الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة 11

الفصل الثالث

التشكيل اللغوي في عصر الدول المتتابعة

 «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الجمال فقال: في اللسان»([1]).

 العلاقة بين اللفظ والمعنى، أو بين الشكل والمضمون،علاقة وثيقة ، وقد تحدث عنها نقادنا القدامى،  فابن قتيبة مثلا ذكر أن "الشعر  ضرب حسن لفظه وجاد معناه، وآخر حسن لفظه دون معناه، وثالث جاد معناه دون لفظه ، ورابع تأخر لفظه ومعناه معا". وعد الشعر المطبوع أجود الشعر، ووسمه بأن فيه رونق الطبع، وأنه يقرأ بلا تعمل ولا شدة([2]).

وطالب المبرد بضرورة وضوح المعنى مع صحته، وبجزالة اللفظ، وكان يعجب بالبحتري، ويرمي شعر أبي تمام لأن فيه تكلفاً أخرجه عن مألوف العرب([3]).

واهتم الجاحظ باللفظ مع عنايته بعناصر الشعر الأخرى، قال: «وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وصدق الطبع، وكثرة الماء، وجودة السبك؛ وإنما الشعر صياغة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير»، ثم قال «وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكأن الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة على حسب صاحبه، وتقوى قائله، فإن كان المعنى شريفا واللفظ بليغا، وكان صحيح الطبع بعيدا عن الاستكراه، ومنزها عن الاختلال، مصونا من التكلف، صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة»([4])

فالجاحظ إذا اهتم بالشكل والمضمون وشرط أن يكون المعنى شريفا، وفيه حكمة صادرة عن قلب تقي، وأن يؤدى بأسلوب مطبوع لا تصنع فيه ولا تكلف ليكون مؤثرا في القلوب والعقول.

ولكن العرب منذ العصر العباسي مالوا إلى التصنع والتعمل ، وبدا هذا عند المتأخرين كالمعري والحريري ، فلما كان عصر الدول المتتابعة زاد هذا التكلف بسبب تغير الأذواق لاختلاط الشعراء بجنسيات متعددة وثقافات مختلفة ، ، وبات الشعر المصنوع برأيهم هو الجيد الذي يحظى بالقبول ، والذي يقال فيه «لو كان لي بكل شعري هذا القول»([5])، أو «إنه في غاية الجودة»([6])، ولذلك راح بعض الشعراء يقدمون نماذج شكلية ترضي أذواق المعاصرين حتى ينالوا إعجابهم  وعطاءهم ، ثم ساير النقاد الشعراء بدلا من أن يبصروهم مقاييس الجودة ([7])،

ومع ذلك بقي الشعر المطبوع الذي خلفه العصر يلقى إعجابهم ، فالخفاجي مثلاً يقول «إن الشعر الذي يكثر فيه البديع ليس بشعر ترتضيه الأدباء، فقليله مفرح، وكثيره قاتل»، و فتح الله بن النحاس حاز على قدم السبق لأسلوبه الشعري لأنه كان مطبوعاً لا مصنوعاً، حتى إن كثيراً من قصائده خمّس وعورض، والبوصيري، على تكلفه للبديع في بردته ، كان أسلوبه في غيرها سهلاً رهواً حتى قال الصفدي فيه «وشعره في غاية الحسن واللطافة، عذب الألفاظ منسجم التركيب» ([8]).

على أي حال، فإن الشاعر الذي يدع نفسه على سجيتها يأتي شعره طبعيا لا تعمل فيه ، لأن توهج الفكرة في ذهنه تجعله ينأى عن التكلف في تعبيره ([9])، وستكشف هذه الدراسة عن نماذج كثيرة لشعر العصر المطبوع منه والمصنوع ،وأساليبه التعبيرية ، وسأدرس في تشكيله اللغوي مواءمة الأسلوب للموضوع والمتلقي ، ثم أعرج إلى الأساليب التعبيرية ، ثم أبين بعض القضايا النقدية واللغوية في شعر ذلك العصر .

أولا : مواءمة الأسلوب للموضوع والمتلقي :

انفعال الأديب كما ذكرت يؤدي إلى تدفق العبارة على لسانه معبرة عما يكنه في سويداء قلبه، فيكون الشعر بذلك ترجمانا يحكي ما بالنفس من لواعج الحب، أو الشوق والحنين، أو الثورة والغضب، كما يبين أفراح النفس وأتراحها .

فالشاعر «محمد بن عثيمين» في وصفه للحرب التي دارت بين الملك عبد العزيز وأعدائه يتخذ من الأسلوب الجزل القوي ،ومن معاني الحرب وألفاظه متكأ له، وقد ناسبت كلماته بجرسها ودلالاتها ما عناه الشاعر من حديث عن المعركة وعزة النصر وسطوة الملك، وذلك في قوله:

لا في  الرسائل والتنميق للخُطَبِ

العزُ و المجدُ في  الهنديةِ  القُضُب

هما المعارج للأسنى من الرُّتَب

وليس يبني العلا إلا ندىً و وغىً

قلبٌ صَرومٌ إذا ما همّ لم يهب ([10])

ومشمعلٍّ أخو  عزم يشيّعه

تسمو به فوقَ هامِ النَّسر والقُطُبِ

ذاكَ الإمامُ الذي  كادَتْ عزائمُه

شوسُ الجبابرِ من عُجمٍ ومن عَرَب ([11])

عبدُ العزيزِ الذي ذلَّت لسطوتِه

فالشاعر هنا ذكر العز والمجد، والعلا والوغى، وتأثر بأبي تمام حين ذكر أن العز والمجد يتحققان بقوة الحرب لا في الرسائل والخطب المسجلة ،كما تحدث عن الأبطال الشجعان وأثنى على بطولة الممدوح وانتصاره على أعدائه في منطقة الإحساء سنة 1331ه.

وفتح الله بن النحاس يستهل مدحته لمحمد بن فروخ أمير الحج بغزل يناسب الموضوع العام للقصيدة ،فالحجاج كانوا يأرقون قبل أن يستلم ابن فروخ مهمة الحفاظ عليهم،وذلك بسبب الغارات التي يشنها قطاع الطرق عليهم ، ولهذا جعل ابن النحاس غزله ينم عن أرقه وكأنه بذلك يتقمص شخصية الحجاج، هاهو يقول:

والدُّجى إن يمضِ جنحٌ يأتِ جنحُ

بات ساجي الطَّرفِ والشوقُ يُلِحُّ

ولزَندِ الشوق ِ في الأحشاءِ قَدحُ

يقدحُ  النجمُ بعيني  شرَراً

يا بنَ وُدّي ما لذاكَ  الحالِ  شرحُ

لا تسل عن حالِ أربابِ الهوى

لم يكن بيني و بين النومِ صُلحُ([12])

لستُ أشكو حالَ جفني والكرى

وقد حوت هذه القصيدة عبارات: الشوق الملح، والدجى إن يمض جنح يأت جنح، ويقدح النجم بعينه شرراً، كما يقدح الشوق قي أحشائه، والنوم لا يصالح، وهذه الدلالات المعنوية تشير إلى الحالة التي كان الشاعر عليها،أو لنقل الحال التي كان عليها الحجاج.

أما في قصائد الرثاء فإن معاني الحزن وألفاظ الموت تسيطر على أجواء القصيدة ، فكأس المنون عند الشاعر «محمد الأمين المحبي» يحتسيها كل من على وجه البسيطة، لأن كل من عليها فان ، ويبقى وجه الرحمن ذي الجلال والإكرام.

غيرَ وجهِ المهيمنِ الرحمن

كلُّ حيٍّ على البسيطة  فانٍ

سريانَ الأرواحِ في الأبدان([13])

وشرابُ المنونِ في الناسِ يسري

وكما عني أدباء العصر بملاءمة الأسلوب للموضوع عنوا أيضاً بملاءمته للمتلقي، فهم حينما يكتبون للصغار مما يسمى اليوم بأدب الأطفال  يعمدون إلى نصحهم وإرشادهم إلى القيم والمثل الرفيعة التي عرفها المجتمع العربي والإسلامي، بأسلوب يحوي كلمات سهلة، وألفاظ ناغمة، وعبارات ناعمة، وفيها سجع يكسب الأذن نغمة حلوة، كما أنهم قبسوا عبارات من قصار السور، تلك التي اعتادها الصغار لغة وموسيقى منذ نعومة أظفارهم.

فالشاعر «أحمد بن مشرف» في أرجوزة له في الأخلاق وفي «فصل في التحذير من صحبة الأشرار»، يحذر الصغار من صحبتهم لأنها أشد ضررا من الأعداء والأمراض، فهم يزينون المنكر، ويعملون السيئات ، ويحسدون الآخرين على النعم التي أنعم الله سبحانه عليهم بها، ويحقدون على الناس،ومفاسدهم عامة ، وقد اتخذ الشاعر لهذه المعاني ألفاظا مناسبة مثل صحبة الأشرار، خدعة الأعداء، يقبحون الحسنا، والشر حبل من مسد ، والعبارات الأخيرة مقتبسة من سورة المسد وهي السورة الرابعة قبل الأخيرة من القرآن الكريم ويتعلمها الطفل بعد المعوذات، أو لعلها تسبقها إلى ذهن الصغار لسهولة عباراتها وألفاظها، وتأثير موضوعها في القلوب ، يقول:

أعظمُ في الإضرار

وصحبةُ الأشرار

و من عُضالِ الداءِ

من خدعةِ الأعداء

ودَأبُهُم قولُ الخنا

يقبِّحون الحسنا

والشَّرُّ حبلٌ من مَسَد([14])

الغلُّ فيهم و الحَسَد

وتبدو هذه السهولة أيضاً في الأراجيز التعليمية الموجهة إلى الصغار من مثل (تحفة الأطفال) لسليمان الجَمْزُوْرِي([15]) إذ قدم لهم علم التجويد في أرجوزة مبسطة تحوي واحداً وستين بيتاً ومطلعها:

دوماً سليمان هو الجَمْزُوري

يقول راجي رحمة الغفور

محمد وآله ومن تلا

الحمد لله مصلياً على

ثم يسرد أحكام النون الساكنة والتنوين وغيرها من مباحث التجويد المبسطة، ومنها قوله:

أربع أحكام فخذ تبييني

للنون إن تَسْكن وللتنوين

للحلق ست رُتِّبَتْ فلتُعْرَفِ

فالأول الإظهار قبل أحرُفِ

مُهْمَلتان ثم غَيْنٌ خاء

همزٌ فهاءٌ ثم عينٌ حاءُ

     فهنا نرى الألفاظ السهلة والنغمة المحببة والعبارات الواضحة وذلك في هذه المزدوجة التي سهلت على الصغار حفظ مبادئ علم التجويد لغة وموسيقا، وقد فتح الجمروزي الباب أمام الشعراءليلجوا إلى أدب الأطفال، وتجلى هذا عند أحمد بن مشرف في قصصه وحِكمه الطفولية .

وهكذا كان أسلوب الشعر في هذا العصر يلائم الفكرة كما يلائم المتلقي.

ثانياً : الأساليب التعبيرية :

قال القيرواني: «الشعر مطبوع ومصنوع، والمطبوع هو الأصل، وعليه المدار»([16])، وكما أشرت كره العرب الكلفة في الشعر ، وعدوا المصنوع منه دليل عجز صاحبه ، إلا أن المتأخرين منهم أعجبوا بالشكلية .

ولو تطلعنا إلى الجانب العملي في تطبيق مفاهيمهم الأسلوبية لرأينا أن الشعراء عمدوا إلى أساليب تعبيرية متعددة، بدا من خلالها الطبع حينا و التصنع حينا آخر وذلك حسب مقدرة الشاعر وطريقته في التعبير .

ولعل أهم هذه الأساليب التعبيرية في شعر العصور المتتابعة الاعتماد على المحسنات المعنوية و اللفظية ،والمبالغات الشعرية ،والمعارضات ، والمساجلات  ،فالتوقيعات الشعرية ، ثم الأسلوب القصصي ، فالتمثيلي  .

وسأدرس هذه الأساليب في عصر الدول المتتابعة ، وأبين ما جدّ فيها في هذا العصر.

 1– الاعتماد على المحسنات المعنوية و اللفظية :

ولا يعني هذا أن نصم أسلوب العصر بالانحطاط لاعتماد بعضه على المحسنات ، ففي أشعار العصر بلاغة وجمال ، ولعل الشواهد الآتية تجعل القارئ يسبر غور هذه البلاغة ويرى فيها ما يجعله يغير نظرته أو ينصف شعراء العصر .

أ- ففي مجال المحسنات المعنوية نقرأ للشاعر"أبي دينار"[17] هذا النداء في مدحة لباي تونس وكان يدعى رمضان، وقد اتكأ على الطباق ليعرض حال الشعب الآمن في ظل حاكم يقظان يهتم برعيته بعد حاكم ظالم غشوم:

نَم في أمانٍ فإن البايَ يقظانُ ([18])

يا سائراً في فيافي البيدِ في دعةٍ

وما أجمل الطباق أيضا في قول عبد الغفار الأخرس([19]) وهو يشيد بفعال ممدوحه الذي أحل الأمان للشعب كباره وصغاره بعد أن عاش في ضيق وعسر:

و بَلَوا أهوالَها شِيباً و مُردا

جرَّبوا الأيامَ سخطاً و رضا

أورثَتهُم بعدها عِزّاً ومجدا ([20])

بذلوا أنفسَهم في  خدمةٍ

  وهذه مقابلة موفقة في قول ابن عثيمين تشير إلى تأييد الله سبحانه للممدوح على أعدائه الذين كانوا يلهون في أول الليل ويلعبون ، فكانت الحرب في آخره وبالا عليهم وشؤما :

من كفِّ مُحتَسِبٍ  للهِ مُرتَقِبِ

صبَّ الإلهُ عليهم  سَوطَ مُنتِقِمٍ

وآخرِ الليلِ في وَيلٍ  وفي حَرَبِ ([21])

في أولِ الليلِ في لهو وفي لعب

والاقتباس والتضمين مما يجملان العبارة، وقد لجأ إليهما شعراء العصر، إذ قبسوا من القرآن الكريم والحديث الشريف، ومن الأمثال والمصطلحات العلمية، فمن الاقتباس من الذكر الحكيم قول أحمد الكبسي([22]) في وصفه لحروب الإمام المنصور في المحاقرة :

فوقَ المحاقرةِ الليوثُ فما بقي

أتَرى جحافِلَه و كيف تدفَّقَت

و «كأنهم أعجازُ نخلٌ  مُحرق» ([23])

عفَتِ الديارُ لها فتلك بلاقِعٌ

وقد أكثر بعضهم من الاقتباس في قصيدة واحدة، فالشاعر شمس الدين الطيبي اقتبس من سورة مريم معظم القصة، وذلك على نحو قوله :

إذ نَوَوا للنوى مكاناً  قصيا

لستُ أنسى الأحبابَ ما دُمتُ حياً

كلما اشتَقتُ بكرةً وعشيّا

فبذكراهُمُ تَسُحُّ دموعي

كمناجاةِ عبدهِ زكريا

وأناجي الإلهَ من فرطِ  حزني

ربّ بالقُربِ من لدُنك ولِيّا([24]) 

وهنَ العظمُ بالبعادِ فهَب لي

وذكر الصفدي أن " الاقتباس إذا كان من آية أو آيتين لا بأس به، وأما سورة بكمالها ففي هذا من إساءة الأدب ما فيه "([25])، وأقول أيضا: إن المجال الذي استخدم فيه السورة وهو الغزل كان غير ملائم، لأن مقام القرآن الكريم أجل وأسمى من أن يتخذ في التعبير عن هذه المعاني .

ومن الاقتباس من الحديث الشريف قول خالد العرضي :

ولا الفقيرَ إذا يشكو لك الألما

إن كنتَ لا ترحمُ المسكينَ إن عَدِما

و«إنما يرحمُ الرحمنُ مَن رحما([26])»

فكيف ترجو من الرحمنِ مرحمةً

ويعد التضمين وسيلة تعبيرية تجمل المعنى، وتشير إلى عملية التأثر والتأثير بين القدامى والمعاصرين، وقد حظي المتنبي بتضمين كثير من أقواله، من ذلك قول الشاعر أحمد بن مشرف في مدحة له للإمام فيصل بن تركي: 

ما إِن ترى مثلَها في الحُسن أمثالا

وهاكَ مني قريضاً قد حوى دُرَراً

«لا خيلَ عندي أهدِيها ولا مالا» ([27])

جهدَ المقلِّ قد أهداه  مُعتَذِراً

فالشطر الأخير مضمن من قول المتنبي في مديح أبي شجاع فاتك:

فليُسعِدِ النطقُ إن لم يُسعِدِ الحال([28])

لا خيلَ عندكَ تهديها ولا مالٌ

وهذا «عبد الفتاح الطرابيشي»([29]) يضمن بيت ابن الوردي ، وقد أشار إلى ذلك بوضع المضمن بين قوسين ، قال :

ذا عفافً يبتغي خيرَ  العمل

«واهجُرِ الخمرةَ إن كنتَ فتىً»

«كيف يسعى في جنونٍ مَن عَقَل»([30])

هل سوى المجنونِ يبغي شُربَها

والتورية إحدى الوسائل التعبيرية أيضاً، وقد لجأ إليها الشاعر «فيض الله الرومي» في نقده لقاضٍ كان صديقه، فلما تسلم منصباً رفيعاً تنكر له، فقال:

ما ليس في الأجسامِ  يُدرَكُ  بالبصر

لي صاحبٌ في العَزلِ يبصرُ دائما

أعمى البصيرةِ فيه مكفوفَ النَظَر

حتى إذا وَلِيَ القضاءَ  رأيتَه

و الدهرُ فيه عبرةٌ  لمنِ اعتبَر

لكن أقمتُ على التباعُدِ عذرَه

يوماً «إذا جاءَ القضا عَمِيَ البصر»([31])

ورأيتُ أحسنَ ما يقالُ لمثلِه

فكلمة «إذا جاء القضا عمي البصر» فيها تورية، فالمعنى القريب لها أن القضاء والقدر إذا جاءا لم تفد المرء أي وسيلة يتخذها، فيصير كأنه أعمى لا يحسن التصرف، ولكن المعنى البعيد والمراد أن منصب القضاء أغشى عيني الرجل فلم يعد ير أصدقاءه مشيرا بذلك إلى تناسيه لهم.

وقد شاع في هذا العصر التورية باسم الممدوح، وتسمى الاشتقاق([32])، من ذلك قول «عبد الغفار الأخرس» في مدحة له لوالٍ اسمه علي:

وغيثُ العطاءِ، غياثُ الأمم

عليُّ الرِضا، مشرفيُّ القضا

وساقَ الصناديدَ سوقَ الغَنَم([33])

أذلَّ الطغاةَ ، وأردى الكماةَ

فكلمة علي الرضا فيها تورية، فالمعنى القريب هو رفيع الشأن، والبعيد المقصود هو اسم الممدوح «علي رضا اللاظ».

