الفلسطيني نمر سعدي في «وقتٌ لأنسَنةِ الذئب»
قصائد تحمل روح الخسارة وتهدي نفسها «إلى الهباء»
يُهدي الشاعر الفلسطيني نمر سعدي ديوانه «وقتٌ لأنسَنةِ الذئب»، إهداء عجيبا «إلى الهَباء»، لأن غالبية قصائد هذا الديوان، تحمل روح الخسارة على غير صعيد، وخصوصا على صعيد العلاقة بالمرأة، هذه المرأة التي تحضر هنا في صوَر متعددة ومختلفة حد التناقض، لكنها في نهاية المطاف صور تُظهر الشاعر منذورا لامرأة تجعل منه «ذئبا»، فيما هو منذور للهباء.
المجموعة الجديدة، الصادرة حديثا في (دار النسيم، القاهرة)، هي الخامسة في مسيرة الشاعر ابن الجليل الفلسطيني المحتل، والذي يعيش قريبا من الناصرة وعكا وحيفا ويافا والقدس، من دون أن تحضر حضورا مباشرا في قصائده، فقد سبق وصدر له «موسيقى مرئية» (الناصرة، 2008)، و«كأني سواي» (حيفا، 2009)، و«يوتوبيا أنثى» (رام الله، 2010)، و«ماء معذَّب» (الناصرة، 2011). المجموعة موزعة على أقسام، يحتوي كل منها على عدد من القصائد، يغلب عليها البعد العاطفي وروح المأساة لجهة المضمون، والمراوحة بين التفعيلة الواحدة والبيت الخليلي لجهة الأوزان والإيقاعات، وكثرة استخدام القوافي الداخلية على نحو يجعل من النص نصّا دائريا، قبل الوصول إلى قافية خاتمة، ومحاولة التجريب لجهة مصادر الإلهام والاستعارة.
في القصيدة الأولى، نقرأ بهذه اللغة الشفيفة تداعيات الشاعر «تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لشمسكِ/ تمنَّيتُ لو كنتُ ظنَّاً جميلاً لحدسكِ/ ولا لن أُسمِّيكِ يا امرأتي/ أيتها المرأةُ المتردِّدةُ الكاذبةْ/ آهِ أيتها الأنجمُ الذهبيَّةُ في القلبِ/ أيتها اللغةُ المشتهاةُ أو المنتقاةُ من القبلةِ الغائبةْ».
ومن أبرز استعارات الشاعر، ما نجده في قصيدة «سآوي إلى نخلها»، التي تحيل إلى قصة طوفان نوح وابنه الذي أعلن أنه سيأوي إلى جبل يعصمه من الماء، فيقول الشاعر في استعارته لمضمون الإيواء «سآوي إلى ظلِّها/ يومَ لا ظلَّ يعصمني من سماءِ العصافيرِ»، لكنه سرعان ما يتحول إلى قصص أخرى، ليستحضر «عطرِ زليخةَ»، و«مشيةَ الظبيِ.. والفرسِ العربيَّةِ»، منتهيا إلى استعارة عنوان رواية هيرمان هيسّة «ذئب البوادي» ليتحدث عن المرأة «هيَ شفَّافةُ الروحِ بحريَّةٌ/ ووحشيَّةٌ مثلُ ذئبِ القفارْ». ومن بين القصائد المكتوبة على إيقاعات الخليل قصيدة «أزهارٌ من سدومْ»، وهي تستعير حكاية القرية التي «خسفها الله بسبب ما كان يقترفه أهلها من مفاسد»، ضمن مجموعة قرى في منطقة البحر الميّت، وفق ما جاء في نصوص الكتب المقدسة.
ولكن الشاعر يستحضر إلى قصيدته هذه والكثير من قصائده، في السياق نفسه وسياقات أخرى، رموزاً تاريخية وأسطورية مثل «جلجامشِ السرِّ في أدغالِ ذاكرتي»، و«جون كيتسِ المريضِ»، ويقول «إني تأبَّطتُ سيفَ الشعرِ تحتَ دمي»، والمعلّقات «وعلَّقتني على ناري مُعلَّقَتي/ حتى تصيرَ إلى العنقاءِ فلسفتي»، وغيرها الكثير.
وعلى قلّة الحضور للبعد الوطني/ السياسي في المجموعة، فإن هذا الحضور يتراجع ليتقدم البعد الإنسانيّ والوجودي في القصائد، كما يحضر نزوع الشاعر للتعبير عما يريده.
وسوم: العدد 670