السُّنة النبوية، بين الجمال والجلال
للسُّنةِ النبويةِ جمالٌ وجلالٌ، وهي تعلِّمُ الدِّين، وتزيدُ في العقل، وتقودُ إلى سعادة الدنيا، ونجاة اﻵخرة.
ولو علِمَ الناسُ حقائقَ السُّنة ومنافعَها ما تركوا سُنَّةً واحدةً منها.
ولو علم الغربيون ما في السُّنة مِنْ علمٍ، وسموٍّ، وذوقٍ، وجمالٍ، لطاروا بها.
1- ومِنْ ذلك: إظهارُ قيمةِ العافية، وبثُّ معنى الافتقارِ إلى الله.
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(ما مِنْ دعوةٍ يدعو بها العبدُ أفضل مِنْ:
اللهمَّ إنّي أسالك المُعافاةَ في الدنيا واﻵخرة).
وقد وقعَ مِنْ بعضِ الصالحين - وهو سُمنون بن حمزة (ت: 298هـ) - أنه أنشدَ أبياتًا قال فيها:
وليسَ لي في سواكَ حظٌّ ♦♦♦ فكيفما شئتَ فاختبِرْني
فاحتبس بولُه أربعةَ عشر يومًا، فكان يتلوى كما تتلوى الحيّةُ على الرمل، يتقلَّب يمينًا وشمالًا، فلما أُطلِق بولُه قال: يا ربِّ تبتُ إليكَ، تبتُ إليكَ.
وسمّى نفسَه سمنون الكذاب...
إنَّ في سؤالِ العافية تقديرًا لهذه النعمة الكبيرة، وإظهارًا للافتقارِ إلى الله، والاعترافِ بالضعف، وهو ما يُحبُّه اللهُ مِنْ عبدِه.
2- ومِنْ جمالِ السُّنة النبوية: الحضُّ على صنائعِ المعروفِ، وإغاثةِ اللهفان.
وقد جمَعَ العلماءُ هذه اﻷحاديث في كتبٍ مفردةٍ رائعةٍ.
وأثمرَ هذا التوجيهُ ثقافةً إسلاميةً إنسانيةً رفيعةً، ووجودَ أشخاصٍ تميّزوا بقضاء حوائج الناس.
ومِنْ هؤﻻء الرجلُ الصالحُ شاه بن شجاع الكرماني (ت: 289هـ).
وكان شاه ابنَ ملكٍ من الملوك، وكان يقومُ بخدمة أصحابه، وكان يقول:
(نظرتُ في أعمالي فلم أجدْ فيها شيئًا أرجى عندي مِنْ خدمة امرئٍ مسلم)ٍ.
3- ومِنْ عجائب السُّنة النبوية: التوجيهُ برحمةِ الحيوان، ورعايتهِ، والعطفِ عليه.
واﻷحاديثُ في ذلك معروفة.
وأثمرَ هذا خلقَ الرحمةِ بالحيوانِ عند المسلمين.
ومن ذلك ما جاء عن الرجلِ الصالحِ صالح المقفع الرملي (ت:282هـ) الذي حجَّ سبعين حجةً ماشيًا.
قال السُّلمي: وبلغني أنه لمّا كان في حجتهِ اﻷخيرةِ رأى كلبًا في البادية يلهثُ عطشًا فقال: مَنْ يشتري سبعين حجة بشربة ماء؟
فدفع إليه إنسانٌ شربةَ ماءٍ، فسقاه الكلبَ، ثم قال: هذا خيرٌ لي مِنْ حججي؛ ﻷنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في كل ذاتِ كبدٍ حرّى أجرٌ)[1].
4- ومِنْ منهج السُّنة: الحضُ على حضور الجنائز، والصلاةِ عليها، وتعزيةِ أصحابها، وفي ذلك من الروابطِ الاجتماعية، وذكرِ الموت ما فيه.
وكان أبو يزيد البسطامي (ت:261هـ) يقول:
(مَنْ ترك طلبَ العلم، وقراءةَ القرآن، والتقشُّف، ولزومَ الجماعات، وحضورَ الجنائز، ثم ادَّعى هذا الشأنَ فهو مدَّعٍ).
وأعرفُ رجلًا صالحًا في مدينة الفلوجة كان قلّما يتخلَّف عن جنازةٍ علِمَ بها، عرَف أصحابَها أو لم يَعرِفْهم.
5- ومِنْ توجيه السُّنةِ: العنايةُ بالنية، واستحضارِها، وتصحيحِها، والمُسلمُ يعمل لله،
وهذا ما يميِّزه، وغيرُه يعمل للإنسان و(اﻹنسانية) فقط.
وكان اﻹمام عبد الله بن المبارك (ت:181هـ) يقول:
(رُبَّ عملٍ صغيرٍ تُعظِّمُهُ النيّة.
ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصغِّرُهُ النيّة).
6- ومن السُّنة: الحفاظُ على اﻷذان، وفي هذه الشعيرة أسرارٌ وأنوارٌ.
وللإمام البقاعي (ت: 885هـ) كتابٌ فيه سمّاهُ: "اﻹيذان ببعض أسرار التشهد واﻷذان".
وقد لخصه العلامة محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت: 942هـ) في كتابه "السيرة الشامية".
وفي الغرب تَفهمُ من اﻷذان ما لم تكنْ تفهم...
ومن العجائب أنَّ أبا يزيد البسطامي أذّن مرّة فغُشِي عليه، فلما أفاق قال: العجبُ ممّنْ ﻻ يموتُ إذا أذّن[2]!
توبنغن – ألمانيا
7/ 2/ 2015م
[1] وقد يكون في قوله: "خيرٌ لي مِنْ حججي" نظرٌ، ويَحتاج إلى توجيهٍ.
[2] هذا شعورٌ خاص، ولا يعني أنَّ على المؤذِّنين أن يموتوا، والغشية أمرٌ قسري، وليس اختياريًا، والشاهدُ جلالُ معاني الأذان.
وسوم: العدد 648