   والرمز عند القدامى من أنواع التورية، وقد يأتي الشاعر بالرموز الدينية أوالتاريخية أو الأدبية، ويروح يجول في فضاءات التاريخ والتراث ليعمق الرؤية ويفخم الحدث ، ومن استدعاء التاريخ بالرموز الدينية قول الأمير الشاعر منجك بن محمد وهويلمح إلى إبليس بالمطرود ، وقصته معروفة، وقد اتخذه الكاتب للدلالة على هيبة ممدوحه ليكشف عن أثر اللاشعور في الحراك السلوكي ، قال متحدثا عن السلطان العثماني إبراهيم بن أحمد :

ملكٌ من الإيمانِ جرَّد صارماً      بالحق حتى الكفرُ أصبح مسلما

لو شاهد المطرودُ سطوةَ بأسه     في صلب آدم للسجود تقدما([34])

   واختيار هذه الرموز يصدر عن وعي الشعراء بدلالاتها وتوظيفها في الكشف عن أبعاد الشخصيات التي تنم عنها، وهذه إحدى الغايات التي تستدعى الرموز من أجلها([35])، ولكني أرى أن الشاعر غالى في تصوير هيبة السلطان، وهل كان إبليس سيهابه أكثر مما يهاب رب العالمين !!...

   وقد يكون الرمز أدبياً فيكون وسيلة من وسائل التواصل بين الثقافات، وبعض الرموز التراثية الأدبية أكثر حضورا لدى الشعراء من بعض، فسحبان وائل عرف بالبلاغة وإليها يرمز باستدعائه، وامرؤ القيس رمز الشاعرية، وعنترة رمز الشجاعة([36])، ولهذا كان شعراء العصر إذا أرادوا أن يصفوا أحدا بهذه الصفات شبهوه بها فكانت رموزهم الإشارية([37]) مصدر إشعاع للقيم الفكرية والشعورية، وبذلك يتفهم المتلقي الموضوع ويتذوق النص .

   هذا عبد الوهاب الدمشقي([38]) يشيد بشاعرية صاحبه ويمده التاريخ بمعطياته فيأخذ صورتي سحبان وقس للدلالة على قوة أسلوبها فيقول :

أيا فاضلا حازَ البلاغةَ بالقلب      وصاغ فنوناً في البلاغةِ كالقلب

وفاق بنظم الشعرِ سحبانَ وائل     وقَسَّ إياد في القريض على القرب

  وقد تأتي الرموز الأسطورية للدلالة على أمر ما لما فيها من طاقات إيحائية كبرى قادرة على التعبير عن الأحاسيس([39]). فرمز العنقاء([40]) يمكن استخدامه للدلالة على استحالة

الأمر، وعلى مالا يمكن رؤيته في الحياة، ولهذا قال الشاعر محمد الخراط([41]) :

مولى له تهفو القلوبُ محبةً     وكذا الكريمُ إلى القلوبِ مُحَبَّبُ

ياطالبا مسعاه في شأوِ العلا      هيهاتَ ماترجوه شيءٌ يصعب

ماكل شأو يُستطاع نوالُه      خفضْ عليك فأين عنقاءُ مغربُ ؟

   فكأن ممدوحه لعلو منزلته لايُرى مثله ، وبذلك شارك هذا الرمز في الدلالة على القيم التي يتمتع بها الممدوح، وعلى موقف شاعرنا منه .

وهذا الشاعر محمد حميدة([42]) يتخذ الرمز وسيلة للتنديد بواقع كان يعيشه، وجاء بالمعنى من خلال رموز من الطبيعة مستمدة من الحيوانات، ليشير إلى ضعف مكانة العلماء وعلو الأدنياء ، وقد رمز الشاعر للأوائل بطائر الرخ ، وللآخرين بالذئاب وفرخ البوم وعرج الحمير ، وهذا ما يذكرنا بابن المقفع حين خط (كليلة ودمنة) ليأتي بالمفاهيم السياسية والاجتماعية على ألسن الحيوانات، يقول الشاعر:

خِ ، وشاهُها للهولِ ذائِقْ([43])

خلَتِ الرقاعُ من الرّخا

خِ ، و فَرْزَنَتْ فيها البيادِقْ

والفيلُ ملقىً في الفِخا

بِ ، و صادَ فرخُ  البوم باشِق

والأُسْدُ دانَتْ  للذئا

نِ ، و كلُّ  مِنْطِيْق و حاذِقْ

سكتَتْ بلابلةُ الزما

ر، فلسْتَ تبصرَ غيرَ ناهق

و تسابقَتْ عُرْجُ الحمي

ر ، فقلتُ : من عدمِ السَّوابق([44])

و لقد  تداعَوا  للبَدا

   ولكن بعض الشعراء كانوا يخالفون ماعرف عن الرموز وما حكي عنها في التراث، وما استقرت عليه في وجدان المتلقي، فالخنساء وصخر دليلان على كثرة الأحزان ، وهما يذكران بمأساة الموت ، لكن الشاعر أسعد الطويل([45]) جاء بهما في موطن الغزل، والرمز يفهم في ضوء العملية الشعورية والجو الشعري([46]) ، وقد أراد من استدعائه التعبير عن أحزانه لبعد الحبيبة عنه، ولكن شتان بين الموت والغزل وإن كان يجمع بينهما الحزن،قال:

وما حالةُ الخنساء بالوَجْدِ والأسى     وقد رابها طولُ التباعد من صخر

تنوحُ فيبدو من ضمائرِها الجوى   وتُزري عقودَ الدمع كالعِقد في النحر([47])

بأكثرَ مني لوعةً وصبابةً    إذا شِمْتُ هذا الظبيَ يجنحُ للهجر

  وأرى أن في هذا الرمز تكلفا شديدا، فذكر دموع الخنساء مع العِقد في النحر صورة غير توافقية لأن في الأولى آلاماً وفي الثانية جمالا وحسنا، والشاعر بَعُدَ برأيي عن الصدق الفني، وكان عليه أن يسقط على الشخصية من التفسيرات والتأويلات ما تحتمله ملامحها التراثية([48])،وبهذا ينأى الإيحاء الرمزي عن تأدية دلالته وتوليد العاطفة المرجوة منه .

 وقد تكون الرموز تناصاً يشير إلى قصة شعبية أو أسطورية عرفت خلال التاريخ ولها معطيات عديدة، ولذلك فإن ذكرها يؤدي إلى تداعي الأفكار كما فعل الشاعر عفيف الدين الذروي([49]) في اقتباسه من التراث الديني قصة الفيل في القرآن الكريم وهو يرد بهذا التناص على عنجهية إمام اليمن :

    قل لمَنْ رام يُناوينا ومَن     رام يأتي بيتَنا مغتصبا([50])

                    سورةُ الفيلِ لنا كافيةٌ     اتركِ الجهلَ وخلِّ الكذبا

                    إن بيتَ اللهِ بيتٌ خصه    منه بالنصرِ فلن ينغلِبا

     فالشاعر استنطق التاريخ بهذا التناص فكانت سورة الفيل خير جواب لهذا اليمني من أحفاد أبرهة، وقد أدت هذه السورة المهمة المعنوية والنفسية، وبهذا يتفق السياق الشعري مع السياق القرآني ومعطياته الدلالية، ويكون الخطاب الشعري ردا يدرك المرسَل إليه قيم المجتمع التي يتمسك بها أبناؤه .

   واستدعاء التاريخ في الرموز والتناص يجعل الألفاظ تجتاز حدودها الضيقة وتكتسب أبعادا جديدة، وبذلك يوظف الشاعر اللفظ أو الحدث التاريخي للكشف عن الإيجابيات والسلبيات التي كانت سائدة في المجتمعات، ومن ثم يؤدي دوره في تصحيح القيم والاتجاهات([51]) .    

ومن أساليب التعبير المعنوية المدح بما يشبه الذم، فمحمد أمين المحبي يصف إستانبول فيبين أنها بلد العدل و الأمن، ولا ظلم فيها إلا من جمال نسائها الفاتنات :

نبيت بها و نصبحُ في أمانِ

بلادٌ قد حَوَتْ  كلَّ  الأماني

بها ظلماً سوى جَوْرِ الغواني([52])

هي البلدُ الأمينُ فليس تخشى

وكذلك لأسلوب التفريغ([53]) جماله المعنوي، فالشاعر "محمد بن قوبع([54]) " يلجأ إلى هذا الأسلوب ليمدح أحد العلماء، ويبين أن الرياض التي نزل عليها القطر فأنبت زهورها وعطر أجواءها، فغدت كعروس محلاة بأبهى الثياب والزينة ليست بأجمل من أحاديث وفتاوى هذا الممدوح، يقول في ذلك :

مُلِثُّ القطرِ  مطالُ  الحجِيِّ([55])

فأُقسِمُ ما الرياضُ حنا عليها

حَيا الوسْميِّ منها  أو الولِيِّ

فألبسَها المزخرفَ و الموشّى

فما نظمُ الجمانِ اللُؤلُئِيّ

و أضحَكَ نبتَها ثغرُ الأقاحي

من المسكِ الفتيق  التُّبَّتِيِّ([56])

و عطرَ جوها بشذى  أريجٍ

حُلِيُّ  الحسنِ أو حُسن الحُلِيّ

فلاحَتْ كالخرائدِ يَزْدهيها

سؤالاً بالبَدِيَّةِ أو الرَّوِيِّ

بأبهجَ من كلامِكَ حين تُفْتي

و التشطير أو التصدير والتعجيز([57]) أيضا إحدى الوسائل التعبيرية،  والشاعر"عبدالله العطائي"([58]) شطر بيتي الشاعر«عبد الله بن مصطفى الجابري»([59]) :

ردُّ الأمورِ إلى الرحمنِ إصلاحُ

قالوا صبرْتَ وقد أُوْذيْتَ قلتُ لهم

ففي التوكلِ  إمدادٌ و إنجاحُ([60])

إني تبرأْتُ من حولي ومن حِيَلي

فقال العطائي :

هي المقاديرُ أفراحٌ و أتراحُ

«قالوا صبرتَ وقد أوذيتَ قلتُ لهم»

«رد الأمور إلى الرحمن إصلاحُ»

إلى المهيمنِ نلجا في مصالحنا

إنّ احتيالَ الفتى لاشكّ فضّاحُ

«إني تبرأت من حولي ومن حِيَلي»

«ففي التوكُّلِ إمدادٌ و إنجاح([61])

وما لنا مَخْلَصٌ إلا  توكُّلُنا

ب- لم يكتف الشعراء بالمحسنات المعنوية لتجويد كلامهم وتقديمه بأبهى حلة، وإنما عمدوا أيضاً إلى المحسنات اللفظية كوسيلة لإضفاء وقع موسيقي عذب على الكلام، لما في انسجام الأصوات من تأثير على المعاني، ومن هذه المحسنات الجناس، فالشاعر «محمد سعيد أفندي» يمدح «عبد الله الجته جي» الذي انتصر على الأعراب في معركة الخرما فيستعين بالجناس لإضفاء نغمة موسيقية عذبة على الأبيات، وذلك في قوله: 

يفِ الذي جافَى قرابهْ

فحَمى حِمى الحرمين بالسّ

والبسطِ في أهلِ  الإنابةْ

ذا البطش في هولِ الوغى

والجزمِ إن أمرٌ أرابهْ

و الحزمِ في آرائهِ

خَرْما دما حربٍ حرابَه([62])

أوَ ما سقى في مَعْركِ ال

فالشاعر جانس في البيت الأول جناسا ناقصا بين «حَمى و حِمى» والأولى بمعنى حفظ، والثانية بمعنى الوطن، كما أن بينهما وبين الحرمين جناساً ناقصاً، وفي البيت الثاني جانس بين «هول وأهل» جناساً ناقصاً أيضاً، وفي البيت الثالث بين «الحزم والجزم»، وفي البيت الأخير بين «حرب وحرابه»، والأول اسم الطاغية الذي قتل في المعركة، والثانية حراب الرمح.

ومن الجناس الموفق أيضا قول محمد بن عمر العرضي في حديثه عن بلاد الروم :

عِلْمُ و الآنَ ضاعَ فيها العلومُ

كان عهديْ بالرومِ فيها يضُوع ال

و لقد شيَّبَتْ فؤاديَ  الرّومُ([63])

شيَّبّتْ فَوْدَ سيِّدِ الرُّسْلِ هودٌ

فالشاعر جانس بين يضوع العلم بمعنى تفوح رائحته الطيبة، وبين ضاع بمعنى فقد ، كما جانس بين فَود بمعنى رأس، وفؤادي، وقد زاد الجناس العبارة طراوة ونغما محببا، ولاسيما في البيت الأول .

ومن المحسنات اللفظية التي يتحقق بها الجمال الموسيقي أيضا رد العجز على الصدر، وقد ورد منه في مدحة للشاعر«ابن رزيق» :

لا زلتَ أنت مُغِيثاً كلَّ مَطْرود

لا زلتَ غيثَ ندىً للمُعْتَفِيْن كما

و حكمَ بأسِك عدلٌ غيرُ مردود([64])

ردَدْتَ حكمَ زمان الجَوْر مُنْصدِعاً

فقد رد كلمة (مردود) في قافية البيت الثاني إلى (رددت) الواردة في الشطر الأول.

لكن بعض شعراء العصر تكلفوا تكلفاً شديداً لإظهار البراعة والمقدرة، حتى صار بعضهم ينظم أبيات أوائل حروفها تكوّن اسم علم، وآخر يكتب قصيدة تكتب في الطرد مدحاً ، وفي العكس هجاء، وثالث تقرأ قصيدته على أوجه تفوق الثلاثمئة([65])، أو يقرأ الشعر مقلوباً([66])، أو يورد بعضهم نص حديث ضمن كلامه([67]) أو …، ويطول بنا الحديث لو رحنا نعدد هذا، وسأقدم نماذج تظهر أن التصنع والتكلف مما تمجه النفس، وربما كانت هذه النماذج سبباً في اتهام العصر بالضعف والركاكة أو بالانحطاط .

   يقول ابن الجزري و قد أخذ بعض ألفاظه من مصطلحات علم اللغة والنحو والكيمياء والرياضيات :

قد ترفع الأسماء بالتقدير

لا تلحنُ الأقدارُ في  إعرابها

من جابر و الجبر للمكسورِ([68])

مكسورة قد حاولت إكسيرها

فكلمة تلحن: بمعنى اللحن في اللغة، والإعراب والرفع والأسماء والحركات المقدرة والكسر من مصطلحات علم النحو، والإكسير والجبر وجابر بن حيان من مصطلحات علم الكيمياء.

وهذا تصنع آخر مقتبس من القرآن الكريم للشاعر «شهاب الدين المصري»([69]) :

فويلٌ لكل ( العاديات )  بمرصدِ

إذا جاءَ(نصرُ الله) و(الفتحُ) (بالضحى)

تقول تلونا (السجدةَ) الآنَ فاسجدي([70])

مدافع  (إبراهيم) (بالرعدِ)  حوله

ومن تصنع أبناء العصر ما يسمى (بالاكتفاء) وهو أن يكتفي الشاعر بذكر بعض الكلمة اكتفاء بما يعلم من خلال السياق([71])، من ذلك قول إبراهيم البتروني:

يُرجى سواك لحالةٍ والله لا ([72])

فعَمَدْتُ أنظمُ ما أقولُ وأنت لا

أي لا أرجو سواك .

ومن التكلف الذي تمجه النفس ذكر أسماء حروف اللغة العربية، ثم الإتيان بعدها بكلمات مبدوءة بهذه الحروف وذلك على نحو قول شمس الدين السخاوي[73]:

و القافُ قربُ محلِهِ بلقائهِ

فاءُ الفقيرِ فناؤهُ لبقائهِ

في جملةِ الطُّلَقاءِ من عُتَقائهِ

والياءُ  يعلم كونِهِ عبداً له

وعنائِه وبلائِه و شقائِه ([74])

والراء راحة جسمِهِ من كدّهِ

ويطول بنا الحديث لو ذكرنا لكل لون من ألوان المحسنات ما تكلف فيه ، إذ كثر هذا في العصر المدروس كثرة جعلت الدارسين يصمون العصر بأنه عصر الانحطاط ، ولكن ما وجد فيه من نماذج ذات قيمة فنية لا تنكر تجعلني لا أتعجل الحكم وأعترف لكل ذي فضل فضله ولكل مقصر بتقصيره .

2- المبالغات الشعرية :

 وهي مما تكلفه الشعراء أيضا وبالغوا في التعبير عنه ليشيروا إلى شدة حب ووجد، أو إعجاب بالممدوح، فابن الجزري في مستهل قصيدة مدحة له جعل الهوى ينحل جسده حتى غدت أضلاعه لا ترى ولو جرد من ثوبه لما بقي منه شيء إلا الدموع والدماء :

ولقد يعزُّ على سواكَ شفاؤُهُ

عوفيتَ نِضو هواكَ برّحَ داؤُهُ

من ثوبِهِ لخَفِي عليكَ خفاؤهُ

عبث النحولُ به فلو جرّدتَهُ

حُبِّيكَ وهي  دموعُهُ ودماؤهُ([75])

فاسْتبق منه بقيةً لم يُبقها

ومن المبالغات ما تعدى حدود الشرع، فالشاعر محمد التقوي جعل الأمور تجري وفق ما يختاره ممدوحه ،والأفلاك لا تدور إلا لنصرته، فكأن الأقدار طوع يمينه ،ولذلك فإن النفوس كلها تهابه، والوحوش تشردت خوفاً منه، وهذه مبالغة غير مستحبة ولا يمكن أن تقال لإنسان مهما بلغت عظمته([76]).

وهذا الشاب الظريف يجعل القمر لا يغرب لو أقسم عليه باسم الأمير، بل إن الروح ترتد إلى الميت إن ذكرت له مناقب الممدوح، يقول :

باسمِ الأمير دعاهُ قطُّ ما غربا

لو أقسمَ المدلجُ الساري على  قمر

ردّ الإلهُ له الروحَ التي سلبا([77])

ولو تلوتَ على مَيْتٍ مناقبَهُ

وعبد الله المنوفي يجعل قوة ممدوحه تهدم الجبال إلى القاع، والموت يهابه والأسد والجان:

جبلاً هوتْ بجميعهِ القيعانُ

من خوفِ سطوتِهِ لو صادمتْ

والأسدُ في آجامها والجانُ([78])

فالموتُ يرعدُ خيفةً من بطشهِ

وهذه كلها مبالغات مكروهة وبعضها محرم لأنه ينزل المخلوق في منزلة الخالق سبحانه .

