلت الثانية (حرف مدّ )، مثل (أأخذ ) تصير ( أوخذ ) و (أأمن ) تصير ( أومن ).. إلا أنّ كلمة ( أئمة ) بقيت على حالها، ولم يذكر المؤلّف سبب ذلك، ويا ليته فعل لتكون الفائدة أعمّ وأشمل..
وفي صفحة 15 ذكر الكاتب الفرق بين كلمة الأذان التي هي نداء الصّلاة والآذان مفرد أذن التي هي إحدى الحواس الخمس، وساق تمثيلا لذلك بيتا من الشّعر لأمير الشعراء أحمد شوقي والذي يقول فيه:
فلا الأذان أذان في منارته * * إذا تعالى، ولا الآذان آذان
وذكر العبارة المشهورة ( أخيرا وليس آخرا ) وعلّق عليها بقوله " ولا فائدة من استعمال (وليس آخرا) فالكلمة الأولى أدّت المعنى .." والكلام هنا فيه شيء من الغموض، لأنّ الكلمة الثانية ليست تكرارا للأولى بل هي نفي لها، أو على الأقل لجزء يتبادر إلى الذهن من معناها، إذ ( الأخير ) في الذكر ليس آخرا في المرتبة والقيمة فالتكرار مفيد.. !! ولعلّ المؤلّف قصد إلى شيء آخر لم أتبيّنه..
نماذج حيّة..
ومن الأمثلة الحيّة والهامّة التي وردت في ( معجم الصّواب اللّغوي ) للدّكتور محمّد خان؛ قوله حول اسم ألمحرّم:
" شهر ألمحرّم ( بأل التّعريف ): أوّل العام الهجري. ولا يقال شهر محرّم ( مجرّد من أل ) لأنّه لم يسمع من العرب إلا معرّفا " وبهذا يقرّ الدّكتور محمّد خان قاعدة جليلة في اللّغة وهي أهميّة السّماع من العرب، فهم أهل العربيّة وأوّل من نطق بها، فالسّير على نهجهم، والانتهاء عند حدودهم في الكلام أولى..
ويقول عن لفظة ( الطّاهر ):
) " تقول الطاهر رجل فاضل ( بقطع الهمزة في أوّل اسم العلم )؛ لأنّ المبدوء بهمزة وصل إذا سمي به، وصار علما يجب قطع همزته... مثل: ألبشير وألصّالح، وإنشراح، وإعتماد ( أسماء أعلام ". ثمّ يضيف قائلا ( ويوم الإثنين ) تقطع همزته لأنّه علم،أمّا إذا كان اثنان بمعنى العدد فهمزته وصل ".
وفي هذا الكلام نظر نرجو أن يتسعَ صدر المؤلّف لمناقشته فيه، ليتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الصّواب واليقين.. فإنّ الّذي أعرفه أنّ الأفعال التي تبدأ بهمزة وصل إذا اشتقّ منها اسم تصير همزتُه همزةَ قطع فعلا كما ذكر الأستاذ، مثل قولنا:
( ابتسم ) بهمزة وصل؛ فإذا اشتققنا منها اسما لامرأة قلنا ( إبتسام ) بهمزة قطع، و( اعتدل ) اسم العلم منه ( إعتدال )، فقد تحوّلت الكلمة من مجال الفعل إلى مجال الاسم فوجب تغيير الهمزة، لكن كما يقول الدّكتور عبد الحليم توميّات وغيره من جهابذة اللّغة إذا بقيت الكلمة في مجالها؛ كأن تكون اسما ويُشتقّ منها اسمُ علمٍ فلا يحدث في همزتها تغيير، مثل ( اثنان ) في العدد بهمزة وصل، وفي الأيّام ( الاثنين ) بهمزة وصل أيضا.. لأنّها بقيت في مجال الأسماء ولم تنتقل إلى مجال آخر أو من مجال آخر..
وذكر أيضا في باب السّماع كلمة ( أَموي ) بفتح الهمزة، وقد استعملها كثير من النّاس بضمّ الهمزة ( أُمويّ ) فقال أنّ السّماع بالفتح ويجوز ضمّها قياسا، لكنّ السّماع أولى..
ولكن ما سمعته أنا من بعض أهل اللغة أنّه لا قياس مع النّص، فإذا ورد السّماع وجب اطّراح القياس، والله أعلم..
وفي الحديث عن ( أين )، ذكر أنّه يجوز تأخير أداة الاستفاهم على غير العادة كأن نقول:
" كتابك أين " واستدلّ بقرار المجمع اللّغوي بالقاهرة بقوله:
" وقد أجاز المجمع اللّغوي بالقاهرة هذا الاستعمال على أنّ اسم الاستفهام وقع صدرا في جملته التي حذفت، أو حذف جزء منها ".
