رواية معيوف وسيرة قرية
رواية معيوف هي الرّواية الثّانية بعد "لفح الغربة" لابن قرية بيت حنينا الأديب عبد الله دعيس، ويتّضح من هذه الرّواية أنّ هاجس الغربة الذي اشتهر به أبناء بيت حنينا، وكانوا السّباقين إليه لا يزال يشكّل كابوسا يؤرّق أديبنا. لكنّه في رواية "معيوف" يعود إلى جذور مواطني هذه القرية الرّابضة بين مدينتي القدس ورام الله. مستذكرا شيئا من بعض العادات والتّقاليد من خلال شخحصيّة معيوف بطل الرّواية الرّئيسيّ.
اسم الرّواية: معيوف هو الشخصيّة الرئيسة في الرّواية، واسمه الحقيقيّ رضوان، لكنّ اللقب "معيوف" طغى على الاسم الحقيقيّ.
زمن الرّواية: تمتد الرّواية على طول القرن العشرين، وإن ابتدأت أحداثها بشكل جدّي منذ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى.
عادات وتقاليد: من يتابع أحداث الرّواية سيجدها تعجّ بمسمّيات وعادات وتقاليد سادت في مرحلة ما من مسيرة شعبنا الفلسطينيّ، وواضح أنّ الكاتب مطّلع بشكل واسع على تاريخ قريته، وما فيها من عادات وتقاليد. وتبدأ هذه العادات من اسم بطل الرّواية الذي حملت الرّواية اسمه وهو معيوف، ومعيوف الشّخص الذي يعافه النّاس، أيّ يرفضونه ولا يتقبّلونه، وقد لقّبوه بهذا لدرء العين الحاسدة عنه، بعد أن مات أشقّاؤه الأكبر منه سنّا نتيجة للفقر وسوء الرّعاية الصّحّيّة. وطغى اللقب معيوف على الاسم الحقيقيّ رضوان. ومن هذه العادات أنّ المولود الذي يخاف ذووه عليه من العين الحاسدة فإنّهم لا يحمّمونه في السّنوات السبعة الأولى من ولادته، كي تكون رائحته نتنة، تجعل الآخرين يتقزّزون منه، وبالتّالي لا ينتبهون له ولا تصيبه العيون الحاسدة. ومعروف أنّ العين الحاسدة تصيب الأبناء الذّكور دون الاناث حسب المعتقد الشّعبيّ في المجتمعات الذّكوريّة.
ومن الأمور التّراثيّة التي وردت في الرّواية ما جاء حول تصنيع "القطّين" – التّين المجفّف- و"الزّبيب"- العنب المجفّف- وهذا يعني أنّ أراضي بيت حنينا كانت تعجّ بكروم التّين والعنب. و"العلّيّة" وهي البيت المرتفع وكانت تستعمل كمضافة لأبناء القرى، وغالبا ما كان يملكها المختار.
وورد وصف لموسم النّبي موسى، ويأتي مصاحبا لعيد الفصح عند النّصارى، وقد ابتدع في العصر الأيّوبي بعد تحرير القدس من الفرنجة في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، وأعاد احياؤه الحاج أمين الحسيني بقوّة زمن الانتداب البريطاني على فلسطين. كما ورد ذكر للكتاتيب التي كان يتعلّم فيها الصّبيان "أصول القراءة والحساب".
وورد ذكر لأسماء بعض الأماكن في بيت حنينا مثل ساحة"ورا الجامع" وجبل دعاس وغيرها.
وممّا جاء أيضا هو التأريخ لبعض الأحداث مثل : تأسيس مدرسة بيت حنينا عام 1928، وافتتاح مقر لجماعة الاخوان المسلمين في القدس عام 1944. وتأسيس شركة باصات لبيت حنينا القدس. وعودة أحد المغتربين في أمريكا من أبناء بيت حنينا عام 1932 بعد غياب عشرين عاما، وكان قد اغتنى بشراء العقارات في نيويورك أثناء الأزمة الاقتصادية في أمريكا عام 1928، وباعها بعد انتهاء الأزمة، فاغتنى وعاد إلى بلاده ليفتح باب الهجرة الواسع لأبناء قريته.