3- المعارضات الشعرية :

من أساليب التعبير في هذا العصر أيضا المعارضات الشعرية، وهي تشير إلى التأثر والتأثيربين الشعراء، وكانت القصيدة إذا شهرت عارضها كثيرون ليثبتوا للمجتمع مقدرتهم على أن ينظموا مثلها، فمعلقة امرئ القيس عارضها حسين البقاعي ومطلع قصيدته:

ذكرتُ به ما مرّ من عيشيَ الخلي([79])

لمن طللٌ أقوى بدارةِ جُلْجُلِ

ولامية العجم عارضها علي بن فرحون([80]) ن ومطلع لامية الطغرائي :

وحليةُ الفضلِ زانتني لدى العطَلِ([81])

أصالةُ الرأيِ صانتني عن الخطلِ

وقال ابن فرحون :

وشِرعةُ الحكم ذادتني عن المذَلِ

أصالةُ الرأيِ صانتني عن الخطلِ

وحلية الفضل زانتني لدى العطلِ([82])

وحليةُ العلمِ أغنتني ملابسها

وعارض العشري أبياتاً للشافعي رحمه الله، وهي قوله:

أخفاهُمُ في رداءِ  الفقرِ  إجلالا

لله تحت قبابِ العزِّ طائفةٌ

استعبدوا من ملوك الأرض أقيالا

همُ السلاطينُ في أطمارِ مسكنةٍ

خيطاً قميصاً فعادا بعدُ  أسمالا

هذي المكارمُ لا ثوبانِ من عدنٍ

فقال العشري :

أبداهمُ الله في  دنياهُ   أبدالا

لله قومٌ  مراجيحٌ  عقولُهُمُ

لم تُخْفِ للناسِ  أحقاداً و أغلالا

قلوبُهم كقلوبِ  الأنبياءِ  صفَتْ

وأقبلوا  لإلهِ  العرشِ إقبالا

مثلَ الأساطين باتوا طولَ ليلِهمُ

خَزَّاً فعمّا قليلٍ  للبِلى آلا([83])

هذي المفاخرُ لا من كان ملبسُهً

وصرح الشاعر عبد الجواد المنوفي بمعارضته لقصيدة معاصره أحمد بن عيسى المرشدي التي مطلعها :

واستوقِفِ العيس لا يحدو بها الحادي([84])

عُوجا قليلاً كذاعن أيمُن الوادي

وذلك ليثبت جدارته ، وقد استهل المنوفي قصيدته بقوله :

فلا تَرُمْ يا عذولي فيه إرشادي([85])

غذِّيْتُ درَّ التصابي قبل ميلادي

و ختمها ب :

عدِّ المفاخرِ إذ تعدو لتَعداد

وحسبُها في التسامي و التقدم في

«عوجا قليلاً كذا عن أيمُنِ الوادي»

تقريظُها عندما جاءَتْ معارضةً

وعورضت قصيدة فتح الله بن النحاس الحائية كثيراً، وكانت قد سميت بالمرقصة لعذوبة نغمها، وكان مطلعها :

والدُّجى إن يمضِ جنحٌ يأتِ جنحُ([86])

باتَ ساجي الطرفِ و الشوقُ يُلِحُّ

فقال محمد بن حجازي الرقباوي معارضاً إياها :

لم يَرُقْ في عينِه نجدٌ و سَفْحُ([87])

كلُّ صبٍّ ماله في الخدِّ سفحُ

كما عارضها الشاعر العماني أبو وسيم الأزكاني فقال:

و هبَّ نسيمُ الفتحِ كالمسكِ ينفحُ ([88])

تَفَتَّحَ بابُ النصرِ واللهُ يفتحُ

وعارض علي الكيلاني قصيدة ابن النحاس البائية التي مطلعها:

و تلافانا الحبيبُ

عَطَفَ الغُصْنُ الرطيبُ

فَ عنه  لا يذوبُ

فاتقِ اللهَ وغُضَّ الطر

فقال الكيلاني :

وانجلتْ عنا الكروبُ

أنجزَ الوعدَ الحبيبُ

نقطةَ الهجرِ يُذيبُ([89])

وتلافانا بوصلٍ

وهذه الأمثلة على كثرتها هي غيض من فيض من المعارضات الشعرية للقدامى والمعاصرين وهي تشير إلى إعجاب الشعراء بنتاج بعضهم واعترافهم بذلك، وإثبات جدارتهم باللحاق بالمشهورين منهم .

4- المساجلات الشعرية :

وهي من أساليب التعبير التي يشترك فيها اثنان أو أكثر، يبدأ واحد فيتابع الآخر ملتزما الوزن العروضي الذي بدأ به الأول، وقد كثر هذا النوع في عصر الدول المتتابعة، من ذلك مساجلة أوردها المرادي في كتابه سلك الدرر، وكانت بين الشعراء عبد الرزاق الجندي والشيخين محمد سعيد السويدي البغدادي وعثمان البصير الحمصي، وكان مما قاله الجندي :

فمشربُهُ الأصْفى مواردُ جندِهِ

هو المصطفى بحرُ الصفا وبه صَفا

فقال البصير :

فكلُّ مقامٍ في العلا دونَ مجدهِ

أجلُّ ذوي الجاهِ العريضِ سيادةً

فقال السويدي :

رَوَّى الصَّدا بحرُ الندى غيثُ رِفْدِهِ

رسولُ الهدى مُرْدِي العِدا كاشفُ الردى

فقال الجندي :

سواهُ يُرَجّى للمَهول  بخَمْده

إليه يشيرُ العالمونَ بيومِ لا

فقال البصير :

على ما سواها إذ حباها بلَحْدِه

نبِيٌّ به قد شَرَّفّ اللهُ طيبةً

فقال السويدي :

وسلَّ حسامَ الحقِّ من بعدِ غمدِهِ([90])

محا نُسَخَ التوراةِ بالسيفِ و القنا

5- التوقيعات الشعرية :

من أساليب التعبير أيضاً التوقيعات الشعرية وكانت قد كثرت في العصر العباسي، أما في عصر الدول المتتابعة فقد كثرت التوقيعات النثرية، حتى غدت فناً عند كتاب الإنشاء، وقلت التوقيعات الشعرية إلا ما ندر، و مما خلفه لنا العصر توقيع للشاعر حسن الأعوج ، و كان في مجلس شرب، فاستأذنه واحد للدخول عليه بقوله:

بأنواعِ الحِبا منكم يفُوز

على البابِ المُعَظَّمِ عبدُ رقٍّ

و إلا فهو شيء لا يجوزُ

يجوزُ البابَ عن إذنٍ كريمٍ

فلما قرأها حسن الأعوج تهلل وجهه ووقع على الورقة :

و قد جُلِيَتْ لنا بِكْرٌ عجوز

يحيطُ بعلمكم أنّا نشاوى

و إلا فهو شيءٌ لا يجوز([91])

فإن جَوَّزتُمُ ما نحنُ فيه

6- الأسلوب القصصي :

 تعددت ألوان الأسلوب القصصي في شعر الدول المتتابعة ، و جاء تارة في شكل حوارٍ بين اثنين ،و قد يكون أحدهما نفس الشاعر فيما يشبه النجوى الداخلية ، أوقصة تجري بين شخصيات متعددة، وتنم حوادثها عن فكرة ما وقد تكون مطولة ملحمية:

أ – فمن الحوار قول الشاعر ابن زريق في مديح سالم بن سلطان، إذ جاء على شكل حديث متبادل بينه وبين فتاة ، وقد أبان من خلاله صفات ممدوحه الذي شهر في المعمورة كلها لشجاعته الفائقة ، وخلقه السامي ، وجوده الواسع ، ، يقول في هذا الحوار، أو لنقل في هذه المناجاة الداخلية بين الشاعر ونفسه:

من الأباطيلِ وانجابتْ عن التُّهَمِ

وهذه حضرةُ القدسِ التي  طَهُرتْ

له أجلُّ ملوكِ العربِ  والعجم

كحضرةِ المِلكِ الشهمِ الذي  خضعَتْ

في الأرضِ أشهرُ من نارٍ على علم

فقلتُ مَن ذا ؟ فقالت: مَن له  شرفٌ

يُدْعى إذا شامَ حَرباً فالِقَ القِمَمِ

فقلتُ من ذا ؟ فقالت: ذو البسالةِ مَنْ

كالروضِ مبتسمٌ في وجهِ مبتسم

فقلت من ذا ؟ فقالت: مَن له خُلُقٌ

أبا محمدٍ ذا الآلاء و النِّعَم

فقلت: تَعْنينَ يا (لميا) المراشف لي

مناقبٌ لم ينَلْها سائرُ الأمم([92])

قالتْ: نعم، قلتُ: لُقِّنْتِ الرشادَ، له

ومن الحوار الجيد ما جرى بين القاضي عمر بن الوردي وإبليس اللعين في نجوى داخلية تخيل فيها في المنام اللعين يعرض عليه المخدرات والخمرة والمرأة واللحن الطرِب، فلما رفض الشاعر الجميع سخر من برودة أعصابه، فقال الشاعرمتحدثا عن ذلك :

بحيلةٍ مُنْتَدَبَةْ

نمتُ و إبليسُ أتى

حشيشةٍ  مُنْتخبةْ

فقال : ما قولُك في

خمرةِ  كرم  مذهَّبَةْ

فقلت: لا، قال: و لا

مَليحةٍ   مُطيَّبةْ

فقلت: لا، قال: و لا

آلةِ  لحن   مُطرِبةْ

فقلت: لا، قال: و لا

ما أنتَ إلا حَطَبَةْ([93])

فقلت: لا، قال: فنَمْ

وهذه حوارية أخرى للشاعر «عبد الملك الأرمنتي القوصي» تكشف عن حالة الشاعر النفسية والدينية، إذ سألته نفسه في نجوى داخلية عما يدعوه إلى إيقاعها في المنكر، ومجاهرته بالمعاصي وهو الذي سيحاسب عليها يوم العرض الأكبر ، فأجابها أن حسن ظنه بربه سيجنبه عقابه، وهو العليم بعباده ، يقول في ذلك :

حالي لا تصلُحً أو تستقيمْ

قالت لي النفسُ و قد شاهدْتُ

و الحاكمُ العدلُ هناك الغَريمْ

بأي وجهٍ تلتقي ربَّنا

يُنيلني منه النعيمَ  المقيمْ

فقلت حسبي حُسْنُ  ظني به

حَقَّ له يُصليك نارَ الجحيمْ

قالت وقد جاهَرْتَ حتى  لقد

بنارِهِ وهو بحالي عَلِيمْ([94])

قلت معاذَ اللهِ أن يبتلي

     وهكذا كان الحوار الواقعي أو المتخيل على شكل حلم أو في نجوى داخلية وسيلة من وسائل التعبير في هذا العصر .

ب- القصة الشعرية :

يرى عباس محمود العقاد أن القصة العربية ظهرت قبل القصص الغربية لأن الغرب لم يعرفوا شخصيات تدل على الأطوار الإنسانية التي يتسم بها الفرد بين الجماعة كمعن بن زائدة وعنترة والشنفرى ([95]) على حين يرى غيره أن العرب لم يعرفوا الفن القصصي لأن هذا الفن يقوم على الخيال وهم أقل الشعوب إلفة له([96])  

  وأرى أن الفن القصصي كان موجودا عند العرب، ومبثوثا في ثنايا كتبهم في شكليه الشعري والنثري وليس أدل على ذلك من الملاحم التي تتحدث عن حروب جرت بين طرفين متعاديين ، ويكثر فيها سرد الحوادث ، وذكر الأبطال ومواقفهم ، وسفكهم للدماء ، إضافة إلى العنصر الديني الذي يتمثل في نصرة الله سبحانه للمسلمين ، وهذا العنصر يعوض عن فكرة تعدد الآلهة في الملاحم القديمة .

وكذلك تعد المطولات من القصص الشعري إذ تختص بموضوع مستقل تشرحه وتذكر دوافعه وتسرد فيه الحوادث واحدةً تلو الأخرى  حتى النهاية ، كما تعرض لنفسيات الشخصيات ، وهناك قصص سياسية واجتماعية واقعية ، وأخرى وهمية وثالثة رمزية ، إضافة إلى قصص شعرية للأطفال ، وبعض هذه القصص لا يرتفع عن مستوى الحكايات لعدم توافر العناصر الفنية فيها ، لكن أخرى أجادت في عرض الحوادث ومواقف الشخصيات ، ووجد فيها حبكة وحوار.

 ويبدو أن الفن القصصي قد شاع في هذا العصر منذ عهده المملوكي حتى مدح إبراهيم بن محمد بن بهادرومحمد بن دانيال بأنهما كانا بارعين باستحضار الحكايات والماجريات وفي نظم القصص، كما عرف أحمد بن سعيد الخروصي العشري في العهد العثماني بذلك .

وسأدرس أنواع القصة الشعرية في عهد الدول المتتابعة كأسلوب من أساليب التعبير عن الفكرة ،مبينة أهم سماتها الفنية :

1ً- الملحمة الشعرية:

يمكننا أن نعد في الملاحم([97]) وإن لم تبلغ مبلغها في الطول من القصص السياسية التاريخية التي تحكي في أسلوب قصصي بطولات شعب ما ضد أعدائه ، وتصور جرائم العدو الغاشم ،

فالشاعر" فتح الله متولي" حكى لنا في أرجوزة قصصية[98] قصة "الهجوم على العراق " في1156ه في عهد ملك العجم " نادر شاه" بقيادة قائده " طهماز "، ومحاولته احتلالها بجيوشه الجرارة التي شكلها من العجم والهند والأفغان، وكشف عن إخفاقه في هذه المعركة الشرسة بجهود والي حلب الوزير «الحاج حسين باشا الجليلي» الذي جاء لنجدة إخوته في العراق، وكان الشاعر يرافقه في هذه الحرب ويشهد أهوال المعركة، وصد الهجوم العجمي بعد حصار دام أمداً طويلاً خسر فيه نادر شاه كثيراً من جيشه .

 وتنقسم هذه المطولة أو الملحمة إلى تسعة أقسام أو أناشيد ، تتحدث أولا بعد حمد الله سبحانه -على غرار الأراجيز الشعرية - والصلاة على رسوله ، وعلى صحابته ،  عن المعركة ثم تنتقل إلى تشجيع الحاكم لأهالي البلاد ليبنوا خنادق وسورا ، ثم تحكي لنا عن مجيء القائد العجمي والجرائم التي ارتكبها ، وعن نجدة أهالي حلب بقيادة واليهم حسين باشا ، بعد استغاثتهم بالمولى تعالى ، كما تحكي احتلال العدو لأربيل وسيره نحو الموصل ، ثم استبسال الناس في الدفاع عن عقيدتهم وأراضيهم ، وأخيرا تبين لنا لطف المولى بهم بقدرته .

 ولعل المطلع قد جاء من واقع الحال ، فالحرب المهولة تستدعي شكر الله سبحانه على هذا النصر المؤزر، وجاء بعده الحديث عن الحاكم الذي نادى في الناس  ليحفروا خندقا وليبنوا سورا حول مدينة الموصل ليحفظوا الدور والعيال ، فبذل هؤلاء جهودهم وأموالهم، فلما وصل طهماز إلى قرى صوان فالحلة جاءت نجدة والي حلب حسين باشا:

يبغونَ من مولاهم خيرَ مَدَدْ

فبينما الناس بإصلاحِ العُدَدْ

مُخْبِّراً بحامي الشهباءِ

إذ جاءَنا مبشرُ  السراءِ

مُكَمِّلُ البأسِ كثيرُ العددِ

نعم وزيرٌ بطلٌ ذو عددِ

عنترةٌ سامٍ كثيرُ النعمةِ([99])

فهو حسينٌ ذو العظيمِ الهمَّةِ

 وكان هذا الانتقال موفقا .

 ويتابع الشاعر بالحديث عن زحف العدو إلى كركوك الذي أضر بالدور والقصور ونهب ودمر وكان ذا أحقاد وخبث، وقد ترك القائد لجيشه الحبل على غاربه، فنشر الرعب والهلع في قلوب أهالي المدينة فباتوا يستغيثون بالمولى تعالىفي تضرع الخائف الوجل ، يقول الشاعر مصورا ذلك:

وهذا  مشهورٌ بلا خلافِ

و جندهُ تنهب  في الأطرافِ

في العجمِ و الأفغان و الهنودِ

فصاحَ ذا  الملعونُ  بالجنودِ

ثم أحلُّوا بهمُ  الرزايا

فأحدقوا من طَرَفِ  القرايا

و أخْذِ كركوكٍ و سوءِ  الحال

إذ جاءتِ الرُّسْلُ بهذا  القالِ

وشاعَ هذا القولُ فينا و اشتهرْ

فاخْتَلَّ عقلُ الناسِ من هذا الخبرْ

بل شُخِّصَ الطرفُ إلى السماءِ

فصاحتِ المخلوقُ بالبكاءِ

ثم احتل طهماز أربيل، وسار باتجاه الموصل ليل -نهار، ولكنه فوجئ بالسور المبني حولها، والذي بني في أمد قصير بجهود أبنائها الذين قدموا تضحيات جلى ،كما أزالوا المرتفعات حول المدينة لئلا يختبئ جيش العدو خلفها، فلما وصل طهماز إلى القرى والأقوات، أحرق المنابر والأشجار، وأسر النساء وقتل الرجال والأطفال، ولكن أبناء البلد دافعوا دفاع المستميت وكان عربهم وكردهم يطلب الجهاد في سبيل الله لدحر عدو الله العجمي، يقول الشاعر في ذلك:

و بدَّل الرقادَ بالسهادِ

و سار ذا الملعونُ بالأجنادِ

أناله اللهُ عُلُوَ الهِمَمِ

هذا و والينا حسينُ   الشِّيَمِ

وكان ذا من غاية الصوابِ

و قبلَ هذا قلعَ   الروابي

يحذِّرُ الناس من الوبالِ

كان يدور السورَ في الليالي

بحِرزِ مولاهمْ لقد تدَرَّعوا

هذا وكلُّ الناسِ قد تشجعوا

اللهُ اللهُ إلى الصباحِ

وكم لهم في البُرْجِ من صياحِ

لنحونا يبغي  للشتاتِ

هذا و طهمازُ اللعينُ آتٍ

حتى انتهتْ نحو قرايا العَقْرِ

أجنادُه أرسلها في القفرِ

و أحرزوا الغِلَّةَ بل و القوتا

فأحرقوا التينَ كذا البيوتا

و قتَّلوا الشُّبّان والرجالا

و أسروا النساءَ و الأطفالا

تلاطُمَ الرجالِ  والحالُ ردي

لما رأى حزبُ حسينِ الأمجدِ

تطلبُ حرباً تبتغي كفاحا

تقلَّدوا السيوفَ و الرماحا

يبتغي في ذا سُبُلَ الجهادِ

تابعهم فوجٌ من الأكرادِ

وهذا فعلُ عنترِ الزمانِ

و عبروا الشطَّ بلا أمانِ

وكان «عثمان العمري»([100]) أحد هؤلاء المجاهدين ، وقد شاهد كما قال من الأهوال ما لم يعبر بلسان، إذ استشهد الكثيرون، وأسر أمثالهم، وتحصن الأهالي والجنود بالقلاع، وكانوا قلقين ولم يذوقوا طعم النوم ، وكانت جيوش العدو الكثيفة وخيامه قد ملأتا القفار، وراح أهل الموصل يستغيثون الله تعالى ليكشف عنهم هذه البلوى ، يقول الشاعر المتولي في ذلك :

قد عانقوا الحور مع الوِلدان

مقدارُ عشرين من الفرسان

لداخلٍ على الحصون عوَّلوا

ثم أتَتْ فرسانُنا وأدخِلوا

و لم ترَ العيونُ من رقادِ

و اكتَحلَ الجُفونُ  بالسهادِ

أما العدو فكان:

مثلَ الشياطينِ إذا ما سارا

سوادُهُ قد ملأ القِفارا

مُمْتدَّةٌ في مَهْمَهٍ وقَفْرِ

خيامهُ منثورةٌ في البرِّ

وأما أهل الموصل فاستغاثوا بكرامة النبي يونس وثابوا إلى المولى وتابوا من جرائرهم،و يقول الشاعر :

