الفقراء، الشاعر بدل رفو بين التسلط والفقر
لا يمكن استبعاد الذهن عن مدى التسلط والفقر في المجتمع
عصمت شاهين الدوسكي
بدل رفو
إن عوالم المعنى النصي تتمحور في استخدام الذهن الواعي لاكتشاف آليات ما يكون عليه النص بشكل مدروس ، والتي تخفي مضامينها تحت ستار من الآلام والذكريات والحرمان بطرح صور الكبح الداخلي ، وهي لا تظلل الأشياء بل تظهر جوهرها ، وتخضع للرصد والبحث الدقيق ، كل صورة شعرية أو ملاحظة بصرية وجذور تجربة إنسانية يتم التوصل إليها من خلال الإحساس ، النشاط الخاص بالإدراك الحسي ، والاستفادة من تطور الصور الشعرية ، الواقعية ، خلالها يقدم النص استنتاج واعي ، يترجم إلى صور واقعية ، واعية ، إضافة إلى دقة اختيار اللغة المجازية لوصف الصورة لكي لا تكون واضحة المعالم ، ويكون الشاعر متناغم مع المضمون الشعري ، وتجلياته العميقة ، فهو يعطي معنى لما هو معلوم أو مكشوف ، وقدرته على الوصف تمده بالقوة والاستمرار بيسر حينما يستخدم الشاعر بدل رفو في قصيدته " الفقراء " عنصر " الرصاص " ليكون مادة للانصهار والانتظار المفجع " للفقير الطموح " في معطيات تحمل عدداً كبيراً من المعاني الإنسانية بين الفقراء خاصة وبين الناس عامة ، تفسير من خلال افتراضات مسبقة بوجود أفعال مشابهة أخرى .
(( صهروا رصاص العالم كله
في رصاصة واحدة
وانتظروا حتى يمر الفقير الطموح ))
يقدم الشاعر دليل القوة والفقر " صهروا " ولا يقتصر على الجمع فقط " صهروا " بل على المفرد " الفقير " وهو وصف لعرض جسدي وفكري وتسلط على الفقير مع معرفة المصدر الضمني ضمن الاستنتاج الذهني لما يسلط على الفقير ، وفي هذا المجال البحثي للشاعر يحاول أن يسقط نقاط الضعف المحسوبة على الفقير ومواجهة التحديات العامة والرغبات المنصهرة بواسطة المعرفة والإدراك الحسي ، حتى وإن اخترقت " الرصاصة " صدره ، اخترقت أضلاعه ووعيه وفقره " لن ترهبه " لأن الطاقة التي يحملها في داخله أقوى من الرصاصة ، جسد الشاعر توارد أفكاره وأنماطها وتشبيهاتها إلى حد الاقتراب من غرابتها بما هو مألوف وبما هو جامد ومتحرك ، وهي وسيلة تعين الشاعر لدعم المعنى النصي وإدراك قوته وأهميته ، والوصف الدقيق لصور شعرية مكثفة تهيأ الإحساس بتلقي الظواهر المعينة بعقلية واعية تكون بحجم صعوبة النص ، التي ربما لا يرغبها بعض الناس كظاهرة انصهار " الرصاص " وتوجهها نحو صدر " الفقير " المسكين وأحياناً همل عن قصد مسبق لاستبعاد الذهن بين صراع التسلط والفقر ، وهكذا لجا الشاعر إلى ترجمة إبداعية للمعنى وتميز الصور الشعرية وإخراجها بشكل واعي .
(( واخترقت الرصاصة صدر المسكين
واخترقت الرصاصة صدره
لكن لم ترهبه الرصاصة ))
يشتمل هذا التوارد الفكري على تحول وتوسيع الإدراك وكشف موازين القوة والضعف ، فالمعرفة بالأشياء الضمنية الجديدة ، هي معرفة بشكل جديد لان الثوابت لا تبقى كما هي بل تضاف إليها تتغير وتنحسر في اهتمامات جديدة ، وقد يكون التغير الجديد في الشكل الجديد أكثر إمتاعاً ، فكرياً وحسياً ، تتسع أو تضيق في عموميات معاني التسلط والفقر ، لتكتسب الصور الشعرية المكثفة تأثيراً أوسع حسب الوعي والإدراك والتجربة ، حقائق جديدة تحتاج إلى فهم المعاني الظاهرة والضمنية ،ومن خلال هذه الصور التعبيرية المعنية ، يمكن إعادة تقويم النفس ، وروح الشخصية الدافعة للتسلط وتحديات الفقر الواضحة ، بما يخص المغزى الأخلاقي لكليهما التي تنضوي تحت تأثير إحساس الآخر وليس بتحويل القارئ كقارئ ومتفرج فقط ، يرصد الشخصيات والدوافع والغايات والمواقف ثم يركن دون فعل ناشط ، ومهارة فكرية تجسد المعاني الإنسانية الراقية ، وفق المبدأ القائل بأن الطبيعة الأخلاقية والنفسية ، يمكن معرفتها من خلال السلوك لمدة قصيرة أو طويلة بظروف مختلفة ، وتضع فوق بساط الرأي الصحيح ، عدم الخشية من الرصاص مصداقية لمهارة أخلاقية ، سلوكية ، قائمة على الإحساس والإدراك " لم ترهبه الرصاصة " وإحساسه المفرط عبر إحساس الفقير بخشيته " أن لا تمس شظايا هذه الرصاصة " التي يتلقاها في صدره " حبيبته القابعة في أعماق قلبه " هذا التصور المركز على إحساس وفكر الفقير وتوجهاته الإرادية وسلوكه الاعتيادي وأخلاقه الإنسانية سمو يتجلى بالفعل المختلف عن المتسلط الذي يتجاهل ، وبعيد عن هذه الأخلاق بصورة ما .
(( لكن !!
لم ترهبه الرصاصة
إنما كان خشيته كانت :
أن لا تمس شظايا هذه الرصاصة
حبيبته القابعة
في أعماق قلبه ))
لا يمكن أن نتجاهل المعنى الجميل للإحساس بالحب والوفاء والتضحية التي تتعلق بكيفية رؤية عوالم الفقر ، الفقير الطموح وأهمية وضوح التوازن المطلوب بنواحي أخلاقية مهمة ، الشاعر بدل رفو بإحساس مفرط مع تجليات الخيال الخلاق وباشتراك الذكاء ، لم يتجاهل الصورتين التسلط والفقر ، وهي ليست شكوك بل صور إنسانية يؤكدها الشاعر ، بالإضافة إلى تجاهل الآخرين لهذه المعاني عبر التصحيح الفكري والأخلاقي لها ، بالتالي هي معرفة مطلوبة واحتمالية أخلاقية مألوفة ليست مجرد من المعاني الإنسانية ، بل قابلة للتغير والتطور في ضمن عالم عصري إنساني متغير دائماً .
وسوم: العدد 665