ومن لطائف الألفاظ التي وردت في ( معجم الصّواب اللّغوي ) وصاغها المؤلّف بأسلوب مميّز؛ كلمة ( مُتحف ) فقال: " في مدينة بسكرة متحف خاصّ بالولاية السّادسة التّاريخيّة ( بضمّ الميم )؛ لأنّه اسم مكان من الفعل ( أتحف ) .. " واللّطيف هنا ذكره للمُتحف الجهوي، وهو مكان مشهور في ولاية بسكرة عروس الزيبان، وله نشاط ثقافي وعلمي مميّز على المستوى الوطني، وذِكره في المعجم إغناء لمعارف القارئ وتنويع في مادة المعجم، وخروج عن الروتين بعض الشيء.. فضلا عن المعلومة المهمّة في ضمّ ميم مٌتحف التي طالما تحيّر النّاس فيها ، هل هي بالضمّ أم بالفتح..
وقد اتّبع الطريقة نفسها عندما تحدّث عن لفظتي ( ثلاثة وثلاثينيّات ) فذكر في السيّاق جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين، حيث قال:
" وتقول: تأسّست جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين في ثلاثينيّات القرن العشرين.." وفي ذلك أيضا فائدة علميّة وتاريخيّة بالإضافة إلى تصحيح الخطأ الشّائع والذي كادت تعمّ بلواه، وهو حذف ياء النّسبة من ألفاظ العقود والصّواب إثباتها ( العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيّات ... الخ ).
وجرى على النّهج ذاته في كلمة ( تَجربة ) حيث ذكر الدّكتور الأديب عبد الله ركيبي فقال:
" نقول جرّب الدّكتور عبد الله ركيبي صروف الدّهر، فله تَجربة إنسانيّة عظيمة.." والدّكتور ركيبي من أدباء بسكرة والجزائر المعروفين والمشهورين، فتضمين معلومة عنه في المعجم شيء لطيف وطريف، وله في مثل هذا أمثال بديعة سنذكرها بعدُ..
1 - سمعته يقول ذلك من شريط مسموع وهو موجود على الشّابكة، وهو من علماء الجزائر المبرّزين في اللغة ، وقد رجعت أيضا إلى عدّة مواقع مختصّة في اللّغة ومنها ما جاء في ( شبكة الفصيح ):
" ولو سميتَ باسمٍ مبدوء بهمزة وصل فإنّ همزتَه تبقى بعد العلمية همزةَ وصلٍ كما كانت .
وإليك كلام « ابن مالك » في « شرح الكافية الشافية » ( 1466 ) : « وإذا سُمِّيَ بما أَوَّلُهُ همزةُ وَصْلٍ قُطِعَتِ الهمزةُ إنْ كانَتْ في منقولٍ مِن فِعْلٍ ، وإلاَّ استُصْحِبَ وَصْلُها.
فيقال في ( اعْلمَ ) إذا سُمِّيَ به : هذا إعْلمُ ، ورأيتُ إعلم.
ويقال في ( اخرج ) إذا سُمِّي به : هذا أُخْرُجُ.
ويقال في المسمَّى بـ ( اقْتِرَاب ) و( اعتِلاَء ) : هَذا اقترابٌ ، ورأيتُ اقتراباً ، وهذا اعتلاءٌ ، ورأيت اعْتِلاءً .
لأنه منقولٌ من اسميَّة إلى اسميَّة ، فلم يَتَطَرَّقْ إليه تَغَيُّرٌ أكثرُ من التعيين بعدَ الشِّياعِ .
ثراء ثقافي وزخم معرفي..
لم يكتفِ الدّكتور محمّد خان بالإشارة إلى الأخطاء اللغويّة الشّائعة وتصويبها في معجمه، بل حشد في الأمثلة التي ساقها ثروة كبيرة من المعلومات المعرفيّة والثقافيّة الحديثة، فضلا عن بعض المعلومات والمعارف الثقافيّة من تراثنا الثقافي الثّري والغنيّ.. ذلك ما جعل من المعجم مرجعا علميّا متميزا ومختلفا عن كثير من المراجع الأخرى التي تعجّ بها المكتبة العربيّة وأغلبها يكرّر بعضه بعضا..
ويحسن بكلّ طالب علم أو باحث لغوي أو حتّى مثقف متابع؛ أن يكون هذا المعجم في مكتبته، يناله من مكان قريب كلّما لبّس عليه أمر في اللغة أو الأسلوب الفصيح، فيجد البغية والغناء، ولكي نعطي صورة مقرّبة عن مادّة ( معجم الصّواب اللغوي ) وثرائه المعرفي والثقافي نقطف أمثلة من أزاهيره الشذيّة وثماره اليانعة:
أَوْلى الكاتب أحداثَ الجزائر وأعلامَها البارزين أهميّة كبيرة، فجنى لنا زبدة مما انتقاه ووافق مشربه، يقول مثلا في صفحة 72 عندما يتحدّث عن كلمة ( تضلّع ):
" نقول: تضلّع البشير الإبراهيمي من اللغة العربيّة.." ومعروف أنّ الشيخ البشير الإبراهيمي هو أوحد زمانه في اللغة العربيّة في الجزائر، ويعدّ في العالم العربي من طبقة العقاد والرّافعي وأضرابهما.