من قِدَمٍ في الزمان الأول

قد عوَّد اللهُ أُهيل الموصلِ

ثم إلى مولاهمُ أنابوا

لو أذنبوا وأخطؤوا وتابوا

كرامة ليونسَ الأوابِ

يكشفُ عنهم نازلَ العذابِ

واقترب طهماز من السور وأدام حصاره طويلا وقطع الأشجار وبنى المتارس وقطع المياه عن المدينة، ثم بدأ قصف الأهالي، ولكن الوزير استخرج الماء من بطون الأرض، فلما علم العدو بذلك قصفهم قصفا شديدا حتى ليخال المرء النجوم تسّاقط من السماء، فامتنع الناس عن الذهاب إلى المياه و سقط كثير من القتلى، وابتهلوا إلى المولى ليرد عنهم كيد الطاغية، وامتدت هذه الحرب سبعة أيام كانت النيران خلالها تتطاير في كل مكان، وتمزق ما تأتي عليه شر تمزيق، ثم تزاحف الجنود وكان الناظر يحسب أن القيامة قد قامت، فالصبح قد تحول إلى ليل، والليل عاد نهارا، والصياح والعويل وتفاني الأرواح، وتسلق بعض جنود العدو إلى السور بلا خوف ولا وجل، فاندفع الجند إلى القتال، وكان الوالي «حسين باشا» ينادي ياللجنة ها قد فتحت أبوابها لأهل السنة فدافعوا عن دينكم والمال، فاندفع الرجال والأطفال يذودون عن الدين والديار حتى لطف المولى سبحانه بهم حين ضرب العدو لغما فارتد بمقدرة الله سبحانه عليه، فقتل منهم الكثير وأحرق، فارتدوا على أدبارهم خاسئين خاسرين، يقول الشاعر مصوراأهوال المعركة :

أنواعُ حربٍ ما لها من عُدَّةٍ

كم كادنا الملعونُ من مكيدةٍ

سلالماً ألفاً كذلك  أحضروا

أربعُ ألغامٍ نعم قد حفروا

تبادرتْ لنحونا  سريعاً

تزاحفتْ أجنادُهُ جميعاً

من شدةِ النقعِ ومن عجاجِ

والصبحُ قد عاد كليلٍ  داجِ

ما له من خوفٍ ولا محذورِ

تسَلَّقَ البعضُ  لفوقِ  السور

كأنهمْ قاصِدُ أخذِ الصيدِ

أسيافهم مشهورةٌ بالأيدي

قد حرَّض الناس على القتالِ

هنالك المولى الحسينُ الوالي

قد فُتِّحَتْ لأجلِ أهلِ  السُّنَّةْ

وهو ينادي دونكُمُ  و الجنَّةْ

كذاك و الطفلِ مع  العيالِ

فدافِعوا عن دينكُمْ و المالِ

فعاد نار لُغمِهم إليهم

إذ ضربوا لغماً غدا لديهمْ

فلم يُبالوا ضرراً من مَقْتِ

تشجَّع الناس  بذاك  الوقتِ

و انقلبوا صرعىعلى الأدبارِ

فولَّوُا الأعقابَ للفرارِ

 حوادث هذه الملحمة واقعية جرت على أرض العراق وبين قراها، وكان زمانها في شعبان كما حدد ناظمها، وقد تسلسلت تسلسلا منطقيا محكما، بدءا من مجيء العدو الغاشم إلى العراق وانتهاء بخذلانه المبين، وكان كل حدث فيها ينقلنا إلى آخر في رابط سببي،ووصلت الحبكة إلى ذروتها حين صار العدو في الموصل وبدأ بالقصف، فبات أهل المدينة يقاومون ويبتهلون إلى الله سبحانه بفارغ الصبر، وإذا حل العقدة يأتي بأمر رباني لا بجهد بشري ، وهنا يبرز العنصر الديني ، إذأعاد الله سبحانه اللغم على أصحابه فقتلهم وأحرقهم فولوا على أدبارهم خاسرين خاسئين .

وعلى الرغم من بروزعنصر الحوادث في هذه الملحمة الشعرية فإنها أبرزت أيضا دور البطل الوالي حسين الذي جاء مدداً إلى العراق، وقد سرد هذا كله في  أسلوب سهل ضمن مزدوجة شعرية ، ولو جاءت الملحمة في قصيدة لكانت برأيي أجود ، لأن الازدواج الموسيقي أضعف من قوتها ومكانتها في النفوس ، ذلك لأن المجال مجال رسمي لامجال طرب أوتعليم .

 2 - كما يمكننا أن نعد في الملاحم مطولة الشاعر العماني العشري «سلك الأخبار ومرآة الأفكار» ، وهي من القصص التاريخي أيضاً، إذ تحدثت عن الخليقة منذ عهد أبينا آدم عليه السلام، ثم انتقلت إلى الأنبياء واحدا تلو الآخر، حتى وصلت إلى حادثة الفيل فحكت قصة حرب أبرهة الأشرم، وحال الجاهليين ثم انتقلت إلى ولادة الرسول  r فالحديث عن شمائله و حروبه، ثم عن الخلفاء حتى وصلت إلى عمان -بلد الشاعر- فذكرت جهود سلاطينه في حروب الفرس «العجم» وفي القضاء على الفتن الداخلية.

والقصيدة التزمت حرف روي واحد وهو الراء المضمومة، وتقع في خمسة عشر ومئتي بيت مقسمة إلى أقسام أو أناشيد بالمصطلح الملحمي، ومنها حديث الشاعر عن العالم الغيبي ممثلاً في حكايته عن آدم وإبليس كأول صراع بين البشر وأعدائهم، وكان إبليس قد عبد المولى تعالى مع الملائكة الأبرار، ولكن عناده جعله يمتنع عن طاعة مولاه في السجود لآدم، ثم أغرى آدم فغوى، ثم تاب هذا فتقبل الله توبته وأسكنه الأرض، ولكن عناد اللعين  أوقعه في الشقاوة فطرد من الفردوس وبئس القرار، يقول الشاعر في ذلك :

بالكائنات فليس منه فِرارُ

سبقَ القضا و حُقَّتِ  الأقدارُ

ولديه قام  ملائكٌ أبرار

إبليسُ قد عبدَ المُهَيمِنَ في السما

سبقتْ و عاضَدَ كِبْرَهُ الإصرارُ

رُدَّتْ عبادتُهُ  و تلك شقاوةٌ

قد غرَّهُ شيطانُهُ الغَرَّارُ

و الجدُّ آدمُ بعد  سُكنِ  جِنانهِ

مولاه حين  بدا له استغفارُ

فمضى وتاب وقد تقبَّل  توبةً

وهمى غزيراً دمعُه المدرارُ

فأطالَ حُزْناً بعد فقدِ  نعيمهِ

كرهاً إلى الدنيا وبئسَ الدار([101])

ما حالةُ المطرودِ من فردوسهِ

واستمر الشاعر في حديثه عن الخليقة حتى وصل إلى سلطان عمان ليثني على فعاله التي شهدها بأم عينه.

وتعد هذه الملحمة من خير نماذج الملاحم العربية إذ كانت مطولة ضمت أقساماً بعدد موضوعاتها وحكت الصراع بين الإنسان والشيطان في عالم الغيب، وتحدثت عن الحروب والفتن، ومنها قوله في الحروب بين العمانيين وأعدائهم من الأعاجم:

وبَلْعَربٌ وتفجّر الفُجار

ولقد رقا عينَ الضلالةِ يَعْرُبٌ

يرثي لها أعدى العِدى الهذّار

وأتى إلى الرُّسْتاقِ خطبٌ هائلٌ

متعاوِنون، على الهدى أشرار

وتجنَّدَتْ للظالمين جبابرٌ

لم يبقَ فيها كامن وقرار

قَتْلاً ونَهْباً في عُمانٍ كلها

للساكنين الدورُ والأسفار

ضاق الوسيع بِجَوْرهم وتثبَّتَتْ

من خيلهم وجيادهم ما اختاروا

قتل الإمامُ رجالَهم ثم اصطفَوْا

ضعف عزائمُ قومهم والجار

فأتاهم وَجَلٌ وصلَّتْ دونه

ذلَّ الهزيمةِ والهزيمةُ عارُ

نادَوا بصلحٍ حيلةً ومخافةً

ما تمّ أمرٌ ثَم حار الجارُ

ولسيلُ حميرَ بايعوا أعلامَنا

يرنو لها من ذي النهى أبصار([102])

كم للمهيمن آيةٍ بزمانكم

فالشاعر هنا يتحدث عن مجيء الأعاجم الذين بطشوا بمدينة الرستاق العمانية حتى إن العدو ليحزن على ما حل بها وقد قتلوا ونهبوا حتى ضاقت الأرض بأهلها على رحبها وتوقفت الحركة في كل مكان، ولكن الإمام تصدى لهم حتى كسر شوكتهم ،ونشر الرعب في صفوفهم، فطلبوا الصلح لئلا يلحقهم عار الفرار، وبايع العمانيون الإمام فأتم محاربة العدو، وهذه المبايعة من رحمة الله وهباته، ولربنا آيات مذهلات، وتدابير يذهل أمامها المرء عجباً.

   وهذه القصة الملحمية متأثرة بكتب التاريخ كالبداية والنهاية الذي يحكي حياة البشرية منذ أول الخليقة حتى عهد مؤلفه ، وبكتب التاريخ العماني .

   وتعد أيضا من قصص الحوادث لأنها المعول عليها ولا حبكة فيها ، إنما هي أخبار تسرد كما تسرد في كتب السيرة والتاريخ .

2ً– القصة الاجتماعية :

وتعرض هذه للقضايا الاجتماعية السائدة في المجتمع آنذاك ، كالعلاقة بين الرجل والمرأة، وقضايا الموظفين ،ووجود المنكرات في المجتمع …، وقد جاء بعضها بأسلوب واقعي، على حين عرض بعضها الآخر في أسلوب قصصي تأملي أو رمزي :

1- فمن القصص الاجتماعية الواقعية :

      قصة «قتل أم» للبهاء العاملي، وقد استمدت موضوعها من واقع الحياة، إذ تحدثت عن كردي قتل  أمه التي تسير في طريق البغاء ، لمارآها مع رجل غريب، وذلك ليريح المجتمع من فسادها، ولما لامه الناس على فعله أخبرهم أنه يريد أن يقتلع الشر من بيته ، و أعجب شاعرنا بهذا التصرف فقال :

أمُّه ذاتُ اشتهارٍ بالفسادِ

كان في الأكراد شخصٌ ذو سدادِ

لم تُنَفِّرْ عن وصال طالبا

لم تخيّبْ من  نوال  راغباً

فاعتراهُ الابنُ في ذاك  العملْ

جاءها بعضُ الليالي  ذو  أملْ

في مَحاق الموتِ أخفى بدرها

شق بالسكينِ  فوراً  صدرَها

خلَّص الجيران من فحشائها

مكَّن الغيلانَ من  أحشائها

لم قتلتَ الأمّ يا  هذا الغلام ؟

قال بعض القومِ من أهلِ المَلام

إن قتلَ الأمِ شيءٌ ما أتى

كان قتلُ المرءِ أولى يا فتى

إن قتل الأم أدنى  للصوابْ

قال يا قومِ  اترُكوا هذا  العتابْ

كلَّ يومٍ قاتِلاً شخصاً  جديدْ

كنتُ لو أبقيتُها  فيما  تُريدْ

أيها المحرومُ من  سرِّ الغيوب

أيُّها المأسور في قيد  الذُّنوب

أو ترُمْ من عضِّ هاتيك المناص

إن تكُ من لَسْعِ ذي تبغي الخلاص

قتلَ كُرْدِيٍّ لأمٍ زانية([103])

فاقتُلِ النفسَ الكفورَ الجانِية

القصة كما نرى تبدأ بمقدمة وتنتقل إلى العرض ثم إلى الخاتمة …

المقدمة توحي بما سيكون، فهناك فتى ذو سداد وأمه ذات فساد، طرفان متناقضان متقابلان، وهذا التناقض أو التقابل يشوقنا إلى معرفة ما سيكون، لاسيما أن العلاقة بينهما علاقة بنوة وأمومة ، وتصطرع في النفس هاتان العاطفتان، ويكون العرض سريعا ، وقد بدأ بمجيء الغريب إلى الأم ودخول ابنها وهي في موقف باغ فشق صدرها .. ، ثم جاءت الخاتمة لتعبر عن استنكار فئة من المجتمع لما حدث، فقتل الأم أمر لم يقترفه أحد، ولكن الابن علل فعلته بأنه لو أبقاها وقتل الطرف الآخر لكثر قتلاه، ثم كانت الخاتمة يدعو فيها الشاعر من كان كثير الذنوب إلى قتل نفسه الأمارة بالسوء لأنها هي التي جنت وانحرفت، وكأن الشاعر يبين أن من لا يغترف من معين التقوى أو كما يسميه «سر الغيوب» فعليه أن يقمع نفسه و يقهرها على ترك شهواتها ، وهذا التعليق جاء وعظا خارجيا، وكان الأولى به أن يقدم على لسان شخصية الابن ليبدو من سياق القصة لا من خارجها.

كما أن هذه القصة أشبه بالحكاية أو الأقصوصة، فهي حدث واحد جرى بين شخصيتين،وقد سرد الشاعر الحادثة والحوار سرداعلى لسانه.

2-  القصص الاجتماعية التأملية: 

  من القصص الاجتماعي ما كان يمزج الوهم بالحقيقة في تأمل جميل كما في قصص الشاعر «محمد بن دانيال»، إذ تخيل أنه رأى في حلمه إبليس اللعين وسماه" أبا مُرَّة " ،حزينا باكيا ، وكان السلطان " حسام الدين لاجين " قد أبطل المنكرات في المجتمع ، وكان حول إبليس عصبة كئيبة منكسرة النفس ، فسأله الشاعر عما أذرف دموعه وآلم جماعته، فقال إنه وهى أمره وضعفت سيطرته بعدما أغلقت حانات الخمارين، وكسدت سوق المعاصي ، فنصح ابن دانيال إبليس أن يخرج من مصر التي يحكمها صاحب عادل شهر عند السلطان بحسن رعايته للدولة ، وهو يعاقب على المنكرات بالضرب والتوبيخ العلني في الشوارع ، فيما سمي بالتجريسة ، ثم قال مصورا هذا :

و هو حزينُ القلب في مَرَّة

رأيتُ في النومِ  أبا مُرَّة

تقطُرُ دمعاً قطرةً  قطرةْ

و عينُهُ العوراءُ  مَقروحَةٌ

تلك التي ما  مثلُها  حسرةْ

يصيحُ واوَيْلاهُ من حسرتي

فيهم على  قِلَّتهِمْ  كثرة

و حولَه من  رهْطِهِ عُصبةٌ

قيمتُه في واحدٍ بدرة

من كلّ عِلْق مثلِ بدر الدجى

خُوْدٌ لها شمس  الضحى ضَرّة

و من سحورِ العين  فتّانةٌ

أسالَ من  مُقْلَتَيْكَ العَبْرة

فقلتُ  يا إبليسُ  ما الذي

كى، وإن كانوا ذوي شَرّه([104])

وما الذي أزعجَ أشياعك النَّوْ

فأجابه إبليس :

وعُدْتُ لا أمرٌ و لا إِمْرةْ

قلّت جيوشي ووهى منصبي

في بيته كوزاً و  لا جرّة

و أصبح  الخمّار لا يلتقي

عُشّاق في الليل  إلى بُكْرة

كم و كم أسهرُ في خدمة ال

إلا الذي أُغويه في النّدرة

ولا  أرى اليوم  ولا عاشقاً

شِربٌ ولا قَصْفٌ ولا عِشْرَة

قد كَسَدَتْ سوقُ المعاصي فلا

فأجابه الشاعر :

و طَوِّلِ  الغيبةَ  و السَّفرة

فقلتُ : يا إبليسُ سافرْ بنا

تقربَها إن كنتَ ذا  خبرة

إياكَ أن تسكنَ مصراً و أن

مباركَ  الطلعةِ و الغُرَّةْ

فإن فيها صاحباً  عادلاً

لملكهِ ما شاعَ  بالشهرة

قد علمَ السلطانُ من نُصحِه

تجريسةٌ و الضّربُ  بالدُّرة

جزاءُ مَن خالف مرسومَه

الشاعر أراد أن يوضح لنا موقف السلطان من المنكرات ، فعرضه على شكل قصة قصيرة أو أقصوصة شعرية تأملية، تحدثت عن ضيق إبليس وأعوانه من قرار منعها، ونصيحة الشاعر له أن يهاجر إلى بلد ترتكب فيه المعاصي لأن زمام الأمر في هذا البلد باتت بيد مخلص ميمون الطلعة، والغريب في الأمر تناقض موقف الشاعر فهو يطلب من إبليس أن يسافرا معا، وفي الوقت نفسه يثني على من أصدر هذا القرار ، ولكن العجب يزول إذ عرفنا أن المذنب الفاسق يعرف أنه على باطل ، وقد لا يستطيع أن يردع نفسه الآثمة، ولكنه يعترف لذوي الفضل بفضلهم.

على أي حال فإن هذه الأقصوصة الشعرية تعد من الأدب التأملي الذي جرى بين  إبليس اللعين والشاعر الذي رآه في حلمه، وهي قصة طريفة ، وإن كان الحدث فيها باهتا ضعيفا ،إذ أراد منه الإخبار فحسب بأسلوب قصصي عرف به ابن دانيال ، مما جعل البناء الفني غير مكتمل ، وكانت أقرب إلى الحكاية منها إلى الفن القصصي .

3 - القصة الرمزية :

 شابهت هذه القصة المقامات أو الرسائل الأدبية التي أجراها كتاب العصر على ألسنة الحيوانات أو الجمادات، ولعل الشعراء قلدوهم فراحوا يعبرون عن آرائهم في قصص شعرية حوى بعضها النثر إلى جانب النظم([105]) .

من ذلك قصة الشكوى التي جاءت على لسان مسجد قدمها البوصيري إلى الملك الصالح إذ جعله يتساءل عن سبب حرمانه وكيف جاز أن يعطى واحد دون آخر، ثم يبين أن سرقة ابن البهاء المسؤول عن دفع الأموال، وتلاعبه بها كان سبباً في حرمانه، يقول البوصيري على لسانه:

دون غيري والأَلْفُ للرحمن ([106])

ليت شعري ما مُقْتَضى حِرْماني

جامعاً شَمْلَ قارئي القرآن

أتُراني لا أستحقُّ لكوني

بِيَ يُدعى لدولةِ السلطان

أم لكوني في إِثْرِ كلِّ صلاةٍ

دُ، وهذا حقيقة العدوان

ما أتاني منها ولا الدِّرْهمُ الفَرْ

ملكِ الصالحِ العظيمِ الشانِ

زعم ابنُ البهاءِ أن عطايا ال

إليها من مالها درهمان

-

ما كفَتْ سائر المدارس أو ضمَّ

عليها البهاء كالشيطان

-

كلما جاءت الدنانير ينقضّ

يَ أمرَ الطعام في رمضان ([107])

آهِ واضَيْعَةَ المساكين إن وُلِّ

هذه الشكاية جاءت على لسان الجماد، وكانت رمزاً للمعاناة التي يحس بها الكاتب لحرمانه من السلطان، ولكن الرمز الأقوى كان لدى المتصوفة إذ عبروا عن معاني العبادة بمعاني الخمرة أو الوجد والحب والوصال ، فالشاعر البهاء العاملي حكى عن زيارة نديم له وقت السحر ،وقد خاف البهاء من هذه الزيارة الليلية المفاجئة، ولما سأل الطارق عن هويته أجاب بأنه الفتى الذي تعلق به قلبه ، فابتهج الشاعر لمقدمه ، وعانقه عناقاً حاراً، ثم قدم له النديم خمرا، رمزية ،  شعر بها بالسعادة ، ولعبت الخمرة برأسه، وانكسر جفن الفتى فوسده الشاعر يده بعد أن طبع على خده قبلة، وظل سعيدا به حتى طلع الصباح وصاح الديك، يقول معبرا عن هذا:

وحده  وحدَه  بغير شريكْ

لستُ أنسى  إذ أتى  سَحَراً

قلْتُ :من؟ قال : كلُّ ما يرضيك

طرقَ البابَ خائفاً  وجلاً

سيفُ ألحاظهِ تحكَّم  فيك ؟

قلت : صرِّحْ ،قال :تجهل مَنْ

واعتنقنا، فقال  لي:  يُهْنيك

قمتُ من فرحتي فتحتُ  له

قهوةً تتركُ المُقِلَّ  قليك

باتَ يسقي و بِتُّ أشربها

خامر الخمرُ طرفَه  الفَتّيك

"

ثم جاذَبْتهُ الرداءَ و قد

يا مُنى القلب قبلةً  من   فِيك

قال لي ما تريدُ؟ قلت  له

قلتُ  زدني ، فقال : لا  و  أبيك

قال خذْها ، فمذْ ظفرتُ بها

دنا الصبحُ قال لي : يكفيك

ثم وسَّدتُهُ اليمينَ  إلى أن

فاحَ نشرُ الصباحِ و صاح الديك([108])

قلتُ مهلاً، فقال: قم فلقد

هذه القصة أو الحكاية ترمز إلى الحب الإلهي، وتتحدث عن حدث واحد هو مجيء الغلام ليلاً، وقد رمز بذلك إلى العبادة في السحر، فكأن أحداً قد أيقظه ليسعد بانشراح الصدر من ذكر الله ، وقد رمز إلى هذا الانشراح بالخمرة، وبذلك يكون الرمز وسيلة للوصول إلى المعاني الدينية التي أحس بها الشاعر.