أبو حمار: وهو شخصيّة تراثيّة، كانت معروفة في القرى الفلسطينيّة حتى النّصف الأوّل من ستّينات القرن العشرين، حيث كان يأتي بائع متجوّل بضاعته على ظهر حمار، يبيع "الحامض حلو والحلاوة" للأطفال، وأبر الخياطة وخيطان التّطريز، والمناديل وبعض الأقمشة للنّساء، غير أنّ أبا حمار "بيت حنينا" كان شخصا مختلفا ظهر زمن الانتداب، ولم تكن هذه مهنته الحقيقيّة، وإنّما كانت وسيلة لتحقيق مآربه، فهو يهوديّ من أصول فلسطينيّة، يتمسكن في القرى ومنها بيت حنينا، ويكسب ودّ أهلها، ويشتري أراضي لا تصلح للزّراعة منهم بأسعار زهيدة، وواضح أنّه كان يشتريها لصالح المنظّمات الصهيونيّة الاستيطانيّة. وقد ظهر مع مجموعة من السّيّاح في أسواق القدس بعد قيام دولة اسرائيل، ولمّا تعرّف عليه معيوف، ترك كاميراته في يد معيوف وأخبر الشّرطة بأنّه سرقها، وكانت النتيجة الحكم على معيوف بالسّجن لمدّة عامين.
معيوف: هو بطل الرّواية الرّئيس، شخصيّة استثنائيّة مضطربة منذ طفولته الأولى، فوالدته منعت تحميمه بالماء في سبع سنوات عمره الأولى، حظي بحبّ والديه كون اخوانه الأكبر منه سنّا كانوا يموتون، شخصيّته انطوائيّة، يعرف الصّحيح ولا يستطيع البوح به، زوّجوه من ابنة عمّه اليتيمة "خضرة" التي كانت تكبره عمرا، لم يقبل بالّزّواج لكنّه لم يستطع الاعتراض، أنجب منها طفلين، وهرب منها وهي حامل في الطفل الثاني، أكمل تعليمه الثّانويّ في المدرسة الرّشيديّة، كان تائها، فهو متديّن بالفطرة، تأثّر بمعلّمه صالح، الذي كان من جماعة الاخوان المسلمين، ارتاد أماكن اللهو مع بعض أصدقائه ولم يستسغها، التزم الصّلاة في المسجد الأقصى، وحضر حلقات الذّكر، عمل في دير اللطرون، وتعرّف على أولغا الفتاة الحلبيّة التي جاؤوا بها إلى الدّير؛ لحمايتها من ذويها بعد أن حملت سفاحا، اتهموه بها ولم يدافع عن نفسه، عمل مدرّسا في مدرسة صورباهر، واعتقل هناك بتهمة الانضمام إلى الاخوان المسلمين، سافر إلى مصر لتكميل دراسته الجامعيّة، وهناك التقى بجماعة الاخوان المسلمين، واستمع لخطابات حسن البنّا مؤسّس الجماعة، واشترك معهم في حرب فلسطين عام 1948، وعاد إلى القدس، وشارك من قرية صورباهر مع معلمه صالح وغيره من جماعة الاخوان في الهجوم على التّجمعات اليهوديّة خارج أسوار القدس، كما شارك في الدّفاع عن القدس القديمة ومقدّساتها. وبعدها عمل مدرّسا في دار المعلّمين في بيت حنينا، ولم يتعرّف عليه أبناء بلدته لطول غيابه عن القرية، ولانتشار اشاعة عنه بأنّه قتل قبل ذلك بسنوات، وهناك رأى ابنيه من "خضرة" ولم يتعرّف عليهما. وفي تلك الفترة تزوّج من المقدسيّة سميرة التي رفض والداها تزويجه منها قبل ذلك لأنّه قرويّ! وسجن لمدّة سنتين بعد أن تعرّف على أبي حمار الذي دخل القدس القديمة مع فوج من السّيّاح، وخرج من السجن ليجد سميرة قد ماتت، سافر إلى أمريكا والتقى هناك بأخيه الأصغر مصطفى، والذي وفّر له عملا معه لا غير، وهناك سجن وأبعد إلى الأردنّ.
شخصيّة معيوف كما جاءت في الرّواية شخصيّة حائرة متقلّبة، لم تعرف طريقها بشكل واضح إلا في الفترة التي كانت فيها تحت راية جماعة الاخوان المسلمين، لكنّها كانت شخصية خاسرة باستمرار، مثلها مثل غيرها من الفلسطينيّين الذين تكالبت عليهم أمور أكبر من قدراتهم.
البناء الرّوائي: الدّور الرّئيس في السّرد الرّوائي جاء على لسان "معيوف" الذي كان يسرد بلغة الأنا، ممّا يوحي بأنّ الرّواية تقترب من سرد الذّكريات، فقد جاءت مجموعة حكايات وقصص وأحداث متشابكة ومتداخلة، لخدمة الهدف الرّئيس.
وسوم: العدد 667