كما ذكر قبل ذلك الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، وذكره أيضا في صفحة 78 عندما تحدّث عن كلمة ( طوع ) حيث قال:
" درّس الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة في الزّيتونة طوعا.." وهي معلومة يكاد لا يعرفها إلا قلّة قليلة من النّاس، وتهم الباحثين في حياة رائد النهضة الجزائريّة..
وذكر الأمير عبد القادر عندما تحدّث عن كلمة ( غِيرة ) فقال:
وتقول: أغار فرسان الأمير على الفرنسيين.أي تفرّقوا وهاجموا من كلّ جهة .."
بل لم يكتف المؤلّف بذكر من مات من الأعلام فذكر حتّى الأحياء منهم، فذكر مثلا الشّاعر الفيروزي ( الأزهر عجيري شاعر بسكري من مخادمة – الجزائر ) لمّا تحدّث عن كلمة ( مصادفة ) فقال صفحة 68:
" تقول: لقيت الفيروزي مصادفة من صادف مصادفة بمعنى لقيه من غير موعد .." ولا شكّ أنّ في ذلك مداعبة لطيفة وإشارة ظريفة للشاعر البارع الفيروزي..
وذكر الشيخ الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق، ذي الأصل الجزائري، عندما تحدّث عن كلمة ( نصب ) فقال في صفحة 112:
" وتقول: تولّى محمّد الخضر حسين منصب شيخ الأزهر ( بكسر الصّاد ).." هذا بالنّسبة للأعلام في الجزائر وقد ذكر من غير الجزائر أعلاما كثيرين أيضا معاصرين وقدامى، نذكر منهم: سيبويه وامرأ القيس والمعرّي وأبا ذّؤيب الطائي وقسّ بن ساعدة من القدامى والملك الحسين وإبراهيم مصطفى وأحمد شوقي والدّكتور محمّد ناصح ومحمّد بوضياف وغيرهم، أمّا المعارف والمعلومات الثقافيّة فحدّث ولا حرج، نكتفي بذكر بعضها:
ساق لنا من الشعر البيت المشهور:
لكلّ داء دواء يستطبّ به * * إلا الحماقة أعيت من يداويها
عندما تحدّث عن كلمة ( يستطب ) صفحة 75.
وفي صفحة 78 قال عن جامع الزيتونة:
" وكان جامع الزيتونة يمنح طلبته شهادات: الأهليّة والتحصيل والتطويع والعالِميّة ( بكسر اللام ) .." وفي صفحة 86 قال:
" تحدّث بن خلدون عن العمران .." وقال في الصّفحة التي تليها:
" شرح ابن جّني ديوان المتنبيّ ".. جاء في المعجم أيضا ذكر مسألة من مسائل الميراث التي قضى فيها عمر بن الخطّاب، وذلك عند حديثه حول كلمة ( هب ) فقال في صفحة 117:
" أجاز المجمع اللغوي وقوع أنّ ومعموليها بعد ( هب ) سادّة مسدّ مفعوليها. اعتمادا على ما جاء في المعنى من وروده في إحدى مسائل الميراث..." وذكر المسألة..
وجاء في المعجم كمٌ هائل من المعلومات المعرفيّة التي لا يمكن استقصاؤها إلا بقراءة المعجم قراءة درس ومتعة معا، فتحصل الفائدتان حتما..
ومن الغريب العجيب أنّ للسياسة في المعجم نصيب موفور نذكره لاحقا إن شاء الله تعالى..
زوايا سياسيّة في المعجم:
من طرائف ( معجم الصّواب اللغوي ) للدّكتور محمّد خان؛ أنّه حوى بين دفتيه جملة من الأفكار السياسيّة والقيميّة تدلّ على شخصيّة صاحبها ومنهجه الفكري في الحياة..
ولنبدأ بالقضيّة الجوهريّة للمسلمين قضيّة فلسطين، لقد حظيت بنصيب الأسد في المعجم إذ ذكرها مرّات كثيرة، متمثلا بأمثلة مصاغة عنها وعن مأساتها الكبرى وجهادها الطّويل، يقول في صفحة 93 بمناسبة تصويبه لكلمة ( غيرة ):
" أغارت إسرائيل على غزّة في شهر رمضان، فتصدّت لها كتائب القسّام ".