ولكني أرى أن معاني العبادة أسمى من أن يعبر عنها بهذا الأسلوب الماجن .

وهكذا بدت بوادر القصة في أدبنا العربي القديم وكان لها في عصر الدول المتتابعة مشاركة واضحة في التعبير عن أفكار العصر وحوادث الدهر.

3ً- قصص الأطفال :

ذكر د.سعد أبو الرضا أن الشاعر "رفاعة الطهطاوي"([109]) كان من رواد أدب الأطفال في مصر ، وقد تأثر في فرنسا بما كتب في هذا المجال، كما ترجم «محمد عثمان جلال»([110]) عن لافونتين –الكاتب القصصي الفرنسي الذي تأثر بدوره بقصص"إيسوب"اليوناني وبكليلة ودمنة لابن المقفع- وسمى «جلال» كتابه «العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ»([111])، وقد عرَّب ترجمته فمَّصر الأسماء والأماكن، ومن قصصه فيه قصة الثعلب والعنب التي يقول فيها:

قد مرَّ تحت العِنبِ

حكايةٌ عن ثعلب

لون كلون الذهبِ

وشاهد العنقودَ في

أسود مثل الرُّطب

وغَيْرَه في جنبه

بعد أذان المغرب

والجوع قد أودى به

منه ولو بالتعب

فهمَّ يبغي أكلةً

يَطْلُعُ فوق الخشبِ

عالج ما أمكنَهُ

وجوفه في لهب

فراح مثلما أتى

رأيتُه في حلب!

وقال هذا حِصْرِمٌ

يا ثعلبُ ابن ثعلب

قال له القِطْفُ انطلق

وقِصَرٌ في الذنب

طول لسانٍ في الهوا

فالشاعر هنا قدم للصغار حكمة مستخلصة من الحياة وهو ألا يدّعيَ المرء غير الحق، وهذه من القيم الرفيعة التي يحرص المجتمع على بثها في أبنائه وكان ذلك من خلال قصته الرمزية التي جاءت على لسان الحيوان إذ تحدثت عن ثعلب غيّر الحقيقة حينما لم يستطع أن ينال مأربه، وهذا شأن بعض من يخفق في أمر من أمور حياته فينسب الإخفاق إلى جهة أخرى، وقد بدت هذه الحكمة في قوله: «هذا حصرم رأيته في حلب» مع أنه كان عنباً ناضجاً كالرُّطب، وقد قدم  القصة بأسلوب سهل وواضح ، وكانت الحبكة بسيطة وسهلة و تناسب الصغار.

أما أحمد شوقي فقد سافر إلى أوربا واتصل بآدابها، ومن بينها أدب الأطفال فشغف به، فلما عاد إلى مصر قدم نماذج شعرية مشابهة تحوي قيما إسلامية وأخلاقا ومعارف بطريقة جذابة، وجاء بعضها على ألسنة الحيوانات، وقد تأثر شوقي بما كتبه بلافونتين أيضاً، وأشار إلى تأثره به([112]).

والحقيقة أنه لو فتشنا عن قصص الحيوان في أدبنا العربي لرأينا منها نماذج كثيرة ، كما في كليلة ودمنة،وفيما نظم «ابن الهباربة»([113]) في ديوانه «الصادح  والباغم» من قصص شعرية قلد بها أسلوب كليلة ودمنة، وسجلها في أراجيزبلغ  عدد أبياتها حوالي ألفي بيت،ومن قصصه فيها"البعير والجمّال، وحديث الأسدين وقصة الذئب والغزالةو الطاووس مع البوم([114])، وبهذا يكون«ابن المقفع» و «ابن الهباربة» قد سبقا«لافونتين» في القصص الشعرية الرمزية عن الحيوانات، كما يطالعنا في عصر الدول المتتابعة الشاعر النجدي "أحمد بن علي بن المشرف" الذي كتب فصولا شعرية كحكم موجهة إلى الصغار، وقصصا شعرية على ألسن الحيوانات، ومنها حكاية «الدب وانعكاس قصده الجميل لحمقه» وفيها يقول :

عن رجلٍ سيار

روى أولو الأخبار

فسيحةِ الأرجاءِ

أبصرَ في صحراء

في سرحةٍ معلقا

دباً عظيماً موثقاً

من شدةٍ وكربِ

يعوي عِواءَ الكلبِ

عليه حتى أطلقَه ([115])

فأدركَته الشفَقة

ثم يذكر أن الرجل نام، فقام الدب يحرسه ليرد إليه الجميل، فأقبلت ذبابة ووقعت على جفن النائم فأزعجته، فجاء الدب بصخرة ليقتل بها الذبابة فقتل صاحبه خطأ بها، يقول:

لصخرةٍ قريبا

فأسرعَ الدبيبا

يسعى إليه عَجِلا

فقلّها و  أقبلا

قتلاً بلا  إرابة

ليقتلَ  الذبابة

و فَرّق الأضراسا

فرَضّّ منه  الرأسا

بفِعْله الجميلا!!

و أهلَكَ الخليلا

و أنهى الشاعر قصته بحكمة قدمهاإلى الأطفال :

تنهى عن الغِوايةْ

فهذه الرواية

عند أولي  الحماقة

في طلبِ الصداقة

هذا لفرطِ الحبِّ

إذ كان فعلُ الدبِّ

هذه القصة الطفولية تبين لنا أن هذا اللون من القصص الطفولي نما وترعرع في أحضان الأجواء الإسلامية واللغة العربية، ولم يكن بحاجة إلى قصص الغرب من «لافونتين» أو غيره، فكليلة ودمنة، والصادح والباغم، ثم ديوان أحمد بن مشرف الذي ولد قبل عثمان جلال بثلاثين سنة وعاصره كما عاصر «رفاعة الطهطاوي»([116]) كتب كانت معروفة في البلدان العربية، وقصصها غنية بالحركة والانفعال، وتبرز المعاني إبرازا قويا، ولذلك لا أستطيع أن أسلم أن أحمد شوقي وأمثاله تأثروا بالفرنسيين دون النماذج العربية، لأن هذه أثرت بدورها في الغرب وهي أيضاً معروضة في كتب تراثنا المتداولة ،وتمثل قيمنا وأخلاقنا ولا بدَّ أن يكون جلال وشوقي قد اطلعا عليها، وعلى فرض أنهما لم يعرفا ابن مشرف فتبقى له الأسبقية دون غيره.

ثم لِمَ نذهب بعيداً؟ والقرآن الكريم حكى عن النملة وحديثها في قوله تعالى:    "قالت نملة يا أيها النمل لا يحطمنكم سليمان وجنوده …" [النمل/18]، وذكر حديث الجن في السورة المسماة باسمهم ، وفي ثنايا قصة سليمان، كما أنطق الهدهد([117])، وهذه النماذج كلها تقرأ على المسلم في كل يوم .

وهذا ما يجعلني أقول إن قصص الأطفال هي وليدة عصر الدول المتتابعة، لأن أحمد بن مشرف هو شاعر من هذا العصر وليس من العصر الحديث، وكذلك كان معاصره في مصر رفاعة الطهطاوي ثم محمد عثمان جلال و محمد الهراوي، وهؤلاء جميعا عاشوا وماتوا في عصر الدول المتتابعة ، وقد غذوا بثقافة هذا العصر وتأثروا بها .

وهذا أحمد شوقي وقد عاش هو الآخر معظم حياته في العهد العثماني ، ونال من علومه ، كما غذي بالثقافة الفرنسية يكتب قصصا شعرية طفولية ذات مغزى سياسي واجتماعي وديني، ويبث من خلالها القيم والمعارف،كما فعل ابن المقفع في كليلة ودمنة ، من ذلك قصته «الثعلب والأرنب والديك» التي تدعو إلى اليقظة من العدو وإن كان ضعيفاً،لأن الضعيف قد يغلب القوي يوما ، وفي ذلك يقول :

لما رأى الديكَ يسبُّ  الثعلبا

من أعجبِ الأخبار أنَّ الأرنبا

يغلُب بالمكان لا الإمكانِ

وهو على الجدارِ في أمان

أمسى من الضعفِ يُطيق الساخرا

داخَلَهُ الظنُّ بأنّ الماكرا

عدادَ ما في الأرض من مُغَفَّل

فجاءَ  هُ يلعنُ مثل الأول

عصفَ أخيه الذيبِ بالخروف

فعصَفَ الثَّعلبُ بالضعيفِ

تسليةٌ عن  خيبتي في الديكِ

و قال : لي في دمِكَ  المسفوكِ

و قال قولَ عارفٍ  فصيحِ

فالتفتَ الديكُ إلى الذبيحِ

في الناس مَن ينطقُهُ مكانُه([118])

ما كلُّنا ينفعُه  لسانُه

فحدث هذه القصة يبنى على المفارقة، إذ حسب الأرنب أن الثعلب غدا ضعيفا لأنه لم يقو على الديك، وهذا ما جعله يوبخه ويشفي غلته منه، ولكن الثعلب انقض عليه، وهنا وعظ الديك موعظته ليبين للآخرين أن مكان المرء قد يجعله في حرز من الخطر ، وليس لسانه الذي قد يوقعه في الخطر، وبذلك كشف الأديب عن طبيعة العدو الذي يتحين الفرصة ليبطش بالضعيف، ولئن سكت العدو يوما فإن سكوته سيكون إلى حين حينما يتمكن من عدوه .

وكان في هذه القصة ثلاث شخصيات: الثعلب والديك والأرنب، وهذه الشخصيات الحيوانية والحدث البسيط جعلت القصة مناسبة لمرحلة الطفولة، وإن لم يحدد فيها الزمان والمكان، ففي ذكر الجدار دلالة على المكان الآمن من مكر الثعلب، ويستطيع الطفل استنتاج هذا ، وقد تآزر الأسلوب السهل مع المشهد المعروض في أداء المغزى الذي أراده الشاعر، وكانت اللغة فصحى، وفيها إيقاع موسيقي نجم من ازدواجية القافية في كل بيت([119]) .

7- الأسلوب التمثيلي الشعري :

لم يكن عصر الدول المتتابعة عصر انحطاط أدبي كما زعم، بل كان غنيا بمعطياته الفنية والأدبية، ولعل الشعر التمثيلي أحد هذه المعطيات، وكانت بوادره قد ظهرت منذ العهد المملوكي على يد الشاعر «محمد بن دانيال»([120])، فقد خلف لنا ثلاث تمثيليات تعتمد على خيال الظل، وكان صاحبها يقدمها من خلال عرائس من الورق المقوى أو الجلد([121])، وهي موجودة في ثلاثة كتب سمى الأول منها «طيف الخيال» والثاني «عجيب وغريب» والثالث «المتيم والضائع الغريب»، وهي تحوي نقدا اجتماعيا لعادات وتقاليد سائدة كالشحاذة والزواج غير المتكافئ، وقدمت بأسلوب ساخر، وأشرك فيها خيال ظل لحيوانات جعلها تتناطح وتتعارك ليجذب بها الانتباه، ولتكون أشد تأثيرا في الكبار والصغار معاً، ولكنها في حقيقتها أظهرت المسرح فناً لاهياً لما حوته من عبارات ومواقف منافية للدين والخلق، فنفرت الناس من هذا اللون الأدبي([122]).        

 وقد تحدث ابن دانيال في مسرحيته الأولى "طيف الخيال" عن الظاهر بيبرس الذي أمر بتحريم المنكرات وإغلاق الحانات وإعدام أحد صاحبها المسمى «ابن الكازروني» بعد تجريسه في الطرقات، إذ وضع في عنقه دن الخمر، وقد أوحى هذا له أن يكتب «طيف الخيال» الأحدب، وأن يجعله يتوقف ليرثي إبليس وغواياته، ويندب تحطيم أواني الخمر ودنانه، وذلك بمثل قوله :

و خلا منهُ ربعهُ المأنوسُ

ماتَ يا قومِ شيخُنا إبليسُ

رُ من بعدِ كسرها محبوسُ

والقناني به تكسَّرْنَ ، و الخمّا

دتْ على سيلِها تسيلُ النفوسُ

وذوو القصفِ ذاهلونَ وقد كا

ن بنارٍ تُراعُ منها المجوسُ([123])

و الحرافيشُ حولها يتباكَو

وينتقل طيف الخيال ليعرض علينا حديثه عن مشكلة الزواج وما يدور فيه من غش، فالخاطب يدّعي الغنى، وهو فقير بائس لا يملك المهر، ويصف لنا فقره المدقع ، إذ كانت ثيابه بالية ، ولم يكن في داره ما يستلقي عليه ، ولهذا فهو ينام غير ممدد ، وكانت الحشرات والفئران لا تستقر في داره لخلوه ، والبعوض يتمكن من جسده، يقول في ذلك :

ما في يديْ من فاقتي إلا يديْ

أمسيتُ أفقرَ من يروحُ ويغتدي

فإذا رقدتُ رقدتُ غير مُمَدَّدِ

في منزلٍ لم يحوِ غيري  قاعداً

فإذا تمكّن فوقَ عرق يصفِدِ

وترى البعوض يطيرُوهوبريشهِ

من كل جرداءِ الأديمِ و أجردِ

والفأرُ يركضُ كالخيولِ تسابقتْ

من كل لون مثل ريشِ الهُدْهدِ([124])

هذا و لي ثوبٌ تراه مُرَقَّعاً

وحينما تزف العروس يراها قرينها قبيحة، فيصاب بالذهول ويشكودونما فائدة، ثم يتعاطى الحشيش فيصاب بالوهم، وتأتيه خيالات حتى يرى وجهه في الماء لصا ، فيحاول أن يحطمه، ثم يعتزم الحج تكفيرا عن سيئاته([125]).

هذه التمثيلية أو المسرحية تحمل بين طياتها حركة زاخرة بالمرح، وفيها حوادث وشخصيات تؤدي الأدوار والغناء والرقص، وتصور نمطا من الحياة الاجتماعية والسياسية في ذلك الحين في أسلوب بسيط سهل لا شعبي كما يقول د. محمد يوسف نجم [126]، وبذلك يكون ابن دانيال رائد الفن المسرحي في عصر الدول المتتابعة وليس مارون النقاش كما ذكر د. محمد يوسف نجم ، ولا ابن النقيب الدمشقي كما ذكر د. عمر موسى باشا في كتابه العصر العثماني([127])، ولاسيما أن الصفدي يذكر أن ابن دانيال شارك في تمثيل هذه المسرحية ورقص فيها([128]) .

ولم يتوقف ابن دانيال عن نشر هذا اللون الأدبي الجديد، وإنما كتب أيضا تمثيليتين أخريين لتمثلا أيضا على مسرح خيال الظل .

 وكانت شخصيتا ابن دانيال في مسرحيته الثانية هما «عجيب وغريب»، وهما تتحدثان عن متسولين يتخذان أسلوب الحيلة للوصول إلى المال، على نحو يذكرنا بالمقامات العباسية ، وقد سطر أحاديثهما بالفصحى السهلة القريبة من العامية، وبأسلوب مسجوع صور به المجتمع الذي يحوي أخلاطاً من البشر، وهو واقع الحياة في المجتمع آنذاك([129]) .

أما المسرحية الثالثة فكانت بعنوان «المتيم والضائع الغريب» وهي تصور العلاقة بين المتحابين، وفيها صور مضحكة، وقد أشرك فيها الحيوانات إذ جعل الديكة تتعارك والكباش تتناطح وكذلك الثيران ،وبذلك بذر بذور الفن المسرحي الطفولي الذي يأتي على ألسن الحيوانات في أدب العصور المتتابعة.

وفي العهد العثماني وجد ما يشابه خيال الظل، وعرف باسم «القره كوز»([130])، ويقوم على تحريك عرائس تظهر فوق الستارة، وتتحرك على حسب الحوار الذي ينطق به صاحبها خلف تلك الستارة، وهو ما يسمى حاليا باسم عرائس الدمى، وهو إحدى الوسائل التعليمية والترفيهية للأطفال أيضا .

ثم كتب الشاعر «عبد الرحمن بن النقيب الدمشقي» نماذج تمثيلية جمع فيها الشعر والنثر، وكان هذا الشاعر «حسن التخيل»، ومطلعا على اللغة والشعر بأنواعه، وكان يتخيل التخيلات البعيدة البديعة والنكات المتقنة([131])، وقد صور في إحدى قصائده الزهور كمتحابين وسط الرياض، وراح يصف تصرفات الزهور وصفا يشيرإلى مقدرته التمثيلية،وأراد بهذا الوصف أن يكون"فاتح هذا الباب" ([132])، وقد جمع بين الشعر والنثر، على عادة كتاب قصص المقامات في ذلك العهد .

 وكان د.عمر موسى باشا قد عرض له مشهداً تمثيلياً «لحديقة الورد» وذكر أنه ذهب في الصيف مع صحبه إلى الحديقة، فراح يطوف بين الورود وقد سبته بمحاسنها، ثم رأى شجرة فاتنة تبدو كما يقول «كطفلة غريرة، وعليها وردتان معتنقتان، إحداهما برزت بين أترابها، وقد حطت عن نقابها، وبلغت ميعة شبابها، والأخرى قريبة عهد، وحليفة مهد، لم تعد برعومتها000 فقلت مرتجلا :

طفلةً لم تزلْ تعانقُ طفلا

مُذ أتيْتُ الورودَ أبصرْتُ فيها

مَنْ يَرومُ اغتصابَها الطفل «لا»

طافَ من حولِها الجُناةُ فنادَتْ

فابتهج صحبه لما سمعوا هذا مما حفزه على المتابعة فقال :

بها شجَراتُ الوردِ دانيةُ القطفِ

ولم أنسَ لمّا أنْ حلَلْنا بدَوْحَةٍ

على قيدِ شِبْرٍ قد تكوَّنَ من لُطْفِ

فشِمْنا بها طفلاً يعانقُ أمَّه

فيَجذبُه عنها النسيمُ على ضَعفِ

يضمُّ فما منه لتقبيلِ خدِّها

يُحاولُ قصفًا وهي تُنْميهِ للقَصْفِ([133])

وقد كادَ لولا الضَّعفُ من فرطِ غَيْرَةٍ

فلما غابت الشمس، وبرد الجو، نثر الهواء الوردة الأم أدراج الرياح، فتعوذ الشاعر من ظلمه، ولكنه فوجئ بالطفل يبسم في كمه، وتتفتح وريقاته، فقال  الشاعر :

ضمَّتْ عليها ارتياحًا بنتَ ليلتِها

ولم أنسَ في شجراتِ الوردِ مُطْفِلَةً

ألوَتْ بها فتولَّتْ بعدَ نُضْرَتِها

جرَّ النسيمُ على أوراقِها أُزُرا

يُبْدي ابتسامًا سواها إثرَ فُرْقتِها»

فما رأيْتُ يتيما إِئْرَ والدةٍ

لقد كانت هذه التخيلات – برأي  د.عمر موسى تكوّن بذور المسرحية، وبواكير هذا اللون الأدبي الذي تأثر فيه الشاعر بالغرب بعدما توغل العثمانيون في قلب أوربا، ذلك لأن فكرة المسرح ما ثلة في ذهن الشاعر، ولكنه لم يخرجها في إطارها الفني المعروف([134])، وقد قسمها إلى أربعة مشاهد كان الأول في الحديث عن أجواء الطبيعة، ووصف الثاني الوردتين، وتخيل في الثالث برعما لم يتفتح بعد، وفي الرابع ماتت الأم بعد أن هب النسيم فعبث بها  وابتسم الطفل وتفتحت وريقاته، وهذا يعطينا فكرة عن خيال هذا الشاعر.

ولكني أرى أن مسرح ابن دانيال الذي وجد في القرن السابع والثامن الهجريين كان أقرب إلى الفن المسرحي موضوعاً ولغة وفنا من مسرح ابن النقيب، فهو يتحدث عن الحياة الاجتماعية بأسلوب فصيح سهل ليناسب العامة، تماما كما يفعل كتاب المسرح الاجتماعي اليوم، وهو يشبه المسرح العابث في زماننا بما يحويه من فكر يهدف إليها من وراء عرض مشاهده، وبذلك يعد ابن دانيال لا ابن النقيب رائد هذا الفن في أدبنا العربي، فضلا عن أنه أدخل عنصر الحيوان إلى المسرح فمهد بذلك لأدب الأطفال في تراثنا العربي .

  ولكن هذا الفن لم يلق إقبالا عليه حتى كان أواخر العهد العثماني إذ نشط له «مارون النقاش»([135]) و «أبو خليل القباني»([136])، فكتب الأول مسرحيته «البخيل»، وصرح فيها بتأثره بالغرب، كما كتب ملهاة هي «أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد» متأثرا فيها بألف ليلة وليلة، وكتب أبو خليل القباني مسرحية ناكر الجميل جمع فيها بين النثر والشعر، وأعجب بها الوالي العثماني ، وكانت تدعو إلى مكارم الأخلاق ، ثم هوجم القباني في دمشق لابتداعه هذا الفن وأغلق مسرحه ، فانتقل إلى مصر ، وهناك ألف مسرحيات كثيرة باللغة الفصحى ، ومزج فيها بين الشعر والنثر ، ومن مسرحياته " أنس الجليس ، وعنترة ، وزهر الرياض ، وناكر الجميل …"، ثم طلبه السلطان العثماني فمثل بين يديه فخصص له راتبا سنويا .

نشطت المسرحيات بعد ذلك إذ كتب يعقوب صنوع اثنتين وثلاثين مسرحية منها " زوجة الأب ، شيخ البلد ، الوطن والحرية ، الضرتان …" ومثل بعضها طلبة الأزهر إلا أن النقد السياسي للخديوي أوقف مسرحه  ، ثم كتب سليم النقاش (1876-1877م) مسرحياته ومثل فيها الرجال مع النساء ، وكانت بالفصحى ، وجاء بعده يوسف الخياط (ت 1900م) ومثل في مسرحه " الفرج بعد الضيق ، وفرسان العرب ، والمروءة والوفاء " وغيرها، وقد أعانته الدولة على أداء عمله المسرحي، وقام برحلات تمثيلية إلى سوريا وشمالي إفريقية واستقر به المقام في تونس وبها توفي ([137]) .

   ثم كان مسرح إسكندر فرح ( 1891-1909م) وقد مثل مسرحية " هارون الرشيد " بمظهر أبي الحسن المغفل فقدم احتجاج ضده إلى الدولة العثمانية فمنعت التمثيل في سوريا([138])، فذهب إلى مصر ومثل هناك تمثيليات عديدة منها مسرحيات تاريخية مثل"ربيعة بن زيد المكدم، وعداوة الأميرين أوعدل الخليفة، وعرابي باشا "، واجتماعية مثل "ابنة حارس الصيد ، ومسرحية الوالدين الشريدين ".

ثم كان مسرح الشيخ سلامة حجازي (1905-1914م) في مصر، وكان منشدا للمتصوفة ثم صار مغنيا فمسرحيا، وكان يدخل الغناء بكثرة إلى مسرحه، وقد مثل خمسا وعشرين مسرحية منها " ابن الشعب، ومظالم الآباء، وغانية الأندلس… "وكان بعضها أجنبيا مثل " هملت، وروميو وجولييت " وكان يفرد  في مسرحه مكانا للنساء ،كما كان مسرحه متجولا ، وقد ساعدته الدولة ماديا ، ثم سافر إلى سوريا وأصيب بالشلل فتوقف عن العطاء المسرحي ، وكان مرضه نكسة للتمثيل العربي آنذاك كما يقول د. محمد يوسف نجم ([139]).

   ويبدو من المقالات التي كتبت عن المسرح في ذلك الوقت أن العصرفهم أصوله وأدرك خصائصه ، إذ قدم الناقد خليل زينيه رأيه في مسرح حجازي فبين أنه اعتمد على الغناء لا على تقمص دورالشخصية ، ولكنه أجاد في تقديم بعض الأدوارالمسرحية مثل دور هملت .

  ولو تابعنا المسرح العربي الذي كان قبل 1916، نهاية الدولة العثمانية في الأراضي العربية ، لرأينا مسارح كثيرة، منها مسرح علي حمدي 1891م، ومسرح أحمد الشامي 1908م، ومسرح جورج أبيض في1912م وقد مثل مسرحية صلاح الدين الأيوبي وارتقى مسرحه بهذا الفن ، إضافة إلى مسارح الجمعيات والمحافل ، وكان بعض المسرحيات مترجما، وآخرعرب الأسماء والأماكن ، وثالث ألف باللغة الفصحى ، إضافة إلى مسرحيات باللهجة المصرية([140]) .  

ومن خلال اطلاعي على المسرحيات التي عرضها د. محمد يوسف نجم ، والتي بلغ عددها بين (1847-1914م) ما يزيد عن ثلاثين ومئة مسرحية تبين غنى المسرح العربي في العهد العثماني ، كما تبين أن بعض المسرحيين لم يطلع على المسرح الغربي بل على المسرح التركي مثل خليل القباني، وهذا يشير إلى النهضة الأدبية في ذلك العهد ، وقد درس د. محمد نجم فنية كثير من هذه المسرحيات مما لاحاجة لذكره

 كما وجد في هذا العهد مسرحيات ذات مشهد واحد كما في مسرحية " جريح بيروت " لحافظ إبراهيم وكانت تتحدث عن ضرب الطليان لبيروت إبان الحرب الطرابلسية التي وقعت بين العثمانيين والإيطاليين، وقد جرت حوادث هذا المشهد الشعري بين جريح من أهل المدينة وزوجته ليلى، وطبيب ورجل عربي ،ومثلتها فرقة جورج أبيض وتبرع بتمثيلها لإعانة المنكوبين في معركة بيروت .

  استهل حافظ إبراهيم قصيدته أو لنقل مشهده المسرحي الذي عنونه ب" ضرب بيروت "  بإخبار الجريح لزوجته بأنه سيموت، وهو يتحدث عن حبه لمدينته وموته دفاعاً عنها، ثم تنتقل إلى حزن ليلى عليه، ويبين الجريح أن العدو الغاشم رمى المدينة بكرات من نار، وكأنه البغاث الذي فرّ من المواجهة الحربية ولجأ إلى القصف ، ولكن الثأر سيدحره لا محالة، يقول الشاعر في ذلك :

الجريح :

يُرجى و لا أنا مَيْتُ

ليلايَ ما أنا  حَيٌّ

مشى إليّ مشيْتُ

بيروتُ لو أنّ خصماً

لدُسْتُه و بغَيْتُ

لو داسَ أرضكَ  باغٍ

لو بانَ لي لاشتفَيْتُ

لكنْ رماكِ جبانٌ

على الحياةِ بكَيْتُ

ليلاي لا تحسَبيني

فيها و فيكِ صبَوْت

بيروتُ مهدُ  غرامي

أوائلي و بنَيْتِ

فيها بنى لِيَ  مجداً

خبا ، فما فيه زيتُ

ليلى سراجُ حياتي

ما من لَظاهُنَّ  فَوْت

قد أطفَأَتْه كراتٌ

"

    فأجابته ليلى بحزن ولوعة ، متمنية لو فدته بروحها :

من الردى  لفَدَيْتُ

لو تفدّى بحياتي

بمُهْجةٍ   لوقَيْتُ

و لو وقاكَ وفيٌ

ويتألم الجريح حينما يرى جزعها فيقول :

تَفري حُشاشَةَ فانٍ

فكفكِفي من دموعٍ

ثم يطلب منها أن تسجل على لوحة قبره هذه الجريمة الشنعاء بقوله :

على ذُرا لبنانَ

ومَهّدي ليَ قبرا

لكل قاصٍ ودانِ

ثم اكتُبي فوق لوحٍ

هنا فتى الفتيان

هذا الذي مات غدراً

من جيرةِ النيرانِ([141])

رمتهُ أيدي جناة

فرُّوا من العِقبان

تُبا لهم من بُغاثٍ

في ذِلَّةٍ وهوان

لانَرتضي العيشَ يجري

مَنازِلَ الحيَوانِ

أراهُمُ أنزلونا

لخدمةِ الأوطان

لاهُمَّ  جَدِّدْ قِوانا

ويسمع عربي صوت الجريح ، فيحاول أن ينقذه ، ويحضر الطبيب ، ولكن هذا يقول :

تُعْيي الطبيبَ الفَطينا

جراحه بالغاتٌ

غضَّ الشبابِ حزينا

وعن قريبٍ سيقضي

    فيقول العربي منددا بحضارة الغرب ممثلة بالطليان الذين قصفوا بيروت :

بعيشِنا قد  رضيْنا

أين الحضارةُ إنا

و لم نخاتٍلْ  خَدينا

لم نؤذِ في الدهرِ جاراً

    ويتابع الجريح مبينا أن موته كان دفاعا عن أرض وطنه :

أقضي و تحيا بلادي

لا تندُبيني فإني

   فيقول العربي الذي يراه يودع دنياه معاهدا إياه أن يستمر في الجهاد حتى يثأر لبني وطنه :

نَدْباً طويلَ  النِّجاد

أستودعُ اللهَ شهماً

كانتْ رجاءَ البلاد

أستودع اللهَ روحاً

غدراً كراتُ الأعادي

فيا شهيداً   رمَتهُ

فلمْ تنمْ  أحقادي

نمْ هانئاً مُطمئِناً

يذيبُ قلبَ  الجماد([142])

فسوف يرضيكَ  ثأرٌ

وهكذا نرى أن هذا الفن التمثيلي أوالأدب المسرحي، قد وجد في عصر الدول المتتابعة ولا سيما في أواخره ، مما يؤكد غناه بالفنون الشعرية المتعددة .

ثالثا : قضايا شعرية

    وهي قضايا نقدية ولغوية ونحوية برزت في هذا العصر منها :

1 – القضايا النقدية :                                                  

  مما يتعلق بدراسة التشكيل اللغوي لأسلوب العصر آراء الشعراء النقدية، وقد بدت في ثلاثة اتجاهات :أولاها النظرة إلى الشعر، ثم رأي الشعراء في الشكل والمضمون، وثالثها رأيهم في التكسب به، وسأوضح هذا من خلال نتاج الشعراء .

أ – النظرة إلى الشعر :

 مما يلفت النظر تدني منزلة الشعراء عند بعض أبناء هذا العصر، إذ لم يعد للشعر مكانته التي كان عليها في العهود السالفة .

فالشاعر «قاسم الخاني»([143]) يبين أن الشعر لا فخر فيه وذلك في قوله:

الشعرُ لافخرَ فيه، تركُه يجبُ([144])

إن كنتَ بينَ الورى في النظمِ مفتخراً

   وهذا ابن الجزري أيضا يعبر عن نظرة أبناء المجتمع إلى الشعراء بقوله:

فإن العقلَ حِرمانُ اللبيبِ

تحامَقْ في زمانِكَ تَحْظَ منه

فإن الدهرَ يُزري بالأديب([145])

ولا تَعْتَلَّ بالآدابِ فيه

فهل كان الشعر يزري بالعلماء، وأبناء العصر يحتقرون الأدباء لأن الشعراء تكسبوا به، وألحوا في ذلك حتى ضعفت مكانتهم الاجتماعية، فترفع العلماء عنها، أظن الأمر كذلك، لأن الدين لايمنع من الشعر، ولقد كان حسان ينشد الشعر أمام الرسول r  ، وهذا يوصلنا إلى قضية الشكل والمضمون

ب – قضية الشكل والمضمون                        

وفي نظرة إيجابية لمضمون الشعر ودوره في الحياة يلقانا الشاعر صلاح الدين الكوراني في أبيات له يكشف فيها عن أهمية المضمون أوالمعنى في الشعر، فليس الشعر نغما مطربا فحسب، وإنما هوحكم ومعان ترشد الناس إلى الخير، أو تعلمهم علما نافعا في الحياة، يقول في ذلك:

و ألفاظاٌ على نَسَقِ النشيدِ

و ليس الشعرُ قافيةٌ و وزنا

على بيتٍ من العَليا مَشيدِ

و لكن شرطُه حِكَمٌ و وضعٌ

و علماً قائلاً هل من  مزيد

يترجمُ فيه قائلُه فنوناً

حواه من العلومِ المستفيدِ([146])

يعبّر عن فضائله وما قد

أما فتح الله بن النحاس فيرى أن خير الكلام ما كان جزلا و مفيدا ، وبذلك يجمع بين الشكل والمضمون ، يقول في ذلك :

و أفادَ  النفوسَ ما  يَعْنِيها

إن خيرَ الكلامِ ما كان جزلاً

فٌ على قَدْرِ قَوْلَةٍ  يُبْديها

ولقَدْرُ الفتى مع الناس موقو

واتّقِ الناسَ أن يَرَوْكَ  كريها

فاحذَرِ القولَ أن تقولَ قبيحاً

رورُ حتى يُقالَ قال  بديها

رُبّ عوراءَ قد تَعَسّفهاالمغ

ئلُ يوماً عَضَ  البنانَ  عليها

و نكاتٍ لو تأمّلها القا

من نكاتٍ نفوسُهم لاتَرْتَضيها([147])

أنتم الشاهدون بُرْأةَ  نفسي

فالشاعر يرغب الشعر البعيد عن العورات، الذي يقال بعد تروّ أو تمحيص، والذي لا يندم المرء على ما حواه من معان، وهو يتبرأ من كل كلمة لا يرضى عنها مجتمعه

وربما كان مما يقلل من شأن الشعر عند العلماء لين أسلوبه وضعفه، حتى عيب على صفي الدين الحلي ميله إلى السهولة، ولذلك نراه ينظم قصيدة يملؤها بحوشي الكلام ليبين للآخرين مقدرته على نظم شعر غريب اللفظ، وإن كان طبعه ينفر منه، يقول :

والطَّخا والنُّقاخُ والعلْطَبيسُ([148])

إنما الحَيْزَبونُ والدَّردَبيسُ

حين تُروى، وتَشْمئِزُّ النفوسُ

لغةٌ تنفرُ المَسامعُ منها

شيُّ منها ويُتركَ المأنوسُ ([149])

وقبيحٌ أن يذكرَ النافرُ الوحْ

وبهذا يكون صفي الدين الحلي قد نفر من التصنع الممقوت ، وبين أن الشعر ليس إتيانا بغريب، إذ خير الكلام ما أبان ، وكشف عن المعنى.

يرى الشاعر "أحمد بن الحسن الخياط[150]" أن الشعر صعب المرتقى عسير المنال، والمتشاعرون يحسبونه وزنا وقافية دون أن يحكموا مكانها وعباراتها، ولكن الشاعر الحق يلاقي في سبيل شعره معاناة كثيرة، ويراه عبئا ثقيلا لا يستطيع تحمله الجبل الراسخ، بل يئن تحت وطأته ، ذلك لأنه يريد له أن تأتي قافيته في مكانها المحكم حتى تبدو في جمالها و رونقها كالذهب، وحينذاك تسحر الألباب وتنفذ إلى القلوب، يقول في ذلك :

أقلُّ صفاتِ  شعرِهِمُ الجنونُ

و مِن متشاعري عصري أناسٌ

و قافيةً  و ما  شاءتْ  تكونُ

يظنون القريضَ  قوامَ  وزنٍ

دُوَيْنَ صعودِهِ  يَنْدى  الجبينُ

و ما علموا بأن الشعرَ مَرْقىً

لأُطَّ له و منه بدا الأنينُ

و عبءٌ لو تَحمَّلَهُ ثَبيرٌ

إذا امتُحِنَتْ بل السحرُالمبينُ

و قافيةٌ هي الذهبُ المصفّى

إذا يُفْزَعْن أبكارٌ وعِيْنُ([151])

معانيها الثواقبُ و القوافي

    ولكن بعض أبناء العصر كانوا يعجبون بالشعر الذي فيه جديد وإن كان التكلف فيه واضحاً، فالمحبي يورد للشاعر المهمنداري بيتين هما :

خدَّ مَنْ أهواه في الروضِ الأنيق

مُذْ رأى الوردُ على أغصانِهِ

رُشَّ في وجنتيهِ كي يستفيق([152])

صار مغمىً فلطَيْفِ الطيفِّ قد

ويقول عنهما «أتمنى لو كان لي بكل شعري وهو (أي شعر المهمنداري) هذا».

وكان الشعراء لا يقرون للمبتدئ بالشاعرية إلا إذ امتحنه شاعر معروف، وقد بعث أبو الوفاء العرضي إلى الشاعر حسين بن الجزري قصيدة فيها لغز ليمتحنه، فلما أرسل الجواب أعجب به العرضي وقال : «فرأينا له النظم الحسن الفائق»([153]) .