وهذا المثال يظهر تعلّق المؤلّف بالقضيّة الفلسطينيّة ومدى تتبعه للأحداث فيها، وهناك مثال آخر صفحة 102 يقول فيه بمناسبة تصويبه لكلمة ( قُوى ):
" لا تزال قُوى العدوان والاحتلال تقتل أطفال فلسطين.." وفي صفحة 123 يقول عند حديثه عن كلمة ( يجب ):
" ينبغي ألا ننسى القدس، ولا يقال: لا ينبغي أن ننسى القدس لأنّ النّفي لا يتعلّق بالفعل ( ينبغي ) بل بالفعل ( ننسى ).." وفي صفحة 125 يقول:
" وقفت باريس موقفا معاديا لغزة، ولا يقال: وقفت باريس موقفا عدائيا ضدّ غزّة .."
كما له مواقف سياسيّة أخرى متنوّعة وطنيّا ومحليّا نمثل لبعضها بهذه الأمثلة:
بالنّسبة للسياسة في الجزائر يقول:
" هناك قوّة خفيّة عطّلت المسار الانتخابي في الجزائر. فهو من سار يسير.."
وفي نقد خفيّ للمسؤولين في الجزائر يقول في صفحة75:
" يقولون: ذهب الوزير إلى فرنسا ليستطبّ. ولا يقال: ليتطبّب ". وهو نوع من النّقد بالإشارة لظاهرة تهاتف المسؤولين الجزائريين على الذّهاب إلى فرنسا ( عدوّة الأمس ) في كلّ صغيرة وكبيرة.. وفي صفحة 56 تحدّث الكاتب عن تصويب كلمة ( زَيف ) فقال:
" اكتشفنا زيف الخطاب السياسي بعد الانتخابات، أي الغشّ والخداع .."
وفي مادّة ( ساذج ) يسوق جملة ساخرة ولاذعة في نقد البرلمان الجزائري، الذي بدلا من أن يسمي الجزائريون العضو منه ( نائبا ) سموه ( نائما ) ، فقال المؤلّف في صفحة 57 :
" تقدّم نائب في البرلمان بسؤال ساذج، أي بسيط لا قيمة له، وهو لفظ دخيل فارسي أصله (ساده)..
ومن طرائف ما ساقه من أمثلة تمسّ السياسة بشكل جوهري، وفي أسلوب قويّ وساخر؛ هو قوله في صفحة 55 عند تصويب كلمة ( زوج ) إذ قال:
" ويقال زوج، وهي زوج، لأنّ كلاهما زُوّج بالآخر. وهذا ما جاء به الفصيح في القرآن الكريم قال تعالى: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ".
ثمّ يضيف قائلا:
" وكان يكفي في الماضي أن تقول: تزوّج فلان ، وتزوجت فلانة ، فيدرك السّامع المعنى، ويكمل المفعول به، لأنّ الرّجل لا يتزوّج إلا امرأة، والمرأة لا تتزوّج إلا رجلا، أمّا اليوم فلا بدّ من استخدام لفظ ( زوجة ) بالتّاء المربوطة وذلك للفرق بين المرأة والرّجل، وعليك أن تقول: تزوّج فلان امرأة، وهذه زوجته، ولا بأس أن تضيف: وهي أنثى، وهذا زوجها وهو ذكر. فقد تغيّرت هذه العلاقة عند بعض الشعوب، فشرّعوا للعلاقة المثليّة، وصارت من العقود المدنيّة "
ولقد نقلت الفقرة كاملة على طولها لأنّها لا يمكن أن تفهم مجتزأة، ويظهر فيها أسلوب المؤلّف السّاخر، سخريّة مرّة من شعوب تزعم أنّها متحضرة، فإذا بها تنحطّ إلى الدّرك الأسفل من البهيميّة المقيتة..
ولو تتبعنا المعجم كلمة كلمة لخرجنا بسلسلة من المقالات قد تبلغ عشرا، لما فيه من نوادر الفوائد، وزبدة المعاني الدّقيقة والأفكار الرّائعة التي تجعل من الكتاب مادّة غنيّة ومتنوّعة، يخرج منها المطالع بزاد معرفيّ وعلمي زاخر..
ووددت لو أنّ المؤلّف توسّع أكثر في هذا المعجم، وزاد في مادّته حتى يكون فيه الغنية لكلّ طالب، والبغية لكلّ باحث منقّب، ولعلّه يفعل ذلك في طبعة أخرى ( مزيدة ومنقّحة ) كما يقال.. ولا تزال العربيّة ( ودود ولود ).
[1] - مطبعة علي بن زيد ( ولاية بسكرة/ الجزائر ) لصاحبها محمّد الكامل بن زيد وهو قاص وروائي مبدع، ورئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين لولاية بسكرة.
وسوم: 636