ج  - التكسب بالشعر :

الشاعر إنسان مرهف الإحساس رقيق المشاعر، يقول كلمته لينال بها مودة الآخرين لا ليتاجر بها ويحصل على منفعة ما، ولهذا قال البوصيري:

وليس تنقام منه لي حَدْبه

و الشعرُ ميزانه أقوِّمُهُ

للمالِ بل للودادِ و الصحبةْ

وإنني لا أرى المديح به

ولذلك نرى «أحمد بن محمد بن قرصة» يندد بالشعراء الذين يتكسبون بشعرهم الهجائي، يخيفون به الناس ليعطوهم، ويطلب لقصائده كراما لا بخلاء أخساء :

بهجائِهم و تحمّلوا  أوزارا

ما لي أرى الشعراءَ  تكسبُ عاراً

وجعلتُ شعري في الكرامِ شعارا

فلذاك طفتُ ببابِ كلِّ  مُهَذّبٍ

أشعارَ لما أرخَصوا الأسعارا([154])

مدحوا الأخسّاءَ اللئامَ فضيّعوا ال

   أما الشاعر ابن النحاس فأشد ما يؤلمه أن يعرض شعره فلا يلقى رواجا، ولهذا عد التكسب به ذلة وإهانة، يقول في ذلك:

يستوي الشعرُ عندهم و الشعيرُ

هان من أمَّ بالمديحِ أناساً

فٌ و أيدٍ كأنهنّ صخورُ

هِمَمٌ رثّةٌ وألسنةٌ غُلْ

عَ سفاهاً بين العراةِ  البخورُ([155])

ضاع شعري بين الكبارِ كما ضا

فالشاعر ندم لأنه وضع شعره في غير محله اللائق به، فأهانه عند ممدوحين بخلاء، ولا سيما إن كانوا لا يحسنون الكلام حتى صار الشعر عندهم والشعير سيان.

أما الشاعر العشري فإنه جعل شعره حكما يعلمها أبناء المجتمع لا مديحاً ينال به العطاء، يقول في ذلك :

به الأمراءَ و الوُزرا

فشعري ليس أستجدي

إذا بين الورى نُثِرا

و لكنْ كلُّه حِكَمٌ

ق مُلْتَقَطاً و مُدّخرا([156])

فعند أولي النُّهى قد فا

هذه نبذة من آراء الشعراء في قضايا نقدية هامة لا زالت مدار خلاف النقاد إلى يومنا هذا، بين مؤيد للشكل أو للمضمون، أو مطالب بهما جميعا.

2 – قضايا لغوية :

بدا في شعر العصور المتتابعة قضايا لغوية يتعلق بعضها باللهجات السائدة، وآخر بالمآخذ اللغوية كاستعمال اللغة الدارجة أو الأعجمية، وظهور أخطاء لغوية ونحوية فيه..

أ – فمن اللهجات المحلية التي كثرت نتيجة اتساع البلدان العربية وتعدد جنسيات أبناء العصر لهجة استعمال الفاعل الضمير والظاهر معا فيما سمي بلهجة «أكلوني البراغيث»، وسماها ابن عباس لغة «يتعاقبون عليكم ملائكة»([157])، وكانت هذه اللهجة تسود في بلاد الشام والحجاز، فالشاعر حسين الجزري يقول:

أُولو العجز والراضي أمانيه عاجزُ([158])

رضُوا بالأماني عن مداركةِ المُنى

فالضمير في «رضُوا» فاعل، و«أولو» فاعل في المعنى أيضاً.

ومنها أيضاً قول الشاعر «علي بن محمد المناوي»([159]) في حريق مكة «840ه» وتعليل سببه:

و صيّروا لُعَبَهُم  تجارة

لما طَغَوا ساكني جدة

وقودُها الناس و الحِجارة([160])

بهم أحاط الجحيمُ صار

فالواو في طغوا فاعل، وساكني فاعل أيضاً، وقد جاءت الثانية بالياء لا بالواو مع أنها مرفوعة على لغة من لزم الياء في جميع الأحوال وأعرب بالحركات([161]) .

وللنحاة في مثل هذا آراء كثيرة أشهرها أن الأول فاعل والثاني بدل، ومنها أن الأول حرف للدلالة على المعنى والثاني هو الفاعل .

ومن لهجات لغة العصور المتتابعة التي برزت في الشعر أيضا قلب القاف جيما عند شعراء العراق كما في قول عبد الغفار الأخرس:

مثلما أيّدَ اللهُ «عجيلا»([162])

أيّد اللهُ فارسَ بنَ «عجيل»

والمقصود هو فارس بن عقيل وأبوه عقيل .

ومنها أيضا تخفيف الهمز كقول إلياس أدة :

إذا أَصلَحْتَ ما حوتِ السراير([163])

و لا تطمعْ بعطفٍ منه إلا

أي السرائر .

ومنها قلب الثاء تاء كما في " تار " في قول «نقولا الترك»:

وغطّى الفريقينِ الغُبارُ المُكَدّرُ([164])

وتارَ العَجاجُ وقارعَ السيفُ للقنا

ومنها قلب الذال دالا كقول إلياس إدة :

إذا دهَب الحمار بأمّ  عامرْ

وإن غادرتْ رُشْدَ الحَزم  قالوا

بأن الماجدَ الضِّرغامَ قاهرْ([165])

فلو يَدِّكِرُ لما قد فاتَ  يعلمْ

والأصل «ذهب الحمار بأم عامر ..» و «فلو يذكر» علماً بأن اللغة أجازت في «اذكر»: «ادكر»([166]).

ومن اللهجات السائدة أيضا الإمالة كما في قول «مسلم بن خوجة»([167]) :

مأويه جهنَّم بِيْسَ المِهاد([168])

و لا راحِمَ اللهُ قاتلَك

والأصل "مأواه جهنم ".

ب – المآخذ اللغوية :

1 – استعمال اللغة الدارجة : وكان الجاحظ قد فتح الباب في ذلك وعد القليل منها كالملح في الطعام، ودعا إلى أن تحكى الكلمة كما يحكيها أهلها ليكون لها وقعها وإمتاعها، وعدّ ذلك واقعية، وقد أخذ بعض شعراء العصربرأيه، فمحمد بن دانيال يقول مستخدما لغة دارجة:

و صِرْتُ لا فوقي و لا تحتي([169])

قد بِعْتُ عبدي و حماري معاً

فالشطر الثاني شبيه بالكلام العامي .

2- وبدا استعمال الكلمات الأعجمية في شعر هذا العصر إذا انتقلت إلى ألسن الشعراء الذي كان أصلهم غير عربي، أو لاختلاط العرب منهم بغير العرب، من ذلك قول الشاعر أبو دينار :

وأنت في العزِّ شاهانٌ وخاقان([170])

مذ كنتَ صاحبَها فالعزّ حلّ بها

ومنها كلمة باشا في قول جعفر البيتي([171]) :

وهمّ المسلمينَ و كلُّ غَمِّ([172])

بعبد اللهِ باشا زال  همّي

وقد عرب بعضهم أشعارا عن التركية والفارسية كما فعل خالد العرضي([173]) حين عرب أبياتا عن التركية، وعرب الشاعر أحمد بن عبد اللطيف العمري([174]) أبياتا عن الفارسية، وعرب حسين بن حسن البيري([175]) منطق الطير عن التركية، ومنها قوله:

كيف يحكي من شكاياتِ الوداعْ([176])

اسمعوا ياسادتي صوتَ اليراعْ

3 – وهناك أخطاء لغوية ونحوية، فمن الأولى إدخال «ال» التعريف على «بعض» في قول «محمد التيزيني»([177]) :

و بعضُ حادِثه بالبعضِ يندفعُ([178])

والدهرُ من شأنِه تغيير حالتِه

ومنها مجيء «بِرغم» والصحيح «على الرغم من» في قول إبراهيم الطيبي:

ويُسرٍ فهل بعد الخروجِ دخولُ([179])

خرجتُ بِرُغْمي من بلادٍ وأسرةٍ

وقول عبد الغني النابلسي :

وليس لهُ في نفحِها الند من ندّ

خصوصاً علومُ القومِ فهو إمامُها

والصحيح : ولاسيما علوم القوم .

ويمكننا أن نعلل هذه الأخطاء بالضرورات الشعرية .

ومن الأخطاء النحوية رفع ما حقه الجر في كلمة «ذو»في قول إلياس إدة :

عن حربِ الباسلِ ذو العلمْ([180])

سلْ قومَ التركِ و العَلَمْ

والأصل " ذي العلم " ، وقول إبراهيم البلبيسي([181]) :

يا ترى أين المفرْ؟([182])

و أصبح قلبي حزين

والصحيح حزينا ، وربما كانت من تسكين المتحرك للضرورة الشعرية .

ومنه قول حسن البخشي([183]) :

إلا غدا وجلاً جاثٍ على الرُّكبْ([184])

فلا وليٌّ وصديقٌ ذو شرفْ

والصحيح جاثياً .

وتنوين الممنوع من الصرف ، وقد أجيز هذا للضرورة الشعرية ، ومنها قول عبد الغفار الأخرس :

رَ، وتُبدي وفاءها المستحيلا([185])

كشفتْ عن ضمائرَ تُضْمِر الغدْ

أما الشعر العامي الذي وجد في هذا العصر فإني لا أعده من الأدب العربي في شيء، لأني أومن أن الأدب العربي ما كتب بلغة الضاد لا بغيرها ، وهي لغة آبائنا وأجدادنا البعيدة عن اللحن، الجميلة في مبناها وموسيقاها .

رابعاً : سمات التشكيل اللغوي :

بعد معايشة ما يزيد عن ثلاث عشرة سنة لأدب هذا العصر أرى أن كثيرا من شعره كان يتمتع بجمال ورواء، وقد بدا فيه انسجام ووئام بين اللفظ والمعنى، وكانت أساليبه التعبيرية تنم عن مقدرة كثير من الشعراء في استعمال المحسنات اللفظية والمعنوية، وإن بدا فيها تكلف كثير أحياناً، وكان شعراء العصر يتكئون على هذه المحسنات، كما يعتمدون على المعارضات الشعرية والمساجلات وغيرها .

وكان الأسلوب القصصي قد بدأ يخطو إلى أقلام أدباء العصر ولا سيما في العهد العثماني منه، وبدا في الحوار حيناً، وفي قصص وملاحم سياسية تحكي وقائع حرب ما، وتاريخية تنقل أخبار الأمم من كتب التراث، واجتماعية تصور الواقع الذي كان يعيشه بعض أبناء العصر، وهناك قصص اجتماعية جاءت في أسلوب خيالي كما في القصص التي صورت إبليس ومكائده الاجتماعية، وأخرى جاءت في أسلوب رمزي على ألسنة الحيوانات أو الجمادات، وقد شابهت هذه المقامات، أو كانت رمزاً للعبادة عند المتصوفة.

   وهناك أيضا قصص للأطفال بدت عند أدباء العصر منذ عهد أحمد بن علي بن المشرف الذي عاصر رفاعة الطهطاوي، واغتذى بلبان العربية  والإسلام ، ولكن الدارسين يذكرون الأول وتأثره بفرنسا، وينسون الثاني النجدي الذي كان متشبعا بأفكار الإسلام التي تحض على تربية الصغار بالشعر، وقد كتب هذا نماذج شابهت قصص كليلة ودمنة، كما كتب أناشيد تحض على مكارم الأخلاق، فسبق بذلك أحمد شوقي، كما بينت أن أدب الأطفال عند أحمد شوقي تأثر بالتراث العربي والإسلامي من أمثال كليلة ودمنة الذي تأثر به لافونتين رائد فن الأطفال في فرنسا.

وفي العصر أيضا أساليب تمثيلية تبين مهارة شعراء العصر في كتابة الشعر التمثيلي والمسرحي، وكان محمد بن دانيال السباق في هذا المضمار، وقد ألف ثلاث تمثيليات شعرية تحدث فيها عن أوضاع المجتمع، واستخدم خيال الظل، كما شارك هو في التمثيل أحياناً، وكانت تمثيلياته تحكي عن الحيوانات فكان بذلك رائد مسرح الدمى عند الأطفال في المجتمع العربي .

ثم جاء عبد الرحمن بن النقيب الدمشقي وكتب تمثيليات صغيرات أنطق فيها الحيوان والنبات، فتابع مسيرة الفن التمثيلي، وقد رأى د.عمر موسى باشا في ذلك ريادة للفن المسرحي، على حين كان ابن دانيال قد سبقه إلى ذلك، ثم كان مارون النقاش، وذكر أنه تأثر بالغرب، وأبو خليل القباني الذي قلد المسرح التركي ، ثم كتب الكثيرون مسرحيات ومثلوها حتى تجاوز عددها ثلاثين ومئة، ثم جاء حافظ إبراهيم فنظم مشاهد تمثيلية، وكانت هذه النماذج كلها تثبت وجود هذا الفن في أدبنا العربي في عصر الدول المتتابعة.

وقد تحدثت أيضا في سمات التعبير عن قضايا نقدية بدت في قصائد الشعراء، وتتعلق بالنظرة إلى مكانة الشعر في الحياة، وبقضية الشكل والمضمون، وكان معظم الشعراء يميلون إلى ضرورة الاهتمام بالمعنى، وإن كان للشكل أهميته، ولا يزال النقد المعاصر كما كان القديم يدور حول هاتين القضيتين بين مؤيد لهذه أو لتلك ، أو يدعو إلى الاهتمام بهما معاً.

 كما أظهر الشعراء آراءهم في التكسب بالشعر، وامتنع بعضهم عن ذلك إعزازا لنفسه وأدبه.

 وهناك قضايا لغوية بدت في شعر العصر، وتتعلق باللهجات السائدة ، وباستعمال اللغة الدارجة، وقد عرضت نماذج من الأخطاء اللغوية والنحوية التي كان كثير منها بسبب الضرورات الشعرية .

([1]) العقد الفريد 2/123 .

([2]) الشعر والشعراء / 66 و103

([3]) الصورة الفنية للتراث / 235 .

([4]) البيان والتبيين 3 / 24 .

([5]) نفحة الريحانة 1 / 564.

([6]) خلاصة الأثر 1 / 320.

([7]) نظرية أبي عثمان / 29.

([8])الوافي بالوفيات 3 / 107 .

([9])سيكولوجية الإبداع / 15 و 180 .

([10]) يشيعه: يصاحبه: القاموس المحيط مادة (شيع).

([11]) العقد الثمين / 29 – 30 ، وشوس ج أشوس: شجعان: القاموس المحيط مادة (شوس).

([12]) الديوان/111 والعقود /18 وسلافة العصر /277 .

([13]) خلاصة الأثر 2 / 282.

([14])ديوان أحمد بن مشرف/ 251، وينظر لمثلها أيضا أناشيد طفولية في ديوان الشوقيات 4/189-190 ،192 في أناشيد طفولية، ولدى محمد الهراوي ومحمد عثمان جلال آداب طفولية أخرى وهؤلاء جميعا عاشوا وماتوا في هذا العصر إلا أحمد شوقي، فإنه عاش معظم حياته في العهد العثماني، وإذا كان أحمد شوقي قد ذكر أن أدبه هذا للأطفال، فإن ابن مشرف لم يذكر هذا وإنما ذكر هذه الأناشيد والقصص الطفولية التي شابهت قصص كليلة ودمنة ليتعلم منها الصغار فيما أرى، لأنه شاعر ينتمي إلى الحركة الوهابية التي تنظر إلى الإسلام  نظرة شمولية تهتم بالصغار وتربيتهم، كما تهتم بالكبار، وسيذكر أنموذج من قصصه الطفولية عند الحديث عن قصص الأطفال في هذا الكتاب، ينظر لذلك ص /  508     .   

([15]) سليمان الجَمْزوري: من علماء القرن الثاني عشر للهجرة

([16]) العمدة /225 .

([17]) أبو دينار التونسي شاعر من آل مراد في تونس ، عاش في القرن الثاني عشر الهجري : الحلل السندسية 2/594

([18]) الحلل السندسية 2 / 594.

([19]) عبد الغفار الأخرس شاعر عراقي أصله من الموصل ثم عاش في بغداد له ديوان شعر مطبوع: ينظر له في مقدمته.

([20]) ديوان الأخرس /117 .

([21]) العقد الثمين /33 .

([22]) أحمد بن محمد الكبسي شاعر يمني من القرن الثالث عشر الهجري : جواهر المكنون /307

([23]) جواهر الدر المكنون /307 ، وقد أفاد من قوله تعالى:)كأنهم أعجاز نخل خاوية( : سورة الحاقة /7 .

([24]) أعيان 1 / 438 - 439

([25]) نفسه 1 / 440 .

[26] ) المرجع نفسه ، والقول مأخوذ من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الرحمن "

([27])الدر المنتثر /101 .

([28]) ديوان المتنبي 3 / 276

([29]) عبد الفتاح بن محمد أمين الطرابيشي( ت 1330 ه ):إعلام النبلاء7/523،والشعر في المرجع نفسه7 /530 .

([30]) إعلام النبلاء 7/530 .

([31]) خلاصة الأثر 3 / 291 – 192

([32]) الاشتقاق : تورية باسم الممدوح : البديعيات

([33]) ديوان عبد الغفار الأخرس / 81

([34] ) ديوان الأمير منجك / 9 ، وتنظر قصة آدم وإبليس في سورة البقرة / 34

([35] ) التحليل الألسني / 110

([36] ) ينظر جماليات الأسلوب / 189

([37] ) الرمز نوعان إشاري وبنائي ، والإشاري مااتصل بالموقف أو بالحالة الشعورية ، وهذا يستمد من القديم ، وقد يوغل في التاريخ ، أما الرمز البنائي فهو الخيط النفسي الذي يجمع أجزاء القصيدة فتبدو موحدة لامفككة : الداية ، جماليات الأسلوب / 189

([38] ) عبد الوهاب بن مصطفى الدمشقي ( ت 1188ه ) شاعر من دمشق نزل إسلامبول، له رسائل وأشعار : علماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر الهجري3/ 338 والشعر في الصفحة نفسها

([39] ) استدعاء الشخصيات التراثية / 222.

([40] ) عنقاء مغرب ذكرها العلامة شهاب الدين محمود الآلوسي في رحلته نشوة المدام في العود إلى دار السلام مطبعة الولاية ببغداد 1291م  ص 103 فقال : " كانت العنقاء تأخذ الصبيان وهي كأعظم مايكون من الطيور وفيها من كل لون ثم أهلكها الله تعالى بدعاء نبي من الأنبياء ، و ذكر أن كلمة مغرب جاءت بالمذكر كما نقول امرأة رزان ، وذكر أنها بمعنى أغربت في البلاد فنأت ولم تر " ، وهناك معان أخر لرمز العنقاء في : التراث في شعر رواد الشعر الحديث  ص22

([41] ) محمد أمين بن محمد الخراط ( ت 1156ه ) شاعر من دمشق  : الحافظ وأباظة ، علماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر الهجري ج2/ 310 والشعر في ص 324

([42]) محمد حميدة شاعر حلبي ينظر له في: إعلام النبلاء 7 / 487

([43]) الرخاخ : ج رخ وهو طائر كبير الحجم يحمل الكركدن : القاموس المحيط : (رخ)

([44]) إعلام 7 /488 - 489

([45] ) أسعد بن محمد الطويل( 1082-1150 ه)عالم وشاعر من دمشق: سلك الدرر1/ 237 والشعر/ 240

([46] ) مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر / 500 .

([47] )  الجوى : الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن ، لسان العرب مادة جوى . والنحر :صدر أو أعلاه ، وموضع القلادة منه : لسان العرب مادة نحر .

([48] ) استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر/ 234، والخطاب الشعري / 267

([49] ) عفيف الدين عبد الله بن قاسم الذروي شاعر من الحجاز: سمط النجوم العوالي 4/273، والشعر/274.

([50] ) يناوينا : بتخفيف الهمزة ، والأصل يناوئنا : والمناوأة هي المفاخرة والمعاداة : لسان العرب مادة نوأ .

([51] ) الصورة الفنية في شعر أبي تمام / 241 ، و الصورة الشعرية في الكتابة الفنية / 194.

([52]) سلك الدرر 4 / 88

([53]) أسلوب التفريغ هو أن يصدر الشاعر كلامه باسم منفي ب (ما) خاصة ،ثم يصف ذلك الاسم المنفي بأحسن أوصافه المناسبة للمقام إما في الحسن أو في القبح ، ثم يجعله أصلا يفرع منه جملة من جار ومجرور متعلقة به، ثم يخبر عن ذلك الاسم بأفعل التفضيل ثم يدخل على المقصود و يعلق الجار والمجرور بأفعل التفضيل، ينظر لذلك في البديعيات / 156

([54]) ركن الدين محمد بن محمد بن القوبع(ت 664) شاعر وعالم تونسي ينظر له وللشعر : أعيان العصر 5/163

([55]) ملث المطر : المطر الدائم: القاموس المحيط: مادة (لثّ).

([56]) التبتيّ : نسبة إلى بلاد بالمشرق ينسب إليها المسك الإذفر .

([57]) التشطير أو التصدير والتعجيز هو أن يقسم الشاعر بيته إلى قسمين ، ثم يأتي لكل بيت بشطر من شعر غيره على سبيل التناوب : البديعيات / 116

([58]) عبد الله العطائي شاعر حلبي (ت 1233ه ) : إعلام النبلاء 7/193

([59]) عبد لله بن مصطفى الجابري شاعر حلبي ( ت بعد1216ه) : إعلام النبلاء 7 / 153

([60]) إعلام النبلاء 7 / 153 .

([61]) إعلام النبلاء 7/153: وينظر لمثله من التصدير والتعجيز : سلافة العصر /460 وسلك 3/11

([62]) النفح الفرجي / 387

([63]) ريحانة الألبا 1 / 277 ، والخلاصة 4 /101، وهود : إشارة إلى سورة هود التي ورد فيها قوله تعالى " فاستقم كما أمرت "  آية (112) ، وإليها ,إلى أمثالها من الآيات الكريمات أشار الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله " شيبتني هود وأخواتها " .

([64]) ديوان ابن رزيق 1/131 .

([65]) ينظر أعيان العصر 2 / 540 لصلاح الدين القواس ( ت 723 ه )

([66]) ينظر أعيان العصر 3 / 82 والأبيات لصفي الدين الحلي

([67]) ينظر سلك الدرر4 / 100

([68]) ريحانة الألبا 1 / 116

([69]) شهاب الدين محمد المصري عاصر محمد علي باشا : الشعر والشعراء المجهولون /102

([70]) إعلام 6/236 ، والشعر والشعراء المجهولون /102، وينظر لمثله في استخدام مصطلحات الحديث الشريف في الغزل في : أعيان العصر 1/310

([71]) البديعيات /131

([72]) معادن الذهب /236 .

([73]) شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (831-898ه) شاعر فقيه ، ومؤلف الضوء اللامع ، ينظر له في مقدمته .

([74]) الضوء اللامع 11/85 .

([75]) معادن الذهب / 318

([76]) ينظر لذلك إعلام النبلاء 6 / 282.

([77]) ديوانه 63 - 64

([78])  ينظر للشاعر وشعره في :النفح الفرجي / 388-389

([79]) أعيان الشيعة 6 / 39

([80]) شاعر من العصر المملوكي : أعيان العصر 3 / 508.

([81]) الكشكول 2 / 397.

([82]) أعيان العصر 3 / 509.

([83]) ديوان العشري / 315 وفيها أبيات للشافعي ، و316 وفيها أبيات العشري التي عارضها .

([84]) الخلاصة 1 / 267

([85]) سلافة العصر /152 ، وخلاصة الأثر 1/ 267

([86]) ديوان فتح الله بن النحاس /111 .

([87]) الخلاصة 3 / 415

([88]) شقائق النعمان 1/177 .

([89]) سلك الدرر 2 / 249

([90]) سلك الدرر 3 / 19 ، وينظر لمثلها أيضا في المرجع نفسه / 16 وقد ورد في الكتاب مساجلات شعرية إبان الحديث عن التجديد في المديح النبوي والأدب الاجتماعي ، ينظر لذلك ص  79-80 و 263  .

([91]) نفحة الريحانة 2 / 427

([92]) ديوان ابن زريق / 68

([93]) الروض النضر 2 / 236 - 237

([94]) أعيان العصر 3 / 171 – 172، وقد مر مثلها للشلعر ملا جرجيس درويش إبان الحديث عن الإيمانيات ، ينظر لذلك ص 32  .

([95]) نشوء النقد/309 .

([96]) القصة الشعرية في العصر الحديث /30 .

([97]) الملحمة لغة الوقعة العظيمة وقيل موضع القتال ، وألحمت القوم إذا قتلتهم حتى صاروا لحما ، والجمع الملاحم : لسان العرب 5 / 486 ، واصطلاحا هي نص شعري طويل يتحدث عن البطولات ، ويمتزج فيه الواقع بالخيال ( إلياذة هوميروس معربة نظما / 32 – 33 ) ، وينكر بعضهم وجود الملحمة في أدبنا العربي لأنه مجتمع لا يؤمن بتعدد الآلهة ( قضايا حول الشعر / 224 ه2 و 225 ) ولكن ملاحمنا تحوي حديثا عن الصراع بين البشرية وأعدائها ، وتذكر من عالم الغيب المولى سبحانه ، وقد تحدث بعضها عن الشياطين وطغيانهم ، ثم إن القدامى سموا حروبهم بالملاحم ، فسعد بن عبادة قال يوم فتح مكة ( اليوم يوم الملحمة ) كما سمى الشعراء القدامى مطولاتهم بالملاحم ، فالملحمة إذا هي قصيدة طويلة تحكي عن الصراع، وبرأيي أنها صورة ناضجة للملاحم الشعرية التي تخلت عن الوثنية وراحت تحكي صراع البشرية بينها وبين الشيطان ، أو بينها وبين بعضها بعضاً.

([98]) نقل عثمان العمري أربعة ومئتي بيت من هذه الأرجوزة ، وذكر أنه ترك الكثير من هذه الأبيات ، وأن الأرجوزة طويلة جدا : الروض النضر 1/511 ، وقد كتب الكثيرون عن هذه المعركة منهم السيد خليل البصيري ، وموسى الحداد ، وحسين عبد الباقي ، وعصام الدين العمري : المرجع نفسه / 302،505 ،  523، 530 . 

([99]) القصيدة كلها في الروض النضر 1 / 512 - 523

([100]) وهو الذي أورد قصة الفتح والقصيدة في كتابه الروض النضر 1/512 .

([101]) ديوان العشري / 145

([102]) ديوان العشري /153-157  ، وينظر لدراسة الملاحم في العصر العثماني " ملحمة الرياض ، وملحمة صدى الحرب " في : شعر الثورات الداخلية 2/220 ، كما ينظر للقصص السياسية قصة لخليل مطران تتحدث عن حروب البلقان في المرجع نفسه : 2/212 ، وهي في ديوانه /112-121.

[103] ) الكشكول 1 / 173 – 174 ، وبهاء الدين العاملي / 136

[104]) القصة كلها في أعيان العصر 4 / 428 - 430

([105]) كما في قصة محمد بن محمد النحاس التي جاءت على لسان قلعة الكرك ، وفيها يطلب أن يكون موقع القلعة مسلما لا نصرانيا : أعيان العصر 5/249

([106]) ويقصد بذلك أن المال مال الله، وقد طلب أن يوزع بالعدل الذي فرضه الرحمن على عباده «المؤلفة».

([107]) ديوان البوصيري/212-214 .

([108]) تراجم الأعيان 9/248 ، الكشكول 1/ 109 .

([109]) رفاعة الطهطاوي ( 1216 ه – 1290 م / 1801 – 1873 م ) شاعر مصري ينظر له في ديوانه

([110]) محمد عثمان جلال ( 1244 ه – 1316 ه / 1828 م – 1898 م ) شاعر مصري كان قاضياً، وقد اقتبس من آداب الغرب فن الحكايات ،وصبغه صبغة عربية .ونسج أحمد شوقي على منواله قصصه الرمزية أو قصص الحيوان.

([111]) النص الأدبي للأطفال / 61 – 62 والأدب المقارن / 189 – 192 .

([112]) النص الأدبي للأطفال / 61 – 62

([113]) ابن الهباربة هو الشريف نظام الدين أبو يعلى محمد بن محمد الهاشمي البغدادي ( ت 504 ه )، كان شاعرا حسن المقاصد : ينظر له في مقدمة ديوانه الصادح و الباغم / 4 .

([114]) ينظر لهذه القصص في  الصادح والباغم على التسلسل / 27 – 38 – 48 – 55.

([115]) ديوان الإمام أحمد بن مشرف / 238-239 ، وينظر لمثلها في ص 241،247

([116]) كان أحمد بن مشرف ورفاعة الطهطاوي قد ولدا في زمن واحد ، فالأول النجدي ولد 1215 ه والثاني المصري ولد 1216 ه، وتوفي ابن مشرف في 1272 ه وتوفي الطهطاوي في 1290 ه، فهما إذا متعاصران ، وقد نسب إلى رفاعة ريادة فن الأطفال وتأثره بالفرنسيين ونسي ابن مشرف الذي لم يعرف فرنسا وإنما غذي بلبان الحركة الوهابية الإسلامية التي تنظر إلى الأدب على أنه وسيلة للتربية الإسلامية منذ نعومة الأظفار.

([117]) أشار د . نجيب الكيلاني إلى بعض هذه النماذج دون أن يتحدث عن أسبقية هذا الفن ، وذلك في كتابه أدب الأطفال في ضوء الإسلام / 79 – 80 ، وقد أفدت منها في أن جذور الأدب الطفولي كانت في تراثنا ، ثم تمثلها أدباؤنا كما تمثلوا كليلة ودمنة و الصادح والباغم .

([118]) ديوان الشوقيات 4 / 185

([119]) ولأحمد بن مشرف كما لأحمد شوقي والهراوي أناشيد طفولية أخرى تسير على أسلوب القصص الشعري في سهولة ألفاظها وخفة موسيقاها ، وهي من الأدب الطفولي في عصر الدول المتتابعة أيضا ، ينظر لذلك مثلا في ديوان ابن مشرف / 25 وفي ديوان أحمد شوقي 4 / 189 – 190 – 192 …

([120]) كان محمد بن دانيال ( ت 710ه / 1310 م ) عراقي الأصل ورحل إلى مصر وعاش فيها وكتب مسرحياته الثلاثة، التي كانت تعد من الأدب الشعبي ، ولكنها في حقيقتها كتبت بالفصحى السهلة ليفهمها عامة الناس آنذاك إذ كان المجتمع يتكون من عناصر سكانية متعددة الأجناس .

([121]) عرفت هذه التمثيليات باسم البابات ومفردها بابة، يقدمها صاحبها بواسطة عرائس من الورق المقوى أو الجلد  <<< - الجلد ، وهي ذات ثقوب ومفصلات ليسهل تحريكها، وعند اللعب بها ليلا توضع خلف ستارة بيضاء خلفها مصباح بحيث تنعكس ظلالها من الخلف على الستارة ليراها النظارة، وتتحرك العرائس بعصا في يد من يقدم البابة على حسب الحوار الذي ينطق به مساعد آخر له ، ويغير الصوت بتغير الشخصيات ومواقفها : الأدب المقارن / 170، وهذا يشبه إلى حد كبير ما يعرض للأطفال في برامج أفلام الكرتون في يومنا هذا أو في مسرح الدمى للأطفال في مراكز الطفولة .

([122]) الأدب المقارن / 172.

([123]) عصر الدول والإمارات - مصر /382 ، ولم يذكر د . شوقي ضيف المرجع الذي نقل منه ، وقد ترجم الصفدي لابن دانيال وذكر كتابه طيف الخيال دون أن يأتي فيه بنص له فيه، ينظر لذلك أعيان العصر 4/422

([124])  عصر الدول والإمارات - مصر / 382 .

([125]) الأدب المقارن / 171 ه 1

[126] )  لا يعد د. محمد يوسف نجم مسرحيات ابن دانيال التي سماها بالأدب الشعبي ، ولا خيال الظل والقره قوز من الفن المسرحي أو التمثيلي ، وإن حوى بعض عناصره ، ولكنه يذكر أن رائد الفن المسرحي في البلاد العربية هو مارون النقاش " لبناني (1817-1855م) ، درس في فرنسا وألف مسرحية هارون الرشيد أو أبو الحسن المغفل " ، وفي هذه المسرحية نرى فصلا مضحكا يتحدث عن الخيانة الزوجية ، وفيها أشعار تنشد : ينظر المسرحية في الأدب العربي الحديث /17-38 ، وهذا المسرح لا يختلف عن مسرح ابن دانيال في مضمونه وشكله ، وقد شارك كلاهما في تمثيل ما كتب ، وكان أسلوبهما سهلا يناسب العامة ، فلم لا نعترف لابن دانيال بالسبق ونعد أدبه شعبيا ونعد الثاني رائد المسرح ؟ ، أرى أن فكرة التبعية للغرب في دراسة الأدب العربي لا زالت تسيطر على العقول ، ويبدو هذا واضحا من العنوان ، فالمدة الزمنية التي حددها لكتابه (1840-1914) تتبع العصر العثماني لا الحديث ، إذ كان العثمانيون في بلادنا حتى هذه المدة. 

([127]) ينظر لذلك : العصر العثماني / 276

([128]) أعيان العصر 4 / 424

([129]) عصر الدول والإمارات – مصر / 282 والأدب المقارن / 171 ه 1

([130] ) القره كوز : كلمة تركية بمعنى العيون السود ، وهذه سمة عيون الغجر الأتراك الذين شهروا بهذا الفن : الأدب المقارن / 170-171.

([131]) خلاصة الأثر 2/390

([132]) الخلاصة  2/ 394 .

([133]) النص كله في : العصر العثماني  276- 678

([134]) العصر العثماني / 279

([135]) مارون النقاش (1233-1272ه/1817-1855م)، كان تاجراً ثم ذهب إلى أوربا فأعجب بالتمثيل فلما عاد ترجم مسرحية البخيل لموليير وتصرف في ترجمتها، ودرب أصدقاءه على تمثيلها ومثلها في داره وحضر قناصل الدول الأجنبية، فأعجبوا بعمله وشهر اسمه فأنشأ مسرحاً في بيته، ينظر له في الأدب المقارن ص173

([136]) أبو خليل القباني ( 1252ه 1320ه ) أديب مسرحي من دمشق ، ينتسب إلى أسرة تركية ، له مسرحيات كثيرة ، وقد شارك في تمثيلها ، ويذكر د . محمد يوسف نجم أنه تأثر بالمسرح التركي الذي بدأ منذ 1824م : المسرحية في الأدب العربي الحديث / 62-64.

([137]) المسرحية في الأدب الحديث / 65-122 دراسات في الأدب والفن / 276 - 277

([138]) المسرحية في الأدب العربي الحديث /125 ، ومن الغريب أن يعرض د. محمد يوسف نجم بهذا العمل في قوله " قام بعض المشايخ الرجعيين وقعدوا لظهور هارون الرشيد على المسرح على شكل أبي الحسن المغفل ، ورفعوا احتجاجا بذلك إلى الدولة العثمانية فأصدرت إرادة شاهانية بمنع التمثيل العربي من سوريا " , والحقيقة فيما أرى أن الدولة لم تمنع التمثيل لأنه كان موجودا في تركيا، مركز الخلافة ، وفي لبنان ومصر، ولكنها تصدت لمن تهجم على تاريخنا ليشوه صورة عظمائنا .

([139]) نفسه /141

([140] ) نفسه/195-198

([141]) يقصد بهم الإيطاليين الذين تكثر في بلادهم البراكين

([142]) ديوان حافظ إبراهيم 2 / 69 .

([143]) قاسم بن صلاح الدين الخاني شاعر متصوف من حلب : إعلام النبلاء 6/390 ، وسلك الدرر 4/9

([144]) إعلام النبلاء 6 396

[145] العقود الدرية / 33

([146]) الإعلام 6 / 247

([147]) الديوان /196 العقود / 77 .

([148]) الحيزبون : العجوز أو التي لا خير فيها : القاموس المحيط: مادة (حزب): مما استدرك عليه في الهامش الدردبيس : الداهية والشيخ والعجوز الفانية: القاموس مادة دردبيس .

 الطخا : السحاب المرتفع والكرب، القاموس: مادة (الطخاء).

 النقاخ : الماء العذب والأمن والنوم في العافية، القاموس : مادة (النُّقاخ).

 العلطبيس : الأملس البَرّاق.

([149]) ديوان صفي الدين الحلي

([150]) أحمد بن الحسن الخياط ( ت 735ه ) شاعر هجاء : أعيان العصر 1/311.

[151] أعيان العصر 1 / 213

([152]) نفحة الريحانة 1 / 564

([153]) معادن الذهب / 199

([154]) أعيان العصر 1 / 351 - 352

([155]) الديوان /153 العقود / 47

([156]) ديوان العشري / 173.

([157]) إشارة إلى حديث الرسول r: يتعاقبون عليكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فقد اتصل الفعل يتعاقبون بالواو وجاء لفظ (الملائكة) أيضاً للدلالة على الفاعل. ينظر للحديث أو للقضية في أوضح المسالك 2/98-107.

([158]) العقود / 93

([159]) علي بن محمد المناوي شاعر من مكة المكرمة ( ت 843 ) : الضوء اللامع 6 / 11

([160]) الضوء اللامع 6 / 11

([161]) وقد سكن (ساكني) بعد أن أعرب بالحركات للضرورة الشعرية ولكن الإعراب بالحركات يكون للملحق بجمع المذكر السالم ولا تحذف نون في الإضافة . ينظر لذلك أوضح المسالك 1/56-58 .

([162]) ديوان عبد الغفار الأخرس / 348

([163]) لبنان 2 / 517

([164]) لبنان 3 /562

([165]) لبنان 2/516-517.

([166]) ينظر لإبدال الحروف في أوضح المسالك 4/400 .

([167]) مسلم بن خوجة : شاعر جزائري من القرن الثالث عشر الهجري : طلوع سعد السعود 1/ 342

([168]) طلوع سعد السعود 1/342 .

([169]) أعيان العصر 4 / 431

([170]) الحلل السندسية 2 / 594

([171]) جعفر بن محمد البيتي من شعراء المدينة المنورة ( ت 1182 ه ) : النفح الفرجي / 382

([172]) المرجع نفسه / 382.

([173]) سلك الدرر 2 / 81 .

([174]) سلك الدرر 1 / 122

([175]) إعلام النبلاء 5 / 362

([176]) إعلام النبلاء 5 / 363

[177] محمد بن علي التيزيني (807-876ه) شاعر حلبي كان عالما وحافظا : إعلام النبلاء 5 / 270

([178]) إعلام النبلاء 5 / 271 .

([179]) أعيان الشيعة 2 / 248.

([180]) لبنان 3 / 358 .

([181]) إبراهيم بن خلف البلبيسي ( ت 922 ه) ، شاعر حلبي ، له شعر بالفارسية والعربية والتركية: الضوء اللامع1/47.

([182]) الضوء اللامع 1 / 47

([183]) حسن بن عبد الله البخشي (111-1190ه) شاعر حلبي من العلماء: سلك الدرر 2/26.

([184]) سلك الدرر 2 / 28

([185]) ديوان عبد الغفار الأخرس /220 .

وسوم: العدد 670